الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السلطان المدينة، وخلع على الأمراء والمقدمين والمغادرة وجميع حاشيته وغلمانه وأمر ولد الملك المغيث الأكبر: مائة فارس.
ذكر القبض على الأمراء وهم: الأمير سيف الدين بلبان الرشيدى والأمير شمس الدين أقش البرلى والأمير عز الدين الدمياطى، وما نقل من الأسباب الموجبة لذلك
وفى شهر رجب الفرد سنة إحدى وستين وستمائة، قبض السلطان على الأمراء المذكورين واعتقلهم. وسبب ذلك أن السلطان كان قد أحسن إليهم إحسانا عظيما. وكان مما اعتمده مع الأمير سيف الدين بلبان الرشيدى أنه فوض إليه أمر المملكة، وأنفذ كلمته، وأطلق له فى كل جمعة خوانين من عنده يمدان بجميع ما يحتاج إليه حتى ماء الورد، إلى غير ذلك. ورتب له فى كل شهر كلّوتتين زركشا بمائة دينار عينا، وكلبنداتها، كل كلبند بأربعين دينارا. كل ذلك زيادة على الإقطاعات العظيمة والمرتبات الكثيرة، وعلى الإنعام، حتى جامكيات «1» البزدارية والفهادين وعليق خيلهم. واشتغل الرشيدى بالشرب واللهو.
وأما الأمير عز الدين الدمياطى «2» فإن السلطان أعطاه وزاده، ومن جملة ما كان بيده نصف مدينة غزة زيادة، وكتب له توقيعا أنه إذا سافر فى جميع المملكة لا يمنع شيئا يطلبه فى الشام من غزة إلى الفرات.
وأما الأمير شمس الدين البرلى فقد تقدم ما عامله به عند وصوله واستمر ذلك إلى آخر وقت.
ثم بلغ السلطان أن الرشيدى قد فسدت نيته فجعل عليه عيونا تحفط جميع ما يجرى منه، فكان مما أنكر السلطان عليه أن الأمير أسد الدين أستاد دار الملك المغيث أخبر السلطان أن كتاب الرشيدى وصل إلى الملك المغيث يقول له لا تحضر، فإن السلطان يريد أن يمسكك. وكان جواب السلطان:«إن كان الملك المغيث قد حلف للرشيدى فلا يحضر، وإن كان حلف لى فيحضر» .
ولم يظهر للرشيدى شيئا من ذلك. ولما سير السلطان الأمير بدر الدين بيسرى الشمسى إلى الكرك كتب إلى السلطان يقول: «إننى أمسكت كتابا من الرشيدى بالكرك يقول: «لا تسلموها» ، ويحسن لهم التوقف عن التسليم ويعرض عليهم الاتفاق معه على أن يحضر هو ويتسلمها منهم ويحفظها لهم، فكتم السلطان ذلك وأمر الأمير بدر الدين بيسرى بالأحتراز والتحفظ. ولما توجه السلطان إلى الكرك جعل على الرشيدى عيونا، فبلغ السلطان أنه لما نزل الكفرين ونمرين قصد الركوب فى أصحابه ومماليكه «1» ويسبق إلى الكرك فيدخلها هجما. فركب السلطان إليه ونزل عنده ولاطفه ومازحه، ففاته مادبره، وحفظ السلطان عليه الطرقات، ثم نزل السلطان بركة زيزاء، فبلغه أن الرشيدى قد عزم على الركوب إلى الكرك، فخدعه السلطان بأن أرسل إليه أحد خواصه يبشره بتسليم الكرك.
فلما سمع الرشيدى ذلك وقف عن فعله وخلع على المبشر. فلما رجع السلطان من الكرك وتزل غزة قام ليسبغ الوضوء على العادة، وتفرقت الخاصكية للوضوء
والتهيؤ لصلاة الجماعة. وقام السلطان يتركع قبل الأذان، وإذا بالرشيدى قد أقبل فى مقدار ثلاثمائة فارس مستعدة من مماليكه والدمياطى والبرلى، فلما قضى السلطان صلاته شد سيفه، وقال للأمير شمس الدين سنقر الرومى: ما الذى رأيت؟
فقال: «جماعة ما جاءوا فى خير» . ثم حضر الأمير سيف الدين قلاون الألفى وركب فرسا جيدا ووقف، واجتمعت الخاصكية. وركب السلطان، وأتى الرشيدى فوقف بالقرب من السلطان فى مكان ما جرت عادته بالوقوف فيه، فحضر الأمير عز الدين إيغان الركنى فقال للرشيدى:«أراك فى هذا المكان، ما هذا مكانك يا سيف الدين» ومازحه ومازال به حتى ساق من ذلك المكان، وساق الدمياطى والبرلى وتفرقوا. وكان الدمياطى قد جرت منه قضية أخرى وهى أن السلطان لما ملك الكرك وأنزل أولاد الملك المغيث أعطاهم السلطان خلعا وأقمشة وإنعاما كثيرا وأنزلهم فى المنظرة التى فى الوادى تحت الكرك بقرب منزلة السلطان: سير الدمياطى ضوّاء «1» وجماعة يمشون حولهم بغير أمر السلطان ثم حضر فى الليل إليهم جماعة من مماليكه بالسيوف متلثمين فكسروا الصناديق وأخذوا القماش الذى كان السلطان أنعم عليهم به ظنا منهم أن تقوم فتنة وشوشة فى العسكر ولا يعلم أنهم مماليك الدمياطى، فكشف الله ذلك، وظهر القماش عند خواص مماليكه، واطلع السلطان على ذلك، وتحدث الأمير شجاع الدين المهندار مع الدمياطى فما أنصف من مماليكه، وقال:«أنا أغرم عنهم» ، وأحضر بعض القماش، وقرر أن تقوم بدارهم عن بقية ذلك. هذا والسلطان لا يتكلم بكلمة بل كتم ذلك إلى أن استقر بقلعة الجبل فلما أصبح طلب الرشيدى
فأعتقله، وطلع الأمراء إلى الخدمة فى اليوم الثانى، فأمسك الدمياطى والبرلى وأحسن إلى مماليكهم وخواصهم وأقرهم على أخبازهم، ولم يغير على أحد منهم ولا تعرض على بيوت الأمراء.
ذكر وصول [رسل «1» ] الملك بركة
قال: ولما وصل السلطان إلى غزة عند عوده من الكرك، وصل إليه البريد من الأمير عز الدين الحلى نائب السلطنة بالديار المصرية، يذكر أن رسل الملك بركة وصلوا إلى ثغر الإسكندرية، وهم الأمير جلال الدين بن القاضى، والشيخ نور الدين على ومعهما جماعة، وبخبر بوصول رسل الملك الأشكرى، ورسل مقدم الجنوية، ورسل السلطان عز الدين صاحب الروم. فكتب بالإحسان إلى جميعهم. ولما استقر السلطان بقلعة الجبل أحضرهم واجتمع بهم بحضور الأمراء وغيرهم، وقرئت الكتب ومضمونها، السلام والشكر وطلب الإنجاد على هولاكو والإعلام بما هو عليه من مخالفة يسق «2» جنكرخان، وأن جميع ما فعله من إتلاف النفوس بطريق العدوان منه، وأننى قد قمت أنا وأخوتى الأربعة بحربه من سائر الجهات لإقامة منار الإسلام، والتمس إنفاذ جماعة من العسكر إلى جهة الفرات لإمساك الطريق على هولاكو، ويوصى على السلطان عز الدين صاحب الروم ويستمد مساعدته. فأنعم السلطان على الرسل إنعماما عظيما، ورسم بتجهيز الهدية إلى الملك بركة.