الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم خرجت إليهم»
والدة السلطان إلى منزلة الكسوة، واجتمعت بالأمراء وسألتهم الرجوع فما رجعوا. وساروا إلى الديار المصرية، فوصلوا إليها ونزلوا تحت الجبل فى شهر ربيع الآخر، فاتصل بالأمراء المقيمين بالقلعة قدومهم، وكان بها الأمير عز الدين أيبك الأفرم الصالحى أمير جاندار، والأمير علاء الدين أقطوان الساقى، وسيف الدين بلبان الزريقى، فتقدموا إلى متولى القاهرة بغلق أبوابها فغلقت، وبنى خلف أكثرها الحيطان. فأرسلوا إلى الأمراء الذين بالقلعة فى فتح الأبواب ليعبر العسكر إلى بيوتهم، فنزل الأمير عز الدين الأفرم، والأمير علاء الدين أقطوان إلى الأمراء ليجتمعا بهم، فقبض عليهما الأمير سيف الدين كوندك، وأرسل الأمراء ففتحوا أبواب المدينة. ودخل الناس إلى بيوتهم بأثقالهم.
ولما قبض على الأمير عز الدين الأفرم وعلاء الدين أقطوان نقلان إلى دار الأمير سيف الدين قلاون بالقاهرة. وأغلق الأمير سيف الدين بلبان الزريقى أبواب القلعة واستعد للحصار.
ذكر وصول السلطان إلى قلعة الجبل وما كان من أمره إلى أن انخلع من السلطنة
قال المؤرخ: ولما رأى السلطان توجه الأمراء إلى الديار المصرية وانفرادهم عنه، جمع من كان بدمشق من بقايا العسكر المصرى والعساكر الشامية، واستدعى العربان وأنفق «2» الأموال فيهم بدمشق، وسار إلى الديار المصرية. وكان رحيله من دمشق فى يوم الجمعة ثانى شهر ربيع الآخر، وسلم قلعة دمشق إلى الأمير
علم الدين سنجر الدوادارى وجعله نائبا إلى حين عود الأمير عز الدين أيدمر النائب، فلما وصل السلطان إلى غزة تسلل أكثر العربان وتفرقوا، ولم يصل إلى بلبيس ومعه من العسكر الشامى إلا اليسير. فأعطى من بقى منهم دستورا، فعادوا صحبة الأمير عز الدين أيدمر الظاهرى نائب الشام، وكان وصولهم فى مستهل جمادى الأول. وكان الأمير سيف الدين قلاون لما عاد من غزاة سيس جرد من العسكر الشامى بحلب الأمير ركن الدين بيبرس العجمى الجالق الصالحى، والأمير عز الدين أزدمر العلائى، والأمير شمس الدين قراسنقر المعزى، والأمير جمال الدين أقش الشمسى وغيرهم فى نحو ألفى فارس، فلما اتصل بهم خبر هذا الاختلاف رجعوا إلى دمشق فى شهر ربيع الآخر وقدموا عليهم الأمير جمال الدين أقش الشمسى. ووصل الأمير عز الدين أيدمر النائب بالشام إلى دمشق هو ومن معه فخرج الأمراء الذين وصلوا من حلب يتلقونه. فلما التقوه سبه الأمير ركن الدين الجالق والأمير عز الدين أزدمر العلائى وقالا له:«كيف فارقت السلطان» . فلما وصلوا إلى باب «1» الجابية أخذه الأمير جمال الدين أقش الشمسى إلى داره وقال له: «تكون بدارى إلى أن يرد مرسوم السلطان، ولا تكون سبب إقامة فتنة» . فتوجه معه إلى داره فأقام عنده إلى عشية النهار، وجاء الأمير ركن الدين الجالق وأزدمر العلائى إلى الأمير جمال الدين أقش الشمسى بعد صلاة العصر وأخذا الأمير عز الدين النائب من عنده وتوجها به إلى القلعة وسلماه إلى الأمير علم الدين سنجر الدوادارى فتسلمه منهما وجعله بقاعة البحرة، ورسم عليه ومكنه من دخول الحمام. فجاء الأميران إلى القلعة فى يوم الاثنين بعد
العصر واجتمعا بالدوادارى وأنكرا عليه كونه مكنه من دخول الحمام، وقالوا:
«تسلمه إلينا نتوجه به إلى الديار المصرية» ، فقال:«إنه ما جاءنى ولا جاءكم مرسوم بالقبض عليه. وقد قبضتم عليه ووصل إلى عندى، فكيف أسلمه إليكما وبأى عذر اعتذر إلى السلطان» . فأغلظوا له فى القول. فلما أنكر حالهم وثب من بينهما وأمر رجاله بالقلعة بغلق أبوابها. فوثب الأميران وجردا سيوفهما وخرجا على حمية، وأغلق الدوادارى باب قلعة دمشق.
هذا ما كان بالشام.
أما الملك السعيد فانه لم يبق معه من الأمراء الأكابر إلا الأمير شمس الدين سنقر الأشقر والأمير علم الدين الحلبى، والبقية من المماليك السعيدية، كلاجين الزينى ومن يجرى مجراه، فلما وصل إلى قرب المطرية فارقه الأمير شمس الدين سنقر الأشقر وانفرد عنه وعن الأمراء.
قال: ولما بلغ الأمراء أن السلطان يقصد طلوع القلعة من وراء الجبل الأحمر ركبوا ليمنعوه من الوصول إلى القلعة، فجاء سحاب أسود وأظلم الوقت حتى أن الإنسان لا يرى رفيقه الذى يسايره، فطلع السلطان إلى القلعة، وما رآوه. ولما استقر بها حاصره الأمراء وأحاطوا بالقلعة، واتفق أن لاجين الزينى أنكر على الأمير سيف الدين بلبان الزريقى وشتمه؛ فتغير خاطره ونزل من القلعة وانحاز إلى الأمراء؛ وتسلل المماليك من القلعة واحدا بعد واحد ونزلوا إلى الأمراء.
وأشار الأمير علم الدين سنجر الحلبى على السلطان بالإفراج عن المعتقلين، فأفرج عن الأمراء الشهرزورية وغيرهم، واستشار السلطان الأمير المشار إليه فيما يفعل، فقال:«أرى أن آخذ المماليك السلطانية وأهجم بهم على الأمراء وافرق شملهم» . فلم
يوافقه على ذلك وتمادى الأمر أسبوعا، فأرسل السلطان إلى الأمراء وسألهم أن يكون الشام بكماله لهم، فأبوا ذلك إلا أن يخلع نفسه من الملك. فالتمس من الأمير سيف الدين قلاون والأمير بدر الدين بيسرى أن يعطوه قلعة الكرك، فأجاباه إلى ذلك. ونزل من القلعة بعد أن حلفوه ألا يتطرق إلى غيرها وأن لا يكاتب أحدا من النواب ولا يستميل أحدا من الجند. وحلفوا له أنهم لا يؤذونه فى نفسه ولا يغيرون عليه. وسفروه لوقته صحبة الأمير سيف الدين بيغان «1» الركنى وجماعة يوصلونه إلى الكرك. فأوصلوه إليها وتسلمها من الأمير علاء الدين أيدكين الفخرى النائب بها، وتسلم ما بها من الأموال والذخائر. وكان خروجه من السلطنة فى شهر ربيع الآخر سنة ثمان وسبعين وستمائة. فكانت مدة سلطنته بعد وفاة والده سنتين وشهرين وأياما.
ثم ملك بعده أخوه السلطان الملك العادل بدر الدين سلامش «2» بن السلطان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس الصالحى وهو السادس من ملوك دولة الترك بالديار المصرية.
ملك بعد خلع أخيه السلطان الملك السعيد فى شهر ربيع الآخر سنة ثمان وسبعين وستمائة. وذلك أنه لما سفّر الملك السعيد إلى الكرك عرضت السلطنة على الأمير سيف الدين قلاون فأبى ذلك، وقال: «لم أخلع الملك طمعا فى السلطنة إلا حفظا للنظام، وألفة لأكابر الأمراء أن يتقدم عليهم الأصاغر،
والأولى ألا تخرج السلطنة عن الذرية الظاهرية، فأقام بدر الدين سلامش هذا وله من العمر سبع سنين، وخطب له على المنابر، وضربت السكة باسمه، ودبر الأمر سيف الدين قلاون أتابكية الدولة. ولم يكن للملك العادل معه غير مجرد الاسم. وأقر الصاحب برهان الدين السنجارى «1» على الوزارة وعزل قاضى القضاة تقى الدين محمد بن الحسين بن زين على القضاء بالديار المصرية، وفوضه إلى القاضى صدر الدين عمر بن قاضى القضاة تاج الدين بن بنت الأعز وذلك فى جمادى الأول سنة ثمان وسبعين وستمائة. وعزل القاضى شمس الدين بن شكر المالكى، والقاضى معز الدين الحنفى عن القضاء. ثم أعيدا بعد مدة يسيرة.
وفوض قضاء الحنابلة للقاضى عز الدين المقدس الحنبلى. واستناب الأمير شمس الدين سنقر الأشقر بالشام وسيره إلى دمشق. وكان وصوله إليها فى يوم الأربعاء ثانى جمادى الآخرة. وحال وصوله طلب الأمير علم الدين سنجر الداوادارى نائب قلعة دمشق وأمره بتسليم القلعة للأمير سيف الدين الصالحى.
حسب مارسم به، فتسلمها واستمر نائبا بها.
وفى يوم الجمعة رابع جمادى الآخرة أمر الأمير شمس الدين بالقبض على الصاحب فتح الدين ابن القيسرانى وإيقاع الحوطة على موجوده وسير إلى الأبواب السلطانية تحت الإحتياط.
قال: وأخذ الأمير سيف الدين قلاون فى القبض على الأمراء الظاهرية «2»
وهو فى أثناء ذلك يدير الأحوال ويفرق الأموال ويوس الممالك ويمهد لنفسه المسالك.
وأما الأمير بدر الدين بيسرى فإنه اشتغل بالشرب واللهو. فاجتمعت آراء الأمراء على استقلال الأمير سيف الدين قلاون بالسلطنة، فأجابهم إلى ذلك، وخلع الملك سلامش من السلطنة. فكان (كذا) مدة وقوع اسم السلطنة عليه مائة «1» يوم.
وكان حسن الصورة، جميل الهيئة، كثير السكون والحياء والعقل والأدب والتأنى على صغر سنه.
***
نجز السفر الثامن والعشرون من كتاب نهاية الأرب فى فنون الأدب على يد مؤلفه فقير رحمة ربه أحمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عبد الدايم البكرى التميمى القرشى، عرف بالنويرى عفا الله عنه.
ووافق الفراغ من كتابته فى يوم السبت المبارك التاسع والعشرين من ذى الحجة سنة خمس وعشرين وسبعمائة للهجرة النبوية.
وذلك بالقاهرة المعزية عمرها الله تعالى بالإسلام والسنة إلى يوم الدين.
يتلوه إن شاء الله تعالى فى أول السفر التاسع والعشرين منه:
ذكر أخبار السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاون الألفى الصالحى النجمى والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، وحسبنا الله ونعم الوكيل.