المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر وصول الخليفة المستعصم بالله إلى الديار المصرية ومبايعته وتجهيزه بالعساكر إلى بلاد الشرق وما كان من أمره إلى ان قتل - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٣٠

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌ الجزء الثلاثون

- ‌[تتمة الفن الخامس في التاريخ]

- ‌[تتمة القسم الخامس من الفن الخامس في أخبار الملة الإسلامية]

- ‌[تتمة الباب الثاني عشر من القسم الخامس من الفن الخامس أخبار الديار المصرية]

- ‌[تتمة ذكر اخبار دولة الترك]

- ‌ذكر أخبار السلطان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس الصالحى وهو الرابع من ملوك دولة الترك بالديار المصرية المحروسة

- ‌[سنة ثمان وخمسين وستمائة]

- ‌واستهلت سنة تسع وخمسين وستمائة

- ‌فأما ما كان من الأخبار والحوادث فى مقر ملكه بالديار المصرية

- ‌ذكر تفويض الوزارة إلى الصاحب الوزير بهاء الدين على بن القاضى سديد الدين أبى عبد الله محمد بن سليم المعروف بابن حنا

- ‌ذكر القبض على جماعة من الامراء المعزّية

- ‌ذكر تفويض قضاء القضاء بالديار المصرية لقاضى القضاة تاج الدين بن بنت الأعز

- ‌ذكر ما اعتمده السلطان فى ابتداء سلطنته ورتبه من المصالح وقرره من القربات والأوقاف والعماير

- ‌ذكر بناء قلعة الجزيرة

- ‌ذكر وصول من يذكر من الملوك إلى خدمة السلطان وما قرره لكل منهم وما عاملهم به من الإحسان

- ‌ذكر وصول الخليفة المستعصم بالله إلى الديار المصرية ومبايعته وتجهيزه بالعساكر إلى بلاد الشرق وما كان من أمره إلى ان قتل

- ‌ذكر استيلاء الأمير علم الدين سنجر الحلبى على دمشق وسلطنته بها، وأخذها منه، وتقرير نواب السلطان بها

- ‌ذكر ما اتفق بحلب فى أمر النيابة

- ‌ذكر وصول طائفة من التتار إلى البلاد الإسلامية وما فعلوه بحلب وتقدمهم إلى حمص وقتالهم وانهزامهم وما كان من خبر عودهم

- ‌ذكر الغلاء الكائن بحلب

- ‌ذكر اختلاف العزيزية والناصرية، ومفارقة الأمير شمس الدين أقش البرلى البلاد، وتولية الحلبى نيابة حلب وعزله، وعود البرلى إليها وخروجه منها، ونيابة البندقدار وعود البرلى إليها ثانية وخروجه

- ‌ذكر ما اتفق للسلطان بالشام فى مدة مقامه بدمشق وما وقع فى سفرته هذه خلاف ما قدمنا ذكره من أمر الخليفة

- ‌ذكر ركوب السلطان إلى الميدان بدمشق ولعبه بالكره ومن كان فى خدمته من الملوك

- ‌ذكر الصلح مع ملوك الفرنج

- ‌ذكر الغارة على العرب والفرنج

- ‌ذكر عود السلطان إلى الديار المصرية

- ‌ذكر أخذ الشويك

- ‌واستهلت سنة ستين وستمائة

- ‌ذكر وصول الأمير شمس الدين سلار البغدادى وشىء من أخباره

- ‌ذكر عود رسل السلطان من جهة الأنيرور

- ‌ذكر عود رسل السلطان من جهة صاحب الروم ووصول رسله إلى السلطان، وما قرره السلطان من بلاده

- ‌ذكر عود رسل السلطان من جهة الأشكرى وخبر مسجد القسطنطينية

- ‌ذكر حضور الأمير شمس الدين أقش البرلى العزيزى إلى الديار المصرية

- ‌ذكر القبض على علاء الدين طيبرس الوزيرى نائب السلطنة بالشام

- ‌ذكر وصول جماعة من التتار إلى خدمة السلطان

- ‌ذكر إنفاذ الرسل إلى الملك بركة

- ‌ذكر تفويض نيابة السلطنة بالشام إلى الأمير جمال الدين النجيبى الصالحى

- ‌ذكر وفاة شيخ الإسلام عز الدين أبى محمد ابن عبد العزيز بن عبد السلام بن أبى القاسم ابن الحسن بن أبى محمد السلمى الدمشقى الشافعى وشىء من أخياره

- ‌واستهلت سنة إحدى وستين وستمائة

- ‌ذكر البيعة للإمام الحاكم بأمر الله أبى العباس أحمد العباسى

- ‌ذكر القبض على الملك المغيث صاحب الكرك واعتقاله

- ‌ذكر أخذ الكرك

- ‌ذكر القبض على الأمراء وهم: الأمير سيف الدين بلبان الرشيدى والأمير شمس الدين أقش البرلى والأمير عز الدين الدمياطى، وما نقل من الأسباب الموجبة لذلك

- ‌ذكر توجه السلطان إلى ثغر الإسكندرية

- ‌ذكر وصول التتار المستأمنين

- ‌واستهلت سنة اثنتين وستين وستمائة

- ‌ذكر تفويض أمر جيش حماة إلى الطواشى شجاع الدين مرشد الحموى

- ‌ذكر عمارة المدرسة الظاهرية وترتيب الدروس

- ‌ذكر وفاة الملك الأشرف مظفر الدين موسى صاحب حمص والرحبة

- ‌ذكر جلوس السلطان بدار العدل وما رتبه عند غلو الأسعار

- ‌ذكر جلوسه بدار العدل وما قرره من مشاركة أمناء الحكم للأوصياء

- ‌ذكر وصول جماعة من عسكر شيراز

- ‌ذكر سلطنة الملك السعيد

- ‌ذكر ختان الملك السعيد ومن معه

- ‌ذكر خبر غازية الخنافة

- ‌ذكر وصول رسل الملك بركة

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الاسكندرية وتقديم سيف الدين عطاء الله على عرب برقة

- ‌ذكر الواقعة الكائنة بين المسلمين والفرنج ببلاد الأندلس- وانتصار المسلمين

- ‌ذكر مقتل الزين الحافظى

- ‌واستهلت سنة ثلاث وستين وستمائة

- ‌ذكر خبر الحريق بالقاهرة ومصر واتهام أهل الذمة وما قرره عليهم من الأموال بسببه

- ‌ذكر تفويض القضاة لأربعة حكام

- ‌ذكر القبض على الأمير شمس الدين سنقر الأقرع

- ‌ذكر وفاة قاضى القضاة بدر الدين السنجارى وشىء من أخباره

- ‌واستهلت سنة أربع وستين وستمائة

- ‌ذكر عمارة جسر دامية

- ‌واستهلت سنة خمس وستين وستمائة ذكر عود السلطان إلى الديار المصرية وبناء الجامع الظاهرى

- ‌ذكر إقامة الجمعة بالجامع الأزهر بالقاهرة المحروسة وشى من أخباره

- ‌ذكر إنشاء القصر الأبلق بالميدان بظاهر دمشق

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الشام وعمارة قلعة صفد

- ‌ذكر تسمير من يذكر بالقاهرة

- ‌واستهلت سنة ست وستين وستمائة

- ‌ذكر أخذ الزكاة من عرب الحجاز

- ‌ذكر ظهور الماء بالقدس الشريف

- ‌ذكر خبر الحبيس النصرانى ومقتله

- ‌ذكر بناء القرية الظاهرية قرب العباسة

- ‌ذكر إيقاع الحوطة السلطانية على الأملاك والبساتين وما تقرر على أربابها من المال

- ‌ذكر وصول الأمير شمس الدين سنقر الأشقر من بلاد التتار والصلح مع التكفور هيتوم صاحب سيس

- ‌واستهلت سنة سبع وستين وستمائة

- ‌ذكر تجديد الحلف للملك السعيد

- ‌ذكر توجه السلطان على خيل البريد إلى الديار متنكرا وعوده إلى مخيمه بخربة اللصوص ولم يعلم من به بتوجهه

- ‌ذكر وفاة الأمير عز الدين أيدمر الحلى [الصالحى نائب السلطنة

- ‌ذكر توجه السلطان الملك الظاهر إلى الحجاز الشريف

- ‌واستهلت سنة ثمان وستين وستمائة

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الشام جريدة

- ‌واستهلت سنة تسع وستين وستمائة

- ‌ذكر القبض على الملك العزيز فخر الدين عثمان بن الملك المغيث صاحب الكرك والأمراء الشهرزورية

- ‌ولنرجع إلى سياقة أخبار الدولة الظاهرية:

- ‌ذكر حادثة السيل بدمشق

- ‌ذكر سفر الشوانى الإسلامية إلى قبرس وكسرها وأسر من كان بها وخلاصهم

- ‌ذكر عود السلطان إلى قلعته ووصول رسل اليمن، واهتمامه بأمر الشوانى، وما أنعم به من الخلع والخيول على الأمراء والأجناد

- ‌ذكر القبض على من يذكر من الأمراء

- ‌واستهلت سنة سبعين وستمائة

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الكرك ثم إلى الشام وعزل الأمير جمال الدين النجيبى عن نيابة دمشق وتولية الأمير عز الدين أيدمر نائب الكرك نيابة السلطنة بالشام واستنابة الأمير علاء الدين أيدكن أستاد الدار بالكرك

- ‌ذكر عود السلطان من حلب ورجوعه إلى الديار المصرية وعوده إلى الشام

- ‌ذكر إيقاع الحوطة على القاضى شمس الدين الحنبلى واعتقاله

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الصيد ثم إلى الشام

- ‌واستهلت سنة إحدى وسبعين وستمائة

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الديار المصرية على خيل البريد وعوده إلى الشام

- ‌واستهلت سنة اثنتين وسبعين وستمائة

- ‌ذكر الطلسم الذى وجد بباب القصر بالقاهرة

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الشام

- ‌ذكر الظفر بملك الكرج

- ‌ذكر ختان الملك المسعود نجم الدين خضر ولد السلطان الملك الظاهر

- ‌ذكر نكتة غريبة

- ‌ذكر ورود كتاب متملك الحبشة

- ‌واستهلت سنة ثلاث وسبعين وستمائة

- ‌واستهلت سنة أربع وسبعين وستمائة

- ‌ذكر متجددات اتفقت بعد وصول السلطان إلى الديار المصرية غير ما تقدم ذكره

- ‌ذكر توجه رسل السلطان إلى أشبيلية وما كان من خبرهم

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الكرك واستبداله بمن فيها من الرجال وعوده

- ‌واستهلت سنة خمس وسبعين وستمائة

- ‌ذكر وصول جماعة من أمراء الروم إلى خدمة السلطان وطاعتهم له

- ‌ذكر ظهور المسجد بجوار دير البغل وإقامة شعائر الإسلام به

- ‌ذكر غزوات السلطان الملك الظاهر وفتوحاته وما استولى عليه من البلاد الإسلامية

- ‌ذكر ما استولى عليه من القلاع والحصون والبلاد الإسلامية وأضافه إلى ممالكه

- ‌ذكر فتوح سواكن

- ‌ذكر فتوح خيبر

- ‌ذكر فتوح قرقيسيا

- ‌ذكر أخذ بلاطنس وخبرها

- ‌ذكر تسليم صهيون وبرزية

- ‌ذكر أخبار الإسماعيلية وابتداء أمرهم والاستيلاء على حصونهم

- ‌ذكر استيلاء السلطان على بلاد الإسماعيلية وشىء من أخبارها

- ‌ذكر فتوح العليقة والرّصافة

- ‌ذكر فتوح بقية حصون الدعوة

- ‌ذكر أخبار هذه الحصون

- ‌ذكر غزوات السلطان وفتوحاته وما وقع من المصالحات والمهادنات

- ‌ذكر مسير السلطان إلى عكا

- ‌ذكر قصد متملك الأرمن حلب المحروسة

- ‌ذكر محاصرة التتار البيرة وتجريد العساكر وانهزام العدو

- ‌ذكر الفتوحات بالبلاد الفرنجية فى هذه السفرة

- ‌ذكر فتوح قيسارية

- ‌ذكر فتوح أرسوف

- ‌ذكر ما ملكه السلطان لأمرائه من النواحى التى فتحها الله على يده

- ‌ذكر قصد البرنس صاحب طرابلس حمص وانهزامه

- ‌ذكر إغارة العساكر على طرابلس بالشام وفتح قلعة حلبا وقلعة عرقا

- ‌ذكر إغارة العسكر على صور

- ‌ذكر فتوح صفد

- ‌ذكر غزوة سيس وأسر ملكها وقتل أخيه وعمه وأسر ولد عمه

- ‌ذكر وقعة مع الفرنج كانت النصرة فيها للمسلمين

- ‌ذكر إغارة السلطان على عكا

- ‌ذكر الصلح مع بيت الإسبتار على حصنى الأكراد والمرقب

- ‌ذكر فتوح يافا

- ‌ذكر فتوح شقيف أرنون

- ‌ذكر فتوح أنطاكية

- ‌ذكر ملخص أخبار أنطاكية

- ‌ذكر ما اعتمده السلطان فى قسمة عنائم أنطاكية وإحراقه قلعتها وما افتتحه مما هو مضاف إليها وهو: ديركوش وشقيف كفردنين وشقيف كفر تلميس

- ‌ذكر صلح القصير على المناصفة

- ‌ذكر الإغارة على صور

- ‌ذكر الإغارة على عكا

- ‌ذكر فتوح قلعة صافيتا

- ‌ذكر صلح أنطرطوس والمرقب

- ‌ذكر فتوح حصن عكّار

- ‌ذكر صلح طرابلس

- ‌ذكر فتوح القرين

- ‌ذكر صلح صور وما تقرر من المناصفة

- ‌ذكر منازلة التتار البيرة وكسرهم على الفرات وقتل مقدمهم جنقر

- ‌ذكر فتوح كينوك

- ‌ذكر إغارة عيسى بن مهنا على الأنبار

- ‌ذكر الإغارة على مرعش

- ‌ذكر غزوة سيس

- ‌ذكر شىء من أخبار بلاد سيس وسبب استيلاء الأرمن عليها

- ‌نعود إلى أخبار السلطان الملك الظاهر

- ‌ذكر منازلة حصن القصير وفتحه

- ‌ذكر وفاة الأبرنس صاحب طرابلس وما انفق بعد وفاته

- ‌ذكر غزوة النوبة

- ‌ذكر غزوات النوبة فى الإسلام

- ‌ذكر غزوة الروم وقتل التتار

- ‌ذكر رحيل السلطان عن قيسارية وهرب عز الدين أيبك الشيخى ولحاقة بأبغا وعود السلطان إلى ممالكه

- ‌ذكر ما اعتمده الأمير شمس الدين محمد بك بن قرمان أمير التركمان فى البلاد الرومية

- ‌نعود إلى سياقة أخبار السلطان الملك الظاهر

- ‌واستهلت سنة ست وسبعين وستمائة

- ‌ذكر وفاة السلطان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس الصالحى رحمه الله تعالى

- ‌مدة حكمه

- ‌ذكر وفاة الأمير بدر الدين بيليك الخزندار

- ‌ذكر القبض على من يذكر من الأمراء والإفراج عنهم ومن مات منهم

- ‌ذكر عزل قاضى القضاة محيى الدين عبد الله بن محمد بن عين الدولة وإضافة عمله إلى قاضى القضاة تقى الدين بن رزين

- ‌ذكر وفاة الشيخ خضر وشىء من أخباره

- ‌واستهلت سنة سبع وسبعين وستمائة

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الشام وإقامته بدمشق وتجريد العساكر

- ‌[ذكر] أمر شاد الدواوين

- ‌[ذكر] وفاة الأمير جمال الدين أقش النجيبى الصالحى

- ‌ذكر وفاة الصاحب بهاء الدين

- ‌[ذكر] وفاة مجد الدين عبد الرحمن بن الصاحب كمال الدين عمر بن العديم

- ‌[ذكر] وفاة الشيخ العارف نجم الدين أبو المعالى محمد بن الخضر الشيبانى الحريرى

- ‌واستهلت سنة ثمان وسبعين وستمائة

- ‌ذكر عود الأمراء من الغزاة وظهور الوحشة والمنافرة بينهم وبين السلطان الملك السعيد وتوجيههم إلى الديار المصرية

- ‌ذكر وصول السلطان إلى قلعة الجبل وما كان من أمره إلى أن انخلع من السلطنة

- ‌فهرس موضوعات الجزء الثلاثون

الفصل: ‌ذكر وصول الخليفة المستعصم بالله إلى الديار المصرية ومبايعته وتجهيزه بالعساكر إلى بلاد الشرق وما كان من أمره إلى ان قتل

ولبسوا الخلع وقبلوا الأرض وخرجوا بشعار السلطنة، والأتابك فى خدمتهم، وتوجهوا صحبة الخليفة على ما نذكره.

فاتفق انفصالهم منه فى أثناء الطريق لأسباب جرت، وتوجه كل منهم إلى مملكته: فأما الملك الصالح فتوجه إلى الموصل وأقام بها، فاتفق اجتماع التتار عليها وحصارها. وأما أخواه فإنهما خافا مهاجمة العدو فعادا إلى الشام، واستأذنا فى الحضور، فأذن لهما السلطان فحضرا، وسألا السلطان إنجاد أخيهما فجرد الأمير شمس الدين سنقر الرومى وجماعة من البحرية والحلقة. فتوجهوا فى رابع جمادى الأولى سنة ستين وستمائة، وكتب [السلطان] إلى دمشق بخروج عسكرها صحبة الأمير علاء الدين طيبرس «1» ورحل العسكر المصرى والشامى من دمشق فى عاشر جمادى الآخرة.

‌ذكر وصول الخليفة المستعصم بالله إلى الديار المصرية ومبايعته وتجهيزه بالعساكر إلى بلاد الشرق وما كان من أمره إلى ان قتل

قال المؤرخ: وفى العشر الآخر من جمادى الآخر «2» سنة تسع وخمسين وستمائة ورد كتاب علاء الدين طيبرس، والأمير علاء الدين البندقدار «3» مضمونه أنه وصل

ص: 28

إلى جهة دمشق فى أول الغوطة رجل ادعى أنه أحمد بن الإمام الظاهر بن الإمام الناصر ومعه جماعة من عرب خفاجة فى قريب من خمسين فارسا، وأن الأمير سيف الدين قليج البغدادى عرف أمراء العرب المذكورين وقال:«بهؤلاء يحصل القصد من العراق» فكتب السلطان بخدمته وتعظيم حرمته وأن يسير صحبته حجاب. فكان وصوله إلى القاهرة فى يوم الخميس التاسع من شهر رجب من السنة، فخرج السلطان للقائه وساير أهل المدينتين، وكان يوما مشهودا، وشق القاهرة وهو لابس شعار بنى العباس، وطلع إلى القلعة راكبا، ونزل فى المكان الذى أخلى له.

وفى يوم الإثنين ثالث عشر أحضر السلطان الفقهاء والأئمة والعلماء والأمراء والصوفية والتجار وغيرهم بقاعة العمد، وحضر الخليفة وأثبت نسبه على ما قدمنا ذكره فى أخبار الدولة العباسية. ولما ثبت النسب بايعه السلطان على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والجهاد فى سبيل الله، وأخذ الأموال بحقها وصرفها فى مستحقها، ثم قلد الخليفة السلطان الملك الظاهر البلاد الإسلاميه وما سيفتحه الله من أيدى الكفار. وكتب بذلك تقليد شريف عن الخليفة للسلطان، وبايع الناس الخليفة على اختلاف طبقاتهم. وكتب السلطان إلى سائر الأعمال بأخذ البيعة له وأن يخطب باسمه على المنابر وتنقش السكة باسمه.

ولما كان فى يوم الجمعة سابع عشر شهر رجب خطب الخليفة بالناس فى جامع القلعة «1» ، واهتم السلطان بذلك ونثرت جمل من الذهب والفضة. وحصل

ص: 29

للخليفة توقف فى الخطبة.

وفى يوم الإثنين رابع شعبان ركب السلطان إلى خيمة ضربت فى البستان الكبير والناس فى خدمته، وحملت الخلع صحبة الأمير مظفر «1» الدين وشاج الخافجى وخادم الخليفة. ودخل السلطان إلى خيمة أخرى ولبس الخلعة الخليفية، وهى عمامة سوداء مزركشة، ودرّاعة بنفسجى، وطوق، وعدة سيوف تقلد منها وحملت خلفه، ولواءان، وسهمان كبيران، وترس، وغير ذلك مما جرت العادة به. وقدم له فرس أشهب فى رقبته مشدة سوداء، وعليه كنبوش «2» أسود.

وطلب الأمراء وخلع عليهم، وعلى الصاحب بهاء الدين، وقاضى القضاة، وصاحب ديوان الإنشاء الشريف: وهو القاضى فخر الدين بن لقمان، وطلع ابن لقمان على منبر قد جلل بالأطلس الأصفر، وقرىء التقليد على كافة الناس وهو:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ «3» *

الحمد لله الذى أضفى على الإسلام ملابس الشرف، وأظهر بهجة درره وكانت خافية بما استحكم عليها من الصدف. وشيد ما وهى من علاثه حتى أنسى ذكر ما سلف. وقبض لنصره ملوكا اتفق عليهم من اختلف. أحمده على نعمه التى تسرح الأمين منها فى الروض الأنف، وألطافه التى وقف الشكر عليها فليس عنها منصرف «4»

ص: 30

وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له، شهادة توجب من المخاوف أمنا، وتسهل من الأمور ما كان حزنا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذى جبر من الدين وهنا، وأظهر من المكارم فنونا لافتا، صلّى الله عليه وعلى آله الذين أضحت مناقبهم باقيه لا تفنى، وأصحابه الذين صحبوه فى الدنيا فاستحقوا الزيادة من الحسنى، وسلم تسليما» .

«وبعد: فإن أولى الأولياء بتقديم ذكره، وأحقهم أن يصبح القلم راكعا وساجدا فى تسطير مناقبه وبره، من سعى فأضحى سعيه الحميد متقدّما، ودعا إلى طاعته فأجابه من كان منجدا ومتهما، وما بدت يد من المكرمات إلا كان لها زندا ومعصما، ولا استباح بسيفه حمى وغى إلا أضرمه نارا وأجراه دما.

ولما كانت هذه المناقب الشريفة مختصة بالمقام العالى المولوى السلطانى الملكى الظاهرى الركنى- شرفه الله وأعلاه- ذكرها الديوان العزيز النبوى «1» تنويها لشريف قدره، واعترافا بصنعه الذى تنفد العباره ولا تقوم بشكره، وكيف لا وقد أقام الدولة العباسية بعد أن أفعدتها زمانة الزمان، وأذهبت ما كان لها من محاسن وإحسان «2» ، وعتب دهرها المسىء فأعتب، وأرضى عنها زمنها وقد كان صال عليها صولة مغضب، وأعاده لها سلما بعد أن كان عليها حربا، وصرف لها اهتمامه فرجع كل مضيق من أمرها واسعا رحبا. ومنح أمير المؤمنين عند القدوم عليه حنوا وعطفا، وأظهر من الولاء رغبة فى ثواب الله ما لا يخفى، وأبدى من الاحتفال بأمر الشريعة والبيعه أمرا لو رامه غيره لا متنع عليه، ولو تمسك

ص: 31

بحبله متمسك لانقطع به قبل الوصول إليه، لكن الله أدخر هذه الحسنة ليثقل بها ميزان ثوابه، ويخفف بها يوم القيامه حسابه. والسعيد من خفف حسابه، فهذه منقبة أبى الله إلا أن يخلدها فى صحف صنعه، ومكرمة [قضت «1» ] لهذا البيت الشريف النبوى بجمع شمله بعد أن حصل الإياس من جمعه» .

«وأمير المؤمنين يشكر الآن [لك] هذه الصنائع. ويعترف أنه لولا اهتمامك بأمره لا تسع الخرق على الرافع. وقد قلدك الديار المصرية والبلاد الشامية والديار الجزرية «2» ، والبكرية، والحجازية، واليمنية وما يتجدد من الفتوحات فورا ونجدا، وفوض أمر جندها ورعاياها إليك حتى أصبحت بالمكارم فردا: وما جعل منها بلدا من البلاد ولا حصنا من الحصون مستثنى ولا جهة من الجهات تعد فى الأعلى ولا فى الأدنى» .

فلاحظ أمور الأمة فقد أصبحت لثقلها حاملا، وخلص نفسك اليوم لك التبعات، ففى غد تكون مسئولا عنها لا سائلا. ودع الاغترار بأمر الدنيا، فما نال أحد منها طائلا، وما لحظها أحد بعين الحق إلا رآها خيالا زائلا، فالسعيد من قطع منها آماله الموصولة، وقدم لنفسه زاد التقوى فتقدمته غير التقوى مردودة لا مقبولة. وأبسط يدك بالإحسان والعدل، فقد امر الله بالعدل والإحسان. وكرر ذكره فى مواضع من القرآن، وكفر به عن المرء ذنوبا كتبت عليه آثاما، وجعل يوما واحدا منه كعبادة ستين عاما ما سلمك [أحد «3» ] سبيل العدل واجتنيت ثماره من أفنان، ورجع الأمن بعد

ص: 32

تداعى أركانه مشيد الأركان، وتحصن به من حوادث الزمان فكانت أيامه فى الأيام أبهى من الأعياد، وأحسن من الغرر فى أوجه الجياد، وأحلى من العقود إذا حلى بها عاطل الأجياد» .

«وهذه الأقاليم المنوطة بنظرك تحتاج إلى حكام وأصحاب رأى من أرباب السيوف والأقلام، فإذا استعنت بأحد منهم فى أمرك فنقب عليه تنقيبا، واجعل عليه فى تصرفاته رقيبا، وسل عن أحواله، ففى يوم القيامة تكون عنه مسئولا وبما اجترم مطلوبا، ولا تول منهم إلا من تكون مساعيه حسنات لك لا ذنوبا.

وأمرهم بالأناة فى الأمور والرفق، ومخالفة الهوى إذا ظهرت أدلة الحق، وأن يقابلوا الضعفاء فى حوائجهم بالثغر الباسم والوجه الطلق. وألا يعاملوا أحدا على الإحسان والإساءة إلا بما يستحق، وأن يكونوا لمن تحت أيديهم من الرعية إخوانا، وأن يوسعوهم برا وإحسانا، وألا يستحلوا حرماتهم إذا استحل لهم الزمان حرمانا، والمسلم أخو المسلم، وإن كان أميرا عليه أو سلطانا. فالسعيد من نسج ولاته فى الخير على منواله، واستنوا بسنته فى تصرفاته وأحواله، وتحملوا عنه ما تعجز قدرته عن حمل أثقاله» .

«ومما يؤمرون به أن يمحى ما أحدث من سيىء السنن، وجدّد من المظالم التى هى على الخلائق من أعظم المحن، وأن يشترى بإبطالها المحامد، فإن المحامد رخيصة بأغلى الثمن. ومهما جنى منها من الأموال فإنها فانية «1» وإن كانت حاصله، وأجياد الخزائن وإن أصبحت بها خالية فإنما هى الحقيقة عاطلة. وهل أشقى ممن احتقب إثما، واكتسب بالمساعى الذميمة ذما، وجعل السواد الأعظم يوم القيامة له

ص: 33

خصما، وتحمل ظلم الناس مما صدر عنه من أعماله، وقد خاب من حمل ظلما.

وحقيق بالمقام الشريف السلطانى الملكى الظاهرى الركنى أن تكون ظلامات الأيام مردودة بعدله، وغزائمه نخفف عن الخلائق ثقلا لا طاقة لهم بحمله «1» ، فقد أضحى على الإحسان قادرا، وصنعت له الأيام ما لم تصنعه لمن تقدم من الملوك وإن جاء آخرا، فأحمد الله على أن وصل إلى جنابك إمام هدى، وأوجب لك مزية التعظيم وتنبيه الخلائق على ما خصك الله به من هذا الفضل العظيم. وهذه أمور ينبغى أن تلاحظ وترعى، وأن توالى عليها حمد الله، فإن الحمد يجب عليها عقلا وشرعا. وقد تبين أنك صرت فى الأمور أصلا، وصار غيرك فرعا» .

ومما يجب ذكره: الجهاد الذى أضحى على الأمة فرضا، هو والعمل الذى يرجع به مسود الصحائف مبيضا. وقد وعد الله المجاهدين بالأجر العظيم، وأعد لهم عنده المقام الكريم، وخصّهم بالجنة لا لغو فيها ولا تأثيم» .

«وقد تقدمت لك فى الجهاد يد بيضاء أسرعت فى سواد الحساد، وعرف منك عزمة هى أمضى «2» مما تحت ضمائر الأغماد. واشتهرت لك مواقف فى القتال هى أبهى وأشهى إلى القلوب من الأعياد. وبك صان الله حمى الإسلام من أن يبتذل، ويعزمك حفظ على المسلمين نظام هذه الدول، وبسيفك الذى أثر فى الكافرين قروحا لا تندمل، وبك يرجى أن يرجع مقر الخلافة المعظمة إلى ما كان عليه من الأيام الأول. فأيقظ لنصرة الإسلام جفنا ما كان هاجعا، وكن فى مجاهدة أعداء الله إماما متبوعا لا تابعا. وأيد كلمة التوحيد فما تجد فى تأييدها إلا مطيعا سامعا» .

ص: 34

«ولا تخل الثغور من اهتمام بأمرها تبتسم له الثغور، واحتفال يبدل ما دجى من ظلماتها بالنور، واجعل أمرها على الأمور مقدما، وسد منها ما غادره العدو متداعيا متهدما. فهذه حصون يحصل منها [الانتفاع «1» ] وبها تحصم الأطماع، وهى على العدو داعية افتراق لا اجتماع» .

«وأولاها بالاهتمام ما كان البحر له مجاورا، والعدو إليه ملتفتا ناظرا، لا سيما ثغور الديار المصرية، فإن العدو وصل إليها رابحا، ورجع خاسرا، واستأصلهم الله فيما مضى حتى ما أقال منهم عائرا» .

«وكذلك الأصطول الذى ترى خيله كالأهلة وركائبه بغير سائق مستقلة، وهو أخو الجيش السليمانى، فإن ذلك غدت له الرياح حاملة وهذا تكفلت يحمله المياه السائلة. وإذا لحظها الظرف سائرة فى البحر كانت كالاعلام، وإذا شبهها قال هذه ليال تقلع فى أيام» .

«وقد سنى الله لك من السعادة كل مطلب، وأتاك من أصالة الرأى الذى يريك المغيب، وبسط بعد القبض منك الأمل، ونشط من السعاده ما كان قد كسل، وهداك إلى مناهج الحق وما زلت مهتديا إليها، وألهمك المراشد فلا تحتاج إلى تنبيه عليها، والله تعالى يؤيدك بأسباب نصره، ويوزعك شكر نعمه.

فإن النعم تستتم بشكره، بمنه وكرمه» .

ثم ركب السلطان وشق المدينة بعد أن زينت، وحمل التقليد الأمير جمال الدين النجيبى استاد الدار العالية، والصاحب الوزير بهاء الدين فى بعض الطريق «2»

ص: 35

وبسط أكثر الطريق للسلطان بالثياب الفاخرة، [و «1» ] مشى عليها بفرسه، ووصل إلى القلعه.

وشرع السلطان فى الستخدام للخليفة: فكتب للأمير سابق الدين بوزبا أتابك العسكر بألف فارس، وللأمير ناصر الدين محمد بن صيرم الخازندار بمائنى فارس، وللأمير الشريف نجم الدين استاد الدار بخمسمائة فارس. وأمر جماعة من العربان، وحملت إليهم الطلبخاناة والصناجق، وأنفق فيهم الأموال لعدة شهور.

واشترى السلطان مائة مملوك «2» جمدارية وسلاح دارية للخليفة، وأعطى لكل واحد منهم ثلاثة أرؤس خيلا وجملا لعدته، ولم يبق أحد ممن تدعو الحاجة إليه من صاحب ديوان وكاتب إنشاء وديوان وأئمه ومؤذنين وغلمان وحكماء وجرائية إلا استخدموا. ولما تكامل ذلك كله تقدم السلطان بتجهيز العساكر.

وفى يوم الأربعاء تاسع عشر شهر رمضان من السنة ركب السلطان هو والخليفة فى السادسة من النهار، ونزل كل منهما فى دهليزه، واستمرت النفقه فى أجناد الخليفة.

وفى يوم العيد ركب الخليفة والسلطان تحت الجتر، وصليا العيد، وفى هذه الليلة حضر الخليفة إلى خيمة السلطان وألبسه الفتوة بحضور «3» من يعتبر حضوره فى ذلك.

ص: 36

وفى يوم السبت سادس شوال رحلا متوجهين إلى الشام، فلما وصلا إلى الكسوة خرج عسكر الشام للقائهما، ودخلا دمشق فى يوم الإثنين سابع ذى القعدة. ونزل السلطان بالقلعة، ونزل الخليفة فى تربة الملك الناصر بجبل الصالحية «1» . وجرد الأمير سيف الدين بلبان الرشيدى، والأمير شمس الدين سنقر الرومى إلى جهة حلب، وأمرهم السلطان بالمسير إلى الفرات، وأنه متى ورد عليهم كتاب الخليفة يطلب أحدا منهم إلى العراق يتوجه إلى خدمته لوقته.

وركب السلطان وودع الخليفة، وسير إليه الملوك الذين ذكرناهم.

ثم ورد كتاب الخليفة يذكر أنه وصل إلى حديثة وعانا، وولى فيها «2» ثم كان ما ذكرنا من خروج طائفة من التتار وقتال الخليفة لهم واستشهاده، رحمه الله تعالى، على ما قدمناه فى أخباره، فى أخبار خلفاء الدولة العباسية.

وحسب ما أنفق فى مهم الخليفة والملوك فكان ألف ألف دينار عينا وفى هذه السنة قبل مسير السلطان إلى الشام، كتب منشور الأمير شرف الدين عيسى بن مهنا «3» بالإمرة على جميع العربان، وأطلق السلطان للعريان الغلال من بلد حلب، وذلك قبل خروج السلطان إلى الشام.

ص: 37