الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جميعا إننا تمسك، ثم دخلنا على السلطان فوجدناه فى خلوة، فلما أقبلنا عليه نهض قائما، وأكرمنا فقبلنا الأرض بين يديه وزال عنها ما كان نجده، ثم أمرنا بالقرب منه، فتقدمنا حتى التصقت ركبنا بركبتيه، ثم أخرج من جيبه ختمة واستحلفنا أننا لا نذيع له سرا، وأن نفعل ما يأمرنا به، فحلفنا، فلما تمت اليمين قال: تتوجها الساعة إلى دمشق وتستصحبا معكما العسكر المقيم بغزة، وتمسكوا «1» علاء الدين طيبرس نائب الشام، وتكون أنت مكانه، وإن سمعت هذا الحديث من أحد من خلق الله تعالى قبل أن تفعلاه شنقتكما. فخرجنا من عنده فلما صرنا تحت القلعة إذا بحرفوش يقول لآخر: هؤلاء رايحين إلى دمشق يقبضوا على طيبرس نائب السلطنة بها، فأصفر عند ذلك لونى ولون الدمياطى، وحلفنا جميعا لا نصل إلى بيوتنا، وقال كل منا لاستاد داره أن يلحقه بهجين وجنيب إلى البئر البيضاء «2» وسقنا من وقتنا إليها. فلحقنا غلمائنا وما نحناج إليه بعد العصر، واستمر بنا السير حتى نفذنا أمر السلطان. وهذا شىء أجراه الله تعالى على ألسنة عوام مصر، لا ينطقون بشىء فى غالب الأوقات إلا ويكون كذلك.
ذكر وصول جماعة من التتار إلى خدمة السلطان
«3»
قال المؤرخ: كان السلطان قد جهز كشافة من الأمراء وهم، جمال الدين أفش الرومى الصلاح دار من الخواص ومعه الخيول الجياد، ثم جهز الأمير علاء الدين أقسنقر الناصرى، وكتب إلى الشام بأردافهم، وأرسل أمراه
العربان فساقوا إلى حدود العراق. وكانت الأخبار من جهة القصاد قد وردت أن هولاكو جمع جمعا كبيرا ولم يعلم قصده، فاحترز السلطان وسير هذه الكشافة. فأمسكوا من وسط التتار جماعة، واستطلعوا منهم الأخبار، وكانوا مسلمين، فأطلقهم الأمير علاء الدين. ولما توالت الأخبار بحركة هولاكو عمل السلطان بالحزم، وتقدم إلى أهل دمشق بالحضور بأهاليهم لتخف ظهورهم وترخص الأسعار فحضر منهم جماعة كثيرة.
وكتب إلى التواب بحلب بحريق الأعشاب، وسير جماعة إلى بلاد آمد ومواضع الأعشاب فأحرقوا من المروج مسيرة عشرة أيام، وكذلك أعشاب بلاد خلاط «1» حتى صارت كلها رمادا. ثم ورد كتاب الأمير الحاج علاء الدين أقسنقر الناصرى أن الكشافة وجدوا جماعة كثيرة من التتار مستأمنين وافدين إلى باب السلطان، وأنهم من أصحاب الملك بركة، وكانوا نجدة عند هولاكو، فلما وقع بينهما كتب الملك بركة إليهم بالحضور إليه وإن عجزوا عن ذلك ينحازوا «2» إلى عسكر الديار المصرية وأنهم يذكرون أن العداوة قد استحكمت بين الملكين هولاكو وبركة، وأن ولد هولاكو قتل فى المصاف، وأنهم فوق مائتى فارس، فكتب السلطان إلى نواب الشام بإكرامهم وترتيب الإقامات لهم فى الطرقات وحمل الخلع إليهم وإلى نسائهم، وأحسن إلى مقدميهم الأربعة، فوصلوا يوم الخميس رابع عشرين ذى الحجة سنة ستين، وخرج السلطان للقائهم يوم السبت السادس والعشرين من الشهر. وكان السلطان قد رسم بعمارة أدر ومساكن لهم بقرب اللوق، فسكنوها، وحملت إليهم الخلع وسيقت الخيول، وفرقت فيهم