الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ووصل إليه رسل أبغابن هولاكو، فقرىء على السلطان كتابه، ومعناه الرغبة فى الصلح، وأعاد الرسل بالجواب، وكاتب أبغا نظير ما كاتبه به.
ذكر توجه السلطان على خيل البريد إلى الديار متنكرا وعوده إلى مخيمه بخربة اللصوص ولم يعلم من به بتوجهه
قال القاضى عبد الله بن عبد الظاهر فى السيرة الظاهرية عن هذه الوقعة حسبها أملاه السلطان من لفظه: لما خرج السلطان من دمشق، بعد تجهيز رسل أبغا، ودع الأمراء كلهم وتوجهوا إلى الديار المصرية، ولم يبق معه من الأمراء الأكابر غير الأتابك، والمحمدى، والأيدمرى، وابن اطلس خان، وأقش الرومى، توجه إلى القلاع، فابتدأ بالصبيبة ومنها إلى الشقيف وصفد، وبلغه وفاة الأمير عز الدين الحلى، فكتب إلى الأمير شمس الدين آقسنقر استاد الدار بالحضور بالأثقال والعساكر إلى خربة اللصوص والعسكر قد خيم بها. وخطر له التوجه إلى الديار المصرية، فكتب إلى النواب بالشام بمكاتبة الملك السعيد والإعتماد على أجوبته، ورتب أنه كلما جاء بريد يقرأ عليه ويخرج علائم على دروج بيض تكتب عليها أجوبة البريد، واستقرت هذه القاعدة مدة.
وفى رابع عشر شعبان أظهر تشويشا، وأحضر الحكماء إلى الخيمة، وحصل احتفال ظاهر بهذا الأمر، وأصبح الأمراء فدخلوا وشاهدوا مجتمعا فى صورة متألم، وكتب إلى دمشق باستدعاء الأشربة.
وتقدم إلى الأمير بدر الدين الأيدمرى وسيف الدين بكتوك جرمك الناصرى، بأنهما يتوجهان إلى حلب على خيل البريد، وودعاه وصحبتهما بريدى،
وتوجها فى ليلة السبت سادس عشر شعبان، وأوصاهم أنهم إذا ركبوا يحيدون إلى خلف الدهليز ليتحدث معهم مشافهة.
وجهز آقسنقر الساقى فى البريد إلى الديار المصرية وأعطاه تركاشة «1» ، وأمره بالوقوف خلف خيمة الجمدارية خلف الدهليز. ولبس السلطان جوخة مقطعة وتعمم بشاش دخانى عتيق، وأراد أن يخرج ولا يعلم به الحرس، فأخذ قماش نوم لأحد المماليك، وطلب خادما من خواصه وقال له: ها أنا خارج بهذا القماش فامش أمامى، فإن سألك أحد فقل: هذا بعض البابية «2» معه قماش أحد الصبيان حصل له مرض وما يقدر يحضر إلى الخدمة هذه الليلة، وهذا غلامه خارج إليه بقماشه.
فخرج بهذه الحيلة، وتوجه إلى الجهة التى واعد آقسنقر إليها. وكان قد سير بهاء الدين أمير آخور ومعه أربعة أرؤس من الخيل، وأمره أن يقف بها فى مكان، فتوجه إليه، وأخذ آقسنقر الخيل، وسير بهاء الدين أمير آخور إلى التل فأحضر الأيدمرى ورفقته، وساق بهم السلطان وهم لا يعرفونه فلما اختلطوا قال للأيدمرى:«تعرفنى؟» قال: «أى والله» ، وأراد النزول لتقبيل الأرض فمنعه. وقال: لجرمك «تعرفنى» ، فقال:«إيش هذا يا خوند» ؟ فقال له:
«لا تتكلم» وكان معهم علم الدين شقير مقدم البريدية فصاروا خمسة، معهم أربعة جنائب من خيل السلطان الخاص.
وساقوا إلى جهة مصر، فوصلوا إلى القصير «1» المعينى نصف الليل، فدخل السلطان ليأخذ فرس الوالى، فقام إليه يهاوشه بأربعين خمسين راجلا، وقال له:
«هذه الضيعة ملك السلطان ما يقدر أحد يأخذ منها فرسا، فإن رحتم وإلا قاتلناكم» .
فتركوه وتوجهوا إلى بيسان فأتوا دار الوالى وقالوا: «نريد خيلا للبريد» .
فقال: «انزلوا خذوا» ، فنزلوا، وقعد السلطان عند رجلى الوالى وهو نايم.
ثم قال للأيدمرى «الخلائق على بابى وأنا على باب هذا الوالى لا يلتفت إلى، ولكن الدنيا نوب» . وطلب من الوالى كوزا فقال: «ما عندنا كوز، إن كنت عطشان اخرج واشرب» فأحضر له الأيدمرى كوزا شرب منه. وركبوا فصابحوا جينين، فوجدوا خيل البريد بها عرجا معقرة، فركب السلطان منها فرسا ما كاد يثبت عليه من رائحة عقوره. ولما وصلوا العريش قام السلطان والأمير سيف الدين جرمك ونقيا الشعير. فقال السلطان للأيدمرى:«أين السلطنة، واستاد الدار، وأمير جاندار، وأين الخلق الوقوف فى الخدمة؟ هكذا تخرج الملوك من ملكهم، وما يدوم إلا الله سبحانه وتعالى» .
ووصلوا إلى قلعة الجبل ليلة الثلاثاء الثلث الأول، فأوقفهم الحراس حتى شاوروا الوالى. ونزل السلطان فى باب الأسطبل وطلب أمير آخور، وكان قد رتب مع زمام «2» الأدر أنه لا يبيت إلا خلف باب السر، فدق السلطان باب السر، وذكر علايم لزمام الأدر، ففتح الباب، وأحضر السلطان رفقته إلى باب السر، وأقام هو وهم يومى الثلاثاء والأربعاء وليلة الخميس لا يعلم بهم أحد إلا زمام الأدر،
وهو ينظر إلى الأمراء وغيرهم فى سوق الخيل. فلما قدّم الفرس للملك السعيد يوم الخميس قدم أمير آخور للسلطان فرسا. ولما خرج الملك السعيد ما أحس إلا والسلطان قد خرج إليه، فخاف، فلما عرفه قبل الأرض، وركب السلطان وخرج والوقت مغلس، فأنكر الأمراء ذلك ووضعوا أيديهم على قبضات سيوفهم وطلّعوا «1» فى وجه السلطان فلما حققوه قبلوا الأرض. وساق السلطان إلى ميدان العيد، وعاد إلى القلعة، فقضى أشغال الناس، ولعب الكرة يوم السبت.
وتوجه يوم الأحد إلى مصر لرمى الشوانى، وركب فى الحراريق.
وسافر ليلة الأثنين على البريد. ولما قربوا من الدهليز المنصور رد الأيدمرى وجرمك إلى خيامهم، وأخذ السلطان جراب البريد على يده وفى كفه فوطة، وتوجه راجلا ودخل من جهة الحراس، فمانعه حارس وأمسك الحارس أطواقه ونتشه، فانجذب منه ودخل من باب الدهليز. وركب عصر يوم الجمعة، وحضر الأمراء إلى الخدمة، فأظهر أنه كان متغلث المزاج، وضربت البشائر بالعافية، ولم يدر بهذه الأمور إلا الأتابك وأستاد الدار وخواص الجمدارية.
وفى هذه السنة فى تاسع جمادى الآخرة رسم السلطان بأبطال الخواطى «2» من القاهرة ومصر والديار المصرية، وأمر بحبسهن وتزويجهن.
وفيها أيضا وردت الأخبار أن زلزلة حدثت ببلاد سيس «3» أخرجت قلاعها مثل سرفند كار، وحجر شعلان، وقتل بسببها جماعة حتى سال النهر دما.