الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفى شهر رمضان وصل رسول من الملك «1» شارل أخى الملك افرنسيس وهو صاحب مرشيلية، وصحبته عدة من السناقر الشهب والأمتعة. ومضمون كتابه المحبة والمشابعة. ووصل كتاب استاد داره يقول: إن مخدومه أمره أن يكون أمر السلطان نافذا فى بلاده، وأن يكون نائب السلطنة كما هو نائبه.
وفى يوم الجمعة خامس عشر شهر رمضان: قرىء مكتوب بجامع مصر بأبطال ما قرره على ولاية مصر من الرسوم وهى مائه ألف درهم وأربعة آلاف درهم [نقرة «2» ] .
وفى هذا الشهر أحضرت فلوس من جهة قوص وجدت مدفونة فأخذ منها فلس: فإذا عليه صورة ملك واقف، وفى يده اليمنى ميزان، وفى اليسرى سيف، ومن الوجه الآخر رأس مصور بآذان كبيرة، ويداير الفلس سطور، فقرأها راهب يونانى: فكان تاريخه إلى وقت قراءته ألفين وثلاثمائة سنة. وفيه مكتوب: أنا غلياث الملك، ميزان العدل، والكرم فى يمينى لمن اطاع، والسيف فى يسارى لمن عصى، وعلى الآخر: أنا غلياث الملك، أذنى مفتوحة لسماع كلمة المظلوم، وعينى مفتوحة أنظر بها مصالح ملكى.
ذكر سلطنة الملك السعيد
«3»
وفى يوم الخميس ثالث عشر شوال سنة اثنتين وستين وستمائة، حصل الاتفاق على سلطنة الملك السعيد، فأركبه السلطان بشعار السلطنة، ومشى بنفسه فى
ركابه وحمل الغاشية. ثم أخذها الأمراء وحملوها وعليهم الخلع الفاخرة، ورجع السلطان. ولم يزل الملوك والأمراء فى خدمته إلى باب النصر، ودخلوا القاهرة رجالة يحملون الغاشية، وقد زينت المدينة أحسن زينة. وشقى الملك السعيد القاهرة وأتابكه عز الدين الحلى راكب إلى جانبه. وبسط الأمراء الثياب الأطلس والعتابى وغيرها تحت حوافر فرسه. ولم يزل إلى أن عاد إلى القلعة «1» .
وكانت [الثياب «2» ] بجملة عظيمة تفرقها المماليك السلطانية وأرباب المنافع.
وكتب له تقليد شريف أنشأه المولى محيى الدين بن عبد الله بن عبد الظاهر، وقرىء بحضور الأمراء وقاضى القضاة والعلماء فى سابع عشر الشهر.
وفى العشر الأول من ذى القعدة من السنة، عرض السلطان الجيش «3» ، وكان قبل ذلك رسم بتكملة العدة والتأهب للغزاة فجلس فى هذا اليوم على الصفة التى بجانب دار العدل عند طلوع الشمس، وساق كل أمير فى طلبه، وعليهم لامة الحرب، وجروا الجنائب عليها عدة الحرب دون غيرها من التشامير والمراوات المتخذة للزينة. وعبرت العساكر خمسة خمسة. فلما طال الأمر عبروا عشرة عشرة، وهلك الناس من الزحام. وإنما قصد السلطان عرض العسكر فى يوم واحد حتى لا يقال إن أحدا استعار من أحد شيئا. وكان الناس يدخلون من باب القرافة ويخرجون من جهة الجبل إلى صوب باب النصر إلى الدهليز المضروب هناك. ولما قرب وقت المغرب ركب السلطان وساق فى وسط العساكر فى جماعة يسيرة من سلاح داريته وخواصه، ونزل إلى الدهليز، ورتب
المنازل، ورجع إلى قلعته وقت المغرب. ثم اهتم الناس بعد ذلك باللعب بالقبق، ولبسوا خيولهم التشاهير والبراجم «1» البحرية والمراوات والأهلة الذهب والفضة والأطلس وغير ذلك. وساق السلطان إلى ميدان العيد «2» وبين يديه جنائيه العظيمة وهى مزينة. حكى القاضى محيى الدين عبد الله بن عبد الظاهر فى السيرة الظاهرية قال: قال لى القاضى فتح الدين بن سناء الملك وهو صاحب ديوان الخزائن قبل هذا الوقت بمدة سنة: إن الذى دخل فى المراوات من البنود الأطلس الأصفر قيمته عشرة آلاف دينار، وما تجدد بعد ذلك لا يحصى. قال: وشرط السلطان لكل أمير يصيب القبق فرسا من خيوله بما عليه من التشاهير، ولكل مفردى أو مملوك أو جندى خلعة تليق بمثله. ودخل الناس بالرماح بكرة النهار، ثم شفع السلطان ذلك برمى النشاب. وحضر رسل الملك بركة فى ذلك الوقت ووقفوا مع السلطان وشاهدوا ذلك واستعظموه، وأقام العسكر كذلك أياما.
وفى تاسع عشر ذى القعدة خلع السلطان على الملوك والأمراء والبحرية والحجاب والمفاردة وأرباب المناصب من الوزراء والقضاة وأرباب البيوت «3» .
وحضر الناس بالخلع والتشاريف ولعبوا بقية ذلك النهار. فقالت رسل الملك بركة للسلطان: «هذه عساكر مصر والشام؟» . فقال: «بل عساكر المدينة خاصه، غير الذين فى الثغور، والمجردين والذين «4» فى إفطاعهم» فعجبوا من ذلك.