الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر فتوح قلعة صافيتا
«1»
وفى سنة تسع وستين وستمائة، توجه السلطان من الديار المصرية فى عاشر جمادى الآخرة وصحبته ولده الملك السعيد، ودخل الملك السعيد إلى دمشق فى ثامن شهر رجب، وخرج هو والأمير بدر الدين الخزندار من جهة القطيفة. وكان السلطان قد توجه من جهة بعلبك وتوجه إلى طرابلس، فقتل من رعاياها وأسر، واتصلت الغارة بصافيتا، فطلب من فيها الأمان، ثم نكثوا، فرحل عنهم السلطان وأنزل جماعة حولهم. فسير كمندور «2» أنطرطوس إلى السلطان يشفع فى الإخوة الديوية بصافيتا، على أنه يأمرهم بالتسليم. فأجابهم السلطان إلى ذلك، فأرسل إليهم فنزلوا، وكانوا سبعمائة رجل، خارجا عن النساء والأطفال، وأحضروا إلى السلطان وهو على حصن الأكراد، فأطلقهم وجهز معهم من أوصلهم إلى مأمنهم، وتسلم السلطان صافيتا وبلادها، وتسلمت الحصون والأبراج المجاورة لحصن الأكراد، مثل تل خليفة وغيره.
وقد ذكرنا ما كان قد وقع من المهادنة على حصن الأكراد والمرقب، ثم اتفق من بيت الإسبتار أمور «3» أوجبت فسخ الهدنة: منها أن السلطان لما أغار على طرابلس فى سنة ست وستين وستمائة، وكتب إلى النائب بحمص بأن يقيم بحدود حصن الأكراد لدفع الضرر عن بلاد الهدنة، وكتب إلى عدة جهات بالوصية بهم، وحضر رسول حصن الأكراد يسأل الوصية، فأعطاهم علما برنكه.
ولما عبرت الأثقال من جهة القصب، عبر أحد الحرافشة ومعه رفقة له على بستان بقرب تل خليفة المجاور للحصن «1» فأخذوا منه شيئا لا قيمة له، فأخذهم المقدم [الفرنجى «2» ] بتل خليفة وضرب رقاب بعضهم وأسر البعض. فنزل النائب بحمص على تل خليفة وطلب الخصوم. فامتنع النائب بها عن تسليمهم وقال:
«أنا قتلت» ، وأساء فى القول. فحاصرهم [نائب حمص] وسير إليهم شجاع الدين عنبر «3» ، فاحتال الى أن استنزل الخصوم، وسيروا الى السلطان. فحضرت رسل من حصن الأكراد تطلبهم، فأجابهم السلطان إنه لا بد من تحقيق هذه الواقعة؛ فقوت نفوس الذين فى الحصن. وغّلق النائب [الفرنجى «4» ] باب الحصن ومنع الميرة، وألبس جماعة العدد.
ولما رجع السلطان من طرابلس عند توجهه إلى أنطاكية ومرّ تحت الحصن متوجها إلى حمص، فسيّر يقول:«ما كان ينبغى لكم تعبرون من ههنا إلا بأمرى» . وقيل لهم: «لأى معنى غلقتم الأبواب ولبستم العدد، وأنتم صلح؟» . فقال: «ما غلقناها إلا شفقة على عسكر السلطان من الفرنج الغرب الذين عندنا، لأنهم لا يخافون الموت» . فعّز ذلك على السلطان لأن الغرب الذين عنده عدتهم دون المائة نفر. وكان هذا الأمر مقدمة انحراف السلطان عليهم. وبقى ذلك فى خاطره. فلما توجه إلى الشام جريدة فى سنة ثمان وستين وتوجه إلى حماة ثم رحل عنها فى ثالث جمادى الآخرة توجه إلى حصن الأكراد
بمقدار مائتى فارس بغير عدة، وصعد جبل الحصن فى أربعين فارسا، فخرج له جماعة من الفرنج ملبسين، فحمل عليهم وكسرهم، وقتل منهم جماعة ووصل إلى الخندق، وقال- وهو متنكر لا يعرف من هو-:«قولوا لذلك الرسول الذى حضر سنة طرابلس يخلّى الفرنج الغرب يخرجوا، فما نحن أكثر من أربعين فارسا بأقبية بيض» «1» . وعاد إلى مخيمه، ورعت الخيول المروج والزروع، فكان ذلك أحد أسباب الإستيلاء على الحصن لأنه ليس له مادة إلا من زرع بلده.
فلما توجه السلطان، فى سنة تسع وتسعين وستمائة إلى الشام، وأغار على طرابلس كما قدمنا نازل حصن الأكراد، فى تاسع شهر رجب من السنة وملك أرباض الحصن فى العشرين منه، وحضر الملك المنصور صاحب حماة، فتلقاه السلطان وترجل لترجله، وساق السلطان تحت صناجق صاحب حماة بغير جمدارية ولا سلاح دارية أدبا معه، وسير إليه دهليزا أمره بنصبه. ووصل الأمير سيف الدين صاحب صهيون، والصاحب نجم الدين صاحب الدعوة. وفى أواخر شهر رجب، تكمل نصب عدة مجانيق، وفى سابع شعبان، أخذت الباشورة بالسيف، وفى سادس عشر الشهر، تشقق برج من أبارج القلعة، وزحف العسكر وطلع الناس إلى القلعة وتسلموها، وطلع الفرنج القلعة «2» [الأخرى] وأحضرت جماعة من الفرنج والنصارى، فأطلقهم السلطان، ونقلت المجانيق إلى القلعة ونصبت على القلة. وكتب السلطان كتابا على لسان مقدم الفرنج
بطرابلس إلى من بالقلعة يأمرهم بالتسليم. ثم طلبوا الأمان، فكتب لهم أمان على أنهم يتوجهون إلى بلادهم. وفى يوم الثلاثاء رابع عشرين شعبان، خرج الفرنج من القلعة وجهزوا إلى بلادهم، وتسلم السلطان الحصن. ورتب الأمير صارم الدين الكافرى «1» نائبا بحصن الأكراد، وفوض أمر عمارة الحصن إلى الأمير عز الدين أيبك الأفرم وعز الدين أيبك الشيخ.
وهذا الحصن كان قديما بيد المسلمين، فلما نازل صنجيل طرابلس كان يشن الغارات على هذا الحصن وما قاربه من الحصون، ثم قصده فى سنة ست وتسعين وأربعمائة وحاصره وضيق على من به وأشرف على أخذه، فاتفق قتل جناح الدولة صاحب حمص فطمع فيها ورحل عنه. وهلك صنجيل وملك ابنه، فجرى على عادة أبيه فى أذية أهل هذا الحصن وإفساد أعماله، ثم فارقه وتوجه لحصار بيروت. فجاء طنكلى «2» صاحب أنطاكية ونازله، وأهله فى غاية الضعف، فسلمه صاحبه إليه، وكان يرجو أنه؟؟؟ فيه لأنه اختاره على صنجيل فأنزله وأهله منه، وأخذه صحبته، ورتب فيه من يحفظه من الفرنج؛ وحكى ذلك ابن عساكر.
وذكر ابن منقذ فى كتاب البلدان أن: نور الدين محمود بن زنكى، رحمه الله تعالى، كان قد عامل بعض رجالة التركمان المستخدمين من جهة الفرنج بهذا الحصن، على أنه إذا قصده نور الدين يثور هو وجماعة من أصحابه فى الحصن ويرفعون علم نور الدين على الحصن وينادون باسمه.
وكان هذا التركمانى له أولاد وإخوة قد وثق بهم الفرنج، وكان الإتفاق