الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستهلت سنة تسع وستين وستمائة
فى هذه السنة، توجّه السلطان إلى عسقلان فى سابع صفر فهدمها «1» وعفى آثار عمارتها ورمى حجارتها فى ميناها، وعاد فوصل إلى قلعته فى ثامن شهر ربيع الأول.
وفيها: هلك الملك المجير هيتوم بن قنسطنطين صاحب سيس «2» ، ووردت مطالعة ولده ليفون فى سابع عشرين شهر ربيع الأول مضمومها: أنه لما كان فى خامس عشرين تشرين الأول ترهب والده وانتقل إلى الدير وخرج عن أمور الدنيا. فلما كان فى نهار الثلاثاء ثامن عشرين تشرين الأول وهو حادى وعشرين ربيع الأول مات وقت مغيب الشمس، وسأل شموله بالمراحم السلطانية فى ضمه إلى جناح الرحمة. فكتب بتعزيته بأبيه وتهنئته بما صار إليه من الملك، وإطابة قلبه.
ذكر القبض على الملك العزيز فخر الدين عثمان بن الملك المغيث صاحب الكرك والأمراء الشهرزورية
«3»
قد ذكرنا أن السلطان لما تسلم الكرك من المشار إليه بعض القبض على والده أمّره بمائة فارس. واستمر المذكور فى الخدمة الشريفة ولازم السلطان
فى أسفاره وغزواته. وكان يلعب معه بالكرة، ويحضر معه فى أوقات الصيد وغير ذلك من مشاهده العامة. وظهرت منه شهامة، وأحسن رماية النشاب وأخذ نفسه فى ذلك بمأخذ الفرسان الشجعان. ولما كان السلطان على هدم عسقلان أفرد له جانبا يهدمه، فمر السلطان عليه فى بعض الأيام وهو قائم يستعمل الرجالة ويحثهم على الهدم ويجتهد فيما هو فيه. فبينما السلطان ينظر إليه ويتأمله إذا انهدم ما تحته من البناء فوثب من مكانه وألقى نفسه إلى الأرض ووثب أخرى فسلم والسلطان ينظر إليه. فعجب السلطان من اهتمامه مع حداثة سنه. ثم عاد إلى ما كان عليه من الهدم ولم يتأثر لذلك. وبينما السلطان فى أواخر هدم عسقلان ورد عليه كتاب نائبه الأمير بدر الدين الخزندار يستحثه على العود إلى قلعة الجبل، ويعلمه أنه لا يأمن وثوب الأمراء الشهرزورية، وأن قدرته تضعف عن مقاومتهم فى غيبة السلطان. وحال ورود كتابه أمر الناس بالرحيل ورجع لوقته إلى الديار المصرية. ولما رجع رمى الملك العزيز بقرة وحش بيده فى أثناء الطريق وحملها إلى السلطان والأمير شمس الدين سنقر الأشقر وغيره من الأمراء عنده. فقال السلطان للأمير شمس الدين المذكور: انظر إلى هذا الصغير وما هو عليه، والله ما يقصر!. فقال له سنقر الأشقر: لقد ربيت حية صغيرة بين ثيابك تنتفغ بها إذا كبرت. وكان سنقر الأشقر يكرهه لقبض أبيه عليه وتسليمه للملك الناصر واعتقاله كما تقدم، فأراد مكافأته فى ولده. ولما وصل السلطان إلى قلعة الجبل فى ثامن شهر ربيع الأول، كما تقدم، نزل إلى الميدان فى يوم الثلاثاء الثانى عشر من الشهر ولعب بالكرة، ودخل الملك العزيز على عادته إلى الميدان ولعب بالكرة، فجاء الأمير شمس الدين سنقر الأشقر ليأخذ الكرة منه، والملك العزيز مجتهد فى ضربها، ورفع جوكانه ليضربها فوقع
فى رأس الأمير شمس الدين ولم يقصد ذلك، فكاد أن يسقط إلى الأرض لولا [أن] اعتنق عنق فرسه حتى سكن ما به من ألم الضربة. فجاء السلطان إليه وهو يمازحه، فقال له:«كاد هذا الصغير أن يرميك عن فرسك حتى اعتنقت رقبته.»
فنظر إلى السلطان وقال: «والله إن كان اليوم ما رمانى، فغدا يرميك أنت، وهذا الصبى والله لك بئس الذخيرة» . فلما كان فى يوم الخميس رابع عشر الشهر جلس السلطان فى مجلسه واستدعى الأمراء الشهرزورية وهم عشرة منهم: الأمير بهاء الدين يعقوبا «1» ، وتوتل، وسنقران وقبض عليهم، وقبض على الملك العزيز معهم واعتقلوا، ثم أحضر الأمراء الشهرزورية وغيرهم وقررهم، فاعترفوا أنهم قصدوا قتل الملك السعيد ابنه، وقيامهم بالأمر فان أطاعهم الناس وإلا أفاموا الملك العزيز، فسألهم:«هل كان هذا الأمر عن مباطنته؟» فحلفوا أنه لم يطلع على ما عزموا عليه ولا باطنهم فيه. واستمر الملك العزيز فى الإعتقال إلى آخر أيام الملك السعيد عند ما حوصر بالقلعة فأفرج عنه وعن الأمراء الشهرزورية وغيرهم.
وكان قد رزق أولادا فى اعتقاله فى الدولة الظاهرية، فلما أفرج عنه الملك السعيد أمره أن ينصرف فى حال نفسه ويتوجه إلى الأمراء إن أحب ذلك، أو يقيم بالقلعة إلى أن ينفصل الأمر. وخرج بعض من أفرج عنهم إلى الأمراء فقبضوا عليهم واعتقلوهم، فخشى الملك العزيز من ذلك فسأل أن يرجع إلى معتقله ويقيم مع أولاده فرجع إليهم، فاستمر فى الإعتقال إلى أن ملك الملك الأشرف خليل ابن السلطان الملك المنصور قلاون فأفرج عنه فى سنة تسعين وستمائة على ما نذكره إن شاء الله تعالى.