المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر تفويض القضاة لأربعة حكام - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٣٠

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌ الجزء الثلاثون

- ‌[تتمة الفن الخامس في التاريخ]

- ‌[تتمة القسم الخامس من الفن الخامس في أخبار الملة الإسلامية]

- ‌[تتمة الباب الثاني عشر من القسم الخامس من الفن الخامس أخبار الديار المصرية]

- ‌[تتمة ذكر اخبار دولة الترك]

- ‌ذكر أخبار السلطان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس الصالحى وهو الرابع من ملوك دولة الترك بالديار المصرية المحروسة

- ‌[سنة ثمان وخمسين وستمائة]

- ‌واستهلت سنة تسع وخمسين وستمائة

- ‌فأما ما كان من الأخبار والحوادث فى مقر ملكه بالديار المصرية

- ‌ذكر تفويض الوزارة إلى الصاحب الوزير بهاء الدين على بن القاضى سديد الدين أبى عبد الله محمد بن سليم المعروف بابن حنا

- ‌ذكر القبض على جماعة من الامراء المعزّية

- ‌ذكر تفويض قضاء القضاء بالديار المصرية لقاضى القضاة تاج الدين بن بنت الأعز

- ‌ذكر ما اعتمده السلطان فى ابتداء سلطنته ورتبه من المصالح وقرره من القربات والأوقاف والعماير

- ‌ذكر بناء قلعة الجزيرة

- ‌ذكر وصول من يذكر من الملوك إلى خدمة السلطان وما قرره لكل منهم وما عاملهم به من الإحسان

- ‌ذكر وصول الخليفة المستعصم بالله إلى الديار المصرية ومبايعته وتجهيزه بالعساكر إلى بلاد الشرق وما كان من أمره إلى ان قتل

- ‌ذكر استيلاء الأمير علم الدين سنجر الحلبى على دمشق وسلطنته بها، وأخذها منه، وتقرير نواب السلطان بها

- ‌ذكر ما اتفق بحلب فى أمر النيابة

- ‌ذكر وصول طائفة من التتار إلى البلاد الإسلامية وما فعلوه بحلب وتقدمهم إلى حمص وقتالهم وانهزامهم وما كان من خبر عودهم

- ‌ذكر الغلاء الكائن بحلب

- ‌ذكر اختلاف العزيزية والناصرية، ومفارقة الأمير شمس الدين أقش البرلى البلاد، وتولية الحلبى نيابة حلب وعزله، وعود البرلى إليها وخروجه منها، ونيابة البندقدار وعود البرلى إليها ثانية وخروجه

- ‌ذكر ما اتفق للسلطان بالشام فى مدة مقامه بدمشق وما وقع فى سفرته هذه خلاف ما قدمنا ذكره من أمر الخليفة

- ‌ذكر ركوب السلطان إلى الميدان بدمشق ولعبه بالكره ومن كان فى خدمته من الملوك

- ‌ذكر الصلح مع ملوك الفرنج

- ‌ذكر الغارة على العرب والفرنج

- ‌ذكر عود السلطان إلى الديار المصرية

- ‌ذكر أخذ الشويك

- ‌واستهلت سنة ستين وستمائة

- ‌ذكر وصول الأمير شمس الدين سلار البغدادى وشىء من أخباره

- ‌ذكر عود رسل السلطان من جهة الأنيرور

- ‌ذكر عود رسل السلطان من جهة صاحب الروم ووصول رسله إلى السلطان، وما قرره السلطان من بلاده

- ‌ذكر عود رسل السلطان من جهة الأشكرى وخبر مسجد القسطنطينية

- ‌ذكر حضور الأمير شمس الدين أقش البرلى العزيزى إلى الديار المصرية

- ‌ذكر القبض على علاء الدين طيبرس الوزيرى نائب السلطنة بالشام

- ‌ذكر وصول جماعة من التتار إلى خدمة السلطان

- ‌ذكر إنفاذ الرسل إلى الملك بركة

- ‌ذكر تفويض نيابة السلطنة بالشام إلى الأمير جمال الدين النجيبى الصالحى

- ‌ذكر وفاة شيخ الإسلام عز الدين أبى محمد ابن عبد العزيز بن عبد السلام بن أبى القاسم ابن الحسن بن أبى محمد السلمى الدمشقى الشافعى وشىء من أخياره

- ‌واستهلت سنة إحدى وستين وستمائة

- ‌ذكر البيعة للإمام الحاكم بأمر الله أبى العباس أحمد العباسى

- ‌ذكر القبض على الملك المغيث صاحب الكرك واعتقاله

- ‌ذكر أخذ الكرك

- ‌ذكر القبض على الأمراء وهم: الأمير سيف الدين بلبان الرشيدى والأمير شمس الدين أقش البرلى والأمير عز الدين الدمياطى، وما نقل من الأسباب الموجبة لذلك

- ‌ذكر توجه السلطان إلى ثغر الإسكندرية

- ‌ذكر وصول التتار المستأمنين

- ‌واستهلت سنة اثنتين وستين وستمائة

- ‌ذكر تفويض أمر جيش حماة إلى الطواشى شجاع الدين مرشد الحموى

- ‌ذكر عمارة المدرسة الظاهرية وترتيب الدروس

- ‌ذكر وفاة الملك الأشرف مظفر الدين موسى صاحب حمص والرحبة

- ‌ذكر جلوس السلطان بدار العدل وما رتبه عند غلو الأسعار

- ‌ذكر جلوسه بدار العدل وما قرره من مشاركة أمناء الحكم للأوصياء

- ‌ذكر وصول جماعة من عسكر شيراز

- ‌ذكر سلطنة الملك السعيد

- ‌ذكر ختان الملك السعيد ومن معه

- ‌ذكر خبر غازية الخنافة

- ‌ذكر وصول رسل الملك بركة

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الاسكندرية وتقديم سيف الدين عطاء الله على عرب برقة

- ‌ذكر الواقعة الكائنة بين المسلمين والفرنج ببلاد الأندلس- وانتصار المسلمين

- ‌ذكر مقتل الزين الحافظى

- ‌واستهلت سنة ثلاث وستين وستمائة

- ‌ذكر خبر الحريق بالقاهرة ومصر واتهام أهل الذمة وما قرره عليهم من الأموال بسببه

- ‌ذكر تفويض القضاة لأربعة حكام

- ‌ذكر القبض على الأمير شمس الدين سنقر الأقرع

- ‌ذكر وفاة قاضى القضاة بدر الدين السنجارى وشىء من أخباره

- ‌واستهلت سنة أربع وستين وستمائة

- ‌ذكر عمارة جسر دامية

- ‌واستهلت سنة خمس وستين وستمائة ذكر عود السلطان إلى الديار المصرية وبناء الجامع الظاهرى

- ‌ذكر إقامة الجمعة بالجامع الأزهر بالقاهرة المحروسة وشى من أخباره

- ‌ذكر إنشاء القصر الأبلق بالميدان بظاهر دمشق

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الشام وعمارة قلعة صفد

- ‌ذكر تسمير من يذكر بالقاهرة

- ‌واستهلت سنة ست وستين وستمائة

- ‌ذكر أخذ الزكاة من عرب الحجاز

- ‌ذكر ظهور الماء بالقدس الشريف

- ‌ذكر خبر الحبيس النصرانى ومقتله

- ‌ذكر بناء القرية الظاهرية قرب العباسة

- ‌ذكر إيقاع الحوطة السلطانية على الأملاك والبساتين وما تقرر على أربابها من المال

- ‌ذكر وصول الأمير شمس الدين سنقر الأشقر من بلاد التتار والصلح مع التكفور هيتوم صاحب سيس

- ‌واستهلت سنة سبع وستين وستمائة

- ‌ذكر تجديد الحلف للملك السعيد

- ‌ذكر توجه السلطان على خيل البريد إلى الديار متنكرا وعوده إلى مخيمه بخربة اللصوص ولم يعلم من به بتوجهه

- ‌ذكر وفاة الأمير عز الدين أيدمر الحلى [الصالحى نائب السلطنة

- ‌ذكر توجه السلطان الملك الظاهر إلى الحجاز الشريف

- ‌واستهلت سنة ثمان وستين وستمائة

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الشام جريدة

- ‌واستهلت سنة تسع وستين وستمائة

- ‌ذكر القبض على الملك العزيز فخر الدين عثمان بن الملك المغيث صاحب الكرك والأمراء الشهرزورية

- ‌ولنرجع إلى سياقة أخبار الدولة الظاهرية:

- ‌ذكر حادثة السيل بدمشق

- ‌ذكر سفر الشوانى الإسلامية إلى قبرس وكسرها وأسر من كان بها وخلاصهم

- ‌ذكر عود السلطان إلى قلعته ووصول رسل اليمن، واهتمامه بأمر الشوانى، وما أنعم به من الخلع والخيول على الأمراء والأجناد

- ‌ذكر القبض على من يذكر من الأمراء

- ‌واستهلت سنة سبعين وستمائة

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الكرك ثم إلى الشام وعزل الأمير جمال الدين النجيبى عن نيابة دمشق وتولية الأمير عز الدين أيدمر نائب الكرك نيابة السلطنة بالشام واستنابة الأمير علاء الدين أيدكن أستاد الدار بالكرك

- ‌ذكر عود السلطان من حلب ورجوعه إلى الديار المصرية وعوده إلى الشام

- ‌ذكر إيقاع الحوطة على القاضى شمس الدين الحنبلى واعتقاله

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الصيد ثم إلى الشام

- ‌واستهلت سنة إحدى وسبعين وستمائة

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الديار المصرية على خيل البريد وعوده إلى الشام

- ‌واستهلت سنة اثنتين وسبعين وستمائة

- ‌ذكر الطلسم الذى وجد بباب القصر بالقاهرة

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الشام

- ‌ذكر الظفر بملك الكرج

- ‌ذكر ختان الملك المسعود نجم الدين خضر ولد السلطان الملك الظاهر

- ‌ذكر نكتة غريبة

- ‌ذكر ورود كتاب متملك الحبشة

- ‌واستهلت سنة ثلاث وسبعين وستمائة

- ‌واستهلت سنة أربع وسبعين وستمائة

- ‌ذكر متجددات اتفقت بعد وصول السلطان إلى الديار المصرية غير ما تقدم ذكره

- ‌ذكر توجه رسل السلطان إلى أشبيلية وما كان من خبرهم

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الكرك واستبداله بمن فيها من الرجال وعوده

- ‌واستهلت سنة خمس وسبعين وستمائة

- ‌ذكر وصول جماعة من أمراء الروم إلى خدمة السلطان وطاعتهم له

- ‌ذكر ظهور المسجد بجوار دير البغل وإقامة شعائر الإسلام به

- ‌ذكر غزوات السلطان الملك الظاهر وفتوحاته وما استولى عليه من البلاد الإسلامية

- ‌ذكر ما استولى عليه من القلاع والحصون والبلاد الإسلامية وأضافه إلى ممالكه

- ‌ذكر فتوح سواكن

- ‌ذكر فتوح خيبر

- ‌ذكر فتوح قرقيسيا

- ‌ذكر أخذ بلاطنس وخبرها

- ‌ذكر تسليم صهيون وبرزية

- ‌ذكر أخبار الإسماعيلية وابتداء أمرهم والاستيلاء على حصونهم

- ‌ذكر استيلاء السلطان على بلاد الإسماعيلية وشىء من أخبارها

- ‌ذكر فتوح العليقة والرّصافة

- ‌ذكر فتوح بقية حصون الدعوة

- ‌ذكر أخبار هذه الحصون

- ‌ذكر غزوات السلطان وفتوحاته وما وقع من المصالحات والمهادنات

- ‌ذكر مسير السلطان إلى عكا

- ‌ذكر قصد متملك الأرمن حلب المحروسة

- ‌ذكر محاصرة التتار البيرة وتجريد العساكر وانهزام العدو

- ‌ذكر الفتوحات بالبلاد الفرنجية فى هذه السفرة

- ‌ذكر فتوح قيسارية

- ‌ذكر فتوح أرسوف

- ‌ذكر ما ملكه السلطان لأمرائه من النواحى التى فتحها الله على يده

- ‌ذكر قصد البرنس صاحب طرابلس حمص وانهزامه

- ‌ذكر إغارة العساكر على طرابلس بالشام وفتح قلعة حلبا وقلعة عرقا

- ‌ذكر إغارة العسكر على صور

- ‌ذكر فتوح صفد

- ‌ذكر غزوة سيس وأسر ملكها وقتل أخيه وعمه وأسر ولد عمه

- ‌ذكر وقعة مع الفرنج كانت النصرة فيها للمسلمين

- ‌ذكر إغارة السلطان على عكا

- ‌ذكر الصلح مع بيت الإسبتار على حصنى الأكراد والمرقب

- ‌ذكر فتوح يافا

- ‌ذكر فتوح شقيف أرنون

- ‌ذكر فتوح أنطاكية

- ‌ذكر ملخص أخبار أنطاكية

- ‌ذكر ما اعتمده السلطان فى قسمة عنائم أنطاكية وإحراقه قلعتها وما افتتحه مما هو مضاف إليها وهو: ديركوش وشقيف كفردنين وشقيف كفر تلميس

- ‌ذكر صلح القصير على المناصفة

- ‌ذكر الإغارة على صور

- ‌ذكر الإغارة على عكا

- ‌ذكر فتوح قلعة صافيتا

- ‌ذكر صلح أنطرطوس والمرقب

- ‌ذكر فتوح حصن عكّار

- ‌ذكر صلح طرابلس

- ‌ذكر فتوح القرين

- ‌ذكر صلح صور وما تقرر من المناصفة

- ‌ذكر منازلة التتار البيرة وكسرهم على الفرات وقتل مقدمهم جنقر

- ‌ذكر فتوح كينوك

- ‌ذكر إغارة عيسى بن مهنا على الأنبار

- ‌ذكر الإغارة على مرعش

- ‌ذكر غزوة سيس

- ‌ذكر شىء من أخبار بلاد سيس وسبب استيلاء الأرمن عليها

- ‌نعود إلى أخبار السلطان الملك الظاهر

- ‌ذكر منازلة حصن القصير وفتحه

- ‌ذكر وفاة الأبرنس صاحب طرابلس وما انفق بعد وفاته

- ‌ذكر غزوة النوبة

- ‌ذكر غزوات النوبة فى الإسلام

- ‌ذكر غزوة الروم وقتل التتار

- ‌ذكر رحيل السلطان عن قيسارية وهرب عز الدين أيبك الشيخى ولحاقة بأبغا وعود السلطان إلى ممالكه

- ‌ذكر ما اعتمده الأمير شمس الدين محمد بك بن قرمان أمير التركمان فى البلاد الرومية

- ‌نعود إلى سياقة أخبار السلطان الملك الظاهر

- ‌واستهلت سنة ست وسبعين وستمائة

- ‌ذكر وفاة السلطان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس الصالحى رحمه الله تعالى

- ‌مدة حكمه

- ‌ذكر وفاة الأمير بدر الدين بيليك الخزندار

- ‌ذكر القبض على من يذكر من الأمراء والإفراج عنهم ومن مات منهم

- ‌ذكر عزل قاضى القضاة محيى الدين عبد الله بن محمد بن عين الدولة وإضافة عمله إلى قاضى القضاة تقى الدين بن رزين

- ‌ذكر وفاة الشيخ خضر وشىء من أخباره

- ‌واستهلت سنة سبع وسبعين وستمائة

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الشام وإقامته بدمشق وتجريد العساكر

- ‌[ذكر] أمر شاد الدواوين

- ‌[ذكر] وفاة الأمير جمال الدين أقش النجيبى الصالحى

- ‌ذكر وفاة الصاحب بهاء الدين

- ‌[ذكر] وفاة مجد الدين عبد الرحمن بن الصاحب كمال الدين عمر بن العديم

- ‌[ذكر] وفاة الشيخ العارف نجم الدين أبو المعالى محمد بن الخضر الشيبانى الحريرى

- ‌واستهلت سنة ثمان وسبعين وستمائة

- ‌ذكر عود الأمراء من الغزاة وظهور الوحشة والمنافرة بينهم وبين السلطان الملك السعيد وتوجيههم إلى الديار المصرية

- ‌ذكر وصول السلطان إلى قلعة الجبل وما كان من أمره إلى أن انخلع من السلطنة

- ‌فهرس موضوعات الجزء الثلاثون

الفصل: ‌ذكر تفويض القضاة لأربعة حكام

عمر أعتمر بها بمكة الملك بركة. وسير معه قمقمان من ماء زمزم، ودهن بلسان وغير ذلك.

وفى ذى القعدة وصل الأمير جمال الدين النجيبى نائب السلطنة بالشام فتحدث السلطان «1» معه فى مهمات، وكتب على يده تذكرة «2» ، وعاد فى ذى الحجة.

‌ذكر تفويض القضاة لأربعة حكام

«3»

وفى ذى القعدة سنة ثلاث وستين وستمائة فوض السلطان القضاء بالقاهرة والديار المصرية لأربعة قضاة، لكل مذهب قاض. وسبب ذلك أن الأمير جمال الدين أيدغدى العزيزى كان يكره قاضى القضاة تاج الدين بن بنت الأعز ويغض منه عند السلطان لتثبته فى أحكامه وتأنيه «4» واحترازه، فاتفق أن السلطان جلس بدار العدل فقدمت له قصة من بيت الملك الناصر تتضمن أنهم ابتاعوا دارا من القاضى بدر الدين السنجارى وأن ورثته بعد وفاته ادعوا أنها وقفت قبل ذلك، فأخذ الأمير جمال الدين أيدغدى ينتقص المتعممين فقال السلطان للقاضى تاج الدين:«هكذا تكون القضاة؟» . فأجابه بالآية: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى *

«5» . قال: «فكيف العمل فى هذا؟» . قال: «إذا ثبت الوقف يستعاد

ص: 117

الثمن من الورثة من مال مورثهم» . فقال السلطان: «فإن عجزوا عن الثمن؟» قال: «الوقف باق على أصله» . فامتعض السلطان لذلك. فلم يتم الكلام حتى تقدم رسول صاحب المدينة النبوية وقال: «حملت كتاب السلطان إلى قاضى القضاة أن يسلم إلى المال الذى تحت يده من الوقف؛ لأنفقه فى فقراء أهل المدينة، فلم يفعل» . فسأل السلطان القاضى عن ذلك. فقال: «صدق هذا الرجل، أنا لا أعرفه، ولا أسلم المال إلا لمن أعرفه وأثق بدينه وأمانته، فإن تسلمه السلطان أحضرته بين يديه» . فقال السلطان: «تخرجه من عنقك وتجعله فى عنقى، لا تسلم المال إلا لمن تختاره وترضاء» . وتقدم بعض الأمراء فى المجلس وشكى من القاضى تاج الدين فى قضية آخرى هى شهادة «1» لم يثبتها لبعض أولاد خوشد اشيته فقال القاضى: «لم تأتنى بينة» «2» . فقال الأمير: حضرت البينة فلم تسمعها. فسأله السلطان عن امتناعه من سماع البينة. قال: «لا حاجة إلى ذكر الجواب» .

فقال الأمير جمال الدين أيدغدى العزيزى للقاضى نحن نترك مذهب الشافعى لك ويولى السلطان من كل مذهب قاضيا «3» ، فرجع السلطان إلى قوله، وفوض النظر فى الأحكام والقضايا إلى حكام أربعة «4» وهم: قاضى القضاة تاج الدين عبد الوهاب المشار إليه، قاضى الشافعية. والشيخ شرف الدين أبو حفص عمر بن عبد الله ابن صالح بن عيسى السبكى، قاضى المالكية، والقاضى صدر الدين سليمان قاضى الحنفية والشيخ شمس الدين محمد بن الشيخ عماد الدين إبراهيم المقدسى،

ص: 118

قاضى الحنابلة. وجعل لهم السلطان أن يولوا فى الأعمال نوابا عنهم. وخص قاضى القضاة، تاج الدين الشافعى، بالنظر فى أموال الأيتام والأوقاف بمفرده بالديار المصرية، بتقليد سلطانى نسخته بعد البسملة، ومثال العلامة السلطانية بين السطرين المستعلى بالله.

«الحمد لله مجرد سيف الحق لمن اعتدى، وموسع مجاله لمن راح إليه وأغتدى، وموضح طريقه لمن اقتاد به واقتدى، ومزين سمائه بنجوم تستمد الأنوار من شمس الهدى، الذى أعذب لشرعة الشريعة المحمدية ينبوعا، وأقامها أصلا مد بثمار الرشد فروعا. نحمده على نعمة التى ألزمتنا التشييد [فى] «1» مبانى الإنصاف شروعا» .

«ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نعمر بها من القلوب والأفواه ربوعا. ونصلى على سيدنا محمد الذى بعثه الله إلى العالم جميعا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، صلاة يناجى القائل بها بصيرا سميعا» .

«وبعد: فإن أحق من استوعبت كليات المحامد له بالتبعيض، وطافت الممادح من كعبة العلم بركن منه طواف المفرض لا طواف المفيض وخلد له إرضاء الأحكام وإمضاء النفويض، وريش جناحه وإن لم بك بالمهيض، وفسح مجاله وإن كان الطويل العريض، ورفع قدره على الأقدار، وتقسمت من سحائبه الأنواء، ومن أشعته الأنوار، ووغزر مدّه فجرت منه فى رياض الرشد الأنهار، وغدا تخشع لتقواه القلوب، وتنصب لفتواه الأسماع وترنو لمحياه الإبصار، من أوفد من إرشاده للامة وللائمة لطفا فلطفا، وأوقد من علمه جذوة لا تخبو، ومن عدله قبسا بالهوى لا يطفأ، وفات النظراء والنظار فلا يرسل أحد

ص: 119

معه طرفا، ولا يمد إليه حياء منه طرفا، وقد جاز واحتوى من العلوم على ما تفرق فى غيره وغدا «1» خير دليل إلى الحق، فلا يقتدى فى المشكلات إلا برأى اجتهاده، ولا يهتدى فى المذاهب إلا بسيره، وأصبح لفلك الشريعة المحمدية قطبا، ولجثمانها قلبا ولسوارها قلبا، وأضحى لدليلها برهانا، ولإنسانها عينا، ولعينها إنسانا، فكم أرضى بعدله وفضله بنى الأيام عن الأيام، وكم أغضى مع قدرته على الانتقام، وكم أمضى حكما لا انفصال لعروته ولا انفصام، وكم أفضى بالجور إلى ماله وبالعدل إلى الأيتام، فلو استعداه الليل على النهار لأنصفه من تعديه، ولم يداجه لكونه يستر عليه تعبده فى دياجيه، فهو الحاكم بالحق ولو على نفسه، والمسترد الحقوق الذاهبة حتى لغده من يومه وليومه من أمسه.

«ولما كان المجلس السامى القضائى الإمامى، العالمى العاملى، الأشرف الزاهدى الأثيرى الماجدى الذخيرى الأفضلى الجلالى التاجى، حجة الإسلام، شرف الأنام، مجد الأمة، فخر الأئمة، صدر الشريعة مقتدى الفرق، رئيس الأصحاب، لسان الحق، ذخر الملوك والسلاطين، ولى أمير المؤمنين، قاضى القضاة، عبد الوهاب بن القاضى الأجل الأوحد الأعز أبى القاسم خلف، حرس الله جلاله، ممن هو فى أحسن هذه السمات يتصور، وله أنوار بركات تعدّ ونجوم السماء بها تتكثر، وقد تجوهر بالعلوم فأصبح التاج المجوهر، وله مزايا السؤدد التى لا يشك فيها ولا يرتاب، وسجايا الديانة التى إذا دخل غيره إليها من باب واحد دخل هو إليها من عدة أبواب، وهو شجرة الأحكام ومصعد كلم الحكام، ومطلع أنجم شرائع الإسلام، ومهبط وحى التقدمات والارتسام وعكاظ قضايا الحلام والحرام» .

ص: 120

«خرج الأمر العالى المولوى السلطانى الملكى الظاهرى الركنى، لا زال ماضيا وبالسداد قاضيا: بتجديد هذا التقليد الشريف له بقضاء القضاة بالديار المصرية فليحكم جميعها بما أراه الله من مذهب الإمام المطلبى محمد بن إدريس الشافعى، رضى الله عنه، وأموالى اليتامى على اختلاف أجناسها هى ودائع الأموات، وذخائر كل ممنوع من التصرفات، وقد أوصى الله بها، واوسع المتعدى عليها إنكارا وتحذيرا، وخوف من أكلها ظلما، فقال جل وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً

» «1» .

وقد رأينا أن نخصص المجلس السامى بالنظر فى جميع أمورها واذ قد غدت ذخر كل منقطع فنجعله من ذخرها، فلينظر «2» فى جميع أموال الأيتام على اختلاف أجناسها بالقاهرة ومصر المحروستين والديار المصرية بمفرده وبمن يستنيبه عنه، وليحطها بنظره، ويضبطها بحسن تأثيره وأثره، وكذلك ما يختص بمذهبه من الجوامع والمناصب والمساجد والربط والتصديرات والأوقاف، ينظر فى جميعها ويولى فى أصولها وفروعها، والأوقاف العامة من الصدقات وغيرها، ينظر فيها بنفسه وبنوابه، حافظا لأمورها وملاحظا لتدبيرها، ومجتهدا فى صلاحها وتثميرها، وليستصحب من ذلك ما هو ملى باستصحابه. وليستمر على إقامة منار الحق الذى هو موثق عراء ومؤكد أسبابه، عالما بأن كل إنارة أضأتها من قبسه وأن استضأنا بها فى دياجى المنى، وكل ثمرة من مغترسه وإن مددنا إليها يد الاجتنا، وكل جدول هو من بحره وإن بسطت إليه راحة الاغتراف وكل منهج هو من جادته وإن ثنيت البه أعنة الاستطلاع للافادة والاستكشاف

ص: 121

وهو بحمد الله المجتهد المصيب، والمادة للعناصر وإن كان يصيبه منها أوفر تصيب، والصادق الذى ينبىء بالحق إذا وامرته «1» المراسيم، ولا ينبؤك مثل خبير، ووصاياه منها يسترشد، فلا يفاوض فيها، ومنه تتعلم فلا نكرر عليه ما يستفاد منه من معانيها، والله تعالى يسد بأحكامه الذريعة، ويحمى به حمى الشريعة إن شاء الله تعالى، وكتب فى ثامن وعشرين ذى القعدة سنة ثلاث وستمائة بالاشارة العالية المولوية الأتابكية الفارسية وأعزها الله، الحمد الله وحده وصلاته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلامه» .

ولما فوض السلطان القضاء بالديار المصرية لحكام أربعة، فعل مثل ذلك بدمشق «2» ، وجهز التقاليد إلى الحكام الذين وقع الاختيار عليهم، وهم: القاضى شمس الدين أحمد بن محمد بن خلكان الشافعى، على عادته، والشيخ زين الدين عبد السلام الزواوى المالكى قاضى المالكية، والقاضى شمس الدين عبد الله ابن محمد بن عطاء الأذرعى الحنفى قاضى الحنيفة، والشيخ شمس الدين عبد الرحمن ابن الشيخ أبى عمر الحنبلى قاضى الحنابلة، ووصلت تقاليدهم بذلك فى سادس جمادى الأول سنة أربع وستين وستمائة، فامتنع المالكى والحنبلى من قبول الولاية والدخول فى باب القضاء، فطولع السلطان بذلك، فورد جوابه بالزامهما، وأنهما إن استقرا على الامتناع وصمما عليه يعزلا عما بأيديهما من المناصب ويخرجا من بلاد السلطان، فقيلا الولاية، وامتنعا من قبول المعلوم المقرر للقضاة وقالا:

«نحن فى كفاية عن قبول المعلوم» .

ص: 122