المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر توجه السلطان إلى الكرك واستبداله بمن فيها من الرجال وعوده - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٣٠

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌ الجزء الثلاثون

- ‌[تتمة الفن الخامس في التاريخ]

- ‌[تتمة القسم الخامس من الفن الخامس في أخبار الملة الإسلامية]

- ‌[تتمة الباب الثاني عشر من القسم الخامس من الفن الخامس أخبار الديار المصرية]

- ‌[تتمة ذكر اخبار دولة الترك]

- ‌ذكر أخبار السلطان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس الصالحى وهو الرابع من ملوك دولة الترك بالديار المصرية المحروسة

- ‌[سنة ثمان وخمسين وستمائة]

- ‌واستهلت سنة تسع وخمسين وستمائة

- ‌فأما ما كان من الأخبار والحوادث فى مقر ملكه بالديار المصرية

- ‌ذكر تفويض الوزارة إلى الصاحب الوزير بهاء الدين على بن القاضى سديد الدين أبى عبد الله محمد بن سليم المعروف بابن حنا

- ‌ذكر القبض على جماعة من الامراء المعزّية

- ‌ذكر تفويض قضاء القضاء بالديار المصرية لقاضى القضاة تاج الدين بن بنت الأعز

- ‌ذكر ما اعتمده السلطان فى ابتداء سلطنته ورتبه من المصالح وقرره من القربات والأوقاف والعماير

- ‌ذكر بناء قلعة الجزيرة

- ‌ذكر وصول من يذكر من الملوك إلى خدمة السلطان وما قرره لكل منهم وما عاملهم به من الإحسان

- ‌ذكر وصول الخليفة المستعصم بالله إلى الديار المصرية ومبايعته وتجهيزه بالعساكر إلى بلاد الشرق وما كان من أمره إلى ان قتل

- ‌ذكر استيلاء الأمير علم الدين سنجر الحلبى على دمشق وسلطنته بها، وأخذها منه، وتقرير نواب السلطان بها

- ‌ذكر ما اتفق بحلب فى أمر النيابة

- ‌ذكر وصول طائفة من التتار إلى البلاد الإسلامية وما فعلوه بحلب وتقدمهم إلى حمص وقتالهم وانهزامهم وما كان من خبر عودهم

- ‌ذكر الغلاء الكائن بحلب

- ‌ذكر اختلاف العزيزية والناصرية، ومفارقة الأمير شمس الدين أقش البرلى البلاد، وتولية الحلبى نيابة حلب وعزله، وعود البرلى إليها وخروجه منها، ونيابة البندقدار وعود البرلى إليها ثانية وخروجه

- ‌ذكر ما اتفق للسلطان بالشام فى مدة مقامه بدمشق وما وقع فى سفرته هذه خلاف ما قدمنا ذكره من أمر الخليفة

- ‌ذكر ركوب السلطان إلى الميدان بدمشق ولعبه بالكره ومن كان فى خدمته من الملوك

- ‌ذكر الصلح مع ملوك الفرنج

- ‌ذكر الغارة على العرب والفرنج

- ‌ذكر عود السلطان إلى الديار المصرية

- ‌ذكر أخذ الشويك

- ‌واستهلت سنة ستين وستمائة

- ‌ذكر وصول الأمير شمس الدين سلار البغدادى وشىء من أخباره

- ‌ذكر عود رسل السلطان من جهة الأنيرور

- ‌ذكر عود رسل السلطان من جهة صاحب الروم ووصول رسله إلى السلطان، وما قرره السلطان من بلاده

- ‌ذكر عود رسل السلطان من جهة الأشكرى وخبر مسجد القسطنطينية

- ‌ذكر حضور الأمير شمس الدين أقش البرلى العزيزى إلى الديار المصرية

- ‌ذكر القبض على علاء الدين طيبرس الوزيرى نائب السلطنة بالشام

- ‌ذكر وصول جماعة من التتار إلى خدمة السلطان

- ‌ذكر إنفاذ الرسل إلى الملك بركة

- ‌ذكر تفويض نيابة السلطنة بالشام إلى الأمير جمال الدين النجيبى الصالحى

- ‌ذكر وفاة شيخ الإسلام عز الدين أبى محمد ابن عبد العزيز بن عبد السلام بن أبى القاسم ابن الحسن بن أبى محمد السلمى الدمشقى الشافعى وشىء من أخياره

- ‌واستهلت سنة إحدى وستين وستمائة

- ‌ذكر البيعة للإمام الحاكم بأمر الله أبى العباس أحمد العباسى

- ‌ذكر القبض على الملك المغيث صاحب الكرك واعتقاله

- ‌ذكر أخذ الكرك

- ‌ذكر القبض على الأمراء وهم: الأمير سيف الدين بلبان الرشيدى والأمير شمس الدين أقش البرلى والأمير عز الدين الدمياطى، وما نقل من الأسباب الموجبة لذلك

- ‌ذكر توجه السلطان إلى ثغر الإسكندرية

- ‌ذكر وصول التتار المستأمنين

- ‌واستهلت سنة اثنتين وستين وستمائة

- ‌ذكر تفويض أمر جيش حماة إلى الطواشى شجاع الدين مرشد الحموى

- ‌ذكر عمارة المدرسة الظاهرية وترتيب الدروس

- ‌ذكر وفاة الملك الأشرف مظفر الدين موسى صاحب حمص والرحبة

- ‌ذكر جلوس السلطان بدار العدل وما رتبه عند غلو الأسعار

- ‌ذكر جلوسه بدار العدل وما قرره من مشاركة أمناء الحكم للأوصياء

- ‌ذكر وصول جماعة من عسكر شيراز

- ‌ذكر سلطنة الملك السعيد

- ‌ذكر ختان الملك السعيد ومن معه

- ‌ذكر خبر غازية الخنافة

- ‌ذكر وصول رسل الملك بركة

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الاسكندرية وتقديم سيف الدين عطاء الله على عرب برقة

- ‌ذكر الواقعة الكائنة بين المسلمين والفرنج ببلاد الأندلس- وانتصار المسلمين

- ‌ذكر مقتل الزين الحافظى

- ‌واستهلت سنة ثلاث وستين وستمائة

- ‌ذكر خبر الحريق بالقاهرة ومصر واتهام أهل الذمة وما قرره عليهم من الأموال بسببه

- ‌ذكر تفويض القضاة لأربعة حكام

- ‌ذكر القبض على الأمير شمس الدين سنقر الأقرع

- ‌ذكر وفاة قاضى القضاة بدر الدين السنجارى وشىء من أخباره

- ‌واستهلت سنة أربع وستين وستمائة

- ‌ذكر عمارة جسر دامية

- ‌واستهلت سنة خمس وستين وستمائة ذكر عود السلطان إلى الديار المصرية وبناء الجامع الظاهرى

- ‌ذكر إقامة الجمعة بالجامع الأزهر بالقاهرة المحروسة وشى من أخباره

- ‌ذكر إنشاء القصر الأبلق بالميدان بظاهر دمشق

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الشام وعمارة قلعة صفد

- ‌ذكر تسمير من يذكر بالقاهرة

- ‌واستهلت سنة ست وستين وستمائة

- ‌ذكر أخذ الزكاة من عرب الحجاز

- ‌ذكر ظهور الماء بالقدس الشريف

- ‌ذكر خبر الحبيس النصرانى ومقتله

- ‌ذكر بناء القرية الظاهرية قرب العباسة

- ‌ذكر إيقاع الحوطة السلطانية على الأملاك والبساتين وما تقرر على أربابها من المال

- ‌ذكر وصول الأمير شمس الدين سنقر الأشقر من بلاد التتار والصلح مع التكفور هيتوم صاحب سيس

- ‌واستهلت سنة سبع وستين وستمائة

- ‌ذكر تجديد الحلف للملك السعيد

- ‌ذكر توجه السلطان على خيل البريد إلى الديار متنكرا وعوده إلى مخيمه بخربة اللصوص ولم يعلم من به بتوجهه

- ‌ذكر وفاة الأمير عز الدين أيدمر الحلى [الصالحى نائب السلطنة

- ‌ذكر توجه السلطان الملك الظاهر إلى الحجاز الشريف

- ‌واستهلت سنة ثمان وستين وستمائة

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الشام جريدة

- ‌واستهلت سنة تسع وستين وستمائة

- ‌ذكر القبض على الملك العزيز فخر الدين عثمان بن الملك المغيث صاحب الكرك والأمراء الشهرزورية

- ‌ولنرجع إلى سياقة أخبار الدولة الظاهرية:

- ‌ذكر حادثة السيل بدمشق

- ‌ذكر سفر الشوانى الإسلامية إلى قبرس وكسرها وأسر من كان بها وخلاصهم

- ‌ذكر عود السلطان إلى قلعته ووصول رسل اليمن، واهتمامه بأمر الشوانى، وما أنعم به من الخلع والخيول على الأمراء والأجناد

- ‌ذكر القبض على من يذكر من الأمراء

- ‌واستهلت سنة سبعين وستمائة

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الكرك ثم إلى الشام وعزل الأمير جمال الدين النجيبى عن نيابة دمشق وتولية الأمير عز الدين أيدمر نائب الكرك نيابة السلطنة بالشام واستنابة الأمير علاء الدين أيدكن أستاد الدار بالكرك

- ‌ذكر عود السلطان من حلب ورجوعه إلى الديار المصرية وعوده إلى الشام

- ‌ذكر إيقاع الحوطة على القاضى شمس الدين الحنبلى واعتقاله

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الصيد ثم إلى الشام

- ‌واستهلت سنة إحدى وسبعين وستمائة

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الديار المصرية على خيل البريد وعوده إلى الشام

- ‌واستهلت سنة اثنتين وسبعين وستمائة

- ‌ذكر الطلسم الذى وجد بباب القصر بالقاهرة

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الشام

- ‌ذكر الظفر بملك الكرج

- ‌ذكر ختان الملك المسعود نجم الدين خضر ولد السلطان الملك الظاهر

- ‌ذكر نكتة غريبة

- ‌ذكر ورود كتاب متملك الحبشة

- ‌واستهلت سنة ثلاث وسبعين وستمائة

- ‌واستهلت سنة أربع وسبعين وستمائة

- ‌ذكر متجددات اتفقت بعد وصول السلطان إلى الديار المصرية غير ما تقدم ذكره

- ‌ذكر توجه رسل السلطان إلى أشبيلية وما كان من خبرهم

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الكرك واستبداله بمن فيها من الرجال وعوده

- ‌واستهلت سنة خمس وسبعين وستمائة

- ‌ذكر وصول جماعة من أمراء الروم إلى خدمة السلطان وطاعتهم له

- ‌ذكر ظهور المسجد بجوار دير البغل وإقامة شعائر الإسلام به

- ‌ذكر غزوات السلطان الملك الظاهر وفتوحاته وما استولى عليه من البلاد الإسلامية

- ‌ذكر ما استولى عليه من القلاع والحصون والبلاد الإسلامية وأضافه إلى ممالكه

- ‌ذكر فتوح سواكن

- ‌ذكر فتوح خيبر

- ‌ذكر فتوح قرقيسيا

- ‌ذكر أخذ بلاطنس وخبرها

- ‌ذكر تسليم صهيون وبرزية

- ‌ذكر أخبار الإسماعيلية وابتداء أمرهم والاستيلاء على حصونهم

- ‌ذكر استيلاء السلطان على بلاد الإسماعيلية وشىء من أخبارها

- ‌ذكر فتوح العليقة والرّصافة

- ‌ذكر فتوح بقية حصون الدعوة

- ‌ذكر أخبار هذه الحصون

- ‌ذكر غزوات السلطان وفتوحاته وما وقع من المصالحات والمهادنات

- ‌ذكر مسير السلطان إلى عكا

- ‌ذكر قصد متملك الأرمن حلب المحروسة

- ‌ذكر محاصرة التتار البيرة وتجريد العساكر وانهزام العدو

- ‌ذكر الفتوحات بالبلاد الفرنجية فى هذه السفرة

- ‌ذكر فتوح قيسارية

- ‌ذكر فتوح أرسوف

- ‌ذكر ما ملكه السلطان لأمرائه من النواحى التى فتحها الله على يده

- ‌ذكر قصد البرنس صاحب طرابلس حمص وانهزامه

- ‌ذكر إغارة العساكر على طرابلس بالشام وفتح قلعة حلبا وقلعة عرقا

- ‌ذكر إغارة العسكر على صور

- ‌ذكر فتوح صفد

- ‌ذكر غزوة سيس وأسر ملكها وقتل أخيه وعمه وأسر ولد عمه

- ‌ذكر وقعة مع الفرنج كانت النصرة فيها للمسلمين

- ‌ذكر إغارة السلطان على عكا

- ‌ذكر الصلح مع بيت الإسبتار على حصنى الأكراد والمرقب

- ‌ذكر فتوح يافا

- ‌ذكر فتوح شقيف أرنون

- ‌ذكر فتوح أنطاكية

- ‌ذكر ملخص أخبار أنطاكية

- ‌ذكر ما اعتمده السلطان فى قسمة عنائم أنطاكية وإحراقه قلعتها وما افتتحه مما هو مضاف إليها وهو: ديركوش وشقيف كفردنين وشقيف كفر تلميس

- ‌ذكر صلح القصير على المناصفة

- ‌ذكر الإغارة على صور

- ‌ذكر الإغارة على عكا

- ‌ذكر فتوح قلعة صافيتا

- ‌ذكر صلح أنطرطوس والمرقب

- ‌ذكر فتوح حصن عكّار

- ‌ذكر صلح طرابلس

- ‌ذكر فتوح القرين

- ‌ذكر صلح صور وما تقرر من المناصفة

- ‌ذكر منازلة التتار البيرة وكسرهم على الفرات وقتل مقدمهم جنقر

- ‌ذكر فتوح كينوك

- ‌ذكر إغارة عيسى بن مهنا على الأنبار

- ‌ذكر الإغارة على مرعش

- ‌ذكر غزوة سيس

- ‌ذكر شىء من أخبار بلاد سيس وسبب استيلاء الأرمن عليها

- ‌نعود إلى أخبار السلطان الملك الظاهر

- ‌ذكر منازلة حصن القصير وفتحه

- ‌ذكر وفاة الأبرنس صاحب طرابلس وما انفق بعد وفاته

- ‌ذكر غزوة النوبة

- ‌ذكر غزوات النوبة فى الإسلام

- ‌ذكر غزوة الروم وقتل التتار

- ‌ذكر رحيل السلطان عن قيسارية وهرب عز الدين أيبك الشيخى ولحاقة بأبغا وعود السلطان إلى ممالكه

- ‌ذكر ما اعتمده الأمير شمس الدين محمد بك بن قرمان أمير التركمان فى البلاد الرومية

- ‌نعود إلى سياقة أخبار السلطان الملك الظاهر

- ‌واستهلت سنة ست وسبعين وستمائة

- ‌ذكر وفاة السلطان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس الصالحى رحمه الله تعالى

- ‌مدة حكمه

- ‌ذكر وفاة الأمير بدر الدين بيليك الخزندار

- ‌ذكر القبض على من يذكر من الأمراء والإفراج عنهم ومن مات منهم

- ‌ذكر عزل قاضى القضاة محيى الدين عبد الله بن محمد بن عين الدولة وإضافة عمله إلى قاضى القضاة تقى الدين بن رزين

- ‌ذكر وفاة الشيخ خضر وشىء من أخباره

- ‌واستهلت سنة سبع وسبعين وستمائة

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الشام وإقامته بدمشق وتجريد العساكر

- ‌[ذكر] أمر شاد الدواوين

- ‌[ذكر] وفاة الأمير جمال الدين أقش النجيبى الصالحى

- ‌ذكر وفاة الصاحب بهاء الدين

- ‌[ذكر] وفاة مجد الدين عبد الرحمن بن الصاحب كمال الدين عمر بن العديم

- ‌[ذكر] وفاة الشيخ العارف نجم الدين أبو المعالى محمد بن الخضر الشيبانى الحريرى

- ‌واستهلت سنة ثمان وسبعين وستمائة

- ‌ذكر عود الأمراء من الغزاة وظهور الوحشة والمنافرة بينهم وبين السلطان الملك السعيد وتوجيههم إلى الديار المصرية

- ‌ذكر وصول السلطان إلى قلعة الجبل وما كان من أمره إلى أن انخلع من السلطنة

- ‌فهرس موضوعات الجزء الثلاثون

الفصل: ‌ذكر توجه السلطان إلى الكرك واستبداله بمن فيها من الرجال وعوده

وهطل نوره بالإحسان فأغدق. وتناسبت فيه أجناس من تجنيس لفظ التفضيل، فقال الاعتراف، هذا ما تصدق، وقال العرف، هذا ما أصدق مولانا السلطان- وذكر نعوته وألقابه- أصدقها ما ملأ خزائن الأحساب فخارا وشجرة الأنساب ثمارا، ومشكاة الجلالة أنوارا، وأضاف إلى ذلك ما لولا أدب الشرع لكان أقاليم ومدائن وأمصارا. فبذل لها من العين المصرى ما هو بإسم والده قد تشرف، وبنعوته قد تعرف، وبين يدى هباته وصدقاته قد تصرف» .

ثم كان الدخول بها فى شهر ربيع الأول سنة خمس وسبعين وستمائة.

واهتم السلطان بذلك اهتماما لم يسمع بمثله، وخلع على جميع أكابر دولته من الأمراء والمقدمين والوزراء والقضاة والكتاب. وأنعم على الأمير سيف الدين قلاون بتشريف كامل بشربوش كان السلطان قد لبسه ثم خلعه عليه.

‌ذكر توجه السلطان إلى الكرك واستبداله بمن فيها من الرجال وعوده

«1»

وفى يوم الخميس ثانى عشر ذى الحجة من هذه السنة: حالة انقضاء العقد، ركب السلطان على الهجن وتوجه إلى الكرك فى جمع يسير من جهة البرية، فوصل إلى قلعة الكرك فى ثالث وعشرين الشهر. وكان سبب ذلك أنه بلغه عن بعض رجال القلعة أنهم عزموا على إثارة فتنة ونقل دولة، وأنهم عزموا على الوثوب بنواب السلطان بالكرك فيقتلونهم ويسلمون الحصن لأخ كان للملك القاهر ابن الملك المعظم لأمه، كونه ينسب إلى الملك الناصر، وكان مقيما بالكرك لا يؤبه

ص: 227

له. فدخل السلطان إلى الكرك بغتة، واستدعى الرجالة، وكانوا زهاء ستمائة، وأمر بالقبض عليهم وشنقهم، فشفع ما كان معه فيهم، فأخرجهم من الحصن وقطع أيدى وأرجل ستة نفر منهم من خلاف، كانوا سبب الفتنة. وكان السلطان قد استخدم رجالا يثق بهم، وسفرهم إلى غزة، ولم يعرف أحدا قصده بهم، فأحضرهم إلى الكرك ورتبهم عوض من كان بها من الرجال. واستدعى السلطان الطواشى شمس الدين صواب السهيلى الصالحى- وكان يتولى صناعة الإنشاء بمصر- وسلم إليه الحصن، وفوض «1» إليه النظر فى أمواله وحواصله وذخائره.

وخرج متوجها إلى دمشق فى يوم الجمعة ثامن عشرين ذى الحجة سنة أربع وسبعين وستمائة.

واتفق للسلطان فى هذه السفرة أمور، وشاهد أبنية ومنازل غريبة فى مسيره من الديار المصرية إلى الكرك. وقد ذكرها المولى محيى الدين بن عبد الظاهر واعتذر فى بسط القول فيها «2» لغرابتها. فأحبنا أن نذكر ذلك تلخيصا.

قال: رحل السلطان من قلعته يوم الخميس المذكور فنزل بلبيس، وأقام إلى قرب وقت العصر، ورحل فنزل رأس الماء بوادى السدير، ورحل منه فى نصف ليلة السبت، فنزل الكراع وأقام إلى غروب الشمس، وحمل الماء لكفاية يومين، وتوجه على طريق البدرية، وساق سوقا عنيفا إلى وقت الفجر من يوم الاثنين، لم يرح ولم يسترح إلا بقدر ما تشرب الخيل الماء وتستوفى العليق، فنزل جبل بدر، ثم ركب بعد الإسفار لشدة الوعر فوصل إلى بدر، ونزل عند العين.

ص: 228

قال: وهى عين تخرج من جبل أخضر ليس فيه نبات، منبعها من جهة الغرب تحت جبل شاهق، وهى شكل مغارة منقوبة، يدخل الإنسان منها مقدار عشرة خطى، فيجد عينا تنبع عن بسرة الداخل إليها.

وكان السلطان قبل وصوله إلى العين قد بعث جماعة من العرب وأمرهم أن يجمعوا من ماء العين ما يكون حاصلا للورود، فصنعوا حول العين حياضا فى الأرض شكل البرك محوطة بالحجارة، وملأوها من ماء العين، فوردها السلطان ومن معه، وارتفقوا بها، ولولا ذلك لهلكوا من الأزدحام على الماء. ثم دخل السلطان بنفسه إلى المغارة، وجلس عند العين، وكان يملأ لمن معه قربهم بيده ويناول كل قربة لصاحبها حتى ملأوا ما معهم. ثم رحل من بدر فنزل حسنة، وهى بئر واحدة. ورحل منها حتى انتهى إلى عين تعرف بالمليحة فوردها. ورحل وبات تحت جبل يعرف بنقب الرّباعى، فلما أسفر الصبح صعد إلى الجبل وإذا هو جبل عظيم به عقاب صعبة- وهى حجارة رخوة تشبه الرمل المتجمد، متغيرة الألوان إلى الحمرة والزرقة والبياض- وثم ثقوب فى الجبل يعبر الراكب منها، وبها أمكنة تشبه السلالم من حجارة. وبها قبر هارون نبى الله أخى موسى ابن عمران، عليهما السلام، على يسرة السالك المتوجه إلى الشام. وثم قلعة تعرف بالأصوت «1» صعدها السلطان وشاهدها، فوجدها من أعجب الحصون وأمنعها لا يكون أحصن منها. ونزل من نقوب الرباعى إلى مدائن بنى إسرائيل، وهى ثقوب فى الجبال من أحسن الأشكال ذات بيوت بالعمد وأبواب، وظواهر البيوت مصوقة «2» بالنقوش فى الحجارة بالإزميل، وكلها مخربة، بها صور أشكال

ص: 229

وهى على قدر دور الناس المبنية الآن، وداخل هذه البيوت الأواوين المنورة المعقودة والصفف المتقابلة والخزائن والدهاليز والحرميات «1» . وليس ذلك مبنيا بل جميعه منحوت بالحديد أشكال المغاير «2» .

قال: وقد خلق الله تعالى جبلين متقابلين، بينهما طريق، وكل جبل منهما كأنه شكل سور مرتفع، والدور متصلة يمينا وشمالا. ثم خرج السلطان من تلك الأمكنة إلى وادى المدرة، ثم منه إلى قرية تعرف بالعذبا «3» ، عرفت بذلك لأن بها العين التى يحسها موسى بن عمران عليه السلام بعصاه، وكانت تجرى دما، فقال:

«عد بأمر الله ماء عذبا» فعادت العين ماء حلوا رائقا باردا. فبات السلطان بها، ورحل منها ليلة السبت حادى عشرين الشهر، فوصل قلعة الشوبك نصف نهار الأحد، وخيم هناك، وحضر أمراء بنى عقبة وغيرهم من أمراء العربان، وقدموا الخيول والهجن وغير ذلك، ثم رحل من الشوبك نصف نهار الاثنين على طريق الحسا، فوصل إلى الكرك نصف نهار الثلاثاء ثالث عشرين الشهر.

قال: ولما كان فى سابع وعشرين الشهر يوم الجمعة خرج السلطان إلى باب قلعة الكرك، وأحضر رجالها، وذكر من خبر إخراجهم نحو ما تقدم.

وفى هذه السنة: توفى الملك المسعود جلال الدين عبد الله بن الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن الملك العادل سيف الدين أبى بكر محمد بن أيوب.

ص: 230

وكانت وفاته بدمشق فى خامس عشر جمادى الآخرة ودفن بسفح قاسيون. وكان من أجمل الناس صورة وألطفهم خلقا وأكثرهم أدبا، كثير المكارم وحسن العشرة، رحمه الله تعالى.

وفيها: توفى الصاحب موفق الدين أبو الحسن على بن محمد بن على بن محمد المذحجى الآمدى، وكان من أعيان الأكابر ممن يرشح للوزارة، وولى نظر الدواوين ثم رتب آخرا ناظر الكرك والشوبك، فباشر ذلك مكرها، واستمر على ذلك إلى أن مات بالكرك. وكانت وفاته فى ثامن عشر ذى الحجة، ودفن قريبا من مشهد جعفر التيار رضى الله عنه.

وفيها: فى يوم الأحد ثالث عشر شهر ربيع الأول كانت وفاة الأمير ركن الدين خاص ترك الكبير بدمشق ودفن بقاسيون «1» .

وفيها: فى العشرين من شهر رمضان توفى الشيخ الإمام الفاضل تاج الدين أبو الحسن على بن الأنجب البغدادى- المعروف بابن الساعى- المؤرخ خازن كتب المدرسة المستنصرية «2» . كان فاضلا، وله تاريخ مذيل على تاريخ ابن الأثير الجزرى، رحمهما الله تعالى.

ص: 231