الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستهلت سنة ست وسبعين وستمائة
ذكر وفاة السلطان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس الصالحى رحمه الله تعالى
قال القاضى محيى الدين عبد الله بن عبد الظاهر فى السيرة الظاهرية:
ودخل السلطان دمشق فى خامس المحرم وقد رنّح النصر أعطافه «1» ، وروى من دماء الأعداء أسيافه، وقدامه مقدمو التتار قد ركبوا وهم فى القيود عوض شهب الجياد، وبعد أن كانوا مقترنين صاروا مقرنين فى الأصفاد. ونزل بقصره فى الميدان الأخضر، معتقدا أن الدنيا فى يده قد حصلت، والبلاد التى حلها ركابه عنه انفصلت، وأن سعده استخلص له الأيام وأصفاها، والممالك شرقا وغربا لو لم يكن بها غيره لكفاها، وإذا بالمنية قد أنشبت أظفارها، والأمنية وقد وضعت حوبها [و «2» ] أوزارها، والعافية وقد شمّرت الذيل، والصحة وقد قالت لطبيه:«أهلك والليل» ، ورماح الخط وقد قالت لأقلام الخط:«أصبت فى لبس الحداد من المداد» ، والقلوب وقد قالت عند شق الجيوب:«نحن أحق منك بهذا المراد» ، والحصون وقد قالت لقصره الأبلق:«ما كان بناؤك على هذه الصورة إلا فألا»
بما تسود الجدران به عند الفجائع من السواد» .
قال: وكان ابتداء مرضه الذى اعتل به الوجود، وتباشرت به الأكفان واللحود: ليلة السبت خامس عشر المحرم. فانه ركب وقت العصر من يوم الجمعة رابع عشرة وكأنه مودع لأخدانه ورؤية موكبه وركوب حصانه، ونزل والتاث جسمه بعض التياث، وأصبح وليس عنده ذلك الانبعاث. فلما انقضت مدة أجله، وانطوت صحيفة عمله، قبض الله روحه الزكية، ورجعت إلى ربها راضية مرضية، وذلك بعد الزوال من يوم الخميس سابع عشرين المحرم سنة ست وسبعين وستمائة.
وكأن نفوس العالم كانت نفسا، وأنزل الله السكينة فلا تسمع إلا همسا، واستصحبت مهابته السكون وخادعت العقول حتى أن ما كان «1» من وفاته كاد كل يحلف أنه ما يكون.
وحمل فى محفة إلى قلعة دمشق فى تلك الليلة، وسكنت الشفاة والألسنة، وتناومت العقول من غير نوم ولا سنة. وجعل فى بعض القاعات بالقلعة على سرير يومأ إليه بالترحم والسلام، ولا يزوره غير الملائكة الكرام.
قال المؤرخ: وتولى غسله وتحنيطه وتصبيره وتكفينه المهتار شجاع الدين عنبر، والفقيه كمال الدين الإسكندرى المعروف بابن المنبجى، والأمير عز الدين أيبك الأفرم أمير جاندار، ثم جعل فى تابوت وعلق فى بيت من بيوت قاعة البحرة بقلعة دمشق. وكانت مدة مرضه، رحمه الله تعالى، ثلاثة عشر يوما، وهى مدة مرض الشهيد الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، رحمه الله تعالى.