الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
كتابُ الإِيلاءِ
الإِيلاءُ فى اللُّغَةِ: الحَلِفُ. يقالُ: آلَى يُولِى إيلاءً وألِيَّةً. وجَمْعُ الأَلِيَّةِ أَلايَا، قال الشَّاعِرُ (1):
قَلِيلُ الأَلَايَا حافِظٌ لِيَمينِهِ
…
إذا صَدَرَتْ مِنْهُ الأَلِيَّةُ بَرَّتِ
ويُقالُ: تَأَلَّى يَتَأَلَّى. وفى الخَبَرِ: "مَنْ يَتَأَلَّ عَلَى اللَّهِ يُكَذِّبْهُ". فأمَّا الإِيلاءُ فى الشَّرْعِ، فهو الحَلِفُ على تَرْكِ وَطْءِ المَرْأَةِ. والأصْلُ فِيهِ قولُ اللَّهِ تعالى:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} (2). وكان أُبَىُّ بنُ كَعْبٍ وابنُ عَبَّاسٍ يَقْرَآنِ: "يُقْسِمُونَ"(3).
1298 - مسألة؛ قال: (وَالْمُولِى الَّذِى يَحْلِفُ بِاللَّهِ عز وجل أَنْ لَا يَطَأَ زوْجَتَهُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ)
وجُملتُهُ أَنَّ شُرُوطَ الإِيلاءِ أَرْبَعَةٌ؛ أحدُها، أَنْ يَحْلِفَ باللَّهِ تعالى أو بِصِفَةٍ مِنْ صِفاتِه. ولا خِلافَ بينَ أهْلِ العِلْمِ فى أَنَّ الحَلِفَ بذلك إِيلاءٌ. فأمَّا إنْ حَلَفَ على تَرْكِ الوَطْءِ بغيرِ هذا، مِثْلَ أَنْ حَلَفَ بِطَلاقٍ، أو عَتاقٍ، أو صَدَقةِ المَالِ، أو الْحَجِّ، أو الظِّهَارِ، ففيه رِوَايَتانِ؛ إِحْدَاهما، لا يكونُ مُولِيًا. وهو قَوْلُ الشَّافِعِىِّ القَدِيمِ. والرِّوايَةُ الثَّانِيَةُ، هو مُولٍ. ورُوِىَ عن ابنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قال: كُلُّ يَمِينٍ مَنَعَتْ جِمَاعَها، فهى إِيلاءٌ (1).
(1) البيت لكثير عزة. ديوانه 325.
(2)
سورة البقرة 226.
(3)
انظر: تفسير القرطبى 3/ 102.
(1)
أخرجه البيهقى، فى: باب كل يمين منعت الجماع، عن كتاب الإيلاء. السنن الكبرى 7/ 381.
وبذلك قال الشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ، ومالِكٌ، وأَهْلُ الْحِجَازِ، والثَّوْرِىُّ، وأبو حَنِيفَةَ، وأهْلُ الْعِراقِ، والشَّافِعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأبو عُبَيْدٍ، وغيرُهم؛ لأنَّهَا يَمِينٌ مَنَعَتْ جِمَاعَها فكانتْ إِيلاءً، كالحَلِفِ بِاللَّهِ تعالى، ولأنَّ تَعْلِيقَ الطَّلاقِ والعَتاقِ على وَطْئِها حَلِفٌ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لو قال: متى حَلَفْتُ بطلاقِكِ، فأنْتِ طَالِقٌ. ثم قال: إنْ وَطِئْتُكِ، فأنْتِ طالِقٌ. طَلُقَتْ فى الحالِ. وقال أبو بكرٍ: كُلُّ يَمِينٍ مِنْ حَرَام أو غيرِها، يَجِبُ بها كَفَّارَةٌ، يكونُ الحَالِفُ بها مُولِيًا. وأمَّا الطَّلاقُ والعَتاقُ، فليس الحَلِفُ به إيلاءً؛ لأنَّهُ يَتَعَلَّقُ به حَقُّ آدَمِىٍّ، وما أَوْجَبَ كَفَّارةً تَعَلَّقَ بها حَقُّ اللَّه تعالى. والرِّوَايَةُ الأُولَى هى المَشْهُورَةُ؛ لأَنَّ الإِيلاءَ المُطْلَقَ إِنَّما هو القَسَمُ، ولهذا قَرأَ أُبَىٌّ وابنُ عَبَّاسٍ:"يُقْسِمُونَ". مكانَ: {يُؤْلُونَ} . ورُوِىَ عن ابنِ عَبَّاسٍ فى تَفْسِيرِ {يُؤْلُونَ} . قال: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ. هكذا ذَكَرَهُ الإِمامُ أحمدُ. وَالتَّعْلِيقُ بشَرْطٍ ليس بقَسَمٍ، ولهذا لَا يُؤْتَى فيه بحَرْفِ القَسَمِ، ولا يُجَابُ بِجَوَابِه، ولا يَذْكُرُهُ أهلُ العَرَبِيَّةِ فى بابِ القَسَمِ، فلا يكونُ إِيلاءً، وإِنَّما يُسَمَّى حَلِفًا تَجَوُّزًا، لِمُشارَكَتِه القَسَمَ فى الْمَعْنى الْمَشْهُورِ فى الْقَسَمِ، وهو الْحَثُّ على الفِعْلِ أَو الْمَنْعُ منه، أو تَوْكِيدُ الخَبَرِ، والْكلامُ عند إِطْلاقِه لِحَقِيقَتِهِ؛ وَيَدُلُّ على هذا قَوْلُ اللَّهِ تعالى:{فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (2). وإِنَّمَا يَدْخُلُ الْغُفْرانُ فى اليَمِينِ بِاللَّهِ. وأيْضًا قَوْلُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَلَفَ بغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ"(3). وقولُه: "إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ". مُتَّفَقٌ عليه (4). وإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ غَيْرَ
(2) سورة البقرة 226.
(3)
أخرجه الترمذى، فى: باب حدثنا قتيبة، حدثنا أبو خالد. . .، من كتاب النذور. عارضة الأحوذى 7/ 18. والإمام أحمد، فى: المسند 1/ 47، 2/ 34، 69، 87، 125.
(4)
أخرجه البخارى، فى: باب أيام الجاهلية، من كتاب مناقب الأنصار، وفى: باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولا أو جاهلا، من كتاب الأدب، وفى: باب لا تحلفوا بآبائكم، من كتاب الأيمان، وفى: باب السؤال بأسماء اللَّه تعالى والاستعاذة بها، من كتاب التوحيد، صحيح البخارى 5/ 53، 8/ 33، 164، 9/ 147. ومسلم، فى: باب النهى عن الحلف بغير اللَّه تعالى، من كتاب الأيمان. صحيح مسلم 3/ 1266، 1267.
كما أخرجه الترمذى، فى: باب ما جاء فى كراهية الحلف بغير اللَّه، وباب حدثنا قتيبة، من كتاب النذور. عارضة الأحوذى 7/ 16 - 18. والنسائى، فى: باب التشديد فى الحلف بغير اللَّه تعالى، وباب الحلف بالآباء، من كتاب الأيمان والنذور. المجتبى 7/ 4، 5. وابن ماجه، فى: باب النهى أن يحلف بغير اللَّه، =
القَسَمِ حَلِفٌ، لكنِ الْحَلِفُ بإِطْلاقِهِ إِنَّمَا يَنْصَرِفُ إلى القَسَمِ، وإِنَّمَا يُصْرَفُ إِلى غيرِ القَسَمِ بدَلِيلٍ، ولا خِلافَ فى أَنَّ القَسَمَ بِغيرِ اللَّهِ تعالى وصِفَاتِهِ لا يكونُ إيلاءً؛ لأنَّه لا يُوجِبُ كَفَّارَةً ولا شَيْئًا يَمْنَعُ مِنَ (5) الْوَطْءِ، فلا يكونُ إِيلاءً، كالخَبَرِ بغيرِ قَسَمٍ (6). وإذا قُلْنا بِالرِّوَايَةِ الثَّانيةِ فلا يكونُ مُولِيًا (7) إِلَّا أَنْ يَحْلِفَ بما يَلْزَمُه بالحِنْثِ فيه (8) حَقٌّ، كقولِه: إنْ وَطِئْتُكِ فعَبْدِى حُرٌ. أو: فأنْتِ طالِقٌ. أو: فَأنْتِ علىَّ (9) كظَهْرِ أمِّى. أو: فأنْتِ علىَّ حَرامٌ. أو: فلِلَّهِ علىَّ صَوْمُ سَنَةٍ أو الحَجُّ أو صَدَقَةٌ. فهذا يكونُ إِيلاءً؛ لأنَّهُ يَلْزَمُهُ بِوَطْئِها حَقٌّ يَمْنَعُهُ مِنْ وَطْئِهَا خَوْفُهُ مِن وُجُوبِه. وإِنْ قال: إنْ وَطِئْتُكِ فَأَنْتِ زَانِيَةٌ. لم يكنْ مُولِيًا؛ لأنَّهُ لا يَلْزَمُهُ بِالْوَطْءِ حَقٌّ، ولا يَصِيرُ قَاذفًا بالْوَطْءِ؛ لأنَّ القَذْفَ لا يَتَعَلَّقُ بالشَّرْطِ، ولا يجوزُ أَنْ تَصِيرَ زَانِيَةً بِوَطْئِهِ لها، كما لا تَصِيرُ زَانِيَةً بِطُلُوعِ الشمسِ. وإِنْ قال: إِنْ وَطِئتُكِ، فلِلَّهِ علىَّ صَوْمُ هذا الشَّهْرِ. لم يكنْ مُولِيًا؛ لأنَّهُ لو وَطِئَهَا بعدَ مُضِيِّه، لم يَلْزَمْهُ حَقٌّ، فَإِنَ صَوْمَ هذا الشَّهْرِ لا يُتَصَوَّرُ بعدَ مُضِيِّهِ، فلا يُلْزَمُ بالنَّذْرِ، كما لو قال: إِنْ وَطِئْتُكِ، فلِلَّهِ علىَّ صَوْمُ أَمْسِ. وإِنْ قال: إِنْ وَطِئْتُكِ، فَلِلَّهِ علىَّ أَنْ أُصَلِّىَ عشرين رَكْعَةً. كان مُولِيًا. وقال أبو حَنِيفةَ: لا يكونُ مُولِيًا؛ لأنَّ الصَّلاةَ لا يَتَعَلّقُ بِها مَالٌ، ولا تَتَعَلَّقُ بِمَالٍ، فلَا يكونُ الحَالِفُ بها مُولِيًا، كما لو قال: إِنْ وَطِئْتُكِ، فَلِلَّهِ علَىَّ أَنْ أَمْشِىَ فى السُّوقِ. ولَنا، أَنَّ الصَّلاةَ تَجِبُ بالنَّذْرِ، فكانَ الحَالِفُ بِهَا مُولِيًا، كالصَّوْمِ والحَجِّ، وما ذَكَرَهُ (10) لَا يَصِحُّ؛ فإنَّ الصَّلاةَ تَحْتاجُ إلى المَاءِ والسُّتْرَةِ. وأمَّا الْمَشْىُ فى السُّوقِ، فقياسُ المَذهبِ عَلى هذه الرِّوَايَةِ، أَنَّهُ يكونُ مُولِيًا؛
= من كتاب الكفارات. سنن ابن ماجه 1/ 677. والإمام مالك، فى: باب جامع الأيمان، من كتاب النذور والأيمان. الموطأ 2/ 480. والإمام أحمد، فى: المسند 2/ 7، 8، 11، 17، 20، 48، 76، 5/ 62.
(5)
سقط من: الأصل.
(6)
فى م: "القسم".
(7)
فى م: "مواليا".
(8)
فى الأصل: "فيكون".
(9)
سقط من: الأصل، ب.
(10)
فى م: "ذكروه".