الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
وإذا كان الْحَمْلُ واحدًا، انْقَضتِ العِدَّةُ بوَضْعِه، وانْفِصالِ جَميعِه، وإن ظهَرَ بعضُه، فهى فى عِدَّتِها حتَّى يَنْفَصِلَ باقِيه؛ لأنَّها لا تكونُ واضعةً لحَمْلِها حتى (15) يَخْرُجَ كلُّه. وإن كان الحملُ اثنَيْنِ أو أكثرَ، لم تَنْقَضِ عِدَّتُها إلَّا بوَضْعِ الآخِرِ؛ لأنَّ الْحَمْلَ هو الجميعُ. هذا قولُ جماعةِ أهلِ العلمِ، إلَّا أبا قِلَابةَ وعِكْرِمةَ، فإنَّهما قالا: تَنْقَضِى عدَّتُها بوَضْعِ الأوَّلِ، ولا تتزَوَّجُ حتَّى تَضَعَ الآخِرَ. وذكر ابنُ أبي شَيْبةَ (16)، عن قَتَادةَ، عن عِكْرِمةَ، أنَّه قال: إذا وَضَعَتْ أحَدَهُما، فقد انْقَضتْ عِدَّتُها. قيل له: فتتَزَوَّجُ؟ قال: لا. قال قَتادةُ: خُصِمَ (17) العبدُ. وهذا قولٌ شاذٌ، يخالِفُ ظاهرَ الكِتابِ وقولَ أهلِ العلمِ، والمعنى، فإنَّ العِدَّةَ شُرِعَتْ لمعرفةِ البرَاءةِ من الْحَمْلِ، فإذا عُلِمَ وُجُودُ الحَمْلِ، فقد تُيُقِّنَ وُجُودُ المُوجِب للعِدَّةِ، وانْتَفَتِ البراءةُ المُوجِبةُ لِانْقِضائِها، ولأنَّها لو انْقَضتْ عِدّتُها بوَضْعِ الأوَّلِ، لَأُبِيحَ لها النِّكاحُ، كما لو وضَعتِ الآخِرَ. فإن وَضَعَتْ ولدًا، وشَكّتْ فى وُجُودِ ثانٍ، لم تَنْقَضِ عِدَّتُها حتَّى تَزُولَ الرِّيبةُ، وتتَيَقَّنَ أنَّها لم يَبْقَ معها حَمْلٌ؛ لأنَّ الأصْلَ بقاؤُها، فلا يزُولُ بالشَّكِّ.
1352 - مسألة؛ قال: (والْحَمْلُ الَّذِى تَنْقَضِى بِهِ الْعِدَّةُ، مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ شَىْءٌ مِنْ خَلْقِ الْإِنْسَانِ، حُرَّةً كَانَتْ أوْ أَمَةً)
وجملةُ ذلك، أنَّ المرأةَ إذا ألْقَتْ بعدَ فُرْقةِ زَوْجِها. شيئًا، لم يَخْلُ من خمسةِ أحْوالٍ؛ أحدها، أن تَضَعَ ما بانَ فيه خَلْقُ الآدَمِىِّ، من الرأسِ واليَدِ والرِّجْلِ، فهذا تَنْقَضِى به العِدَّةُ، بلا خلافٍ بينهم. قال ابنُ المنذر: أجْمَع كلُّ مَنْ نَحْفَظُ عنه من أهلِ العلمِ، على أنَّ عِدَّةَ المرأةِ تَنْقَضِى بالسَّقْطِ إذا عُلِمَ أنَّه وَلَدٌ، وممَّن نحفظُ عنه ذلك؛ الحسنُ،
(15) فى أ، م:"ما لم".
(16)
فى: باب من قال: اذا وضعت إحداهما فقد حلت، من كتاب الطلاق. المصنف 5/ 176.
(17)
أى غُلِب.
وابنُ سِيرِينَ، وشُرَيحٌ، والشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ، والزُّهْرِىُّ، والثَّوْرِىُّ، وأبو حنيفةَ (1)، ومالكٌ، والشافعىُّ، وأحمدُ، وإسْحاقُ. قال الأثرمُ: قلتُ لأبى عبدِ اللَّه: إذا نُكِسَ فى الخلقِ الرابعِ؟ يعنى تَنْقَضِى به العِدَّةُ. فقال: إذا نُكِسَ فى الخَلْقِ الرابعِ، فليس فيه اختلافٌ، ولكن إذا تَبَيَّنَ خَلْقُه [هذا أدَلُّ](2). وذلك لأنَّه إذا بان فيه شىءٌ من خَلْقِ الآدَمِىِّ، عُلِمَ أَنَّه حَمْلٌ، فيَدْخُلُ فى عُمومِ قولِه تعالى:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (3). الحال الثانى، أَلْقَتْ نُطْفَةً أو دَمًا، لا تَدْرِى هل هو ما يُخْلَقُ منه الآدَمِيُّ أو لا؟ فهذا لا يتعلَّقُ به شىءٌ من الأحْكامِ؛ لأنَّه لم يَثْبُتْ أنَّه ولدٌ، لا بالمُشَاهَدَةِ ولا بالبَيِّنةِ. الحال الثالث، أَلْقَتْ مُضْغَةً لم تَبِنْ فيها الخِلْقةُ، فشَهِدَ ثِقاتٌ من القَوَابلِ، أنَّ فيه صُورةً خَفِيَّةً، بان بها أنَّها خِلْقةُ آدَمِىٍّ، فهذا فى حُكْمِ الحالِ الأوَّلِ، لأنَّه قد تَبَيَّنَ بشَهادَةِ أهل المَعْرِفةِ أنَّه ولدٌ. الحال الرابع، إذا أَلْقَتْ مُضْغةً لا صورةَ فيها، فشَهِدَ ثِقاتٌ من القَوابلِ أنَّه مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِىٍّ، فاخْتلَف عن أحمدَ، فنقَلَ أبو طالبٍ أنَّ عِدَّتَها لا تَنْقضِى به، ولا تَصِيرُ به أُمَّ ولدٍ؛ لأنَّه لم يَبِنْ فيه خَلْقُ آدَمِىٍّ، فأشْبَهَ الدَّمَ. وقد ذكَر (4) هذا قولًا للشافعىِّ، وهو اخْتيارُ أبى بكرٍ. ونقَل الأثْرَمُ، عن أحمدَ، أنَّ عِدّتَها لا تَنْقَضِى به، ولكن تصيرُ أُمَّ ولدٍ؛ لأنَّه مَشْكوكٌ فى كَوْنِه ولدًا، فلم يُحْكَمْ بانْقِضاءِ العِدَّةِ المُتَيَقَّنةِ بأمْرٍ مَشْكوكٍ فيه، ولم يَجُزْ بَيْعُ الأمَةِ الوالدةِ له مع الشَّكِّ فى رِقِّها، فيثْبُتُ كَوْنُها أُمَّ ولدٍ احْتِياطا، ولا تَنْقَضِى العِدَّةُ احْتِياطًا. ونقل حَنْبَلٌ، أنَّها تصيرُ أُمَّ وَلَدٍ، ولم يَذْكُرِ العِدَّةَ، فقال بعضُ أصحابنا: على هذا تَنْقَضِى به العِدَّةُ. وهو قولُ الحسنِ. وظاهرُ (5) مذهبِ الشافعىِّ؛ لأنَّهم شَهِدُوا بأنَّه خِلْقةُ آدَمِىٍّ، أشْبَهَ ما لو تصوَّر. والصَّحِيحُ أنَّ هذا ليس روايةً (6) فى العِدَّةِ، لأنَّه لم يَذْكُرْها، ولم يتَعَرَّضْ لها. الحال الخامس، أن تَضَعَ
(1) سقط من: أ، ب، م.
(2)
فى أ: "وهذا أولى".
(3)
سورة الطلاق 4.
(4)
فى أ: "نقل".
(5)
فى ب: "وهذا ظاهر".
(6)
فى أ، م:"برواية".