الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالعِتْقِ، ولا يَمْتَنِعُ صِحةُ العِتْق مع انْتِفاءِ الإِرْثِ. كما لو أعْتَقَ مَن يُخالِفُه فى دِينِه، ولأنَّ المقْصودَ بالعِتقِ إسْقاطُ المِلْكِيَّة عن العبدِ، وتمليكُه نَفْعَ نَفْسِه، وخُلُوصُه مِن ضَرَرِ الرِّقِّ، وما يَحْصُلُ مِن تَوابعِ ذلك ليس هو المقصودَ، فلا يَمْنَعُ من صِحتِه ما يَحْصُلُ منه المقصودُ، لامْتناعِ بعضِ توابعِه. ووجهُ الأُولى، أنَّ العبدَ مالٌ، لا يَمْلِكُ المالَ، فيَقَعُ تكْفيرُه بالمالِ بمالِ غيرِه، فلم يُجْزِئْه، كما لو أعْتَقَ عبدَ غيرِه عن (5) كَفَّارَتِه. وعلى كِلْتا الرِّوايَتَيْنِ، لا يَلْزَمُه التَّكْفيرُ بالمالِ، وإِنْ أذِنَ له سَيِّدُه فيه؛ لأنَّ فَرْضَه الصِّيامُ، فلم يَلْزَمْه غيرُه، كما لو أذِنَ مُوسِرٌ لحُرٍّ مُعْسِرٍ فى التَّكْفِيرِ مِن مالِه. ولو (6) كان عاجزًا عن الصّيامِ، فأذِنَ له سَيِّدُه فى التَّكْفيرِ بما شاءَ مِن العِتْقِ والإِطعامِ، فإن (7) له التَّكْفيرَ بالإطعامِ؛ لأنَّ مَن لا يَلزمُه الإِعْتاقُ مع قُدْرَتهِ على الصِّيامِ، لا يَلزمُه مع عَجْزِه عنه، كالحُرِّ المُعْسِر، ولأنَّ عليه ضَرَرًا فى التزامِ المِنَّةِ الكَبِيرَةِ فى قبولِ الرَّقَبَةِ، ولا يَلزمُ مِثْلُ (8) ذلك فى الطَّعامِ؛ لقِلَّةِ المِنَّة فيه. وهذا [فيما إذا](9) أَذِنَ له سَيِّدُه فى التَّكْفيرِ قَبْلَ العَوْدِ، فإنْ عادَ وَجَبَتِ الكَفَّارَةُ فى ذِمَّتِه، ثم أذِنَ له سَيِّدُه فى التَّكْفيرِ، انْبَنَى مع ذلك على أصلٍ آخَرَ، وهو أَنَّ التَّكْفيرَ هل هو مُعْتَبَرٌ بحالةِ الوُجُوبِ، أو بأغْلَظِ الأحوالِ؟ وسنَذْكُرُ ذلك إنْ شاء اللَّهُ تعالى. وعلى كُلِّ حالٍ، فإذا صامَ، لا يُجْزِئُه إلّا شهرانِ مُتَتابِعانِ؛ لدُخُولِه فى عُمومِ قولِه تعالى:{فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} . ولأنَّه صَوْمٌ فى كَفَّارَةٍ فاسْتَوَى فيه الحُرُّ والعبدُ، ككَفَّارةِ اليمينِ. وبهذا قال الحسنُ، والشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ، والزُّهْرِىُّ، والشَّافعِىُّ، وإسْحاقُ. ولا نَعْلَمُ لهم مُخالِفًا، إلّا ما رُوِىَ عن عطاءٍ، أنَّه قال (10): لو صامَ شهرًا، أجْزَأه (11). وقالَه النَّخَعِىُّ، ثم رَجَع عنه إلى قولِ الجماعةِ.
فصل:
والاعْتبارُ فى الكَفَّارَةِ بحالةِ الوُجوبِ، فى أظْهَرِ الرِّوايَتَيْنِ، وهو ظاهِرُ
(5) فى أ، م:"من".
(6)
فى م: "وإن".
(7)
فى أ: "كان".
(8)
سقط من: الأصل.
(9)
سقط من: الأصل.
(10)
سقط من: أ، ب، م.
(11)
فى ب: "لأجزأه".
كلامِ الخِرَقِىِّ؛ لأنَّه فال: إذا حَنِثَ وهو عَبْدٌ، فلم يُكَفِّرْ حتى عَتَقَ، فعليه الصَّومُ لا يُجْزِئُه غيرُه. وكذلك قال الأثْرَمُ: سمعتُ أبا عبد اللَّه يُسْأَلُ عن عبدٍ حَلَفَ على يَمِينٍ، فحَنِثَ فيها وهو عبدٌ؛ فلم يُكَفِّرْ حتى عَتَقَ، أيُكَفَّرُ كَفَّارَةَ حُرٍّ أو كفَّارةَ عبدٍ؟ قال: يُكَفِّر كفارةَ عبدٍ؛ لأنَّه إنَّما يُكَفِّر ما وَجَبَ عليه يومَ حَنِثَ، [لا يومَ حَلَفَ. قلتُ له: حَلَفَ وهو عبدٌ، وحَنِثَ وَهو حُرٌّ؟ قال: يومَ حَنِثَ] (12). واحْتَجَّ فقال: افْتَرَى وهو عبدٌ -أى (13) ثم أُعتِق- فإنَّما يُجْلَدُ جَلْدَ العبدِ. وهو أحدُ أقْوالِ الشَّافعىِّ. فعلَى هذه الرِّوايةِ يُعْتَبَرُ يَسَارُه وإعْسارُه حالَ وُجوبِها عليه، فإنْ كان مُوسِرا حالَ الوجوبِ، اسْتَقَر وجوبُ الرَّقَبَةِ عليه، فلم يَسْقُطْ بإعْسارِه بعدَ ذلك. وإن كان مُعْسِرًا، فَفَرْضُه الصَّومُ، فإذا أيْسَرَ بعدَ ذلك، لم يَلْزَمْه الانتقالُ إلى الرَّقَبَةِ. والرِّوايةُ الثّانية، الاعتبارُ بأغْلَظِ الأحْوالِ مِن حينِ الوُجوبِ إلى حينِ التَّكْفِيرِ، فمتى وَجَد رَقَبَةً فيما بينَ الوُجوبِ إلى حينِ التَّكْفيرِ، لم يُجْزِئْه إِلَّا الإِعْتاقُ. وهذا قولٌ ثانٍ للشّافعىِّ؛ لأنَّه حَقٌّ يَجِبُ فى الذِّمَّةِ بِوُجودِ مَالٍ، فاعتُبِرَ فيه أغْلَظُ الحالَيْنِ كالحَجِّ. وله قولٌ ثالث، أَنَّ الاعْتِبَارَ بحالةِ الأداءِ. وهو قولُ أبى حنيفةَ، ومالكٍ؛ لأنَّه حقٌّ له بَدَلٌ مِن غيرِ جِنْسِه، فكان الاعْتبارُ فيه بحالةِ الأداءِ، كالوُضُوءِ. ولَنا، أنَّ الكَفَّارَةَ تَجِبُ على وجهِ الطُّهْرَةِ، فكان الاعْتبارُ فيها بحالةِ الوجوبِ (14) كالحدِّ، أو نَقُولُ: مَن وَجَبَ عليه الصِّيامُ فى الكَفَّارَةِ، لم يَلْزَمْه غيرُه، كالعبدِ إذا أُعْتِقَ (15)، ويُفارِقُ الوُضُوءَ، فإنَّه لو تَيَمَّم ثم وَجَدَ الماءَ، بَطَل تَيَمُّمُه، وههُنا لو صامَ، ثم قَدَر على الرَّقَبَة، لم يَبْطُلْ صومُه، وليس الاعتبارُ فى الوُضُوء بحالةِ الأداءِ، فإنّ أداءَه فِعْلُه، وليس الاعتبارُ به، وإنما الاعْتبارُ بأداءِ الصَّلاةِ، وهى غيرُ الوُضُوءِ. وأمّا الحَجُّ فهو عبادةُ العُمْرِ، وجميعُه وقتٌ لها، فمتى قَدَر عليه فى جُزْءٍ مِن وقتِه، وَجَبَ، بخلافِ مَسْألتِنا. ثم يَبْطُلُ ما ذكرُوه بالعبدِ إذا عَتَقَ (15)، فإنَّه لا يَلْزَمُه
(12) سقط من: الأصل. نقل نظر.
(13)
سقط من: ب.
(14)
سقط من: الأصل.
(15)
فى أ، ب، م:"أعتق".