الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
به، ولهذا جاز الإِحْدادُ ههُنا بالإِجْماعِ، فإذا قُلْنا: يَلْزَمُها الإِحدادُ، لَزِمَها شَيْئان؛ تَوَقِّى الطِّيبِ، والزِّينةِ في نَفْسِها، على ما قَدَّمنا فيهما (3)، ولا تُمْنَعُ من النِّقابِ، ولا من الاعْتِدادِ في غير مَنْزِلها، ولذلك أمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فاطمةَ بنت قيسٍ، أن تَعْتَدَّ في بَيْتِ ابنِ أُمِّ مَكْتومٍ (4). على ما سنذكُرُه، إن شاء اللَّه تعالى.
فصل:
وإذا كانت المَبْتُوتةُ حامِلًا، وَجَبَ لها السُّكْنَى، رِوَايةً واحدةً. ولا نعلمُ بين أهلِ العلمِ خِلافًا فيه. وإن لم تكنْ حاملًا، ففيها رِوَايتان؛ إحْداهما، لا يجبُ لها ذلك. وهو قولُ ابن عباسٍ، وجابرٍ. وبه قال عَطاءٌ، وطاوُسٌ، والحسنُ (5)، وعمرُو بن مَيْمُون، وعِكْرِمةُ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، وداودُ. والثانية، يجبُ لها ذلك، وهو قولُ ابنِ مسعودٍ، وابنِ عمرَ، وعائشةَ، وسعيد بن المُسَيَّبِ، والقاسمِ، وسالمٍ، وأبي بكرِ بن عبدِ الرحمنِ، وخَارِجةَ بن زيدٍ، وسليمانَ بن يَسَارٍ، ومالكٍ، والثَّوْريِّ، والشافعِيِّ، وأصْحابِ الرَّأْى؛ لقولِ اللَّه تعالى:{لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (6). وقال تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (7). فأوْجَبَ لهن السكنَى مُطْلَقًا ثم خَصَّ الحامِلَ بالإِنْفاقِ عليها. ولَنا، ما رَوَتْ فاطمةُ بنت قَيْسٍ، أن أبا عمرِو بن حَفْصٍ طَلَّقَها الْبَتَّةَ، وهو غائِبٌ، فأَرْسَلَ إليها وَكِيلَه بشَعِيرٍ، فتَسَخَّطَتْه، فقال: واللَّه ما لَكِ علينا من شيءٍ. فجاءتْ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فذَكَرَتْ ذلك له، فقال لها:"لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ ولَا سُكْنَى". فأمَرَها أن تَعْتَدَّ في بيتِ أُمِّ شَرِيكٍ، ثم قال: "إنَّ تِلْكَ امْرَأةٌ يَغشَاهَا
(3) في م: "فيها".
(4)
تقدم تخريجه، في: 6/ 307، 9/ 567.
(5)
سقط من: الأصل.
(6)
سورة الطلاق 1.
(7)
الطلاق 6.
أصْحَابِى. اعْتَدِّى فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ". مُتَّفَقٌ عليه (8). فإن قيل: فقد أنْكَرَ عليها عمر، وقال: مَا كُنَّا لِنَدَعَ كِتابَ رَبِّنَا، وسُنّةَ نَبِيِّنا، لقولِ امرأةٍ، لا نَدْرِى أصَدَقَتْ أم كَذَبَتْ. وقال عروةُ: لقد عابَتْ عائشةُ (8) ذلك أشَدَّ العَيْبِ، وقالت (9): إنَّها كانتْ في مكانٍ وَحْشٍ، فَخِيفَ على ناحِيَتِها. وقال سعيدُ بن المُسَيَّبِ: تلك امرأةٌ فَتَنَتِ الناسَ، إنَّها كانت لَسِنَةً، فوُضعَتْ على يَدَىِ ابنِ أمِّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى. قُلْنا: أمَّا مُخَالفةُ الكِتابِ، فإنَّ فاطمةَ لمَّا أنْكَرُوا عليها، قالت: بَيْنِى وبينكم كِتابُ اللَّه، قال تعالى:{لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} (10). فأيُّ أمْرٍ يَحْدُثُ بعد الثَّلاث؟ فكيف تَقُولُون: لا نَفَقةَ لها، إذا لم تكنْ حامِلًا فعَلامَ تَحْبِسُونها؟ فكيف تُحْبَسُ امرأةٌ بغير نَفَقةٍ؟ وأمَّا قولهم: إنَّ عمرَ قال: لا نَدَعُ كِتابَ رَبِّنا. فقد أنْكَرَ أحمدُ هذا القولَ عن عمرَ، قال: ولكنَّه قال: لا نُجِيزُ في دِينِنا قولَ امرأةٍ. وهذا مُجْمَعٌ على خِلافِه، وقد أخَذْنا بخبرِ فُرَيْعَةَ، وهى امرأةٌ، وبروايةِ عائشةَ وأزْواجِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم في كثيرٍ من الأحْكامِ، وصار أهلُ العلمِ إلى خبرِ فاطمةَ هذا في كثيرٍ من الأحكامِ، مثل سُقُوطِ نَفَقةِ المَبْتُوتةِ إذا لم تكُنْ حاملًا، ونَظَرِ المرأةِ إلى الرجالِ، وخِطْبَةِ الرَّجُلِ على خِطْبةِ أخِيه إذا لم تكُنْ سَكَنَتْ إلى الأَوَّلِ. وأمَّا تَأْوِيلُ من تَأَوَّلَ حَدِيثَها، فليس بشيءٍ، فإنَّها تُخالِفُهُم في ذلك، وهى أعْلَمُ بحالِها، ولم يَتَّفِق المُتَأَوِّلُون على شيءٍ، وقد رُدَّ على من رَدَّ عليها، فقال مَيْمُونُ بن مهرانَ لسعيدِ بن المُسَيَّبِ، لما قال: تلك امرأةٌ فَتَنَتِ الناسَ: لئن كانتْ إنَّما أخَذَتْ بما أفْتاها رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ما فَتَنَتِ الناسَ، وإنَّ لَنا في
(8) قول عائشة أخرجه البخاري، في: باب قصة فاطمة بنت قيس، وباب المطلقة إذا خشى عليها. . .، من كتاب الطلاق. صحيح البخاري 7/ 75. ومسلم، في: باب المطلقة ثلاثا لا نفقة لها، من كتاب الطلاق. صحيح مسلم 2/ 1116. وأبو داود، في: باب من أنكر ذلك على فاطمة بنت قيس، من كتاب الطلاق. سنن أبي داود 1/ 534. كما أخرج أبو داود قول عمر رضى اللَّه عنه في الموضع نفسه.
(9)
في أ، م:"وقال".
(10)
سورة الطلاق 1.