الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلاعَنَها (54)، ثم قَذَفَها بزِنًى آخرَ، فعليه الحَدُّ؛ لأنَّها بانَتْ منه باللِّعانِ، وصارت أجْنَبِيَّةً، إلَّا أن يُضِيفَ الزِّنَى إلى حالِ الزَّوْجِيَّةِ، فعندَ ذلك إن كان ثَمَّ نَسَبٌ يُرِيدُ نَفْيَه، فله المُلاعَنَةُ لِنَفْيِه، وإِلَّا لَزِمَه الحَدُّ، ولا لِعانَ بينهما.
1337 - مسألة؛ قال: (فَإِنِ الْتَعَنَ هُوَ، ولم تَلْتَعِنْ هِىَ، فلَا حَدَّ عَلَيْهَا، والزَّوْجِيّةُ بِحَالِهَا)
وجملةُ ذلك أنَّه إذا لَاعَنَها، وامْتَنَعتْ هى (1) من المُلَاعَنَةِ، فلا حَدَّ عليها. وبه قال الحسنُ، والأوْزَاعىُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. ورُوِىَ ذلك عق الحارثِ العُكْلِىِّ، وعَطاءٍ الخُراسَانِىِّ. وذَهَبَ مَكْحُولٌ، والشَّعْبِىُّ، ومالكٌ، والشافعىُّ (2)، وأبو عُبَيْدٍ، وأبو ثَوْرٍ، وأبو إسْحاقَ الجُوزَجَانىُّ، وابنُ المُنْذِرِ، إلى أَنَّ عليها الحَدَّ؛ لقولِ اللَّه تعالى:{وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ} (3). والعَذابُ الذى (4) يَدْرَؤُه لِعانُها هو الحَدُّ المَذْكُورُ فى قَوْلِه سُبْحانَه: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (5). ولأنَّه بلِعَانِه حَقَّقَ زِنَاها، فوَجَبَ عليها الحَدُّ، كما لو شَهِدَ عليها أرْبَعةٌ. ولَنا، أنَّه لم يتَحَقَّقْ من (6) زِنَاها، فلا يجبُ عليها الحَدُّ، كما لو لم يُلَاعِنْ، ودليلُ ذلك أَنَّ تَحَقُّقَ زِناها لا يَخْلُو إمَّا أن يكونَ بلِعَانِ الزَّوجِ، أو بِنُكُولِها، أو بهما، ولا يجوزُ أن يكونَ بلِعَانِ الزَّوجِ وحدَه؛ لأنَّه لو ثَبتَ زِناها به، لَما سُمِعَ لِعانُها، ولا وَجَبَ الحدُّ على قاذِفِها، ولأنَّه إمَّا يَمِينٌ، وإمَّا شَهادةٌ، وكلاهما لا يُثْبِتُ له الحَقَّ على غيرِه، ولا يجوزُ أن
(54) سقط من: ب.
(1)
سقط من: أ، ب، م.
(2)
سقط من: ب.
(3)
سورة النور 8.
(4)
سقط من: م.
(5)
سورة النور 2.
(6)
سقط من: أ، ب، م.
يَثْبُتَ بنُكُولِها؛ لأنَّ الْحَدَّ لا يَثْبُتُ بالنُّكُولِ، فإنَّه يُدْرَأُ بالشُّبُهاتِ، فلا يَثْبُتُ بها؛ وذلك لأنَّ النُّكولَ يَحْتَمِلُ أن يكونَ لشِدَّةِ خَفَرِها، أو لِعُقْلَةٍ على لِسانِها، أو غيرِ ذلك، فلا يجوزُ إثباتُ الحَدِّ الذى اعْتُبِرَ فى بَيِّنَتِه من العَدَدِ ضِعْفُ ما اعْتُبِرَ فى سائرِ الحُدُودِ، واعْتُبِرَ فى حَقِّهِم أن يَصِفُوا صُورةَ الفِعْلِ، وأن يُصَرِّحُوا بلَفْظِه، وغيرُ ذلك، مُبَالَغةً فى نَفْىِ الشُّبُهاتِ عنه، وتَوَسُّلًا إلى إسْقاطِه، ولا يجوزُ أن يُقْضَى فيه بالنُّكُولِ الذى هو فى نَفْسِه شُبْهةٌ، ولا (7) يُقْضَى به فى شىءٍ من الحُدُودِ ولا العُقُوباتِ، ولا ما عَدا الأمْوالَ، مع أَنَّ الشافعىَّ لا يَرَى القَضاءَ بالنُّكُولِ فى شىءٍ، فكيف يَقْضِى به فى أعْظَمِ الأُمُورِ وأبْعَدِها ثُبُوتًا، وأسْرَعِها سُقوطًا، ولأنَّها لو أقَرَّتْ بلِسانِها، ثم رَجَعَتْ، لم يَجِبْ عليها الحَدُّ، فَلأن لا يَجِبَ بمُجَرَّدِ امْتِناعِها من اليَمِينِ على بَرَاءَتِها أوْلَى، ولا يجوزُ أن يُقْضَى فيه بهما؛ لأنَّ ما لا يُقضَى فيه باليَمِينِ المُفْرَدَةِ، لا يُقْضَى فيه باليَمِينِ مع النُّكُولِ، كسائرِ الحُقُوقِ، ولأنَّ ما فى كلِّ واحدٍ منهما من الشُّبْهةِ لا يَنْتَفِى بضَمِّ أحَدِهما إلى الآخرِ، فإنَّ احْتمالَ نُكُولِها، لِفَرْطِ حَيائِها وعَجْزِها عن النُّطْقِ باللِّعانِ فى مَجْمَعِ الناسِ، لا يَزُولُ بلِعَانِ الزَّوْجِ، والعذابُ يَجُوزُ أن يكونَ الحَبْسَ أو غيرَه، فلا يتَعَيَّنُ فى الحَدِّ، وإن احْتَمَلَ أن يكونَ هو المرادَ، فلا يَثْبُتُ الحَدُّ بالاحْتمالِ، وقد يُرَجَّحُ ما ذَكَرْناه بقولِ عمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه: إنَّ الحَدَّ على مَنْ زَنَى وقد أحْصَنَ، إذا كانت بَيِّنةٌ، أو كان الحملُ، أو الاعْتِرافُ (8). فذَكَرَ مُوجِباتِ الْحَدِّ، ولم يَذْكُرِ اللِّعانَ. واخْتلَفَتِ الرّوايةُ فيما يُصْنَعُ بها؛ فرُوِىَ (9) أنَّها تُحْبَسُ حتى تَلْتَعِنَ أو تُقِرَّ أَرْبَعًا. قال أحمدُ: فإن أبَتِ المرأةُ أن تلْتَعِنَ بعدَ الْتِعانِ الرَّجُلِ (10)، أجْبَرْتُها عليه، وهِبْتُ أن أَحْكُمَ عَليها بالرَّجْمِ؛ لأنَّها لو أقَرّتْ بلِسانِها لم أَرْجُمْها إِذا رَجَعَتْ، فكيف إذا أبَتِ اللِّعانَ! ولا يَسْقُطُ النَّسَبُ إلَّا
(7) سقطت الواو من: أ، ب، م.
(8)
تقدم تخريحه، فى صفحة 11.
(9)
فى ب، وحاشية أزيادة:"عنه".
(10)
فى ب: "الزوج".