الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنَّما كان كذلك؛ لأنَّ نفقَةَ العَبْدِ على سَيِّدِه، وقد قام الذي جاء به مَقامَ سَيِّدِه في أداءِ (1) الواجِبِ عليه، فرَجَعَ به عليه، كما لو أَذِنَ له. وقال الشافعيُّ: لا يَرْجِعُ بشيءٍ؛ لأنَّه مُتَبَرِّعٌ بإنفاقٍ لم يَجِبْ عليه. ولَنا، أنَّه أدَّى عنه ما وَجَبَ عليه عندَ تَعَذُّرِ أدائِه منه، فرَجَعَ به عليه، كما لو أدَّى الحاكمُ عن المُمْتَنِعِ من الإِنْفاقِ على امرأتِه ما يَجِبُ عليه من النَّفقةِ. ويتَخَرَّجُ أن لا يَرْجِعَ بشيءٍ، بناءً على الرِّوايةِ الأُخْرَى، في مَن أنْفَقَ على الرَّهْنِ الذي عندَه، أو الوَدِيعةِ، أو الجِمالِ إذا هَرَبَ الجَمَّالُ وتَرَكَها مع المُسْتأجِرِ.
فصل:
وله تَأْديبُ عَبْدِه وأمَتِه إذا أَذْنَبَا، بالتَّوْبِيخِ، والضَّرْبِ الخفيفِ، كما يُؤَدِّبُ ولَدَه، وامرأتَه في النُّشُوزِ، وليس له ضَرْبُه على غيرِ ذنْبٍ، ولا ضَرْبُه ضَرْبًا مُبَرِّحًا وإن أذْنَبَ، ولا لَطْمُه في وَجْهِه، وقد رُوِىَ عن ابن مُقَرِّنٍ الْمُزَنىِّ، قال: لقَدْ رَأَيْتُنِى سابِعَ سَبْعةٍ، ليس لنا إلَّا خادِمٌ واحدٌ، فلَطَمَها أحَدُنا، فأمَرَنا رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بإعْتاقِها، فأعْتَقْناها (2). ورُوِىَ عن أبي مَسْعودٍ، قال: كنتُ أضْرِبُ غُلَامًا لي، فإذا رَجُلٌ من خَلْفِى يقول:"اعْلَمْ أبا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ أبا مَسْعُودٍ". فالْتَفَتُّ، فإذا النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يقول:"اعْلَمْ أبا مَسْعُودٍ، أنَّ اللهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هذَا الغُلَامِ"(3).
فصل: ومَنْ مَلَكَ بَهِيمةً، لَزِمَه القيامُ بها، والإِنْفاقُ عليها ما تحتاجُ إليه، من عَلْفِها، أو إقامةِ مَنْ يَرْعاها؛ لما رَوَى ابنُ عمرَ، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال: "عُذِّبَتِ امْرَأةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا، حَتَّى ماتَتْ جُوعًا، فَلَا هِىَ أطْعَمَتْها، ولا هِىَ (4) أرْسَلَتْها تأكُلُ مِنْ
(1) سقط من: م.
(2)
أخرجه مسلم، في: باب صحبة المماليك وكفارة من لطم عبده، من كتاب الأيمان. صحيح مسلم 3/ 1280. وأبو داود، في: باب في حق المملوك، من كتاب الأدب. سنن أبي داود 2/ 634. والترمذي، في: باب ما جاء في الرجل يلطم خادمه، من أبواب النذور. عارضة الأحوذى 7/ 27. والإِمام أحمد، في: المسند 3/ 447، 5/ 444.
(3)
أخرجه مسلم، في: باب صحبة المماليك وكفارة من لطم عبده، من كتاب الأيمان صحيح مسلم 3/ 1280، 1281. وأبو داود، في: كتاب في حق المملوك، من كتاب الأدب. سنن أبي داود 2/ 633. والترمذي، في: باب النهى عن ضرب الخدم، من أبواب البر والصلة. عارضة الأحوذى 8/ 129. والإِمام أحمد، في: المسند 4/ 120.
(4)
سقط من: أ، ب، م.
خَشَاشِ الْأرْضِ" (5). مُتَّفَقٌ عليه (6). فإن امْتَنَعَ من الإِنْفاقِ عليها، أُجْبِرَ على ذلك، فإن أبَى أو عَجَزَ، أُجْبِرَ على بَيْعِها، أو ذَبْحِها إن كانتْ ممَّا يُذْبَحُ. وقال أبو حنيفةَ: لا يُجْبِرُه السُّلْطانُ، بل يَأْمُرُه (7)، كما يأمرُه بالمَعْرُوفِ، ويَنْهاهُ عن المُنْكَرِ؛ لأنَّ البَهيمةَ لا يَثْبُتُ لها حَقٌّ من جهةِ الحُكْمِ، ألا تَرَى أنَّه لا تَصِحُّ منها الخُصومةُ، ولا يُنْصَبُ عنها (8) خَصْمٌ، فصارتْ كالزَّرْعِ والشَّجَرِ. ولَنا، أنَّها نَفَقةُ حَيوانٍ واجبةٌ عليه، فكان للسُّلطانِ إجبارُه عليها، كنَفقةِ العَبِيدِ، ويُفارِقُ نَفقةَ الشَّجَرِ والزَّرْعِ، فإنَّها لا تَجِبُ. فإن عَجَزَ عن الإِنْفاقِ، وامْتنعَ من البَيْعِ، بيعَتْ عليه، كما يُباعُ العَبْدُ إذا طَلَبَ البَيْعَ عندَ إعْسارِ سَيِّدِه بنَفَقَتِه، وكما نَفْسَخُ (9) نِكَاحَه إذا أعْسَرَ بنَفَقةِ امْرأتِه. وإن عَطِبَتِ البَهيمةُ فلم يَنْتَفِعْ بها، فإن كانت ممَّا يُؤْكَلُ، خُيِّرَ بين ذَبْحِها والإِنْفاقِ عليها، وإن كانتْ ممَّا لا يُؤْكَلُ، أُجْبِرَ على الإِنْفاقِ عليها، كالعَبْدِ الزَّمِنِ، على ما ذكرْناه فيما مضَى. ولا يجوزُ أن يُحَمِّلَ البَهِيمةَ ما لا تُطِيقُ؛ لأنَّها في معنى العَبْدِ، وقد مَنَعَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم تَكْلِيفَ العَبْدِ ما لَا يُطِيقُ (10). ولأنَّ فيه تَعْذِيبًا للحيوانِ الذي له حُرْمةٌ في نَفْسِه، وإضرارًا به، وذلك غيرُ جائزٍ. ولا يَحْلِبُ من لَبَنِها إلَّا ما يَفْضُلُ عن كِفَايةِ وَلَدِها؛ لأنَّ كِفَايَتَه واجبةٌ على مالِكِه، ولَبَنُ أُمِّه مَخْلُوقٌ له، فأشْبَهَ وَلَدَ الأَمَةِ.
(5) خشاش الأرض: هوامها وحشراتها.
(6)
أخرجه البخاري، في: باب حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب، من كتاب الأنبياء. صحيح البخاري 4/ 215. ومسلم، في: باب تحريم تعذيب الهرة ونحوها من الحيوان الذي لا يؤذى، من كتاب البر والصلة والآداب. صحيح مسلم 4/ 2022، 2023.
كما أخرجه الإِمام أحمد، في: المسند 2/ 159، 188.
(7)
في ب، م زيادة:"به".
(8)
في أ، ب، م:"عليها".
(9)
في م: "يفسخ".
(10)
تقدم تخريجه، في صفحة 434.