الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب مَن أحَقُّ بكَفالةِ الطِّفْلِ
كَفالةُ الطِّفْلِ وحَضانَتُه واجبةٌ؛ لأنَّه يَهْلِكُ بتَرْكِه، فيجِبُ حِفْظُه عن الهلاكِ، كما يجبُ الإِنفاقُ عليه، وإنْجاؤُه من المَهالِكِ. ويتَعَلّقُ بها حَقٌّ لقَرابَتِه، [لأنَّ فيها](1) وِلايةً على الطِّفْلِ واسْتِصْحابًا (2) له، فتَعَلَّقَ (3) بها الحقُّ، ككَفالةِ اللَّقِيطِ. ولا تَثْبُتُ الحَضانةُ لطفلٍ، ولا مَعْتُوهٍ؛ لأنَّه لا يَقْدِرُ عليها، وهو مُحْتاجٌ إلى مَنْ يَكْفُلُه، فكيف يَكْفُلُ غيرَه! ولا فاسقٍ (4)؛ لأنَّه (5) غيرُ مَوْثُوقٍ به في أداءِ الواجبِ من الحضانةِ، ولا حَظَّ للوَلَدِ في حَضانَتِه، لأنَّه يَنْشَأُ على طَرِيقَتِه، ولا الرَّقِيقِ. وبهذا قال عَطاءٌ، والثَّوْرِىُّ، والشافعيُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وقال مالكٌ، في حُرٍّ له ولَدٌ حرٌّ من أمَةٍ: الأُمُّ أحَقُّ به، إلَّا أن تُباعَ فتُنْقَلَ، فيكونَ الأبُ أحَقَّ به؛ لأنَّها أمٌّ مُشْفِقَةٌ، فأشْبَهتِ الحُرَّةَ، ولَنا، أنَّها لا تَمْلِكُ مَنافِعَها التي تَحْصُلُ الكَفالةُ (6) بها، لكَوْنِها مَمْلوكةً لسَيِّدِها، فلم يكُنْ لها حَضانةً، كما لو بِيعَتْ ونُقِلَتْ. ولا تَثْبُتُ لكافرٍ على مُسْلمٍ. وبهذا قال مالكٌ، والشافعيُّ، وسَوَّارٌ، والعَنْبَرِىُّ. وقال ابنُ القاسمِ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرَّأْىِ: تثْبُتُ له؛ لما رُوِىَ عن عبدِ الحميد بن جعفرٍ، عن أبيه، عن جَدِّه رافع بن سِنَانٍ، أنَّه أسْلَمَ، وأبَتِ امرأتُه أن تُسْلِمَ، فأتَتِ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فقالتْ: ابْنَتِى. وهى فَطِيمٌ، أو شِبْهُهُ، وقال رافع: ابْنَتِى. فقال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: "اقْعُدْ نَاحِيةً"، وقال لها:"اقعُدِى نَاحِيَةً"، وقال:"ادْعُوَاهَا".
(1) في أ: "فإن منها".
(2)
في م: "واستحقاقه".
(3)
في م: "فيتعلق".
(4)
في الأصل، أ، م:"الفاسق".
(5)
في الأصل: "فإنه".
(6)
في أزيادة: "له".
فمالَتِ الصَّبِيَّةُ إلى أُمِّها، فقال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:"اللَّهُمَّ اهْدِهَا". فمالَتْ إلى أبِيها، فأخَذَها. روَاه أبو داودَ (7). ولَنا، أنَّها وِلايةٌ، فلا تَثْبُتُ لكافرٍ على مُسْلِمٍ، كولايةِ النِّكاحِ والمالِ، ولأنَّها إذا لم تثْبُتْ للفاسقِ، فالكافرُ أوْلَى، فإنَّ ضَرَرَه أكثرُ، فإنَّه يَفْتِنُه عن دينِه، ويُخْرجُه عن الإِسلامِ بتَعْلِيمِه (8) الكُفْر، وتَزْيينِه له، وتَرْبِيَتِه عليه، وهذا أعظمُ الضَّرَرِ. والحَضانةُ إنَّما تثْبُتُ لحَظِّ الولَدِ، فلا تُشْرَعُ على وَجْهٍ يكونُ فيه (9) هَلاكُه وهَلاكُ دِينِه. فأمَّا الحديثُ، فقد رُوِىَ على غيرِ هذا الوَجْهِ، ولا يُثْبِتُه أهلُ النَّقْلِ، وفى إسنادِه مَقالٌ. قالَه (10) ابنُ المُنْذرِ. ويَحْتَمِلُ أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم عَلِمَ أنَّها تخْتارُ أبَاها بدَعْوَتِه، فكان ذلك خاصًّا في حَقِّه. فأمَّا مَنْ بعضُه حُرٌّ، فإن لم يكُنْ بينَه وبينَ سَيِّدِه مُهايأةٌ، فلا حَضانةَ له؛ لأنَّه لا يَقْدِرُ عليها، لكَوْنِ مَنافِعِه مُشْتَركةً بَينَه وبينَ سَيِّدِه، وإن كان بينهما مُهايأةٌ، فقياسُ قولِ أحمدَ، أنَّ له الحَضانةَ في أيَّامِه؛ لأنَّه قال: كلُّ ما يتَجَزَّأُ، فعليه النِّصْفُ من كلِّ شيءٍ. وهذا اخْتِيارُ أبى بكرٍ. وقال الشافعيُّ: لا حضانةَ له. لأنَّه كالقِنِّ عندَه. وهذا أصلٌ قد تقَدَّمَ.
1399 -
مسألة؛ قال (1): (وَالْأُمُّ أَحَقُّ بِكَفَالَةِ الطِّفْلِ وَالْمَعْتُوهِ، إذَا طَلُقَتْ)
وجملتُه أنَّ الزَّوْجَيْنِ إذا افتَرَقا، ولهما ولدٌ طفلٌ أو مَعْتُوهٌ، فأمُّه أوْلى الناسِ بكَفالَتِه إذا كَمَلَتِ الشَّرائِطُ فيها، ذكَرًا كان أو أنْثَى. وهذا قولُ يحيى الأنْصارىِّ، والزُّهْرِىِّ، والثَّوْرِىِّ، ومالكٍ، والشافعىِّ، وأبى ثَوْرٍ، وإسْحاقَ، وأصْحابِ الرَّأْىِ، ولا نَعْلَمُ أحدًا خالَفَهُم. والأصلُ فيه ما رَوَى عبدُ اللَّه بن عمرِو بن العاصِ، أنَّ امرأةً قالتْ:
(7) في: باب إذا أسلم أحد الأبوين مع من يكون الولد، من كتاب الطلاق. سنن أبي داود 1/ 520.
كما أخرجه الإِمام أحمد، في: المسند 5/ 446.
(8)
في أ: "بتعلمه".
(9)
في أ: "فيها".
(10)
في الأصل، م:"قال".
(1)
في ب زيادة: "أبو القاسم".