الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولو (13) اسْتُحِبَّ ذلك لفَعَلَه النبِىُّ صلى الله عليه وسلم، ولو فَعَلَه لنقِلَ، ولم يَسُغْ (14) تَركُه (15) وإهماله. وأمَّا قولُهم: إنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم لَاعَنَ بينهما عند المِنْبَرِ. فليس هذا فى شىءٍ من الأحاديثِ المشهورةِ. وإن ثَبَتَ هذا، فيَحْتَمِلُ أنَّه (16) كان بحُكْمِ الاتِّفاقِ؛ لأنَّ مَجْلِسَه كان عندَه، فلَاعَنَ بينهما فى مَجْلِسِه. وإن كان اللِّعانُ بين كافِرَيْنِ، فالحكمُ فيه كالحُكمِ فى اللِّعانِ بينَ المسلمَيْنِ. ويَحْتَمِلُ أنَّ يُغَلَّظَ بالمكانِ (17)؛ لقولِه فى الأيْمانِ: وإن كان لهم مواضعُ يُعَظِّمُونَها، ويَتَّقُون (18) أن يَحْلِفُوا فيها كاذِبين، حُلِّفُوا فيها. فعلى هذا، يُلاعَنُ بينهما فى مواضِعِهم التى (19) يُعَظِّمُونها؛ النَّصْرَانِىُّ فى الكَنِيسةِ، واليهودىُّ فى البِيعةِ، والْمَجُوسىُّ فى بيتِ النَّارِ. وإن لم يكُنْ لهم مواضعُ يُعَظِّمُونَها، حَلَّفَهُم الحاكمُ فى مَجْلِسِه؛ لتَعَذُّرِ التَّغْليظِ بالمكانِ. وإن كانت المُسْلِمةُ حائِضًا، وقُلْنا: إن اللِّعانَ بينهما يكون فى المَسْجِدِ. وَقَفَتْ على بابِه؛ ولم تَدْخُلْه؛ لأنَّ ذلك أقْرَبُ المواضعِ إليه.
المسألة الثانية:
فى ألفاظِ اللِّعانِ وصِفَتِه، أمَّا ألْفاظُه فهى خمسةٌ فى حَقِّ (20) كلِّ واحدٍ منهما. وصِفَتُه أنَّ الإِمامَ يَبْدأُ بالزَّوْجِ، فيُقِيمُه، ويقولُ له: قُلْ أَرْبَعَ مَرّاتٍ: أشْهَدُ باللَّه أنِّى لَمِنَ الصادِقينَ فيما رَميْتُ به زَوْجَتِى هذه من الزِّنَى. ويُشِيرُ إليها إن كانت حاضرةً، ولا يَحْتاجُ مع الحُضُورِ والإِشارةِ إلى [نِسْبَةٍ وتَسْمِيَةٍ](21)، كما لا يَحْتاجُ إلى ذلك
(13) فى أ، ب:"فلو".
(14)
فى أ، ب، م زيادة:"له".
(15)
سقط من: م.
(16)
فى م: "إذا".
(17)
فى م: "فى المكان".
(18)
فى م: "ويتوقون".
(19)
فى م: "اللاتى".
(20)
سقط من: الأصل.
(21)
فى م: "نسبها وتسميتها".
فى سائرِ العُقُودِ، وإن كانت غائبةً أَسْماها ونَسَبَها، فقال: امْرأتِى فلانةُ بنتُ فلانٍ (22). ويَرْفَعُ فى نَسَبِها حتى تَنْتَفِىَ (23) المشاركةُ بينها وبينَ غيرها. فإذا شَهِدَ أربعَ مراتٍ، وقَفَه الحاكمُ، وقال له: اتَّقِ اللَّه، فإنَّها المُوجبةُ، وعذابُ (24) الدُّنْيا أهْوَنُ من عذابِ الآخرةِ، كلُّ شىءٍ أهْوَنُ من لَعْنةِ اللَّه. ويأمرُ رَجُلًا فيَضَعُ يَدَه على فِيهِ، حتى لا يُبادِرَ بالخامسةِ قبل المَوْعِظَةِ، ثم يأمرُ الرجلَ، فيُرْسِلُ يدَه عن فِيهِ، فإن رآه يَمْضِى فى ذلك، قال له: قُلْ: وأنَّ لَعْنَةَ اللَّه علىَّ إن كنتُ من الكاذِبينَ فيما رَمَيْتُ به زَوْجَتِى هذه من الزِّنَى. ثم يأْمرُ المرأةَ بالقيامِ، ويقولُ لها: قُولِى: أشْهَدُ باللَّه أنَّ زَوْجِى هذا لمن الكاذِبينَ فيما رَمانِى به من الزِّنَى. وتُشِيرُ إليه، وإن كان غائبًا أسْمَتْه ونَسَبَتْه، فإذا كَرَّرَتْ ذلك أربعَ مراتٍ، وقَفَها، ووَعَظَها كما ذكرنا فى حَقِّ الزَّوْجِ، ويأْمرُ امرأةً فتَضَعُ يَدَها على فِيها، فإن رآها تَمْضِى على ذلك، قال لها: قُولِى: وأنَّ غَضَبَ اللَّه علىَّ إن كان زَوْجِى هذا من الصادِقينَ فيما رَمانِى به من الزِّنَى. قال إسحاقُ بن منصورٍ: قلتُ لأحمدَ: كيف يُلاعنُ؟ قال: على ما فى كتابِ اللَّه تعالى، يقولُ أرْبَعَ مراتٍ: أشهدُ باللَّهِ أنِّى فيما رَمَيْتُها به لمن الصادِقينَ. ثم يُوقَفُ عندَ الخامسةِ، فيقولُ: لَعْنَةُ اللَّه عليه إن كان من الكاذِبينَ. والمرأةُ مثلُ ذلك، تُوقَفُ عند الخامسةِ، فيقال لها اتَّقِ اللَّهَ، فإنَّها المُوجِبةُ، تُوجِبُ عليك العَذابَ. فإن حَلَفَتْ، قالت: غَضِبَ اللَّه عليها إن كان من الصادِقينَ. وعددُ هذه الألفاظِ الخمسةِ شَرْطٌ فى اللعانِ، فإنْ أَخلَّ بواحدةٍ منها، لم يَصِحَّ، على ما ذكرناه فيما مَضَى، وإن أبْدَلَ لفظًا منها، فظاهرُ كلامِ الخِرَقِىِّ أنَّه يجوزُ أن يُبدِلَ قولَه: إنِّى لمن الصادِقينَ. بقوله: لقد زَنَتْ. لأنَّ معناهُما واحدٌ، ويجوزُ لها إبْدالُ: إنَّه لمن الكاذبينَ. بقَوْلِها: لقد كَذَبَ. لأنَّه ذكَر صِفةَ اللِّعانِ كذلك. واتِّباعُ لَفْظِ النّصِّ أوْلَى وأحسنُ. وإن أبْدَلَ لَفْظَ (25): "أشْهَدُ" بلفظٍ من ألْفاظِ اليَمِينِ، فقال: أحْلِفُ
(22) فى أزيادة: "ابن فلان".
(23)
فى م: "ينفى".
(24)
سقطت الواو من: م.
(25)
فى ب، م:"لفظة".
أو أُقْسِمُ أو أُولِى. لم يُعْتَدَّ به. وقال أبو الخَطَّابِ: فيه وجهٌ آخرُ، أنَّه يُعْتَدُّ به؛ لأنَّه أَتَى بالمَعْنَى، فأشْبَهَ ما لو أبْدَلَ: إنَّى لمن الصادقينَ. بقولِه: لقد زَنَتْ. وللشافعىِّ وَجْهان فى هذا. والصحيح أنَّه لا يَصِحُّ؛ لأنَّ ما اعْتُبِرَ فيه لفظُ الشهادةِ، لم يَقُمْ غيرُه مَقامَه، كالشهاداتِ فى الحُقُوقِ، ولأنَّ اللِّعانَ يُقْصَدُ فيه التَّغْليظُ، واعْتبارُ لَفْظِ الشهاداتِ أبْلَغُ فى التَّغْليظِ، فلم يَجُزْ تَرْكُه، ولهذا لم يَجُزْ أن يُقْسِمَ باللَّهِ من غيرِ كلمةٍ تقومُ مقامَ أشْهَدُ. والثانى، يُعْتَدُّ به؛ لأنَّه أُتَى بالمَعْنَى، أشْبَهَ ما قبلَه. وللشافعىِّ وَجْهان كهذَيْن. وإن أبْدَلَ لفظةَ اللَّعْنةِ بالإِبْعادِ، لم يَجُزْ؛ لأنَّ لفظَ اللعنةِ أبْلَغُ فى الزَّجْرِ وأشَدُّ فى أَنْفُسِ الناسِ، ولأنَّه عَدَلَ عن المنَصْوُصِ. وقيل: يجوزُ؛ لأنَّ معناهما واحدٌ. وإن أبْدلَتِ المرأةُ لفظةَ الغَضَبِ باللَّعْنةِ، لم يَجُزْ؛ لأنَّ الغضبَ أغْلَظُ، ولهذا خُصَّتِ المرأةُ به؛ لأنَّ المرأةَ (26) المُعَيَّرة (27) بزِنَاها أقْبَحُ، وإثْمُها بفِعْلِ الزِّنَى أعظمُ من إثْمِه بالقَذْفِ (28). وإن أبْدَلَتْها بالسَّخَطِ، خُرِّجَ على الوَجْهينِ (29) فيما إذا أبْدَلَ الرجلُ لَفْظَ (30) اللَّعْنةِ بالإِبْعادِ. وإن أبْدَلَ الرجلُ لَفْظَ (30) اللعنةِ بالغَضَبِ، احْتَمَل أن يجوزَ؛ لأنَّه أبْلَغُ، واحْتَمَلَ أن لا يجوزَ؛ لمخالفتِه (31) المنصوصَ. قال الوزيرُ يَحيى بن محمدِ بن هُبَيْرةَ (32) رحمه اللَّهُ تعالى: من الفُقهاءِ مَن اشْتَرطَ أن يُزادَ بعد قولِه: من الصادقينَ: فيما رَمَيْتُها به من الزِّنَى. واشترطَ فى نَفْيِها عن نَفْسِها: فيما رَمانِى به من الزِّنَى. ولا أراه يحتاجُ إليه؛ لأنَّ اللَّه سبحانه أنْزَلَ ذلك وبَيَّنَه، ولم يذكر هذا الاشْتراطَ. وأمَّا مَوْعِظةُ الإِمامِ
(26) سقط من: الأصل.
(27)
سقط من: م.
(28)
فى م: "للقذف".
(29)
فى أ، م:"وجهين".
(30)
فى ب، م:"لفظة".
(31)
فى الأصل: "لمخالفة".
(32)
يحيى بن محمد بن هبيرة الشيبانى الحنبلى، وزير المقتفى وابنه، كان مجلسه معمورا بالعلماء والفقهاء، وألَّف، ومات شهيدا مسموما. سنة ستين وخمسمائة. العبر 4/ 172، 173، ذيل طبقات الحنابلة 1/ 251 - 289.