الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُضِىِّ المُدَّةِ، فالقولُ قولُ الجانِى مع يَمِينِه؛ لأنَّ الأصْلَ عَدَمُ مُضِيِّها، وإن كانت المُدَّةُ ممَّا يَحْتَمِلُ البُرْءَ فيها، فالقولُ قولُ الوَلِىِّ مع يَمِينِه؛ لأنَّه قد وُجِدَ سَبَبُ (2) وَجُوبِ دِيَةِ اليَدَيْنِ بقَطْعِهِما، والجانى يَدَّعِى سُقُوطَ دِيَتِهما بالقَتْلِ، والأصلُ عَدَمُ ذلك. فإن كانت للجانِى بَيِّنَةٌ ببَقَاءِ المَجْنِىِّ عليه ضَمِنًا حتى قَتَلَه، حُكِمَ له ببَيِّنَتِهِ، وإن كانتْ (3) للولىِّ بَيِّنَةٌ ببُرْئِه، حُكِمَ له أيضًا، وإن تعارَضَتا، قُدِّمَتْ بَيِّنةُ الوَلِىِّ؛ لأنَّها مُثْبِتةٌ للبُرْءِ. ويَحْتَمِلُ أن يكون القولُ قولَ الجانِى، إذا لم يكُنْ لهما بَيِّنَةٌ؛ لأنَّ الأصْلَ بَقاءُ الجِراحةِ، وعَدَمُ انْدِمالِها. وإن قَطَعَ أطْرافَه فمات، واختلَفا، هل بَرَأَ قبلَ المَوْتِ، أو مات بسِرَايةِ الجُرْحِ؟ أو قال الوَلِىُّ: إنَّه مات بسَبَبٍ آخرَ، كأنَّه (4) لُدِغَ، أو ذَبَحَ نَفسَه، أو ذَبَحه غيرُه. فالحكمُ فيما إذا مات بغيرِ سببٍ آخَرَ، كالحكمِ فيما إذا قَتَلَه، سَواءً. وأمَّا إذا مات بقَتْلٍ أو سَبَبٍ آخرَ، ففيه وَجْهان؛ أحدهما، تقديمُ قولِ الْجانِى؛ لأنَّ الظاهِرَ بَقاءُ الجِنايةِ، والأصْلُ عَدَمُ سَبَبٍ آخَرَ، فيكونُ الظَّاهِرُ معه. والثانى، القولُ قولُ وَلِىِّ الجِنايةِ؛ لأنَّ الأصلَ بَقاءُ الدِّيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وُجِدَ سَبَبُهما، حتى يُوجَدَ ما يُزِيلُهما. فإن كانتْ دَعْواهُما بالعَكْسِ، فقال الولىُّ: مات من سِرَايةِ قَطْعِكَ، فعليك القِصاصُ في النَّفْسِ. فقال الجانِى: بل انْدَمَلَتْ جِراحُه قبلَ مَوْتِهِ. أو ادَّعَى مَوْتَه بسببٍ آخَرَ، فالقولُ قولُ الوَلِىِّ مع يَمِينِه؛ لأنَّ الجُرْحَ سَبَبٌ للموتِ، وقد تحقَّقَ، والأصلُ عَدَمُ الانْدِمالِ، وعَدَمُ سَبَبٍ آخَرَ يَحْصُلُ الزُّهُوقُ به، وسَواءٌ كان الجُرْحُ فيما يَجِبُ به القِصاصُ في الطَّرَفِ، كقَطْعِ اليَدِ من مَفْصِلٍ أو لا (5) يُوجِبُه، كالجائِفَةِ والْقَطْعِ من غير مَفْصِلٍ. وهذا كلُّه مذهبُ الشافعىِّ.
1439 - مسألة؛ قال: (وَلَوْ رَمَى، وَهُوَ مُسْلِمٌ كَافِرًا عَبْدًا، فَلَمْ يَقَعْ بِهِ
(2) في ب: "بسبب".
(3)
في ب، م:"كان".
(4)
في م: "كأن".
(5)
في ب، م:"ولا".
السَّهْمُ حَتَّى عَتَقَ وأسْلَمَ، فَلَا قَوَدَ، وَعَلَيْه دِيَةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ، إذَا مَاتَ مِن الرَّمْيَةِ (1))
هذا قولُ ابنِ حامدٍ، ومذهبُ الشافعىِّ. وقال أبو بكرٍ: يَجِبُ القَوَدُ؛ لأنَّه قَتَل (2) مُكافِئًا له ظُلْمًا عَمْدًا، فوَجَبَ القِصاصُ، كما لو كان حُرًّا مسلمًا حَالَ الرَّمْىِ، يُحَقِّقُه أنَّ الاعْتبارَ بحالِ الإِصابةِ (3)، بدليلِ ما لو رَمَى مُسْلِمًا حَيًّا، فلم يَقَعْ به السَّهْمُ حتى ارْتَدَّ أو ماتَ، لم يَلْزَمْه شيءٌ، ولو رَمَى عبدًا كافرًا، فلم يَقَعْ به السَّهْمُ حتى عَتَقَ وأسْلَمَ، فعليه دِيَةُ حُرٍّ مسلمٍ. وقال أبو حنيفةَ: يَلْزَمُه في العبدِ دِيَةُ عَبْدٍ لمَوْلاه؛ لأنَّ الإصابةَ ناشِئةٌ عن إرْسالِ السَّهْمِ، فكان الاعْتبارُ بها، كحالةِ الجرْحِ. فأمَّا الكافرُ، فمَذْهَبُه أنَّ دِيَتَه دِيَةُ المسلمِ، وأنَّه يُقْتَلُ به المُسْلِمُ، وكذلك يُقْتَلُ الحُرُّ بالعَبْدِ. ولَنا على دَرْءِ الْقِصاصِ، أنَّه لم يَقْصِدْ (4) إلى نفسٍ مُكافِئةٍ (5) له حالَ الرَّمْىِ، فلم يَجِبْ عليه قِصاصٌ، كما لو رَمَى حَرْبِيًّا أو مُرْتَدًّا فأسلمَ. وعلى أبى حنيفةَ، أنَّه أتلَفَ حُرًّا، فضَمِنَه ضَمانَ الأحْرارِ، كما لو قَصَدَ صَيْدًا. وما قاله يَبْطُلُ بما إذا رَمَى حَيًّا فأصَابَه مَيّتًا، أو صَحِيحًا فأصابَه مَعِيبًا. ولَنا على أن دِيَتَه تجبُ لوَرَثَتِه دُونَ سَيِّدِه، أنَّه إذا أسْلَمَ تَجِبُ دِيَتُه لوَرَثَتِه المسلمينَ دُون الكُفَّارِ، إنْ (6) مات مُسْلِمًا حرًّا، فكانت دِيَتُه لوَرَثَتِه المسلمينَ، كما لو كان كذلك حالَ رَمْيِه، ولأنَّ المِيراثَ إنَّما يُسْتَحَقُّ بالمَوْتِ، فتُعْتَبَرُ حالُه حينئذٍ، لا حينَ سَبَبِ المَوْتِ، بدَليلِ ما لو مَرِضَ وهو عبدٌ كافرٌ، ثم أسلمَ ومات بتلك العِلَّةِ، والواجبُ بَدَلُ المَحَلِّ، فيُعْتبَرُ بالمَحَلِّ الذي فات بها، فيَجِبُ بقَدْرِه، وقد فات بها نَفْسُ حُرٍّ مسلمٍ، والقِصاصُ جَزاءُ الفِعْلِ، فيُعْتَبَرُ الفِعْلُ فيه والإِصابةُ معًا؛ لأنَّهما طَرَفَاه، فلذلك، لم يَجِب القِصاصُ بقَتْلِه.
(1) في م: "سهمه".
(2)
سقط من الأصل.
(3)
في م: "الجناية".
(4)
في م: "يتعد".
(5)
في م: "مكافئته".
(6)
في الأصل، أ، ب:"أنه".