الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فى كثيرٍ من أحكامِها، وهذا من أحْكامِها، فتكونُ على النّصْفِ. ولَنا، قولُ اللَّهِ تعالى:{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} (44) فَخصَّهُنَّ به؛ ولأنَّه (45) لفظٌ يَتَعَلَّقُ به تَحْرِيمُ الزَّوْجةِ، فلا تَحْرُمُ به الأمَةُ، كالطَّلاقِ، ولأنَّ الظِّهارَ كان طلاقًا فى الجاهليَّةِ، فنُقِلَ حُكْمُه وبَقِىَ مَحِلُّه. قال أحمدُ: قال أبو قِلَابةَ، وقَتادةُ: إنَّ الظِّهارَ كان طَلاقًا فى الجاهليَّةِ. ورُوِىَ عنْ أحمدَ، أَنَّ على المُظاهِرِ مِنْ أمَتِه كفَّارةَ ظِهارٍ. وقال أبو بكرٍ: لا يَتَوَجَّهُ هذا على مَذْهَبِه؛ لأنَّه لو كانتْ (46) عليه كفَّارةُ ظِهارٍ كان ظهارًا، ولكنْ عليه كفَّارةُ يَمِينٍ؛ لأنَّه تَحْرِيمٌ لمُباحٍ من مالِه، فكانتْ فيه كفَّارةُ يَمِينٍ، كتَحْرِيمِ سائِرِ مالِه. قال نافعٌ: حَرَّمَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جارِيَتَه، فَأَمَرَه اللَّهُ أَنْ يُكَفِّرَ يَمِينَه (47). ويَحْتَمِلُ أَنْ لا (48) يَلْزَمَه شىءٌ، بِناءً عَلَى قَوْلِه فى المرأةِ إذا قالتْ لزوجها: أنْتَ علىَّ كظَهْرِ أبى. لا يَلْزَمُها شىءٌ. وإِنْ قال لِأمَتِه: أنتِ علىَّ حرامٌ. فعليه كفَّارةُ يَمِينٍ؛ لقولِ اللَّهِ تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِىُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} . إلى قولِه تعالَى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (49) نزلتْ فى تحْريمِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم لِجارِيَتِه فى قَوْلِ بَعْضِهم. ويُخَرَّجُ على الرِّوايةِ الأُخْرَى أَنْ تَلْزَمَه كفَّارَةُ ظِهارٍ؛ لأنَّ التَّحريمَ ظِهارٌ. والأوَّلُ هو الصَّحِيحُ، إنْ شاءَ اللَّهُ تعالى.
فصل:
ويصِح الظِّهارُ مُؤَقَّتًا، مِثْلَ أَنْ يقولَ: أنتِ علىَّ كظَهْرِ أُمِّى شهرًا، أو حتَّى يَنسَلِخَ شَهْرُ رمضانَ. فإذا مَضَى الوقتُ زالَ الظِّهارُ، وحلَّتِ المرأةُ (50) بلا كفَّارةٍ، ولا يكونُ عائدًا إلَّا (48) بالوطءِ فى المُدَّةِ. وهذا قولُ ابنِ عبَّاسٍ، وعَطاءٍ، وقَتادةَ، والثَّوْرِىِّ، وإِسْحَاقَ، وأبى ثَوْرٍ، وأَحَدُ قَوْلَىِ الشَّافِعِىِّ. وقولُه الآخَرُ: لا يكونُ
(44) سورة المجادلة 3.
(45)
سقطت الواو من: الأصل، م.
(46)
فى أ: "كان".
(47)
أورده السيوطى، فى الدر المنثور 6/ 240.
(48)
سقط من: م.
(49)
سورة التحريم 1، 2.
(50)
سقط من: الأصل، أ، ب.
ظهارًا. وبه قال ابنُ أبى لَيْلَى، واللَّيْثُ؛ لأنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بلفظِ الظِّهارِ مُطْلَقًا، وهذا لم يُطْلِقْ، فأشْبَهَ ما لو شَبَّهَها بِمَنْ تَحْرُمُ عليه فى وَقْتٍ دُونَ وقتٍ. وقال طاوُسٌ: إذا ظاهَرَ فى وَقْتٍ، فعليه الكفَّارةُ، وإِنْ بَرَّ. وقال مالِكٌ: يَسْقُطُ التَّأْقِيتُ، ويكونُ ظهارًا (51) مُطْلقًا؛ لأنَّ هذا لَفْظٌ يُوجِبُ تَحْرِيمَ الزَّوْجَةِ، فإذا وَقَّتَه لم يَتَوَقَّتْ كالطَّلاقِ. ولَنا، حديثُ سَلَمَةَ بنِ صَخْرٍ، وقوله: ظاهَرْتُ (52) مِن (53) امْرَأَتِى حتَّى يَنْسَلِخَ شهرُ رَمضانَ. وأخْبَرَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أنَّه أصابَها فى الشَّهْرِ، فأمَرَه بالكفَّارةِ. ولم يَعْتَبِرْ عليه تَقْيِيدَه، ولأنَّه مَنَعَ نَفْسَه منها بيَمينٍ لها كفَّارةٌ، فَصَحَّ مُؤَقَّتًا كالإِيلاءِ، وفارَق الطَّلاقَ؛ فإنَّه يُزِيلُ المِلْكَ، وهو (54) يُوقِعُ تَحْرِيمًا يَرْفَعُه التَّكْفِيرُ، فجازَ تَأْقِيتُه. ولا يصِحُّ قَوْلُ مَنْ أوجَبَ الكفَّارةَ وإِنْ بَرَّ؛ لأنَّ اللَّهَ تَعَالى إنَّما أوْجَبَ الكفَّارةَ على الذين يَعُودُونَ لِمَا قالُوا، ومَنْ بَرَّ وتَرَكَ العَوْدَ فى الوَقْتِ الذى ظاهَرَ فلم يَعُدْ لِمَا قالَ، فلا تَجِبُ عليه كفَّارةٌ. وفارَقَ التَّشْبِيهَ بِمَنْ لا تَحْرُمُ عليه على التَّأْبِيدِ؛ لأنَّ تَحْرِيمَها غيرُ كاملٍ، وهذه حَرَّمَها (55) فى هذه المُدَّةِ تَحْرِيمًا مُشَبَّهًا بتَحْرِيمِ ظَهْرِ أُمِّه. على أنَّنا نَمْنَعُ الحُكْمَ فيها. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه لا يكونُ عائِدًا إلَّا بالوَطْءِ فى المُدَّةِ. وهذا هو المنْصُوصُ عن الشَّافِعِىِّ. وقال بعضُ أصحابِه: إنْ لم يُطَلِّقْها عَقِيبَ الظِّهارِ، فهو عائدٌ عليه الكفَّارةُ (56). وقال أبو عُبَيْدٍ: إذا أجْمَعَ على غِشْيانِها فى الوقتِ، لَزِمَتْهُ الكفَّارةُ. وإلَّا فلا؛ لأنَّ العَوْدَ العَزْمُ على الوَطْءِ. ولَنا، حديثُ سَلَمَةَ بنِ صَخْرٍ، وأنَّه لم يُوجبْ عليه الكفَّارةَ إلَّا بالوَطْءِ، ولأنَّها يَمِينٌ لم يَحْنَثْ فيها، فلا يَلْزَمُه كفَّارَتُها، كاليَمِينِ باللَّهِ تعالى، ولأنَّ المُظاهِرَ فى وَقْتٍ، عازمٌ على إمْساكِ زَوْجَتِه فى ذلك الوقتِ، فمَنْ أوْجَبَ عليه الكفَّارةَ بذلك، كان قَوْلُه كقولِ
(51) فى أ، ب:"مظاهرا".
(52)
فى ب، م:"تظاهرت".
(53)
سقط من: ب.
(54)
فى الأصل: "وهذا".
(55)
فى ب: "تحريمها".
(56)
فى أ، م:"بالكفارة".