الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَبْلَ، فهل يَلْزَمُه بَدَلُها؟ فيه وَجْهان؛ أحدُهما، لا يَلْزمُه بدَلُها (18)؛ لأنَّها غيرُ مُحْتاجةٍ إلى الكُسْوةِ. والثانى، يَلْزمُه؛ لأنَّ الاعْتبارَ بمُضِىِّ الزَّمانِ دُونَ حَقيقةِ الحاجةِ، بدليلِ أنَّها لو بَلِيَتْ قبلَ ذلك لم يَلْزمْه بَدَلُها. ولو أُهْدِىَ إليها كُسْوةٌ، لم تَسْقُطْ كُسْوتُها. وإن أُهْدِىَ إليها طَعامٌ فأكَلَتْه، وبَقِىَ قُوتُها إلى الغدِ، لم يَسْقُطْ قُوتُها فيه. وإن كَسَاها، ثم طَلَّقَها قبلَ أن تَبْلَى، فهل له أن يَسْتَرْجِعَها؟ فيه وَجْهان؛ أحدهما، له ذلك؛ لأنَّه دَفَعها للزَّمانِ المُسْتقْبَلِ، فإذا طَلَّقَها قبلَ مُضِيِّهِ، كان له اسْتِرْجاعُها، كما لو دَفَعَ إليها نَفَقةَ مُدَّةٍ، ثم طَلَّقها قبلَ انْقضائِها. والثانى، ليس له الاسْتِرْجاعُ؛ لأنَّه دَفَعَ إليها الكُسْوةَ بعدَ وُجُوبِها عليه، فلم يكُنْ له الرُّجوعُ فيها، كما لو دَفَعَ إليها (19) النَّفَقةَ بعدَ وُجُوبِها ثم طَلَّقها قبلَ أكْلِها، بخلافِ النَّفَقةِ المُسْتَقْبَلةِ.
فصل:
وإذا دَفَعَ إليها كُسْوتَها، فأرادتْ بَيْعهَا، أو التَّصَدُّقَ بها، وكان ذلك يَضُرُّ بها، أو يُخِلُّ بتَجَمُّلِها بها، أو بسُتْرَتِها، لم تَمْلِكْ ذلك، كما لو أرادتِ الصَّدَقةَ بقُوتِها على وجهٍ يَضُرُّ بها، وإن لم يكُنْ في ذلك ضَرَرٌ، احْتَمَلَ الجَوازَ؛ لأنَّها تَمْلِكُها، فأشْبَهَتِ النَّفَقةَ، واحْتَمَلَ المَنْعَ؛ لأنَّ له اسْتِرْجاعَها لو طَلَّقَها، في أحدِ الوَجْهينِ، بخلافِ النَّفَقةِ.
فصل: والذِّمِّيَّةُ كالمُسْلِمةِ في النَّفقةِ والمَسْكنِ والكُسْوةِ، في قولِ عامَّةِ أهلِ العلمِ. وبه يقول مالكٌ، والشافعيُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرَّأْىِ؛ لعُمومِ النُّصوصِ والمعنى.
1381 -
مسألة؛ قال: (فَإذَا مَنَعَهَا، ولَمْ تَجِدْ مَا تَأْخُذُهُ، فَاخْتَارَتْ (1) فِرَاقَهُ، فَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا)
(18) سقط من: الأصل، أ.
(19)
سقط من: ب.
(1)
في أ، م:"واختارت".
وجملتُه أنَّ الرجلَ إذا مَنَعَ امرأتَه النَّفَقةَ، لعُسْرَتِه، وعَدَمِ ما يُنْفِقُه، فالمرأةُ مُخَيَّرةٌ بينَ الصَّبْرِ عليه، وبينَ فِرَاقِه. رُوِىَ (2) نحوُ ذلك عن عمرَ، وعلىٍّ، وأبى هُرَيْرةَ. وبه قال سعيدُ (3) بن المُسَيَّبِ، والحسنُ، وعمرُ بن عبد العزيز، ورَبِيعةُ، وحَمَّادٌ، ومالكٌ، ويحيى القَطَّانُ، وعبدُ الرحمن بن مَهْدِيٍّ، والشَّافعيُّ، وإسحاقُ، وأبو عُبَيْدٍ، وأبو ثَوْرٍ. وذهب عَطاءٌ، والزُّهْرِىُّ، وابنُ شُبْرُمةَ، وأبو حنيفةَ وصاحِباه، إلى أنَّها لا تَمْلِكُ فِراقَه بذلك، ولكن يَرْفَعُ يَدَه عنها لتَكْتَسِبَ؛ لأنَّه حَقٌّ لها عليه، فلا يُفْسَخُ (4) النِّكاحُ لعَجْزِه عنه، كالدَّيْنِ. وقال العَنْبَرِيُّ: يُحْبَسُ إلى أن يُنْفِقَ. ولَنا، قولُ اللَّه تعالى:{فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (5). وليس الإِمْساكُ مع تَرْكِ الإِنْفاقِ إمْساكًا بمَعْروفٍ، فيتعَيَّنُ التَّسْرِيحُ. وروى سعيدٌ (6)، عن سُفيانَ، عن ابن أبي الزِّنادِ، قال: سألتُ سعيدَ بن المُسَيَّبِ عن الرَّجُلِ لا يَجِدُ ما يُنْفِقُ على امرأتِه، أيُفَرَّقُ بينهما؟ قال: نعم. قلتُ (7): سُنَّة؟ قال: سُنَّة. وهذا يَنْصَرِفُ إلى سُنَّةِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم. وقال ابنُ المُنْذِرِ: ثَبَتَ أنَّ عمرَ بن الخَطَّابِ كتَبَ إلى أُمَراءِ الأجْنادِ، في رِجالٍ غابُوا عن نِسائِهم، فأمَرَهُم بأن يُنْفِقُوا أو يُطَلِّقُوا، فإن طَلَّقُوا بَعَثُوا بنَفَقةِ ما مَضَى (8).
(2) في م: "وروى".
(3)
في م: "عبيد". خطأ.
(4)
في أ: "ينفسخ".
(5)
سورة البقرة 229.
(6)
في: باب ما جاء في الرجل إذا لم يجد ما ينفق على امرأته، من كتاب الطلاق. السنن 2/ 55.
كما أخرجه البيهقي، في: باب الرجل لا يجد نفقة امرأته، من كتاب النفقات. السنن الكبرى 7/ 469. والإِمام الشافعي، انظر: الباب التاسع في النفقات، من كتاب الطلاق. ترتيب المسند 2/ 65. وابن أبي شيبة، في: باب ما قالوا في الرجل يعجز عن نفقة امرأته، من كتاب الطلاق. المصنف 5/ 213.
(7)
في ب، م:"قال".
(8)
أخرجه البيهقي، في: باب الرجل لا يجد نفقة امرأته، من كتاب النفقات. السنن الكبرى 7/ 469. والإِمام الشافعي، انظر: الباب التاسع في النفقات، من كتاب الطلاق. ترتيب المسند 2/ 65. وعبد الرزاق، في: باب الرجل يغيب عن امرأته فلا ينفق عليها، من كتاب الطلاق. المصنف 7/ 93، 94. وابن أبي شيبة، في: باب من قال: على الغائب نفقة. . .، من كتاب الطلاق. المصنف 5/ 214.