الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللِّسانُ، فلم يُؤَثِّر الاختلافُ فيه (34)، كما لو شَهِد أحَدُهما أنَّه أقَرَّ بقَذْفِها (35) يومَ الخميسِ بالعَرَبِيَّةِ، وشَهِدَ الآخرُ أنَّه أقَرَّ بقَذْفِها يوم الجُمُعةِ بالعَجَمِيَّةِ. والآخَرُ، لا تَكْمُلُ الشَّهادةُ. وهو مذهبُ الشافعىِّ؛ لأنَّهما قَذْفانِ لم تَتِمَّ الشَّهادةُ على واحدٍ منهما، فلم تَثْبُتْ، كما لو شَهِدَ أحَدُهما أنَّه تَزَوَّجَها يومَ الخميسِ، وشهدَ الآخرُ أنَّه تزوَّجَها يومَ الجمعةِ، وفارَقَ الإِقْرارَ بالقَذْفِ، فإنَّه يجوزُ أَنَّ يكونَ المُقِرُّ به واحدًا، أقَرَّ به فى وَقْتَيْنِ بلِسَانَيْنِ.
1329 - مسألة؛ قال: (فمَتَى تَلَاعَنَا وفَرَّقَ الحاكِمُ بينهما، لم يَجتَمِعا أبدًا)
.
فى هذه المسْألةِ مَسْألتان:
إحداهما:
أَنَّ الفُرْقَةَ بين المُتَلَاعِنَيْنِ لا تَحْصُلُ إلَّا بتَلاعُنِهما (1) جميعًا، وهل يُعْتَبَرُ تَفْرِيقُ الحاكمِ بينهما؛ فيه رِوَايَتان، إحداهما، أنَّه مُعْتَبر فلا تحصُلُ الفُرْقةُ حتى يُفَرِّقَ الحاكمُ بينهما. وهو ظاهرُ كلامِ الْخِرَقِىِّ، وقولُ أصْحاب الرَّأْى، لقولِ ابنِ عباسٍ فى حدِيِثه: ففَرَّقَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بينهما (2). وهذا يَقْتَضِى أَنَّ الفُرْقةَ لم تَحْصُلْ قبلَه. وفى حَدِيثِ عُوَيْمِرٍ، قال: كَذَبْتُ عليها يا رَسُولَ اللَّه إن أمْسَكْتُها. فطَلَّقَها ثَلاثًا قبلَ أَنَّ يَأْمُرَه رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم (3). وهذا يَقْتَضِى إمْكانَ إمْساكِها، وأنَّه وَقَعَ طَلَاقُه، ولو كانت الفُرْقةُ وَقَعَتْ قبلَ ذلك، لَما وَقَعَ طَلاقُه، ولا أمْكَنَه إمْساكُها. ولأنَّ سَبَبَ هذه الفُرْقةِ يَقِفُ على الحاكمِ، فالفُرْقةُ المتعلِّقةُ به لا (4) تَقَعُ إلَّا بحُكْمِ الحاكِم، كفُرْقةِ العُنَّةِ.
(34) سقط من: أ، م.
(35)
فى أ: "أنه قذفها".
(1)
فى م: "بلعانهما".
(2)
تقدم تخريجه، فى: 8/ 373.
(3)
تقدم تخريجه، فى: 10/ 330.
(4)
فى أ، ب، م:"لم".
والرِّواية الثانية، تحْصُلُ الفُرْقةُ بمُجَردِ لِعانِهما. وهى اختيارُ أبى بكرٍ، وقولُ مالكٍ، وأبى عُبَيْدٍ (5)، وأبى ثَوْرٍ، وداودَ، وزُفَر، وابنِ المُنْذِرِ. ورُوِىَ ذلك عن ابنِ عباسٍ؛ لما رُوِىَ عن عمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّه قال: المُتَلاعِنانِ يُفَرَّقُ بينهما، ولا يَجْتَمِعان أبَدًا. رواه سعيدٌ (6). ولأنَّه مَعْنًى يَقْتَضِى التَّحْرِيمَ المُؤَبَّدَ، فلم يَقِفْ على حُكْمِ الحاكمِ، كالرَّضَاعِ، ولأنَّ الفُرْقةَ لو لم تَحْصُلْ إلَّا بتَفْرِيقِ الحاكمِ، لَسَاغَ تَرْكُ التَّفْرِيقِ إذا كَرِهَاه، كالتَّفْريقِ للعَيْبِ (7) وللإِعْسارِ (8)، ولوَجَبَ أنَّ الحاكمَ إذا لم يُفرقْ بينهما، أَن يَبْقَى النِّكاحُ مُسْتمِرًّا، وقولُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"لا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا"(9). يَدُلُّ على هذا، وتَفْرِيقُه بينهما، بمَعْنَى إعْلامِه لهما بحُصُولِ (10) الفُرْقةِ، وعلى كِلْتا الرِّوايتَيْنِ، لا تحصلُ الفُرْقةُ قبلَ تَمامِ اللِّعانِ منهما. وقال الشافعىُّ، رَحِمه اللَّه تعالى: تحصلُ الفُرْقةُ بلِعانِ الزَّوجِ وحدَه، وإن لم تَلْتَعِن المَرْأةُ؛ لأنَّها فُرْقَةٌ حاصِلَةٌ بالقَوْلِ، فتَحْصُلُ بقَوْلِ الزَّوْجِ وحدَه، كالطَّلاقِ. ولا نعلمُ أحَدًا وافقَ الشَّافعىَّ على هذا القولِ، وحُكِىَ عن البَتِّىِّ أنَّه لا يتَعَلَّقُ باللِّعانِ فُرْقةٌ؛ لما رُوِىَ أَنَّ العَجْلَانىَّ لمَّا لَاعَنَ امْرأتُه طَلَّقَها ثلاثًا، فأنْفَذَه رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم (11)، ولو وَقَعَتِ الفُرْقةُ، لمَا نَفَذَ طَلاقُه. وكلا القَوليْنِ لا يَصِحُّ؛ لأنَّ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَرَّقَ بين المُتَلَاعِنَيْنِ. رواه عبدُ اللَّه بن عمرَ، وسَهْلُ بنِ سعدٍ، وأخْرَجَهُما مسلمٌ (12). وقال سَهْلٌ: فكانت سُنّةً لمن (13) كان بعدَهما، أَن يُفرِّقَ بين المُتَلَاعِنَيْنِ.
(5) فى أ، ب، م زيادة:"عنه".
(6)
فى: باب ما جاء فى اللعان، من كتاب الطلاق. السنن 1/ 360.
كما أخرجه البيهقى، فى: باب ما يكون بعد التعان الزوج. . .، من كتاب اللعان. السنن الكبرى 7/ 410.
(7)
فى أ: "بالعيب".
(8)
فى أ، ب، م:"والإعسار".
(9)
تقدم تخريجه فى: 8/ 373.
(10)
فى الأصل: "حصول".
(11)
أخرجه أبو داود، فى: باب فى اللعان، من كتاب الطلاق. سنن أبى داود 1/ 521.
(12)
تقدم تخريجه فى: 10/ 330.
(13)
فى الأصل: "من".
وقال عمرُ: المُتلاعِنانِ يُفَرَّقُ بينهما، ثم لا يَجْتَمِعانِ أبدًا. وأمَّا القولُ الآخرُ، فلا يَصِحُّ؛ لأنّ الشَّرْعَ إنَّما وَرَدَ بالتَّفْريقِ بينَ المُتلاعِنَيْنِ، ولا يكونان مُتَلاعِنَيْنِ بلِعَانِ أحدِهما، وإنَّما فَرَّقَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بينهما بعد تَمامِ اللعانِ منهما، فالقولُ بوُقُوعِ الفُرْقةِ قبلَه، تحَكُّمٌ يُخالِفُ مَدْلُولَ السُّنّةِ وفِعْلَ النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم، ولأنَّ لَفْظَ اللِّعانِ لا يَقْتَضِى فرقةً؛ فإنَّه إمَّا إيْمانٌ على زِناها، أو شَهادةٌ بذلك، ولولا وُرُودُ الشَّرْعِ بالتَّفْرِيقِ بينهما، لم يَحْصُلِ التَّفْريقُ، وإنَّما وَرَدَ الشرعُ به بعدَ لِعانِهِما، فلا يجوزُ تَعْلِيقُه على بعضِه، كما لم يَجُزْ تَعْلِيقهُ على بعض لِعانِ الزَّوْجِ، ولأنَّه فَسْخ ثَبَتَ بأيْمانِ مُخْتلِفَيْنِ، فلم يَثْبُتْ بيَمِينِ أحدِهما، كالفَسْخِ لِتَحالُفِ المُتَبايِعَيْنِ عندَ الاخْتِلافِ، ويَبْطُلُ ما ذكَرُوه بالفَسْخِ بالعَيْبِ أو العِتْقِ، وقولِ الزَّوْجِ: اخْتارِى. أو: أمْرُكِ (14) بِيَدِكِ. أو: وَهَبْتُكِ لأهْلِكِ أو لِنَفْسِكِ. وأشْباهُ ذلك كثيرٌ. إذَا ثَبَتَ هذا، فإنْ قُلْنَا (15): إنَّ الفُرْقةَ تحْصُلُ بلِعانِهما. فلا تحصلُ إلّا بعَد إكْمالِ اللِّعانِ نهما. وإن قُلْنا: لا تَحْصُلُ إلَّا بتَفْريقِ الحاكمِ. لم يَجُزْ له أَن يفرق بينهما إلَّا بعدَ كَمالِ لِعانِهما، فإنْ فَرَّقَ قبلَ ذلك كان تَفْرِيقُه باطلًا، ووُجُودُه (16) كعَدَمِه. وبهذا قال مالكٌ. وقال الشافعىُّ: لا تقَعُ الفُرْقةُ حتى يُكْمِلَ الزوجُ لِعانَه. وقال أبو حنيفةَ، ومحمدُ بن الحسنِ: إذا فرقَ بينهما بعدَ أَن لَاعَنَ كلُّ واحدٍ منهما ثلاثَ مَرَّاتٍ، أخْطَأَ السُّنَّةَ، والفُرْقةُ جائزةٌ، وإن فرَّقَ بينهما بأقلَّ من ثلاثٍ، فالفُرْقةُ باطلةٌ؛ لأنَّ مَن أتَى بالثَّلاثِ فقد أتَى بالأَكْثَرِ، فيتَعَلَّقُ الحكمُ به. ولَنا، أنَّه تَفْرِيِقٌ قبلَ تَمامِ اللِّعانِ، فلم يَصِحَّ، كما لو فَرَّقَ بينهما لأقَلَّ مِن ثلاثٍ، أو قبلَ لِعَانِ المرأةِ، ولأنَّها أَيْمانٌ مَشْرُوعةٌ، لا يجوزُ للحاكِم الحُكْمُ قبلَها بالإِجماعِ، فإذا حَكَمَ، لم يَصِحَّ حُكْمُه. كأيْمانِ الْمختلِفَيْنِ فى البَيعِ. وكما قبلَ الثَّلاثِ، ولأنَّ الشَّرْعَ
(14) فى م: "وأمرك".
(15)
فى ب، م:"قلن".
(16)
سقطت الواو من: أ، ب، م.