الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
وإذا كانت له (21) أمَةٌ يَطَؤُها، فاسْتَبْرأها، ثم أَعْتَقَها، لم يَلْزَمْها اسْتِبْراءٌ؛ لأنَّها خَرَجَتْ عن كَوْنِها فِرَاشًا باسْتِبْرائِه لها. وإن باعَها، فأعْتَقَها المُشْترِى قبلَ وَطْئِها، لم تَحْتَجْ إلى اسْتَبْراءٍ لذلك. وإن باعها قبل اسْتِبْرائِها، فأعْتَقَها المُشْترِى قبلَ وَطْئِها واسْتِبْرائِها، فعليها اسْتِبْراءُ نفسِها. وإن مَضَى بعضُ الاسْتِبْراءِ في مِلْكِ المُشْتَرِى، لَزِمَها إتْمامُه بعدَ عِتْقِها، ولا يَنْقَطِعُ بانْتِقالِ المِلْكِ فيها؛ لأنَّها لم تَصِرْ فِراشًا للمُشْتَرِى، ولم يَلْزَمْها اسْتِبْراءٌ بإعْتاقِه (22).
فصل: وإذا كانت الأمَةُ بين شَرِيكَيْنِ، فوَطِئاها، لَزِمَها اسْتِبْراءانِ. وقال أصْحابُ الشافعىِّ، في أحدِ الوَجْهينِ: يَلْزَمُها اسْتِبْراءٌ واحدٌ؛ لأنَّ القَصْدَ مَعْرِفةُ بَراءةِ الرَّحِمِ، ولذلك لا يجبُ الاسْتِبْراءُ بأكثرَ من حَيْضةٍ واحدةٍ، وبَراءةُ الرَّحِمِ تُعْلَمُ باسْتِبْراءٍ واحدٍ. ولَنا، أنَّهما حَقَّانِ مَقْصُودانِ لآدَميَّيْنِ، فلم يتَداخَلَا، كالعِدَّتَيْنِ، [ولأنَّهما اسْتِبْراءانِ من رَجُلَيْنِ، فأشْبَها العِدّتَيْنِ](23)، وما ذكَرُوه يَبْطُلُ بالعِدّتَيْنِ من رَجُلَيْنِ.
1362 - مسألة؛ قال: (ومَنْ مَلَك أمَةً، لم يُصِبْها ولَمْ يُقَبِّلْها حَتَّى يَسْتَبْرِئَها بَعْدَ تَمَامِ مِلْكِهِ لَهَا بِحَيْضَةٍ، إنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ، أوْ بِوَضْعِ الحَمْلِ، إنْ كَانَتْ حَامِلًا، أوْ بمُضِىِّ ثَلَاثَةِ أشْهُرٍ، إنْ كَانَتْ مِنَ الْآيِسَاتِ أَوْ مِنَ اللَّائِى لَمْ يَحِضْنَ)
وجملتُه، أنَّ مَنْ مَلَكَ أمَةً بسَبَبٍ من أسبابِ المِلْكِ؛ كالبيعِ، والهِبَةِ، والإِرْثِ، وغيرِ ذلك. لم يَحِلَّ له وَطَؤُها حتى يَسْتَبْرِئَها، بِكْرًا كانتْ أَوْ ثَيِّبًا، صغيرةً كانتْ أو كبيرةً، ممَّن تَحْمِلُ أو ممَّن لا تَحْمِلُ. وبهذا قال الحسنُ، وابنُ سِيرِينَ، وأكثرُ أهلِ العلمِ؛ منهم مالكٌ، والشافعيُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وقال ابنُ عمرَ: لا يجبُ اسْتَبْرَاءُ البِكْرِ. وهو قولُ داودَ؛ لأنَّ الغَرَضَ بالإِسْتِبْراءِ مَعْرِفَةُ بَراءَتِها من الحَمْلِ،
(21) سقط من: ب، م.
(22)
سقط من: الأصل.
(23)
سقط من: ب. نقل نظر.
وهذا معلومٌ في البِكْرِ، فلا حاجةَ إلى الاسْتِبْراءِ. وقال اللَّيْثُ: إن كانتْ ممَّن لا يَحْمِلُ مثلُها، لم يجِب اسْتِبراؤُها لذلك. وقال عثمانُ الْبَتِّىُّ: يجِبُ الاسْتِبْراءُ على البائعِ دُونَ المُشْترِى، لأنَّه لو زَوَّجَها، لكان الاسْتِبْراءُ على المُزَوِّجِ دون الزَّوْجِ، كذلك ههُنا. ولَنا، ما روَى أبو سعيدٍ (1)، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عامَ أوْطَاسٍ (2) أنْ تُوطَأَ حامِلٌ حتى تَضَعَ، ولا غيرُ حاملٍ حتى تَحِيضَ. رواه أحمدُ في "المسندِ"(3). وعن رُوَيْفِعِ بن ثابتٍ، قال: إنَّنِى لا أقولُ إلَّا ما سَمِعْتُه (4) مِن رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، سَمِعْتُه يقولُ:"لَا يَحِلُّ لِامْرِىءٍ، يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، أنْ يَقَعَ عَلَى امْرَأةٍ مِنَ السَّبْىِ، حَتَّى يَسْتَبْرِئَها بِحَيْضَةٍ". روَاه أبو داودَ (5). وفى لفظٍ، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يومَ حُنَيْنٍ (6) يقول: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ والْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلَا يَسْقِى مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِه، ومَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ والْيَوْمِ الآخِرِ فَلَا يَطَأُ جَارِيَةً مِنَ السَّبْىِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَها بِحَيْضَةٍ". روَاه الأثْرَمُ. ولأنَّه مَلَكَ جارِيةً مُحَرَّمةٌ عليه، فلم تَحِلَّ له قبلَ اسْتِبْرائِها، كالثَّيِّبِ التي تَحْمِلُ، ولأنَّه سَبَبٌ مُوجِبٌ للاسْتِبْراءِ، فلم يَفْتَرِقِ الحالُ فيه بين البِكْرِ والثَّيِّبِ، والتى تَحْمِلُ والتى لا تَحْمِلُ، كالعِدَّةِ. قال أبو عبدِ اللَّه: قد بَلَغَنِى أنَّ العَذْراءَ تحْمِلُ. فقال له بعضُ أهلِ المجلسِ: نعم، قد كان في جِيرَانِنَا. وذكر ذلك بعضُ أصْحابِ الشافعىِّ. وما ذكَرُوه يَبْطُلُ بما إذا اشْتَراها من امْرأةٍ أو صَبِىٍّ، أو ممَّن تَحْرُمُ عليه برَضاعٍ أو غيرِه، وما ذكَره الْبَتِّىُّ لا يَصِحُّ؛ لأنَّ المِلْكَ قد يكونُ بالسَّبْىِ والإِرْثِ والوَصِيَّةِ، فلو لم يَسْتَبْرِئْها
(1) سقط من: الأصل.
(2)
أوطاس: واد في ديار هوازن، كانت فيه وقعة حنين. معجم البلدان 1/ 405.
(3)
في: 3/ 28، 62، 87. كما أخرجه الدارمى، في: باب في استبراء الأمة، من كتاب الطلاق. سنن الدارمي 2/ 171. وانظر ما تقدم في: 1/ 444.
(4)
في الأصل: "سمعت".
(5)
في: باب في وطء السبايا، من كتاب النكاح. سنن أبي داود 1/ 497.
(6)
في أ، ب، م:"خيبر". وهو موافق لما عند الدارمي، حيث أخرجه في: باب في استبراء الأمة، من كتاب السير. سنن الدارمي 2/ 227. وما في الأصل موافق لما أخرجه أبو داود، في الباب السابق. والإِمام أحمد، في: المسند 4/ 108.
المُشْترِى، أفْضَى إلى اخْتِلاطِ المِيَاهِ، واشْتِباهِ الأنْسابِ، والفَرْقُ بين البيع والتَّزْويجِ، أنَّ النكاحَ لا يُرادُ إلَّا للاسْتِمتاعِ، فلا يجوزُ إلَّا في مَن تَحِلُّ له، فوَجَبَ أن يتقَدَّمَه الاسْتِبْراءُ، ولهذا لا يَصِحُّ تَزْويجُ مُعْتَدَّةٍ، ولا مُرْتَدَّةٍ، ولا مَجُوسِيَّةٍ، ولا وَثَنِيَّةٍ، ولا مُحَرَّمةٍ بِالرَّضاعِ ولا المُصاهَرةِ، والبيعُ يُرادُ لغيرِ ذلك، فصَحَّ قبلَ الاسْتِبْراءِ، ولهذا صَحَّ في هذه المُحَرَّماتِ، ووَجَبَ الاسْتِبْراءُ على المُشْترِى؛ لما ذكَرْناه. فأمَّا الصَّغيرةُ التي لا يُوطَأُ مثلُها، فظاهِرُ كلامِ الْخِرَقِيِّ تَحْرِيمُ قُبْلَتِها ومُباشَرَتِها لِشَهْوَةٍ قبلَ اسْتِبْرائِها. وهو ظاهرُ كلام أحمدَ، في (7) أكثرِ الرِّواياتِ عنه، قال: تُسْتَبْرَأُ، وإن كانتْ في المَهْدِ. ورُوِىَ عنه أنَّه قال: إن كانتْ صغيرةً بأىِّ شيءٍ تُسْتَبْرَأُ إذا كانت رَضِيعةً. وقال في رِوَايةٍ أُخْرَى: تُسْتَبْرَأُ بحيضةٍ إن (8) كانتْ (9) تَحِيضُ، وإلَّا بثلاثةِ أشْهُرٍ إن كانت ممَّن تُوطَأُ وتَحْبَلُ. فظاهرُ هذا أنَّه لا يَجِبُ اسْتِبْراؤُها، ولا تَحْرُمُ (10) مُباشَرَتُها. وهذا اخْتيارُ ابن (11) أبي موسى، وقولُ مالكٍ، وهو الصحِيحُ؛ لأنَّ سَبَبَ الإِباحةِ مُتَحَقِّقٌ. وليس على تَحْريمِها دليلٌ، فإنَّه لا نَصَّ فيه، ولا مَعْنَى نَصٍّ؛ لأنَّ تَحْريمَ مُباشَرةِ الكبيرةِ إنَّما كان لكَوْنِه داعِيًا إلى الوَطْءِ المُحَرَّمِ، أو خَشْيةَ أن تكونَ أُمَّ وَلَدٍ لغيرِه، ولا يُتَوهَّمُ هذا في هذه، فوَجَبَ العملُ بمُقْتَضَى الإِباحةِ. فأما مَنْ يمْكِنُ وَطْؤُها، فلا تَحِلُّ قُبْلَتُها، ولا الاسْتِمتاعُ منها فيما (12) دُونَ الفَرْجِ قبلَ الاسْتِبْراءِ، إلَّا المَسْبِيَّةَ، على إحْدَى الرِّوايتَيْنِ. وقال الحسنُ: لا يَحْرُمُ من المُشْتَراةِ إلَّا فَرْجُها، وله أن يَسْتَمْتِعَ منها بما شاء، ما لم يمَسَّ؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم إنَّما نَهَى عن الوَطْءِ، ولأنَّه تَحْرِيمٌ للوَطْءِ مع ثُبُوتِ المِلْكِ، فاخْتَصَّ بالفَرْجِ، كالحَيْض. ولَنا
(7) في أ، م:"وفى".
(8)
في ب، م:"إذا".
(9)
في م زيادة: "ممن".
(10)
في أ: "تحريم".
(11)
سقط من: ب، م.
(12)
في أ، ب، م:"بما".
أنَّه اسْتِبْرَاءٌ يُحَرِّمُ الوَطْءَ، فَحَرَّمَ الاسْتِمْتاعَ، كالعِدَّةِ، ولأنَّه لا يَأْمَنُ مِنْ (13) كَوْنِها حامِلًا من بائِعِها، فتكونُ أُمَّ وَلَدٍ، والبَيْعُ باطلٌ (14)، فيكونُ مُسْتَمْتِعًا بأُمِّ وَلَدِ غيرِه، وبهذا فارَقَ تحريمَ الوَطْءِ للحَيْضِ. فأمَّا المَسْبِيَّةُ، فظاهرُ كلامِ الْخِرَقِىِّ تَحْريمُ مُبَاشَرَتِها فيما دُونَ الفَرْجِ لشَهْوةٍ. وهو الظاهرُ عن أحمدَ؛ لأنَّ كلَّ اسْتِبْراءٍ حَرَّمَ الوَطْءَ حَرّمَ دَوَاعِيَه، كالعِدَّةِ، ولأنَّه داعِيةٌ إلى الوَطْءِ المُحَرَّمِ، لأجْلِ اخْتلاطِ المِياهِ، واشْتِباهِ الأنْسابِ، فأشْبَهَتِ الْمَبِيعةَ. ورُوِىَ عن أحمدَ، أنَّه لا يَحْرُمُ؛ لما رُوِىَ عن ابنِ عمرَ، أنَّه قال: وَقَعَ في سَهْمِى يومَ جَلُولاءَ (15) جارِيةٌ، كأنَّ عُنُقَها إبْرِيقُ فضّةٍ، فما مَلَكْتُ نَفْسِى أن قُمْتُ إليها فَقبّلْتُها، والناسُ ينظرون (16). ولأنَّه لا نَصَّ في الْمَسْبِيَّةِ، ولا يَصِحُّ قِياسُها على الْمَبِيعَةِ؛ لأنَّها تَحْتَمِلُ أن تكونَ أُمَّ وَلَدٍ للبائعِ، فيكونَ مُسْتَمْتِعًا بأُمِّ ولَدِ غيرِه، ومُباشِرًا لمَمْلُوكةِ غيرِه، والْمَسْبِيَّةُ مملوكةٌ له على كلِّ حالٍ، وإنَّما حُرِّمَ وطؤُها لئَلَّا يَسْقِىَ ماءَه زَرْعَ غيرِه. وقولُ الْخِرَقِىِّ: بعدَ تَمامِ مِلْكِه لها. يَعْنِى أنَّ الاسْتِبْراءَ لا يكونُ إلَّا بعد مِلْكِ المُشْتَرِى لجميعِها، ولو مَلَكَ بعضَها، ثم مَلَكَ باقِيَها، لم يُحْتَسَب الاسْتِبْراءُ إِلَّا من حينَ مَلَكَ باقِيَها. وإن مَلَكَها بِبَيْعٍ فيه الخِيارُ، انْبَنَى على نَقْلِ المِلْكِ في مُدَّتِه، فإنْ قُلْنا: يَنْتَقِلُ. فابْتِداءُ الاسْتِبْراءِ من حينِ البَيْعِ. وإن قُلْنا: لا يَنْتَقِلُ. فابْتداؤُه من حينَ انْقَطَعَ الخِيارُ. وإن كان المبيعُ مَعِيبًا، فابْتداؤُه (17) الخِيارَ (18) من حينِ البَيْعِ؛ لأنَّ العَيْبَ لا يَمْنَعُ نَقْلَ المِلْكِ بغيرِ خِلافٍ. وهل يُبْتَدَأُ الاسْتِبْراءُ من حينِ البَيْعِ قبلَ القَبْضِ، أو من حينِ القَبْضِ؟ فيه وَجْهان؛ أحدهما، من حينِ البيعِ؛ لأنَّ المِلْكَ ينْتقِلُ به. والثانى، من حينِ القَبْضِ؛
(13) سقط من: أ.
(14)
في م: "باطلا".
(15)
جلولاء: ناحية من نواحى السواد، في طريق خراسان، فتحها المسلمون في السنة التاسعة عشرة. معجم البلدان 2/ 107، معجم ما استعجم 2/ 390، البداية والنهاية 7/ 69.
(16)
أخرجه ابن أبي شيبة، في: باب في الرجل يشترى الأمة يصيب منها شيئًا دون الفرج أم لا، من كتاب النكاح، المصنف 4/ 227، 228.
(17)
في أ، م:"فابتداء".
(18)
في أ: "الاستبراء".