الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سألتُ أبا عبدِ اللَّه عن حديثِ عمرِو بن العاصِ، فقال: لا يَصِحُّ. وقال المَيْمُونِىُّ: رأيتُ أبا عبدِ اللَّه يَعْجَبُ من حديثِ عمرِو بن العاصِ هذا، ثم قال: أينَ سُنَّةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في هذا؟ وقال: أَرْبَعَةُ أشْهُرٍ وعشرٌ إنَّما هي عِدَّةُ الحُرَّةِ من النكاحِ، وإنَّما هذه أمَةٌ خَرَجَتْ من الرِّقِّ إلى الحُرِّيَّةِ. ويَلْزَمُ من قال بهذا أن يُوَرِّثَها. وليس لقولِ من قال: تَعْتَدُّ بثلاثِ حِيَضٍ. وَجْهٌ، وإنَّما (9) تَعْتَدُّ بذلك المُطَلَّقةُ، وليست هذه مُطَلَّقةً، ولا في معنىٍ المُطلَّقةِ. وأمَّا قِياسُهمْ إيَّاها على الزَّوْجاتِ، فلا يَصِحُّ؛ لأنَّ (10) هذه لبست زَوْجةً، ولا في حُكْمِ الزَّوجةِ، ولا مُطَلَّقةً، ولا في حُكْمِ المُطلَّقةِ.
فصل:
ولا يَكْفِى في الاسْتِبْراءِ طُهْرٌ واحدٌ، ولا بعضُ حَيْضَةٍ. وهذا قولُ أكْثرِ أهلِ العلمِ. وقال بعضُ أصحابِ مالكٍ: متى طَعَنَتْ في الحَيْضَةِ، فقد تَمَّ اسْتِبْراؤُها. وَزَعَمَ أنَّه مذهبُ مالكٍ. وقال الشافعيُّ، في أحدِ قولَيْه: يَكْفِى طُهْرٌ واحدٌ إذا كان كاملًا، وهو أن يَمُوتَ في حَيْضِها، فإذا رأتِ الدَّمَ من الحَيْضَةِ الثانيةِ، حَلَّتْ، وَتَمَّ اسْتِبْراؤُها. وهكذا الخلافُ في الاسْتِبْراءِ كلِّه، وبَنَوْا هذا على أنَّ القُرُوءَ الأطْهارُ، وهذا يَرُدُّه قولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"لا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بحَيْضَةٍ"(11). وقال رُوَيْفِعُ بن ثابتٍ: سمعتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقولُ يومَ خَيْبَرَ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ والْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلَا يَطَأُ جَارِيَةً مِنَ السَّبْىِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَها (12) بِحَيْضَةٍ". روَاه الأَثْرَمُ (13). وهذا صريحٌ فلا يُعَوَّلُ، على ما خالَفَه. ولأنَّ الواجبَ اسْتِبْراءٌ، والذي يَدُلُّ على البَراءةِ هو الحَيْضُ، فإنَّ الحاملَ لا تَحِيضُ. فأمَّا الطُّهْرُ فلا دَلالةَ فيه (14) على
(9) سقطت الواو من: الأصل، أ.
(10)
في أ، ب، م:"فإن".
(11)
تقدم تخريجه، في: 1/ 444.
(12)
في أ، ب:"تستبرأ".
(13)
وأخرجه أيضًا الدارمي عن رويفع في يوم خيبر، في: باب استبراء الأمة، من كتاب السير. سنن الدارمي 2/ 227. وانظر ما تقدم في: 1/ 444.
(14)
في أ، م:"عليه".
البَراءةِ، فلا يجوزُ أن يُعَوَّلَ في الاسْتِبْراءِ على ما لا دَلالةَ فيه (15) عليه، دون ما يَدُلُّ عليه. وبناؤُهم قولَهم هذا على قولِهم (16): إن القُرُوءَ الأطْهارُ. بناءٌ للخِلافِ (17) على الخِلَافِ، وليس ذلك بحُجَّةٍ، ثم لم يُمْكِنْهُم بناءُ هذا على ذاك حتى خالَفُوه، فجعلُوا الطُّهْرَ الذي طَلَّقَها فيه قُرْءًا، ولم يجعلُوا الطُّهْرَ الذي مات فيه سَيِّدُ أمِّ الولدِ قُرْءًا، وخالَفُوا الحديثَ والمعنى. فإن قالوا: إنَّ بعضَ الحَيْضَةِ المُقْتَرِنَ بالطُّهْرِ يدلُّ على الْبَراءةِ. قُلْنا: فيكونُ الاعتمادُ حينَئذٍ على بعضِ الحَيْضَةِ، وليس ذلك قُرْءًا عندَ أحدٍ. فإذا تقرَّرَ هذا، فإن مات عنها وهى طاهرٌ، فإذا طَهُرَتْ من الحَيْضَةِ المُسْتَقْبَلةِ (18) حَلَّتْ، [وإن كانت حائِضًا، لم تعْتَدَّ ببقِيَّةِ تلك الحَيْضَةِ، ولكن متى طَهُرَتْ من الحَيْضةِ الثانية حَلَّتْ](19)؛ لأنَّ اسْتِبْراءَ هذه بحَيْضَةٍ، فلا بُدَّ من حَيْضةٍ كاملَةٍ.
1358 -
مسألة؛ قال: (وإِنْ كَانَتْ آيِسًا (1)، فبِثَلاثَةِ أشْهُرٍ)
وهذا المشهورُ عن أحمدَ أيضًا. وهو قولُ الحسنِ، وابنِ سِيرِينَ، والنَّخَعِىِّ، وأبى قِلَابةَ، وأحدُ قَوْلَيِ الشافعىِّ. وسأل عمرُ بن عبد العزيزِ أهلَ المدينةِ والقوابلَ، فقالوا: لا تُسْتَبْرَأُ الحُبْلَى في أقَلَّ من ثلاثةِ أشْهُرٍ. فأعْجَبَه قولُهم. وعن أحمدَ، روايةٌ أُخْرَى، أنَّها تُسْتَبْرَأُ بشَهْرٍ. وهو قولٌ ثانٍ للشافعىِّ؛ لأنَّ الشهرَ قائمٌ مَقامَ القُرْءِ في حَقِّ الحُرَّةِ والأمَةِ المُطَلَّقةِ، فكذلك في الاسْتِبْراءِ. وذكر القاضي روايةً ثالثةً، أنَّها تُسْتَبْرَأُ بشَهْرينِ، كعِدَّةِ الأمَةِ المُطَلَّقةِ. ولم أرَ لذلك (2) وَجْهًا، ولو كان استبراؤُها بشَهْرينِ، لَكان
(15) سقط من: أ، ب، م.
(16)
سقط من: الأصل.
(17)
في ب: "الخلاف".
(18)
في ب: "الثانية".
(19)
سقط من: ب. نقل نظر.
(1)
في الأصل، ب:"مؤيسة".
(2)
في م: "بذلك".
اسْتِبْراءُ ذاتِ القُرْءِ بقُرْأينِ، ولم (3) نَعْلَمْ به قائلًا. وقال سعيدُ بن المُسَيَّبِ، وعَطاءٌ، والضَّحَّاكُ، والحَكَمُ، في الأمَةِ التي لا تَحِيضُ: تُسْتَبْرَأُ بشَهْرٍ ونِصْفٍ. ورَوَاه حَنْبَلٌ عن أحمدَ، فإنَّه قال: قال عَطاءٌ: إن كانت لا تَحِيضُ، فخَمْسٌ وأربعون ليلةً. قال عَمِّى: كذلك أذْهَبُ؛ لأنَّ عِدَّةَ الأمَةِ (4) المُطَلَّقةِ الآيِسَةِ كذلك. والمشهورُ عن أحمدَ الأوَّلُ. قال أحمدُ بن القاسِمِ: قلتُ لأبي عبدِ اللَّه: كيف جَعَلْتَ ثلاثةَ أشْهُرٍ مكانَ حَيْضَةٍ، وإنما جَعَل اللهُ في القرآنِ مكانَ كلِّ حَيْضَةٍ شهرًا؟ فقال: إنَّما قُلْنا بثلاثةِ (5) أشْهُرٍ من أجلِ الحَمْلِ، فإنَّه لا يتَبَيَّنُ في أقَلَّ من ذلك، فإنَّ عمرَ بن عبد العزيزِ سأل عن ذلك، وجَمَعَ أهلَ العلمِ والقَوابِلَ، فأخْبَرُوه أنَّ الحَمْلَ لا يتَبيَّنُ في أقَّل من ثلاثةِ أشْهُرٍ، فأعْجبَه ذلك. ثم قال: ألا تَسْمَعُ قولَ ابنِ مسعودٍ: إن النُّطْفةَ أَرْبَعِينَ يوما، ثم عَلَقةً أربعِينَ يوما، ثم مُضْغةً بعد ذلك (6). قال أبو عبدِ اللَّه: فإذا خَرَجَت الثَّمَانُونَ، صار بعدَها مُضْغةً، وهى لَحْمٌ، فتَبيَّنَ حينَئذٍ. وقال لي: هذا معروفٌ عند النِّساءِ. فأمَّا شَهْرٌ، فلا معنى فيه، ولا نعلمُ به قائلا. ووَجْه اسْتِبْرائِها (7) بشَهْرٍ، أنَّ اللهَ تعالى جَعَلَ الشهرَ مكانَ الحَيْضَةِ، ولذلك اخْتلَفتِ الشُّهورُ باخْتلافِ الحَيضاتِ، فكانتْ عدَّةُ الحُرَّةِ الآيِسَةِ ثلاثةَ أشْهُرٍ، مكانَ ثلاثةِ قُرُوءٍ، وعدةُ الأمَةِ شَهْرَيْن، مكانَ قُرْأَيْنِ، وللأمَةِ (8) المُسْتَبْرأَةِ التي ارْتَفَعَ حيضُها عشرةُ أشْهُرٍ؛ تِسْعةٌ للحَمْلِ، وشهرٌ مكانَ الحَيْضَةِ، فيجبُ أن يكونَ مكانَ الحَيْضَةِ ههُنا شهرٌ، كما في حَقِّ مَن ارْتَفَعَ حَيْضُها. فإن قيل: فقد وُجِدَ ثَمَّ ما دَلَّ على البَراءةِ، وهو ترَبُّصُ تِسْعةِ أشْهُرٍ. قُلْنا: وههُنا ما يَدُلُّ على الْبَراءةِ، وهو الإِيَاسُ، فاسْتَوَيا.
(3) في أ: "ولا".
(4)
سقط من: ب.
(5)
في أ: "ثلاثة".
(6)
تقدم تخريجه في صفحة 231.
(7)
في م: "استبرائه".
(8)
في ب: "وللامرأة".