الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب العِدَد
الأصْلُ فى وُجُوبِ العِدَّةِ، الكِتَابُ والسُّنّةُ والإِجماعُ؛ أمَّا الكتابُ فقولُ اللَّهِ تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (1). وقولُه سبحانه: {وَاللَّائِى يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِى لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (2): وقولُه تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} (3). وأمَّا السُّنّةُ، فقولُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"لَا يَحِلُّ لِامْرأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ، أَنْ تَحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إلَّا عَلَى زَوْجٍ، أرْبَعةَ أشْهُرٍ وعَشْرًا"(4). وقال لفاطمةَ بنت قَيْسٍ: "اعْتَدِّى فى بَيْتِ ابنِ
(1) سورة البقرة 228.
(2)
سورة الطلاق 4.
(3)
سورة البقرة 234.
(4)
أخرجه البخارى، فى: باب الطيب للمرأة عند غسلها من المحيض، من كتاب الحيض، وفى: باب حد المرأة على غير زوجها، من كتاب الجنائز، وفى: باب تحد المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا، وباب تلبس الحادة ثياب العصب، من كتاب الطلاق صحيح البخارى 1/ 85، 2/ 99، 7/ 76، 77. ومسلم، فى: باب وجوب الإِحداد فى عدة الوفاة وتحريمه فى غير ذلك إلا ثلاثة أيام، من كتاب الرضاع. صحيح مسلم 2/ 1123 - 1127. وأبو داود، فى: باب إحداد المتوفى عنها زوجها، وباب فيما تجتنب المعتدة فى عدتها، من كتاب الطلاق. سنن أبى داود 1/ 535 - 537. والترمذى، فى: باب ما جاء فى عدة المتوفى عنها زوجها، من كتاب الطلاق. عارضة الأحوذى 5/ 172، 173. والنسائى، فى: باب الإِحداد، وباب سقوط الإحداد عن الكتابية المتوفى عنها زوجها، وباب ما تجتنب الحادة من الثياب المصبغة، وباب الخضاب للحادة، من كتاب الطلاق. المجتبى 6/ 164 - 168. وابن ماجه، فى: باب هل تحد المرأة على غير زوجها، من كتاب الطلاق. سنن ابن ماجه 1/ 674. والدارمى، فى: باب النهى للمرأة عن الزينة فى العدة، من كتاب الطلاق. سنن الدارمى 2/ 167، 168. والإِمام مالك، فى: باب ما جاء فى الإحداد، من كتاب الطلاق. الموطأ 2/ 597، 598. والإِمام أحمد، فى: المسند 5/ 85، 6/ 37، 184، 249، 281، 286، 287، 324 - 326، 408، 426.
أُمِّ مَكْتُومٍ" (5). فى آىٍ وأحاديثَ كثيرة. وأجْمَعَتِ الأُمَّةُ على وُجُوبِ العِدَّةِ فى الجُمْلةِ، وإنَّما اخْتَلَفُوا فى أنْواعٍ منها. وأجْمَعُوا على أن المُطَلَّقةَ قبلَ الْمَسِيسِ لا عِدّةَ عليها؛ لقَوْلِ اللَّهِ تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} (6). ولأنَّ العِدَّةَ تجِبُ لِبَراءةِ الرَّحِمِ، وقد تَيَقَّنَّاها ههُنا. وهكذا كل فُرْقَةٍ فى الحياةِ، كالفَسْخِ لِرَضَاعٍ، أو عَيْبٍ، أو عِتْقٍ، أو لِعَانٍ، أو اخْتلافِ دِينٍ.
فصل: وتجبُ العِدَّةُ على الذِّمِّيَّةِ من الذِّمِّىِّ والمسلمِ. وقال أبو حنيفةَ: إن لم تكُنْ من دِينِهم، لم تَلْزَمْها؛ لأنَّهم لا يُخاطبونَ بفُرُوعِ الدِّينِ. ولَنا، عُمومُ الآياتِ، ولأنَّها بائِنٌ بعدَ الدُّخُولِ، أشْبَهَ المسلمةَ. وعِدَّتُها كعِدَّةِ المُسْلِمةِ، فى قولِ علماءِ الأمصارِ؛ منهم مالكٌ، والثَّوْرِىُّ، والشافعىُّ، وأبو عُبَيْدٍ، وأصْحابُ الرأى ومَنْ تَبِعَهُم، إلَّا ما رُوِىَ عن مالكٍ، أنَّه قال: تَعْتَدُّ من الوَفاةِ بحَيْضَةٍ. ولَنا، عُمومُ قولِ اللَّه تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} . ولأنَّها مُعْتَدّةٌ من الوَفاةِ، أشْبَهتِ (7) المُسْلِمةَ.
فصل: والمُعْتَدَّاتُ ثلاثةُ أقسامٍ؛ مُعْتَدّةٌ بالحَمْلِ، وهى كلُّ امْرأةٍ حاملٍ من زَوْجٍ، إذا فارَقَتْ زَوْجَها بطَلَاقٍ أو فَسْخٍ أو مَوْتِه عنها، حُرَّةً كانت أو أمَةً، مسلمةً أو كافرةً، فعِدَّتُها بوَضْعِ الحَمْلِ، ولو بعد ساعةٍ؛ لقولِ اللَّه تعالى:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} . والثانى، مُعْتَدَّةٌ بالقُرُوءِ، وهى كلُّ مُعْتَدَّةٍ من فَرْقَةٍ فى
(5) تقدم تخريحه، فى: 10/ 331، ويضاف: وأخرجه النسائى، فى: باب إذا استشارت المرأة رجلا فى من يخطبها هل يخبرها بما يعلم، من كتاب النكاح. المجتبى 6/ 62.
(6)
سورة الأحزاب 46.
(7)
فى الأصل: "وأشبهت".
الحياةِ، أو وَطْءٍ فى غيرِ نِكاحٍ، إذا كانت ذاتَ قُرْءٍ، فعِدَّتُها بالقُرْءِ (8)؛ لقولِ اللَّه تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} . والثالث، مُعْتَدَّةٌ بالشُّهُورِ، وهى كل مَنْ تَعْتَدُّ بالقُرْءِ (9) إذا لم تكنْ ذات قُرْءٍ؛ لِصِغَرٍ، أو يَأْسٍ، لقولِ اللَّه تعالى:{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِى لَمْ يَحِضْنَ} . وذَواتُ (10) القُرْءِ إذا ارْتَفَعَ حَيْضُها لا تَدْرِى ما رَفَعَه، اعْتَدَّتْ بِتسْعَةِ أشْهُرٍ لِلحَمْلِ. وعِدَّةُ الآيِسَةِ، وكلُّ مَنْ تُوُفِّىَ عنها زَوْجُها ولا حَمْلَ بها قبل الدُّخُولِ أو بعدَه، حُرَّةً أو أمةً، فعِدّتُها بالشُّهُورِ؛ لقولِ اللَّه تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} .
فصل: وكل فُرْقةٍ بين زَوْجَيْنِ فعِدَّتُها عِدَّةُ الطَّلاقِ، سَواءٌ كانت بِخُلْعٍ، أو لِعَانٍ، أو رَضاعٍ، أو فَسْخٍ بعَيْبٍ، أو إعْسارٍ، أو إعْتاقٍ، أو اخْتلافِ دِينٍ، أو غيرِه، فى قولِ أكَثَرِ أهلِ العِلْمِ. ورُوِىَ عن ابنِ عباسٍ، أنَّ عِدَّةَ المُلاعِنَةِ تِسْعةُ أشْهُرٍ. وأبَى ذلك سائرُ أهلِ العلمِ، وقالوا: عِدّتُها عدَّةُ الطَّلاقِ؛ لأنَّها مُفارِقةٌ فى الحياةِ، فأشْبَهتِ المُطَلَّقةَ. وأكثرُ أهلِ العلمِ يقولون: عِدّةُ المُخْتَلِعةِ عِدَّةُ المُطَلَّقةِ؛ منهم سعيدُ بن المُسَيَّبِ، وسالمُ بن عبدِ اللَّه، وعُرْوَةُ، وسليمانُ بن يَسَارٍ، وعمرُ بن عبد العزيزِ، والحسنُ، والشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ، والزُّهْرِىُّ، وقَتادةُ، وخِلاسُ بن عمرٍو، وأبو عِيَاضٍ (11)، ومالكٌ، واللَّيْثُ، والأوْزَاعىُّ، والشافعىُّ. ورُوِىَ عن عثمانَ بن عفَّان، وابن عمرَ، وابنِ عباسٍ، وأبَانَ بن عثمانَ، وإسْحاقَ، وابنِ المُنْذرِ، أَنَّ عِدَّةَ المُخْتَلِعةِ حَيْضةٌ. ورَوَاه ابنُ القاسمِ عن أحمدَ، لما رَوَى ابنُ عباسٍ، أَنَّ امْرأةَ ثابتِ بن قَيْسٍ اخْتَلَعَتْ منه، فجعَل النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم عِدَّتَها حَيْضةً. رواه النَّسائِىُّ (12). وعن رُبَيِّعَ بنتِ مُعَوذٍ مثلُ ذلك، وأن
(8) فى ب، م:"القرء".
(9)
فى الأصل، أ:"القرء".
(10)
فى ب، م:"وذات".
(11)
سقطت الواو من: أ. وتقدم فى: 5/ 415.
(12)
تقدم تخريجه، فى: 10/ 267.
عثمانَ قَضَى به. روَاه النَّسائِىُّ، وابنُ ماجَه (13). ولَنا، قولُ اللَّه تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} . ولأنَّها فُرْقةٌ بعدَ الدُّخولِ فى الحياةِ، فكانت ثلاثةَ قُرُوءٍ، كغيرِ الخُلْعِ، وقولُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"قُرْءُ الْأَمَةِ حَيْضَتانِ"(14). عامٌ، وحَدِيثُهُم يَرْوِيه عِكْرِمةُ مُرْسلًا، قال أبو بكرٍ: هو ضَعِيفٌ مُرْسَلٌ. وقولُ عثمانَ وابنِ عباسٍ، قد خالَفَه قولُ عمرَ وعلىٍّ، فإنَّهما قالا: عِدّتُها ثلاثُ حِيَضٍ. وقولُهما أَوْلَى. وأمَّا ابنُ عمرَ، فقد رَوَى مالكٌ (15)، عن نافعٍ، أنَّه قال: عِدّةُ المُخْتَلعةِ عِدَّةُ المُطَلَّقةِ (16). وهو أصَحُّ عنه.
فصل: والمَوْطُوءةُ بشُبْهةٍ تَعْتَدُّ عِدَّةَ المُطَلَّقةِ، وكذلك الموطوءةُ فى نِكاحٍ فاسدٍ. وبهذا قال الشافعىُّ؛ لأنَّ وَطْءَ الشُّبْهةِ وفى النِّكاحِ الفاسدِ، فى شَغْلِ الرَّحِمِ ولُحُوقِ (17) النَّسَبِ، كالوَطْءِ فى النِّكاحِ الصَّحِيحِ، فكان مثلَه فيما تَحْصُلُ به البَراءةُ. وإن وُطِئَتِ المُزَوَّجَةُ بشُبْهةٍ، لم يَحِلَّ لِزَوْجِها وَطْؤُها قبلَ قَضاءِ (18) عِدَّتِها، كى لا يُفْضِىَ إلى اخْتِلاطِ المِياهِ واشْتِباهِ الأنْساب، وله الاسْتِمْتاعُ منها بما دُونَ الفَرْجِ، فى أحدِ الوَجْهينِ؛ لأنَّها زوجةٌ حُرِّمَ وَطْؤُها لعارِضٍ مُخْتَصٍّ بالفَرْجِ، فأُبِيحَ الاسْتِمْتاعُ منها بما دُونَه، كالحائِضِ.
فصل: والمَزْنِىُّ بها، كالمَوْطُوءةِ بشُبْهةٍ فى العِدَّةِ. وبهذا قال الحسنُ، والنَّخَعِىُّ. وعن أحمدَ روَايةٌ أُخْرَى، أنَّها تُسْتَبْرأُ بحَيْضةٍ. ذكرها ابنُ أبى موسى. وهذا قولُ مالكٍ،
(13) أخرجه النسائى، فى: باب عدة المختلعة، من كتاب الطلاق. المجتبى 6/ 153. وابن ماجه، فى: باب عدة المختلعة، من كتاب الطلاق. سنن ابن ماجه 1/ 663، 664. كما أخرجه الإِمام مالك، فى: باب طلاق المختلعة، من كتاب الطلاق. الموطأ 2/ 565.
(14)
تقدم تخريجه، فى: 10/ 534.
(15)
فى: باب طلاق المختلعة، من كتاب الطلاق. الموطأ 2/ 565.
(16)
فى أ، ب، م:"مطلقة".
(17)
فى أ، ب، م:"ولحقوق".
(18)
فى ب، م:"انقضاء".