الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَحَّ إبْراؤُهم، ومَلَكُوا الرّجوعَ على قاتِلِ مَوْرُوثِهِم بقِسْطِ أخيه العافِى. وإن قُلْنا: يَرْجِعُ على [شَرِيكهِ. مَلَكَ مُطَالبتَه، وصَحَّ إبْراؤُه، ولم يكُنْ لوَرَثَةِ الجانِى مُطالبتُه بشيءٍ. ومنها أننا، إذا قُلْنا: يرجِعُ على](15) تَرِكَةِ الجانِى. وله تَركِةٌ، فله الأخْذُ منها، سواءٌ أمْكَنَ وَرَثَتَه أن يَسْتَوْفُوا من الشَّرِيكِ، أو لم يُمْكِنْهم. وإن قُلْنا: يَرْجِعُ على شَرِيكِه. يكُنْ له مُطالَبَةُ ورَثةِ الجانِى، سواءٌ كان شَرِيكهُ مُوسِرًا أو مُعْسِرًا.
1455 - مسألة؛ قال: (وَمَنْ عَفَا مِنْ وَرَثَةِ المَقْتُولِ عَنِ الْقِصَاصِ، لَمْ يَكُنْ إلَى الْقِصَاصِ سَبِيلٌ، وإنْ كَانَ الْعَافِى زوْجًا أوْ زَوْجَةً)
أجْمَعَ أهلُ العلمِ على إجازةِ العَفْوِ عن القِصاصِ، وأنَّه أَفْضَلُ. والأصْلُ فيه (1) الكِتابُ والسُّنَّةُ؛ أمَّا الكتابُ، فقولُ اللَّه تعالى فى سِيَاق قولِه:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} - {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} (2). وقال تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} . إلى قوله: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} (3). قيل في تَفْسِيرِه: فهو كَفَّارةٌ للجانِى، بعفو صاحِب الحَقِّ عنه. وقيل: فهو كَفَّارةٌ للعافِى بصَدَقَتِه. وأمَّا السُّنَّةُ، فإنَّ أنَسَ بن مالكٍ، قال: ما رأيتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم رُفِعَ إليه شيءٌ فيه قِصَاصٌ، إلَّا أمَرَ فيه بالعَفْوِ. روَاه أبو داودَ (4). وفي حَدِيثِه في قِصَّةِ الرُّبَيِّعِ بنت النَّضْرِ، حين كَسَرَتْ سِنَّ
(15) سقط من: م. نقل نظر.
(1)
سقط من: ب.
(2)
سورة البقرة 178.
(3)
سورة المائدة 45.
(4)
في: باب الإِمام يأمر بالعفو في الدم، من كتاب الديات سنن أبي داود 2/ 478.
كما أخرجه النسائي، في: باب الآمر بالعفو عن القصاص، من كتاب القسامة. المجتبى 8/ 34. وابن ماجه، في: باب العفو في القصاص، من كتاب الديات. سنن ابن ماجه 2/ 898. والإِمام أحمد، في: المسند 3/ 213، 252.
جارِيَةٍ، فأمَرَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بالقِصاصِ، فعَفَا القَوْمُ (5) إذا ثَبَتَ هذا، فالقِصاصُ حَقٌّ لجميعِ الوَرَثةِ من ذَوِى الأنْسابِ والأسْبابِ، والرجالِ والنِّساءِ، والصغارِ والكبارِ، فمن عَفَا منهم صَحَّ عَفْوُه، وسَقَطَ القِصاصُ، ولم يَبْقَ لأحَدٍ إليه سَبِيلٌ. هذا قولُ أكثرِ أهلِ العلمِ، منهم؛ عَطاءٌ، والنَّخَعِىُّ، والحَكَمُ، وحَمَّادٌ، والثَّوْرِىُّ، وأبو حنيفةَ، والشافعيُّ. ورُوِىَ مَعْنَى ذلك عن عمرَ، وطاوُسٍ، والشَّعْبِىِّ. وقال الحسنُ، وقَتادةُ، والزُّهْرِىُّ، وابنُ شُبْرُمَةَ، واللَّيْثُ، والأوْزاعِىُّ: ليس للنِّساءِ عَفْوٌ. والمشهورُ عن مالكٍ، أنَّه مَوْرُوثٌ للعَصَباتِ خاصَّةً. وهو وجهٌ لأصْحابِ الشافعىِّ؛ لأنَّه ثَبَتَ لدَفْعِ العارِ، فاخْتَصَّ به العَصَباتُ. كوِلاِيةِ النكاحِ. ولهم وجْهٌ ثالثٌ، أنَّه لِذَوِى الأنْسابِ دُونَ الزَّوْجَيْنِ؛ لقولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ قُتِلَ له قَتِيلٌ، فأهْلُهُ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ؛ بَيْنَ أنْ يَقتُلُوا، أوْ يأخُذُوا الْعَقْلَ"(6). وأهلُه ذَوُو رَحِمِه. وذهب بعضُ أهلِ المدينةِ إلى أنَّ القِصاصَ لا يَسْقُطُ بعَفْوِ بعضِ الشُّرَكاءِ. وقيل: هو رِوايةٌ عن مالكٍ؛ لأنَّ حَقَّ غيرِ العافِى لا يَرْضَى بإسْقاطِه، وقد تُؤْخَذُ النَّفْسُ ببعضِ النَّفْسِ، بدليلِ قَتْلِ الجماعةِ بالواحدِ. ولَنا، عُمومُ قولِه عليه السلام:"فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ". وهذا عامٌّ في جميعِ أهْلِه، والمرأةُ من أهْلِه، بدليلِ قولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ يَعْذِرُنِى مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِى (7) أذَاهُ فِي أهْلِى، ومَا عَلِمْتُ عَلَى أهْلِى إلَّا خَيْرًا، ولَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إلَّا خَيْرًا، ومَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أهْلِى إلَّا مَعِى". يُرِيدُ عائشةَ. وقال له أُسامةُ: يا رسولَ اللَّه، أهْلَكَ ولا نعلمُ إلَّا خيرًا (8). ورَوَى زيدُ بنُ وَهْبٍ، أنَّ عمرَ أُتِىَ برَجُلٍ قَتَلَ قَتِيلًا، فجاء
(5) تقدم تخريجه، في صفحة 531.
(6)
تقدم تخريجه، في صفحة 516.
(7)
في م: "يبلغنى".
(8)
أخرجه البخاري، في: باب إذا عدل رجل أحدا. . .، وباب تعديل النساء بعضهن بعضا، من كتاب الشهادات، وفى: باب حديث الإفك، من كتاب المغازى، وفى: باب قوله: {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ. . .} ، من كتاب التفسير. صحيح البخاري 3/ 219، 220، 229، 5/ 151، 6/ 130. ومسلم، في: باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف، من كتاب التوبة. صحيح مسلم 4/ 2133، 2134. والإِمام أحمد، في: المسند 6/ 196.
ورَثَةُ المَقْتُولِ ليَقْتُلُوه، فقالتِ امرأةُ المقْتولِ، وهى أخْتُ القاتل: قد عَفَوْتُ عن حَقِّى. فقال عمرُ: اللهُ أكبرُ، عَتَقَ الْقَتِيلُ. روَاه أبو داودَ (9). وفي رِوايةٍ عن زَيْدٍ، قال: دَخَلَ رجلٌ على امْرأتِه، فوَجَدَ عندَها رَجُلًا، فقَتَلَها، فاسْتَعْدَى إخْوَتُها عمرَ، فقال بعضُ إخْوَتِها: قد تَصَدَّقْتُ. فقَضَى لسائِرِهِم بالدِّيَةِ (10). ورَوَى قتادةُ، أنَّ عمرَ رُفِعَ إليه رَجُلٌ قَتَلَ رجلًا، فجاء أولادُ المَقْتُولِ، وقد عَفَا بعضُهم، فقال عمرُ لابنِ مَسْعودٍ: ما تقول؟ قال: إنَّه قد أُحْرِزَ من القَتْلِ. فضَرَبَ على كَتِفِه، وقال: كُنَيْفٌ (11) مُلِئَ عِلْمًا. والدليلُ على أنَّ القِصاصَ لجميعِ الوَرَثَةِ، ما ذكَرْناه في مسألةِ القِصاصِ بين الصَّغيرِ والكبيرِ، ولأنَّ من وَرِثَ الدِّيةَ وَرِثَ القِصاصَ، كالعَصَبةِ، فإذا عَفَا بعضُهم، صَحَّ عَفْوُه، كعَفْوِه عن سائرِ حُقُوقِه، وزَوَالُ الزَّوْجِيَّةِ لا يَمْنَعُ اسْتِحْقاقَ القِصاصِ، كما لم يَمْنَع أسْتحقاقَ الدِّيَةِ، وسائرِ حُقُوقِه المَوْرُوثةِ. ومتى ثَبَتَ أنَّه حَقٌّ مُشْتَرَكٌ بين جَمِيعِهم، سَقَطَ بإسْقاطِ مَنْ كان من أهْلِ الإِسْقاطِ منهم؛ لأنَّ حَقَّه منه له، فيَنْفُذُ تَصَرُّفُه فيه، فإذا سَقَطَ سَقَطَ جَمِيعُه؛ لأنَّه ممَّا لا يتَبَعَّضُ، كالطَّلاقِ والعَتاقِ، ولأنَّ القِصاصَ حَقٌّ مُشْتَرَكٌ بينهم لا يتَبَعَّضُ، مَبْناهُ على الدَّرْءِ والإِسْقاطِ، فإذا أسْقَطَ بعضُهم، سَرَى إلى الباقى كالعِتْقِ، والمرأةُ أحَدُ المُسْتَحِقِّينَ، فسَقَطَ بإسْقاطِها كالرَّجُلِ. ومتى عَفَا أحَدُهم، فللباقِينَ حَقُّهُم من الدِّيَةِ سِواءٌ عَفَا مُطْلَقًا أو إلى الدِّيَةِ. وبهذا قال أبوِ حنيفةَ، والشافعيُّ. ولا أعلمُ لهما مُخالِفًا ممَّن قال بسُقُوطِ القِصاصِ؛ وذلك لأنَّ حَقَّه من القِصاصِ سَقَطَ بغيرِ رِضَاه، فثَبَتَ له البَدَلُ، كما لو وَرِثَ القاتلُ بعضَ دَمِه أو مات، ولِمَا ذكَرْنا من خَبَرِ عمرَ، رَضِىَ اللهُ عنه.
(9) ليس في سنن أبي داود، وانظر الإرواء 7/ 279.
(10)
أخرجه البيهقي، في: باب عفو بعض الأولياء عن القصاص دون بعض، من كتاب الجنايات. السنن الكبرى 8/ 59. وعبد الرزاق، في: باب العفو، من كتاب العقول. المصنف 10/ 13.
(11)
كُنَيْف: تصغير الكنف، وهو وعاء الأداة التي يعمل بها. انظر غريب الحديث 1/ 169. وأخرجه عبد الرزاق، في: باب العفو، من كتاب العقول. المصنف 10/ 13. وذكره أبو عبيد في: غريب الحديث. الموضع السابق.