الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقَتَلَه، واعْتَرفَ بذلك، وجَب القِصاصُ، والكلامُ فيه كالكلامِ في الشاهِدَيْنِ، ولو أنَّ الوَلِيَّ الذي باشرَ قَتْلَه أقَرَّ بعِلْمِه بكَذِبِ الشُّهُودِ، وتَعَمَّدَ قَتْلَه، فعليه القِصاصُ. لا أعلمُ فيه خِلافًا، فإنْ أقَرَّ (65) الشاهِدان والحاكمُ والوَلِيُّ جميعًا بذلك، فعلى الوَلِيِّ القِصاصُ؛ لأنَّه باشَرَ القَتْلَ عَمْدًا عُدْوانًا (66)، ويَنْبَغِى أن لا يجِبَ على غيرِه شيءٌ؛ لأنَّهم متَسَبِّبُونَ، والمباشرَةُ تُبْطِلُ حُكْمَ السَّبَبِ (67)، كالدَّافِعِ مع الحافرِ. ويفارِقُ هذا ما إذا لم يُقِرَّ؛ لأنَّه لم يَثْبُتْ حكمُ مُباشَرَةِ القَتْلِ في حَقِّه ظُلْمًا، فكان وجودُه كعَدَمِه، ويكونُ القِصاصُ على الشاهِدَيْنِ والحاكمِ؛ لأنَّ الجميعَ مُتَسَبِّبونَ. وإن صارَ الأمرُ إلى الدِّيَةِ، فهي عليهم أثْلاثًا. ويَحْتَمِلُ أن يتَعَلَّقَ الحُكمُ بالحاكمِ وحدَه؛ لأنَّ تَسَبُّبَه أخَصُّ من تَسَبُّبِهِم؛ فإنَّ حُكْمَه واسطةٌ بينَ شهادَتِهم وقَتْلِه، فأشْبَهَ المُباشرَ مع المُتَسَبِّبِ. ولو كان الوَلِيُّ المُقرُّ بالتَّعَمُّدِ لم يباشِرِ القتلَ، وإنَّما وَكَّلَ فيه، نَظَرْتَ في الوكيلِ؛ فإن أقَرَّ بالعِلْمِ، وتَعَمَّدَ القَتْلَ ظُلْمًا، فهو القاتلُ وحدَه؛ لأنَّه مباشِرٌ للقَتْلِ عَمْدًا ظُلْمًا من غيرِ إكْراهٍ، فتعلَّقَ الحكمُ به، كما لو أمرَ بالقَتْلِ في غيرِ هذه الصُّورةِ، وإن لم يَعْتَرِفْ بذلك، فالحكم مُتَعَلِّقٌ بالوَلِيِّ، كما لو باشَرَه. واللهُ أعلمُ.
1417 - مسألة؛ قال: (فَفِيهِ الْقَوَدُ إذَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْأوْليَاءُ، وَكَانَ المَقْتُولُ حُرًّا مُسْلِمًا)
أجْمعَ العلماءُ على أنَّ القَوَدَ لا يجبُ إلَّا بالعَمْدِ، ولا نعلمُ بينهم في وُجُوبِه بالقَتْلِ العَمْدِ إذا اجتمَعتْ شُرُوطُه خِلافًا، وقد دَلّتْ عليه الآياتُ والأخبارُ بعُمُومهِا، فقال اللَّه تعالى:{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} (1). وقال
(65) في ب، م:"أمر".
(66)
في م: "وعدوانا".
(67)
في م: "المسبب".
(1)
سورة الإسراء 33.
تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} (2). وقال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} (3). يُرِيدُ - واللهُ أعلمُ - أنَّ وُجُوبَ القِصاصِ يَمْنَعُ مَنْ يُرِيدُ القَتْلَ منه، شَفَقةً (4) على نَفْسِه من القَتْلِ، فتَبْقَى الحياةُ في مَن أُريدَ قَتْلُه. وقيل: إنَّ القاتلَ تَنْعَقِدُ العَداوةُ بينَه وبين قَبِيلَةِ المَقْتُولِ، فيُريدُ قَتْلَهم خَوْفًا منهمْ. ويُرِيدون قَتْلَه وقَتْلَ قَبِيلَتِه اسْتِيفاءً، ففى الاقْتِصاصِ (5) منه بحُكْمِ الشَّرْعِ قَطْعٌ لِسَبَبِ الهَلاكِ بينَ القَبِيلتَيْنِ. وقال اللَّه تعالى:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (6). الآية. وقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ، فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ؛ إمَّا أنْ يُقْتَلَ، وإمَّا أنْ يُفْدَى". مُتَّفَقٌ عليه (7). ورَوَى أبو شُرَيحٍ الخُزَاعِيُّ، قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أُصِيبَ بدَمٍ، أوْ خَبْلٍ (8)، فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ إحْدَى ثَلَاثٍ؛ فَإنْ أرَادَ الرَّابِعَةَ فَخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ، أن يَقْتُلَ، أوْ يَعْفُوَ، أوْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ". رواه أبو داودَ (9). وفي لفظٍ: "فَمَنْ قُتِلَ لَهُ بَعْدَ مَقالَتِي قَتِيلٌ، فأهْلُهُ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ، أنْ يَأْخُذُوا الدِّيَةَ، أو يَقْتُلُوا"(10). وقال عليه السلام: "الْعَمْدُ قَوَدٌ، إلَّا أنْ يَعْفُوَ وَلِيُّ المَقْتُولِ"(11). وفي لفظٍ: "مَنْ قَتَلَ
(2) سورة البقرة 178.
(3)
سورة البقرة 179.
(4)
في الأصل، ب:"شفقا".
(5)
في الأصل: "الإقصاص".
(6)
سورة المائدة 45.
(7)
تقدم تخريجه، في صفحة 448.
(8)
الخبل: الجرح.
(9)
في: باب الإِمام يأمر بالعفو في الدم، من كتاب الديات. سنن أبي داود 2/ 478.
كما أخرجه ابن ماجه، في: باب من قتل له قتيل فهو بالخيار بين إحدى ثلاث، من كتاب الديات. سنن ابن ماجه 2/ 876. والدارمي، في: باب الدية في قتل العمد، من كتاب الديات. سنن الدارمي 2/ 188. والإِمام أحمد، في: المسند 4/ 31.
(10)
أخرجه أبو داود، في: باب ولي العمد يرضى بالدية، من كتاب الديات. سنن أبي داود 2/ 480.
(11)
أخرجه الدارقطني، في: كتاب الحدود والديات وغيره. سنن الدارقطني 3/ 94. وابن أبي شيبة، في: باب من قال: العمد قود، من كتاب الديات. المصنف 9/ 365.