الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأوَّلِ. وإن لَاعَنها قبلَ وَضْع الأوَّلِ، فأتَتْ بوَلدٍ، ثم ولدَتْ آخرَ بعدَ ستَّةِ أشْهُرٍ، لم يَلْحَقْهُ الثانى؛ لأنَّها بانَتْ باللِّعانِ، وانْقَضَتْ عِدَّتُها بوَضْعِ الأوَّلِ، وكان حَمْلُها الثانى بعدَ انْقِضاءِ عِدَّتها فى غيرِ نكاحٍ، فلم يَحْتَجْ إلى نَفْيِه.
فصل:
وإن مات أحدُ التَّوْأَمَيْنِ، أو ماتا معًا، فله أَن يُلَاعِنَ لنَفْىِ نَسَبِهما. وبهذا (26) قال الشافعىُّ. وقال أبو حنيفةَ: يَلْزَمُه نَسَبُ الحَىِّ، ولا يُلاعِنُ إلَّا لنَفْى الحَدِّ؛ لأنَّ المَيِّتَ لا يَصِحُّ نَفْيُه باللِّعانِ، فإنَّ نَسَبَه قد انقَطَعَ بمَوْتِه، فلا حاجةَ إلى نَفْيِه باللِّعانِ، كما لو ماتتِ امرأتُه، فإنَّه لا يُلَاعِنُها بعدَ مَوْتِها، لقَطْعِ النِّكاحِ، لكَوْنِه قد انْقَطَعَ، وإذا لم يَنْتَفِ المَيِّتُ لم يَنْتَفِ الحىُّ؛ لأنَّهما حَمْلٌ واحدٌ. ولَنا، أَنَّ الميِّتَ يُنْسَبُ إليه، فيقال: ابنُ فلانٍ. ويَلْزَمُه تَجْهِيزُه، وتَكْفِينُه، فكان له نَفْىُ نَسَبِه، وإسقاطُ مُؤْنَتِه، كالحَىِّ، وكما لو كان للمَيِّتِ ولدٌ.
1332 - مسألة؛ قال: (وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، لَحِقَه الْوَلَدُ)
.
وجملةُ ذلك أنَّ الرجلَ إذا لَاعَنَ امرأتَه، ونَفَى ولَدَها، ثم أكْذَبَ نفسَه، لَحِقَه الولدُ إذا كان حيًّا، بغير خلافٍ بين أهلِ العلمِ. وإن كان مَيِّتًا، لَحِقه نَسَبُه أيضًا. فى قولِ أكثرِ أهلِ العلمِ، سواءٌ كان له ولدٌ أو لم يكُنْ، وسَواءٌ خَلَّفَ مالًا أو لم يُخَلِّفْ؛ وذلك لأنَّ النَّسَبَ حَقٌّ للولدِ، فإذا أقَرَّ به، لَزِمَه، وسَواءٌ (1) تقدَّم إنكارُه له أو لم يكُنْ، ولأنَّ سَبَبَ نَفْيِه عنه نَفْيُه له، فإذا أكْذَبَ نفسَه. فقد زال سَبَبُ النَّفْى، وبَطَلَ، فوَجَبَ أَن يَلْحَقَه نَسَبُه بحُكْمِ النِّكاحِ الموُجِبِ لِلُحُوقِ نَسَبِه به.
فصل: والقَذْفُ على ثلاثةِ أضْرُبٍ؛ واجبٌ، وهو أَن يَرَى امرأتَه تَزْنِى فى طُهْرٍ لم يَطَأْها (2) فيه، فإنه يَلْزَمُه اعْتِزالُها حتى تَنْقَضِىَ عِدّتُها، فإذا أتَتْ بوَلدٍ لسِتّةِ أشْهُرٍ من
(26) فى أ: "وبه".
(1)
سقطت الواو من: ب.
(2)
فى أ: "يجامعها".
حينِ الزِّنَى، وأمْكَنَه نَفْيُه عنه، لَزِمَه قَذْفُها، ونَفْىُ وَلَدِها؛ لأنَّ ذلك يَجْرِى مَجْرَى اليَقِينِ فى أَنَّ الولدَ من الزَّانِى، فإذا لم يَنْفِه، لَحِقَه الولدُ، ووَزِده، ووَرِثَ أقارِبَه، ووَرِثُوا منه، ونظَر إلى بناتِه وأخَواتِه، وليس ذلك بجائزٍ، فيَجِبُ نَفْيُه لإِزالةِ ذلك. ولو أقَرّتْ بالزِّنَى، ووَقَعَ فى قَلْبِه صِدْقُها، فهو كما لو رآها. الثانى، أَنَّ يَراها تَزنِى، أو يَثْبُتَ عنده زِناها، وليس ثَمَّ ولدٌ يَلْحَقُه نَسَبُه، أو ثَمَّ ولدٌ لكنْ لا يَعْلَمُ أنَّه من الزِّنَى، أو يُخْبِرَه بزِنَاها ثِقَةٌ يُصَدِّقُه، أو يَشِيعَ فى الناسِ أَنَّ فلانًا يَفْجُرُ بفُلانةَ، ويُشاهِدَه عندها، أو داخلًا إليها أو خارجًا من عندِها، أو يَغْلِبَ على ظَنِّه فُجُورُهَا، فهذا له قَذْفُها؛ لأنَّه رُوِىَ عن عبدِ اللَّه، أَنَّ رجلًا أتَى النبىَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: أرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مع امرأتِه رجلًا، فتَكَلَّمَ جَلَدْتُمُوه، أو قَتَلَ قَتَلْتُمُوه، أو سَكَتَ سَكَتَ على غيظٍ (3). فذكَر أنَّه يتَكَلّمُ أو يَسْكُتُ، ولم يُنْكِرْ عليه النَّبىُّ صلى الله عليه وسلم. ولأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم لم يُنْكِرْ على هِلالٍ والعَجْلانِىِّ قَذْفَهُما حين رَأَيَا (4). وإن سكَتَ جازَ، وهو أحسنُ؛ لأنَّه يُمْكِنُه فِراقُها بطَلاقِها، ويكونُ فيه سَتْرُها وسَتْرُ نَفْسِه، وليس ثَمَّ ولدٌ يَحْتاجُ إلى نَفْيِه. الحال الثالث، مُحَرَّمٌ، وهو ماعَدَا ذلك، من قَذْفِ أزواجِه والأجانِبِ، فإنَّه من الكبائرِ، قال اللَّه تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (5). وقال النَّبىُّ صلى الله عليه وسلم: "أَيُّمَا امْرَأةٍ أدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ، فلَيْسَتْ مِنَ اللَّهِ فِى شَىْءٍ، وَلَنْ يُدْخِلَها اللَّهُ جَنتَّهَ، وأيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ ولَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ، احْتَجَبَ اللَّه مِنْهُ، وفَضَحَهُ عَلَى رُؤُوسِ الْأَوَّلِينَ والآخِرينَ". روَاه أبو داودَ (6).
(3) أخرجه مسلم، فى: كتاب اللعان. صحيح مسلم 2/ 1133. وأبو داود، فى: باب فى اللعان، من كتاب الطلاق. سنن أبى داود 1/ 522. وابن ماجه، فى: باب اللعان، من كتاب الطلاق. سنن ابن ماجه 1/ 669. والإمام أحمد، فى: المسند 1/ 421، 422، 448.
(4)
تقدم تخريج حديثهما فى: 8/ 373، 10/ 330.
(5)
سورة النور 23.
(6)
فى: باب التغليظ فى الانتفاء، من كتاب الطلاق. سنن أبى داود 1/ 525. =
قولُه: "وهُوَ يَنْظُرُ إلَيْه". يَعْنِى يَرَاه منه، فكما حَرَّمَ اللَّهُ على المرأةِ أَن تُدْخِلَ على قَوْمٍ مَن ليس منهم، حَرَّمَ على الرَّجُلِ جَحْدَ وَلَدِه. ولا يجوزُ قَذْفُها بخَبَرِ مَنْ لا يُوثَقُ بخَبَرِه؛ لأنَّه غيرُ مَأْمونٍ على الكذِبِ عليها، ولا برُؤْيَتهِ رَجُلًا خارجًا من عندِها من غيرِ أَن يَسْتَفِيضَ زِنَاها؛ لأنَّه يجوزُ أَن يكونَ دَخَلَ سارِقًا، أو هارِبًا، أو لحاجةٍ، أو لَغَرَضٍ فاسدٍ، فلم يُمْكِنْهُ، ولا لِاسْتفاضَةِ ذلك فى الناس من غيرِ قَرِينةٍ تَدُلُّ على صِدْقِهِم؛ لِاحْتِمالِ أَن يكونَ أعداؤُها أشاعُوا ذلك عنها. وفيه وَجْهٌ آخرُ، أنَّه يجوزُ؛ لأنَّ الاسْتِفاضةَ أقْوىَ من خَبَرِ الثِّقةِ. ولا بمُخالفةِ (7) الوَلَدِ لَوْنَ والِدَيْه أو شَبَهِهما، ولا لِشَبَهِه بغيرِ والِدَيْه؛ لما رَوَى أبو هُرَيْرةَ قال: جاء رَجُلٌ من بَنِى فَزَارةَ إلى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: إنَّ امْرَأتِى جاءت بوَلَدٍ أسْوَدَ. يُعَرِّضُ بنَفْيِه، فقال له النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:"هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ " قال: نعم. قال: "فَمَا ألْوَانُها؟ ". قال: حُمْر. قال: "هَلْ فِيهَا مِنْ أوْرَقَ؟ ". قال: إنَّ فيها لَوُرْقًا (8). قال: "فَأَنَّى أتَاهَا ذلِكَ؟ " قال: عَسَى أَن يكونَ نَزَعَه عِرْقٌ. قال: "فَهذَا عَسَى أَنْ يَكُونَ (9) نَزَعَهُ عِرْقٌ". قال: ولم يُرَخِّصْ له فى (10) الانْتِفاءِ منه. مُتَّفَقٌ عليه (11). ولأنَّ الناسَ كُلَّهُم من آدَمَ وحَوّاءَ، وألْوانُهُم وخِلَقُهُم مُخْتَلِفةٌ، فَلولَا مُخالَفَتُهُم شَبَهَ والِدَيْهِم، لَكانوا على صِفَةٍ (12) واحدةٍ، ولأنَّ دَلَالَةَ الشَّبَهِ ضَعِيفَةٌ، ودلالةَ وِلَادَتِه على الفِرَاشِ قَويّةٌ، فلا يجوزُ تَرْكُ القَوِىِّ لمُعارَضَةِ الضعيفِ، ولِذلك لمَّا تنازَعَ سعدُ بن أبى وَقَّاصٍ، وعبدُ بن زَمْعةَ، فى ابْنِ وَلِيدةِ
=كما أخرجه النسائى، فى: باب التغليظ فى الانتفاء من الولد. المجتبى 6/ 147. وابن ماجه، فى: باب من أنكر ولده، من كتاب الفرائض. سنن ابن ماجه 2/ 916. والدارمى، فى: باب من جحد ولده وهو يعرفه، من كتاب النكاح. سنن الدارمى 3/ 153.
(7)
فى الأصل: "لمخالفة".
(8)
فى م: "أورقا".
(9)
فى أزيادة: "قد".
(10)
سقط من: أ، ب، م.
(11)
تقدم تخريجه، فى: 8/ 372.
(12)
فى أ، م:"خلقة".
زَمْعَةَ، ورأى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بِهِ (13) شَبَهًا بَيِّنًا بعُتْبَةَ، أَلْحَقَ الوَلدَ بالفِرَاشِ، وَتَرَكَ الشَّبَهَ (14). وهذا اختيارُ أبى عبدِ اللَّه ابن حامد، وأحدُ الوَجْهَيْنِ لأصْحابِ الشافعىِّ. وذكر القاضى، وأبو الخطَّابِ أَنَّ ظاهِرَ كلامِ أحمدَ، جوازُ نَفْيِه. وهو الوَجْهُ الثانِى لأصحابِ الشافعىِّ، لقوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، فى حديث اللِّعَانِ:"إنْ جاءَتْ به أوْرَقَ جَعْدًا جُماليًّا خَدَلَّجَ الساقَيْنِ سابغَ الألْيَتَيْنِ، فَهُوَ لِلَّذِى رُمَيْت بِه". فأتَتْ به على النَّعْتِ المَكْرُوهِ، فقال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:"لوْلا الأَيْمانُ، لَكان لى ولها شَأْنٌ (15) ". فجَعَلَ الشَّبَهَ دليلًا على نَفْيِه عنه، [والصحيحُ الأَوَّلُ. وهذا الحديثُ إنَّما يَدُلُّ على نَفْيِه عنه](16)، مع ما (17) تقدَّمَ من لِعانِهِ ونَفْيِه إيَّاهُ (17) عن نَفْسِه، فجعلَ الشَّبَه مُرَجِّحًا لقولِه، ودليلًا على تَصْدِيِقِه، وما تقَدّمَ من الأحاديثِ يدُلُّ على عَدَمِ اسْتِقْلالِ الشَّبَهِ بالنَّفْىِ، ولأنَّ هذا كان فى موضِع زال الفِرَاشُ، وانْقَطَعَ نَسَبُ الولدِ عن صاحِبِه، فلا يَثْبُتُ مع بَقَاءِ الفِراشِ المُقْتَضِى لُحُوقَ نَسَبِ الولدِ بصاحِبِه. وإن كان يَعْزِلُ عن امْرأتِه، فأتَتْ بوَلدٍ، لم يُبَحْ له نَفْيُه؛ لما ذكَرْنا من حديثِ جابرٍ وأبى سَعِيدٍ (18). وعن أبى سعيدٍ، أنَّه قال: يا رَسُولَ اللَّه، إنَّا نُصِيبُ من النِّساءِ، ونُحِبُّ الأثْمانَ، أفَنَعْزِلُ عَنْهُنَّ؟ قال:"إِنَّ اللَّه إذَا قَضَى خَلْقَ نَسَمَةٍ خَلَقَها". ولأنَّه قد يَسْبِقُ من الماء ما لا يُحِسُّ به فتَعْلَقُ. وأمَّا إن كان لا يَطَؤُها إلَّا دُونَ الفَرْجِ، أو فى الدُّبُرِ، فأتَتْ بولدٍ، فذَكَر أصحابُنا أنَّه ليس له نَفْيُه؛ لأنَّه لا يَأْمَنُ أَنَّ يَسْبِقَ الماءُ إلى الفَرْجِ فيَعْلَقَ به. وهذا أحدُ الوَجْهَيْنِ لأصْحابِ الشافعىِّ. وهو بعيدٌ، لأنَّه من أحْكامِ الوَطْءِ فى الفَرْجِ، فلا يتَعَلَّقُ (19) بما دُونَه كسائرِ الأحْكام، ودَلَالةُ عَدَمِ
(13) فى أ، م:"فيه".
(14)
تقدم تخريجه، فى: 7/ 316.
(15)
تقدم تخريجه، فى: 8/ 373.
(16)
سقط من: ب. نقل نظر.
(17)
سقط من: أ، ب، م.
(18)
تقدم التخريج، فى: 10/ 229.
(19)
فى ب زيادة: "به".