الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لكونِه عارِيَّةً رَجَعَ فيها، أو بإجَارةٍ انْقَضَتْ مُدَّتُها، أو مَنَعَها السُّكْنَى تَعَدِّيًا، أو امْتَنَعَ من إجَارَتِه، أو طَلَبَ به أكثرَ من أُجْرَةِ المِثْلِ، أو لم (45) تَجِدْ ما تَكْتَرِى به، أو لم تجدْ إلَّا من مالِها، فلها أن تَنْتَقِلَ؛ لأنَّها حالُ عُذْرٍ، ولا يَلْزَمُها بَذْلُ (46) أجْرِ المَسْكَنِ، وإنَّما الواجبُ عليها فِعْلُ السُّكْنَى، لا تَحْصِيلُ المَسْكَن، وإذا تَعَذَّرَتِ السُّكْنَى، سَقَطَتْ، ولها أن تَسْكُنَ حيثُ شاءتْ. ذكرَه القاضي. وذكر أبو الخَطَّابِ، أنَّها تَنْتَقِلُ إلى أقْرَبِ ما يُمْكِنُها النُّقْلةُ إليه. وهو مَذْهَبُ الشافعيِّ؛ لأنَّه أقْرَبُ إلى مَوْضعِ الوُجوبِ (47)، فأشْبَهَ مَنْ وَجَبَتْ عليه الزَّكاةُ في مَوْضعٍ لا يَجدُ فيه أهْلَ السُّهْمانِ، فإنَّه ينقُلُها إلى أقْرَبِ مَوْضِعٍ يَجِدُهم فيه. ولَنا، أنَّ الواجِبَ سَقَطَ لعُذْرٍ، ولم يَرِدِ الشَّرْعُ له بِبَدَلٍ، فلا يجبُ، كما لو سَقَطَ الحجُّ للعَجْزِ عته وفَواتِ شَرْطٍ، والمُعْتَكِف إذا لم يَقْدِرْ على الاعْتكافِ في المَسْجِدِ، ولأنَّ ما ذكَرُوه إثباتُ حُكْمٍ بلا نَصٍّ، ولا مَعْنَى نَصٍّ، فإنَّ مَعْنَى الاعْتِدادِ في بَيْتِها لا يُوجَدُ في السُّكْنَى فيما قَرُبَ منه، ويُفارِقُ أهْلَ السُّهمانِ؛ فإنَّ القَصْدَ نَفْعُ الأقْرَبِ، وفى نَقْلِها إلى أقْرَبِ مَوْضِعٍ يَجِدُه نَفْعُ الأَقْرَبِ، فوَجَبَ لذلك.
فصل:
قال أصحابُنا: ولا سُكْنَى للمُتَوَفَّى عنها، إذا كانت حائِلًا. رِوايةً واحدةً. وإن كانت حاملًا، فعلى روايتَيْنِ وللشافعيِّ في سُكْنَى المُتَوَفَّى عنها قَوْلان. وَجْهُ الوُجُوبِ قولُه تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} . فنُسِخَ (48) بعضُ المُدَّةِ، وبَقِىَ باقِيها على الوُجُوب. ولأنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، أمَرَ فُرَيْعَة بالسُّكْنَى في بيتِها، من غيرِ استئذانِ الوَرَثةِ، ولو لم تجبِ السُّكْنَى، لم يكُنْ لها أن تَسْكُنَ إلَّا بإذْنِهِم، كما أنَّها ليس لها أن تتَصَرَّف في شيءٍ من مالِ زَوْجِها بغيرِ إذْنِهِم. ولَنا، أنَّ اللَّه تعالى إنَّما جَعَل للزَّوْجةِ ثُمْنَ التَّرْكَةِ أو رُبْعَها،
(45) في الأصل: "ولم".
(46)
في أ، ب، م:"بذلك".
(47)
في أ، م:"الوجود".
(48)
في أ: "ففسخ".
وجَعَلَ باقِيَها لسائرِ الوَرَثةِ، والمَسْكَنُ من التَّرِكةِ، فوَجَبَ أن لا يُسْتَحَقَّ منه أكْثَرُ من ذلك، ولأنَّها بائِنٌ من زَوْجِها، فأشْبَهتِ المُطَلَّقةَ ثلاثًا، وأمَّا إذا كانت حامِلًا، وقُلْنا: لها السُّكْنَى. فلأنَّها حامِلٌ من زَوْجِها، فوَجَبَ لها السكنَى. قياسًا على المُطَلَّقةِ. فأما الآيةُ التي احْتَجُّوا بها، فإنَّها مَنْسُوخةٌ، وأمَّا أمْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فُرَيْعَةَ بالسُّكْنَى، فقَضِيّةٌ في عَيْنٍ، يَحْتَملُ أنَّه عليه السلام عَلِمَ أنَّ الوارثَ يَأْذَنُ في ذلك، أو بكَوْنِ الأمْرِ يَدُلُّ على وُجُوبِ السُّكْنَى عليها، ويَتَقَيّدُ ذلك بالإِمْكانِ، وإذْنُ الوارثِ من جُمْلةِ ما يَحْصُلُ الإِمكانُ (49) به، فإذا قُلْنا: لها السُّكْنَى. فهى أحَقُّ بسُكْنَى المسكنِ الذي كانت تَسْكُنُه من الوَرَثةِ والغُرَماءِ، من رأسِ مالِ المُتَوَفَّى، ولا يُبَاعُ في دَيْنِه بَيْعًا يَمْنَعُها السُّكْنَى فيه (49)، حتى تَقْضِىَ العِدَّةَ، وبهذا قال مالكٌ، والشافعيُّ، وأبو حنيفةَ، وجمهورُ العلماءِ، وإن تَعَذَّرَ ذلك (50) المسكنُ، فعلى الوارثِ أن يَكْتَرِىَ لها مَسْكَنًا من مالِ المَيِّتِ، فإن لم يَفْعَلْ، أجْبَرَه الحاكمُ، وليس لها أن تَنْتَقِلَ من مَسْكَنِها إلَّا لِعُذْرٍ، كما ذكرْنا. وإن اتَّفَقَ الوارثُ والمرأةُ على نَقْلِها عنه، لم يَجُزْ؛ لأنَّ هذه السُّكْنَى يتَعَلَّقُ بها حَقُّ اللَّه تعالى، لأنَّها تَجِبُ للعِدَّةِ، والعِدَّةُ يتَعَلَّقُ بها حَقُّ اللهِ تعالى، فلم يَجُزِ اتِّفاقُهما على إبْطالِها، بخلافِ سُكْنَى النّكاحِ؛ فإنَّها حَقٌّ لهما، ولأنَّ السُّكْنَى ههُنا من الإِحْدادِ، فلم يَجُز الاتِّفاقُ على تَرْكِها، كسائرِ خِصالِ الإِحْدادِ. ليس لهم أن يُخْرِجُوها، إلَّا أن تَأْتِىَ بفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ؛ لقولِ اللَّه تعالى:{لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (51). وهى أن تُطِيلَ (52) لِسانَها على أحْمائِها وتُؤْذِيَهُم بالسَّبِّ ونحوِه. رُوِىَ ذلك عن ابنِ عباسٍ. وهو قولُ الأكْثَرِينَ. وقال ابنُ مسعودٍ، والحسنُ (49): هي الزِّنَى لقولِ اللَّه تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ
(49) سقط من: الأصل.
(50)
سقط من: ب، م.
(51)
سورة الطلاق 1.
(52)
في أ، ب، م:"تطول".
نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} (53). وإخْراجُهُنَّ هو الإِخْراجُ لإِقامةِ حَدِّ الزِّنَى، ثم تُرَدُّ إلى مَكانِها. ولَنا، أنَّ الآيةَ تَقْتَضِى الإِخْراجَ عن السُّكْنَى، وهذا لا يتَحَقَّقُ فيما قالاه. وأمَّا الفاحِشَةُ فهى اسْمٌ للزِّنَى وغيرِه من الأقوالِ الفاحِشَةِ، يقال: أفْحَشَ فلانٌ في مَقالِه. ولهذا رُوِىَ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قالتْ له عائشةُ: يا رسولَ اللَّه، قلتَ لفلانٍ:"بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ". فلما دَخَلَ ألَنْتَ له القولَ. فقال: "يا عَائِشَةُ، إنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الفُحْشَ وَلَا التَّفَحُّشَ"(54). إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ الوَرَثةَ يُخْرِجُونَها عن ذلك المَسْكَنِ، إلى مسكنٍ آخَرَ من الدارِ إن كانَتْ كبيرةً تَجْمَعُهم، فإن كانتْ لا تجمعُهم، أو لم يُمْكِنْ نَقْلُها إلى غيرِه في الدارِ، أو لم (55) يتَخَلَّصُوا من أذاها بذلك، فلهم نَقْلُها. وقال بعضُ أصْحابِنا: يَنْتَقِلُونَ هم عنها؛ لأنَّ سُكْناها واجبٌ في المكانِ، وليس بواجبٍ عليهم. والنَّصُّ يَدُلُّ على أنَّها تُخْرَجُ، فلا يُعَرَّجُ (56) على ما خالَفَه، ولأنَّ الفاحِشةَ منها، فكان الإِخْراجُ لها. وإن كان أحْماؤُها هم الذين يُؤْذُونَها، ويُفْحِشُونَ عليها، نُقِلُوا هم دُونَها، فإنَّها لم تَأْتِ بفاحِشَةٍ، فلا تُخْرَجُ بمُقْتَضَى النَّصِّ، ولأنَّ الذَّنْبَ لهم فيُخَصُّون (57) بالإِخْراجِ. وإن كان المَسْكنُ لغير المَيِّتِ فتَبَرَّعَ صاحِبُه بإسْكانِها فيه، لَزِمَها الاعْتِدادُ به، وإن أبَى أن يُسْكِنَها إلَّا بأُجْرَةٍ، وجَبَ بَذْلُها من مالِ المَيِّتِ، إلَّا أن يتَبَرَّعَ إنسانٌ ببَذْلِها، فيَلْزَمُها (58) الاعْتِدادُ به، فإن حَوَّلَها مالِكُ (59)
(53) سورة النساء 15.
(54)
أخرجه البخاري، في: باب لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا، وباب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب، وباب المداراة مع الناس، من كتاب الأدب. صحيح البخاري 8/ 15، 16، 20، 21، 38. وأبو داود، في: باب في حسن العشرة، من كتاب الأدب. سنن أبي داود 2/ 551. والإِمام مالك، في: باب ما جاء في حسن الخلق، من كتاب حسن الخلق. الموطأ 2/ 903، 904.
(55)
في ب، م:"ولم".
(56)
في أ: "يعول".
(57)
في الأصل: "فيختصون".
(58)
في الأصل، ب:"ويلزمها".
(59)
في أ، م:"صاحب".