الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَخْفَى عليه ذلك. ويَحْتَمِلُ أن يُقْبَلَ منه؛ لأنَّ الفَقِيهَ يَخْفَى عليه كثيرٌ من الأحكامِ. وقال أصحابُنا: لا يُقْبَلُ ذلك من الفَقِيه، ويُقْبَلُ من الناشئ ببادِيةٍ، وحديثِ العَهْدِ بالإِسلامِ. وهل يُقْبَلُ من سائرِ العامَّةِ؟ على وَجْهين. وإن كان له عُذْرٌ يَمْنَعُه من الحُضُورِ لِنَفْيِه، كالمَرَض والحَبْسِ، أو الاشْتِغالِ بحِفْظِ مالٍ يخافُ ضَيْعَتَه، أو بمُلازَمةِ غرِيمٍ يخافُ فوتَه أو غَيْبَتَه، نَظَرْتَ؛ فإن كانتْ مُدَّةُ ذلك قصيرةً [فأخَّرَهُ إلى](18) الحضُورِ ليَزُولَ عُذْرُه، لم يَبْطُلْ نَفْيُه؛ لأنَّه بمَنْزِلةِ مَنْ عَلِمَ ذلك ليلًا فأخَّرَه إلى الصُّبْحِ، وإن كانت تَتَطاولُ، فأمْكَنَه التنفِيذُ إلى الحاكمِ ليَبْعَثَ إليه مَنْ يَسْتَوْفِى عليه اللِّعان والنَّفْىَ، فلم يَفْعَلْ، سَقَطَ نَفْيُه، فإن لم يُمْكِنْه، أشْهَدَ على نَفْسِه أنَّه نافٍ لوَلَدِ امرأتِه، فإن لم يَفْعَلْ، بَطَلَ خِيارُه؛ لأنَّه إذا لم يَقْدِرْ على نَفْيِه قام (19) الإِشْهادُ (20) مَقامَه، كما يُقيمُ المريضُ الفَيْئةَ بقَوْلِه، بَدَلًا عن الفَيْئةِ بالجماعِ. فإن قال: لم أُصَدِّق المُخْبِرَ عنه. نَظَرْتَ؛ فإن كان مُسْتَفِيضًا مُنْتَشِرًا، لم يُقْبَلْ قولُه، [وإن لم يكنْ مُستفيضًا، وكان المُخْبِرُ مَشْهُورَ العَدالةِ، لم يُقْبَلْ قولُه](21)، وإلَّا قُبِلَ. وإن قال: لم أعْلَمْ أَنَّ علىَّ ذلك. قُبِلَ قولُه؛ لأنَّه ممَّا يَخْفَى. وإن عَلِمَ وهو غائبٌ، فأمْكَنه السَّيرُ، فاشْتَغَلَ به، لم يَبْطُلْ خِيارُه، وإن أقام مِن غيرِ حاجةٍ، بَطَلَ؛ لأنَّه أخَّرَه لغيرِ عُذْرٍ، وإن كانتْ له حاجةٌ تَمْنَعُه من السَّيْرِ، فهو على ما ذكرنا من قبلُ. وإن أخَّرَ نَفْيَه لغيرِ عذرٍ، وقال: أَخَّرْتُ نَفْيَه رَجاءَ أن يَمُوتَ، فأَسْتُرَ عليه وعلىَّ. بَطَلَ خِيارُه؛ لأنَّه أخَّرَ نَفْيَه مع الإِمْكانِ لغيرِ عُذْرٍ.
فصل:
فإنْ هُنِّئَ به، فأمَّنَ على الدُّعَاءِ، لَزِمَه. فى قولهم جميعا. وإن قال: أَحْسَنَ اللَّهُ جَزاءَك. أو: بارَكَ اللَّه عليك. أو: رَزَقَكَ اللَّه مثلَه. لَزِمَه الوَلَدُ. وبهذا قال
(18) فى أ: "فأخر".
(19)
فى ب، م:"كان".
(20)
بعد هذا فى م زيادة: "قائما".
(21)
سقط من: ب. نقل نظر. وسقط: "قوله" من: م.
أبو حنيفةَ. وقال الشافعىُّ: لا يَلْزَمُه؛ لأنَّه جازَاه على قَصْدِه. وإذا قال: رَزَقكَ اللَّهُ مثلَه. فليس ذلك إقْرارًا، ولا مُتَضَمِّنا له. ولَنا، أَنَّ ذلك جوابُ الرَّاضِى فى العادةِ، فكان إقْرارًا، كالتَّأْمِينِ على الدُّعاءِ. وإن سَكَتَ، كان إقْرارًا. ذكره أبو بكرٍ؛ لأنَّ السُّكوتَ صُلْحٌ دَالًّا (22) على الرِّضَى فى حَقِّ البِكْرِ، وفى مواضعَ أُخْرَى (23)، فههُنا أَوْلَى. وفى كلِّ مَوْضعٍ لَزِمَه الولدُ، لم يكُنْ له نَفْيُه بعدَ ذلك. فى قولِ جماعةِ أهلِ العلمِ؛ منهم الشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ، وعمرُ بن عبد العزيزِ، ومالكٌ، والشافعىُّ، وابنُ المُنْذرِ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وقال الحسنُ: له أن يُلَاعِنَ لنَفْيِه ما دامتْ أُمُّه عنده يَصِيرُ لها الوَلَدُ، ولو أقَرَّ به. والذى عليه الجمهورُ أوْلَى؛ فإنَّه أقرَّ به، فلم يَمْلِكْ جَحْدَه، كما لو بانَتْ منه أُمُّه، ولأنَّه أقَرَّ بحَقٍّ عليه، فلم يُقْبَلْ منه جَحْدُه، كسائرِ الحُقُوقِ.
1334 -
مسألة؛ قال: (وَلَوْ جَاءَتِ امرأَتُهُ بِوَلَدٍ، فَقَالَ: لَمْ تَزْنِ، ولكِنْ لَيْسَ (1) هذا الْوَلَدُ مِنِّى. فهُوَ وَلَدُه فِى الْحُكْمِ، ولَا حَدَّ عَلَيْه لَهَا)
وجملةُ ذلك أَنَّ المرأةَ إذا وَلَدَتْ. فقال زوجُها: ليس هذا الولدُ مِنِّى. أو قال: ليس هذا وَلَدِى. فلا حَدَّ عليه؛ لأنَّ هذا ليس بقَذْفٍ بظاهِرِه، لِاحْتمالِ أنَّه (2) يريدُ أنَّه من زَوْجٍ آخرَ، أو من وَطْءٍ بشُبْهةٍ (3)، أو غيرِ ذلك، ولكنَّه يُسْألُ، فإن قال: زَنَتْ، فولَدَتْ هذا من الزِّنَى. فهذا قَذْفٌ يَثْبُتُ به اللِّعانُ، وإن قال: أردْتُ أنَّه (4) لا يُشْبِهُنى خَلْقًا ولا خُلُقًا. فقالت: بل أرَدْتَ قَذْفِى. فالقولُ قولُه؛ لأنَّه أعْلمُ بمُرادِه، ولا (5) سِيَّما إذا صَرَّحَ بقولِه: لم
(22) فى م: "دال". والمثبت على أنه حال من السكوت.
(23)
فى الأصل، ب:"أخر".
(1)
سقط من: م.
(2)
فى أ، ب:"أن".
(3)
فى الأصل، أ:"شبه".
(4)
فى أ، ب، م:"أن".
(5)
سقطت الواو من: أ، ب، م.
تَزْنِ. وإن قال: وُطِئَتْ بشُبْهةٍ، والوَلَدُ من الْوَاطئ. فلا حَدَّ عليه أيضًا؛ لأنَّه لم يَقْذِفْها، ولا قَذَفَ واطِئَها. وإن قال: أُكْرِهَتْ على الزِّنَى. فلا حَدَّ أيضًا؛ لأنَّه لم يَقْذِفْهَا، ولا لِعانَ فى هذه المواضعِ؛ لأنَّه لم يَقْذِفْها، ومن شَرْطِ اللِّعانِ القَذْفُ، ويَلْحَقُه نَسَبُ الوَلَدِ. وبهذا قال أبو حنيفةَ. وذكر القاضى أن (6) فى هذه الصُّورةِ الآخِرَةِ (7) روايةً أُخْرَى، أنَّ له اللِّعانَ؛ لأنَّه مُحْتاجٌ إلى نَفْىِ الولدِ، بخلافِ ما إذا قال: وُطِئَتْ بشُبْهةٍ. فإنَّه يمْكِنُ نَفْىُ النَّسَبِ بِعَرْضِ الولدِ على القافَةِ (8)، فيُسْتَغْنَى بذلك عن اللِّعانِ، فلا يُشْرَعُ، كما لا يُشْرَعُ لِعانُ أمَتِه، لمَّا أمْكنَ نَفْىُ نَسَبِ ولدِها بدَعْوَى الاسْتِبْراءِ. وهذا مذهبُ الشافعىِّ. ولَنا، أن اللِّعانَ إنَّما وَرَدَ به الشَّرعُ بعدَ القَذْفِ، فى قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} . الآية (9). ولمَّا لَاعَنَ النبِىُّ صلى الله عليه وسلم بين هِلالٍ وامرأتِه كان بعد قَذْفِه إيَّاها (10)، وكذلك لما لاعَنَ بين عُوَيْمِرٍ العَجْلانىِّ وامرأتِه كان بعد قَذْفِه إيَّاها (11)، ولا يَثْبُتُ الحُكْمُ إلَّا فى مثلِه، ولأنَّ نَفْىَ اللِّعانِ إنَّما يَنْتَفِى به الولدُ بتَمامِه منهما، ولا يتَحَققُ اللِّعانُ من المرأةِ ههُنا. فأمَّا إن قال: وَطِئَكِ فلان بشُبْهةٍ، وأنت تَعْلَمِينَ الحالَ. فقد قَذَفَها، وله لِعانُها، ونَفْىُ نَسَبِ ولدِها، وقال القاضى: ليس له نَفْيُه باللِّعانِ. وكذلك قال أصحابُ الشافعىِّ؛ لأنَّه يُمْكِنُه نَفْىُ نَسَبِه (12) بعَرْضِه على القافةِ (8)، فأشْبَهَ ما لو قال: واشْتَبَه عليكِ أيضًا. ولَنا، أنَّه رامٍ لزَوْجَتِه، فيدخلُ فى عمومِ قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} . ولأنَّه رامٍ لِزَوجَتِه بالزِّنَى، فمَلَكَ لِعانَها ونَفْىَ وَلَدِها، كما لو قال: زَنَى بكِ فلانٌ. وما
(6) سقط من: ب.
(7)
فى ب: "الأخرى".
(8)
فى م: "القاذفة".
(9)
سورة النور 6.
(10)
تقدم تخريجه فى: 5/ 373.
(11)
تقدم تخريجه فى: 10/ 330.
(12)
فى ب: "نسب ولده".