الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عندَنا، وعندَه تَعْتَدُّ به، واحْتَجَّ بقوله تعالى:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} . ولَنا، أنَّ هذا حملٌ مَنْفِيٌّ عنه يَقِينًا، فلم تَعْتَدَّ بوَضْعِه، كما لو ظَهَرَ بعدَ مَوْتِه، والآيةُ واردةٌ في المُطَلَّقاتِ، ثم هى مَخْصُوصةٌ بالقِياسِ الذى ذكرْناه. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ عِدَّتَها تَنْقَضِى بوَضْعِ الحَمْلِ من الوَطْءِ الذى عَلِقَتْ به منه، سواءٌ كان هذا الوَلَدُ مُلْحَقًا بغيرِ الصَّغيرِ، مثل أن يكونَ من عَقدٍ فاسدٍ، أو وَطْءِ شُبْهةٍ، أو كان من زِنًى لا يَلْحَقُ بأحدٍ؛ لأنَّ العِدَّةَ تجبُ من كلِّ وَطْءٍ، فإذا وَضَعَتْه اعْتَدَّتْ من الصَّبِىِّ بأرْبَعةِ أشْهُرٍ وعَشْرٍ؛ لأنَّ العِدَّتَيْنِ من رَجُلَيْنِ لا يَتَداخَلَان. وإن كانت الفُرْقةُ فى الحياةِ بعدَ الدُّخُولِ، كزَوْجةِ كبيرٍ دَخَلَ بها، ثم طَلَّقهَا، وأتَتْ بولدٍ لِدُونِ سِتَّةِ أشْهُرٍ منذُ تزَوَّجَها، فإنَّها تعْتدُّ بعدَ وَضْعِه بثلاثةِ قُرُوءٍ. وكذلك إذا طَلَّقَ الخَصِىُّ المَجْبُوبُ امْرأتَه، أو مات عنها، فأتَتْ بولدٍ، لم يَلْحَقْه نَسَبُه، ولم تَنْقَضِ عِدَّتُها بِوَضْعِه، وتَنْقَضِى به عِدَّةُ الوَطْءِ، ثم تسْتأنِفُ عِدَّةَ الطلاقِ، أو عِدَّةَ الوَفاةِ، على ما بيَّنَّاه. وذكر القاضى أنَّ ظاهرَ (27) كلامِ أحمدَ، أنَّ الوَلَدَ يَلْحَقُ به؛ لأنَّه قد يُتَصَوَّرُ منه الإِنْزالُ، بأن يَحُكَّ مَوْضِعَ ذَكَرِه بفَرْجِها فيُنْزِلَ. فعلى هذا القولِ يَلْحَقُ به؛ الولدُ، وَتَنْقَضِى به العِدَّةُ. والصحيحُ أنَّ هذا لا يَلْحَقُ به ولدٌ؛ لأنَّه لم تَجْرِ به عادَةٌ، فلا يَلْحَقُ به ولَدُها، كالصَّبِىِّ الذى لم يَبْلُغْ عَشْرَ سِنِينَ. ولو تَزَوَّجَ امرأةً فى مَجْلسِ الحاكمِ، ثم طَلَّقَها فى المجلسِ، [أو تزَوّجَ المَشْرِقِىُّ بالمَغْرِبِيَّةِ، ثم أتَتْ بوَلَدٍ لا يُمْكِنُ أن يكونَ منه بعدَ اجْتِماعِهِما بمُدَّةِ الحَمْلِ](28)، فإنَّه لا يَلْحَقُه نَسَبُه، ولا تَنْقَضِى العِدَّةُ بوَضْعِه.
1354 - مسألة؛ قال: (وَلَوْ طَلَّقهَا، أوْ مَاتَ عَنْهَا، فَلَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا حَتَّى تَزَوَّجَتْ مَنْ أَصَابَهَا، فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وبَنَتْ عَلَى مَا مَضَى مِنْ عِدَّةِ الأوَّلِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الْعِدَّةَ مِنَ الثَّانِى)
(27) سقط من: الأصل.
(28)
سقط من: ب.
وجملةُ الأمْرِ أنَّ المُعْتَدَّةَ لا يجوزُ لها أن تنْكِحَ فى عِدَّتِها، إجماعًا، أىَّ عِدَّةٍ كانتْ؛ لقولِ اللَّه تعالى:{وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} (1). ولأنَّ العِدَّةَ إنَّما اعْتُبِرَتْ لمَعْرِفةِ بَراءةِ الرَّحِمِ، لئَلَّا يُفْضِىَ إلى اخْتِلاطِ المِيَاهِ، وامْتِزَاجِ الأَنْسابِ. وإن تَزَوَّجَتْ، فالنِّكاحُ باطِلٌ؛ لأنَّها مَمْنُوعةٌ من النكاحِ لِحَقِّ الزَّوْجِ الأَوَّل، فكان نِكاحًا (2) باطِلًا، كما لو تزَوَّجَتْ وهى فى نِكاحهِ، ويَجِبُ أن يُفَرَّقَ بينَه وبينَها، فإن لم يَدْخُلْ بها، فالعِدَّةُ بحالِها، ولا تَنْقَطِعُ بالعَقْد الثاني؛ لأنَّه باطلٌ لا تَصِيرُ به المرأةُ فِرَاشًا، ولا يُسْتَحَقُّ عليه بالعَقْدِ شيءٌ، وَتَسْقُطُ (3) سُكْناها ونَفَقَتُها عن الزَّوْجِ الأوَّلِ؛ لأنَّها ناشِزٌ. وإن وَطِئَها، انَقطَعتِ العِدَّةُ، سَواءٌ عَلِمَ التَّحْريمَ أو جَهِلَه. وقال أبو حنيفةَ: لا تَنْقَطِعُ؛ لأنَّ كَوْنَها فراشًا لغيرِ مَنْ له العِدَّةُ لا يَمْنَعُها، كما لو وُطِئَتْ بشُبْهةٍ (4) وهى زَوْجَةٌ، فإنَّها تَعْتَدُّ، وإن كانت فِراشًا للزوجِ. وقال الشافعىُّ (5): إن وَطِئَها عالمًا بأنَّها مُعْتَدَّةٌ، وأنَّها (6) تَحْرُمُ، فهو زَانٍ، فلا تَنْقَطِعُ العِدَّةُ بوَطْئِه؛ لأنَّها لا تَصِيرُ به فِراشًا، [ولا يَلْحَقُ به نَسَبٌ، وإن كان جاهلًا أنَّها مُعْتَدَّةٌ، أو بالتَّحْريمِ، انْقطَعتِ العِدَّةُ بالوَطْءِ؛ لأنَّها تصيرُ به فِراشًا](7)، والعِدَّةُ تُرادُ للاسْتِبراءِ، وكونُها فِراشًا يُنافِى ذلك، فوَجَبَ أن يَقْطَعَها، فأمَّا طَرَيانُه عليها، فلا يَجُوزُ. ولَنا، أنَّ هذا وَطْءٌ بشُبْهةِ نِكاحٍ، فتَنْقَطِعُ به العِدَّةُ، كما لو جَهِلَ وقولُهم: إنَّها لا تصيرُ به (8) فِراشًا. قُلْنا: لكنَّه لا يَلْحَقُ نَسَبُ الوَلَدِ الحادِثِ من وَطْئِه بالزَّوجِ الأَوَّلِ، فهما شَيْئان. إذا ثَبَتَ هذا، فعليه فِرَاقُها، فإن لم يَفْعَلْ، وَجَبَ التَّفْريقُ بينهما، فإن فارَقَها أو فُرِّقَ بينهما، وَجَبَ عليها
(1) سورة البقرة 235.
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
فى م زيادة: "شىء" خطأ.
(4)
فى ب: "لشبهة".
(5)
فى م: "القاضى".
(6)
فى الأصل، أ، ب:"وأنه".
(7)
سقط من: الأصل. نقل نظر.
(8)
سقط من: ب.
أن تُكْمِلَ عِدَّةَ الأوَّلِ؛ لأنَّ حَقَّه أسْبَقُ، وعِدَّته وَجَبَتْ عن وَطْءٍ فى نكاحٍ صحيحٍ، فإذا أكْمَلتْ عِدَّةَ الأوَّلِ، وَجَبَ عليها أن تَعْتَدَّ من الثانى، ولا تتَداخَلُ العِدَّتانِ؛ لأنَّهما من رَجُلَيْنِ. وهذا مذهبُ الشافعىِّ. وقال أبو حنيفةَ: يتداخَلانِ، فتَأْتِى بثَلاثةِ قُرُوءٍ بعدَ مُفارَقةِ الثانى، تكونُ عن بَقيَّةِ عِدَّةِ الأوَّلِ وعِدَّةً لِلثانى (9)؛ لأنَّ القَصْدَ مَعْرِفةُ بَراءةِ الرَّحِمِ، وهذا تَحْصُلُ به بَراءةُ الرَّحِمِ منهما (10) جميعًا. ولَنا، ما رَوَى مالكٌ (11)، عن ابن شِهَابٍ، عن سعيدِ بن المُسَيَّبِ، وسليمانَ بن يَسَارٍ، أن طُلَيْحةَ كانت تحتَ رَشِيدٍ الثَّقَفِىِّ، فطَلَّقهَا، ونَكحَتْ (12) غيرَه فى عِدَّتِها، فضَرَبها عمرُ بن الخطَّاب، وضَرَبَ زَوْجَها ضَرَباتٍ بمِخْفَقَةٍ، وفَرَّقَ بينهما. ثم قال: أيُّما امْرأةٍ نَكَحَتْ فى عِدَّتِها، فإن كان زَوْجُها الذى تَزَوَّجَها لم يَدْخُلْ بها، فُرِّقَ بينهما، ثم اعْتَدَّتْ بَقيَّةَ عِدَّتِها من زَوْجِها الأوَّل، وكان خاطِبًا من الخُطَّابِ، وإن كان دَخَلَ بها، فُرِّقَ بينهما، ثم اعْتَدَّتْ بقِيَّةَ عِدَّتِها من الأوَّل، ثم اعْتَدَّتْ من الآخِرِ، ولا يَنْكِحُها أبدًا. ورَوَى، بإسْنادِه عن عليٍّ أنَّه قَضَى فى التى تَزَوَّجُ فى عِدَّتِها، أنَّه يُفَرَّقُ بينهما، ولها الصَّداقُ بما اسْتَحَلَّ من فَرْجِها، وتُكْمِلُ ما أَفْسَدَتْ من عِدَّةِ الأوَّلِ، وتَعْتَدُّ من الآخِرِ (13)، وهذان قَوْلَا سَيِّدَيْنِ من الخُلَفاءِ (14)، لم يُعْرَفْ لهما فى الصَّحابةِ مُخالِفٌ، ولأنَّهما حَقَّانِ مَقْصُودانِ لآدَمِيَّيْنِ، فلم يتَداخَلَا، كالدَّيْنَيْنِ واليَمِينَيْنِ، ولأنَّه حَبْسٌ يَسْتَحِقُّه الرِّجالُ
(9) فى ب، م:"الثاني".
(10)
فى أ، ب، م:"منهم".
(11)
فى: باب جامع ما لا يجوز من النكاح، من كتاب النكاح. الموطأ 2/ 536.
كما أخرجه الإِمام الشافعى، فى: الباب الخامس فى العدة، من كتاب الطلاق. ترتيب المسند 2/ 56، 57. وعبد الرزاق، فى: باب نكاحها فى عدتها، من كتاب الطلاق 6/ 210.
(12)
فى م: "ونكحها".
(13)
أخرجه البيهقى، فى: باب اجتماع العدتين، من كتاب العدد. السنن الكبرى 7/ 441. والإِمام الشافعى، انظر: الباب الخامس فى العدة، من كتاب الطلاق. ترتيب المسند 2/ 57. وابن أبي شيبة، فى: باب ما قالوا فى المرأة تزوج فى عدتها، من كتاب الطلاق. المصنف 5/ 170.
(14)
فى ازيادة: "الراشدين".