الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشَّرْعُ عليها، ولا نَدَبَها إليه. وإن كان النَّذْرُ مُطْلَقًا، أو كان صَوْمَ كَفَّارةٍ، فصامَتْ بإذْنِه، فلها النَّفقةُ؛ لأنَّها أدَّتِ الواجبَ بإذْنِه، فأشْبَهَ ما لو صامَتِ المُعَيَّنَ في وَقْتِه، وإن صامتْ بغيرِ إذْنِه، فقال القاضي: لا نَفقةَ لها؛ لأنَّها يُمْكِنُها تأْخِيرُه، فإنَّه على التَّرَاخِى، وحَقُّ الزَّوجِ على الفَوْرِ. وإن كان قَضَاءَ رمضانَ قبلَ ضِيقِ وَقْتِه، فكذلك، وإن كان وَقْتُه مُضَيَّقًا، مثل أن قَرُبَ رمضانُ الآخَرُ، فعليه نفقَتُها؛ لأنَّه واجبٌ مُضَيَّقٌ بأصْلِ الشَّرْعِ، أشْبَهَ أداء رمضانَ.
1396 - مسألة؛ قال: (وَإذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا لَا يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ، فَلَا سُكْنَى لَهَا، وَلَا نَفَقَةَ، إلَّا أنْ تَكُونَ حَامِلًا)
[وجملةُ الأمرِ](1)، أنَّ الرجلَ إذا طَلَّقَ امرأتَه طلاقًا بائِنًا، فإمَّا أن يكونَ ثلاثًا، أو بخُلْعٍ، أو بانَتْ بفَسْخٍ، وكانت حامِلًا فلها النَّفَقةُ والسُّكْنَى، بإجْماعِ أهلِ العلمِ؛ لقولِ اللَّه تعالى:{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (2). وفي بعض أخبارِ فاطمةَ بنت قيس: لا نفَقَةَ لك إلَّا أنْ تَكُونِى حامِلًا (3). ولأنَّ الحَمْلَ ولَدُه، فيَلْزَمُه الإِنْفاق عليه، ولا يُمْكِنُه النَّفقةُ (4) عليه، إلَّا بالإِنْفاقِ (5) عليها، فوَجَبَ، كما (6) وَجَبَتْ أُجْرَةُ الرَّضاعِ. وإن كانت حائِلًا، فلا نَفقةَ لها. وفي السُّكْنَى رِوَايتان؛ إحداهما، لها
(1) في أ: "وجملته".
(2)
سورة الطلاق 6.
(3)
تقدم تخريج قصة فاطمة بنت قيس، في: 6/ 307، 9/ 567.
وهذا اللفظ أخرجه مسلم، في: باب المطلقة ثلاثا لا نفقة لها، من كتاب الطلاق. صحيح مسلم 2/ 1117. وأبو داود، في: باب في نفقة المبتوتة، من كتاب الطلاق. سنن أبي داود 1/ 533. والإِمام أحمد، في: المسند 6/ 414، 415.
(4)
في أ: "الإِنفاق".
(5)
في أ: "النفقة".
(6)
في ب زيادة: "لو".
ذلك. وهو قولُ عمرَ، وابْنِه، وابنِ مسعودٍ، وعائشةَ، وفُقَهاءِ المدينةِ السَّبْعة، ومالكٍ، والشافعىِّ؛ للآية. والرواية الثانية، لا سُكْنَى لها، ولا نفقةَ. وهى ظاهِرُ المَذْهَبِ، وقولُ (7) عليٍّ، وابنِ عباسٍ، وجابرٍ، وعَطاءٍ، وطَاوُسٍ، والحسنِ، وعِكْرِمةَ، ومَيْمُونِ بن مِهْرانَ، وإسْحاقَ، وأبى ثَوْرٍ، وداود. وقال أكثرُ الفُقَهاءِ العِرَاقِيِّينَ: لها السُّكْنَى. والنَّفقةُ. وبه قال ابنُ شُبْرُمَةَ، وابنُ أبي لَيْلَى، والثَّوْرِىُّ، والحَسَنُ بن صالحٍ، وأبو حنيفةَ وأصحابُه، والْبَتِّىُّ، والعَنْبَرِىُّ؛ لأنَّ ذلك يُرْوَى عن عمرَ، وابنِ مسعودٍ. ولأنَّها مُطَلَّقَةٌ، فوَجَبَتْ لها النَّفَقةُ والسُّكْنَى، كالرَّجْعِيَّةِ. ورَدُّوا خَبَرَ فاطمةَ بنت قيسٍ بما رُوِىَ عن عمرَ، أنَّه قال: لا نَدَعُ كِتَابَ رَبِّنا، وسُنَّةَ نَبِيِّنَا، لقولِ امرأةٍ (8). وأنْكَرَتْه عائشةُ، وسعيدُ بن المُسَيَّبِ، وتَأَوّلُوه. وَلنا، ما رَوَتْ فاطمةُ بنت قيسٍ، أنَّ زَوْجَها طَلَّقهَا الْبَتَّةَ وهو غائبٌ، فأرْسَلَ إليها وَكِيله بشَعِيرٍ، فتَسَخَّطَتْهُ (9)، فقال: واللَّه مالكِ عليْنا من شيءٍ. فجاءتْ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم فذكرتْ (10) ذلك له، فقال:"لَيْسَ لَكِ (11) عَلَيْهِ نَفَقَةٌ وَلَا سُكْنَى". فأمَرَها أن تَعْتَدَّ في بيت أُمِّ شريكٍ. مُتَّفَقٌ عليه (12). وفى لَفْظٍ: فقال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "انْظُرِى يَا ابْنةَ قَيْسٍ، إنَّما النَّفَقةُ لِلْمَرْأةِ عَلَى زَوْجِها مَا كَانَتْ لَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ، فَإذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَليهَا الرَّجْعَةُ، فَلَا نَفَقَةَ (13) ولا سُكْنَى". روَاه الإِمامُ أحمدُ، والأثْرَمُ، والحُمَيْدِىُّ، وغيرُهُم (14). قال ابنُ عبدِ البَرِّ: من طَرِيقِ الحُجَّةِ وما يَلْزَمُ منها، قولُ أحمدَ ابن حَنْبلٍ
(7) في ب: "وهو قول".
(8)
تقدم في صفحة 301.
(9)
في أ، م:"فسخطته".
(10)
في م: "تذكره".
(11)
سقط من: أ.
(12)
تقدم تخريجه، في: 6/ 307، 9/ 567.
(13)
في أزيادة: "لها".
(14)
تقدم تخريجه، في صفحة 302.
ومَنْ تابَعَه أصَحُّ وأحَجُّ؛ لأنَّه ثَبَتَ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَصًّا صَرِيحًا، فأىُّ شيءٍ يُعارِضُ هذا إلَّا مثلُه عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، الذي (15) هو المُبَيِّنُ عن اللَّه مُرَادَه؟ ولا شىءَ يَدْفَعُ ذلك. ومَعْلُومٌ أنَّه أعْلَمُ بتَأْوِيلِ قولِ اللَّه تعالى:{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} . وأمَّا قولُ عمرَ، ومَنْ وافَقَه، فقد خالَفَه علىٌّ وابنُ عباسٍ، ومَنْ وافَقَهُما، والحُجّةُ مَعَهم، ولو لم يُخالِفْه أحَدٌ منهم، لَما قُبِلَ قولُه المخالِفُ لقولِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فإنَّ قولَ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم حُجّةٌ على عمرَ وعلَى غيرِه، ولم يَصِحَّ عن عمرَ أنَّه قال: لا نَدَعُ كِتابَ رَبِّنا، وسُنَّةَ نَبِيِّنا، لقولِ امرأةٍ. فإنَّ (16) أحمدَ أنْكَرَه، وقال: أمَّا هذا فلا، ولكن قال: لا نَقْبَلُ في دِينِنَا قولَ امرأةٍ. وهذا أمْرٌ يَرُدُّه (17) الإِجْماعُ على قبولِ قولِ المرأةِ في الرِّوايةِ، فأى حُجّةٍ في شيءٍ يُخالِفُه الإِجماعُ، وتَرُدُّه السنةُ، ويُخالِفُه فيه علماءُ الصحابةِ. قال إسماعيلُ بن إسحاقَ: نحنُ نَعْلَمُ أن عمرَ لا يقول: لا نَدَعُ كِتابَ رَبِّنا إلَّا لما هو مَوْجُودٌ في كِتابِ اللَّه. والذي في الكِتابِ أنَّ لها النَّفقةَ إذا كانت حامِلًا، بقولِه سبحانه:{وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} . وأمَّا غيرُ ذَواتِ الحَمْلِ [فلا يَدُلُّ](18) الكِتابُ إلَّا على (19) أنَّهُنَّ لا نَفقةَ لهُنَّ؛ لاشْتِراطِه (20) الحَمْلَ في الأمْرِ بالإِنْفاقِ. وقد رَوَى أبو داودَ، وغيرُه من الأئِمَّةِ، بإِسْنادِهم عن ابنِ عَبَّاسٍ، قال: ففَرَّقَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بينهما - يعني المُتَلَاعِنَيْنِ - وقَضَى أن لا بَيْتَ لها عليه ولا قُوتَ (21). ولأن هذه مُحَرَّمةٌ عليه تَحْرِيمًا لا تُزِيلُه الرَّجْعَةُ، فلم يكُنْ لها سُكْنَى ولا نفقةٌ، كالمُلاعِنَةِ أو كالأجْنَبِيَّةِ، وفارقَتِ الرَّجْعِيَّةَ في ذلك. وأمَّا الرَّجْعِيَّةُ، فلها السُّكْنَى والنَّفقةُ؛ للآيةِ والخبَرِ والإِجماعِ، ولأنَّها زَوْجةٌ يَلْحَقُها طَلَاقُه وظِهَارُه وإيلاؤُه.
(15) سقط من: ب.
(16)
في أ: "لأن".
(17)
في ب: "رده".
(18)
في أ: "فيدل".
(19)
كشطت من: أ.
(20)
في أ: "لاشتراط".
(21)
تقدم تخريجه، في: 8/ 373.