الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولأنَّه إذا ثَبَتَ الفَسْخُ بالعَجْزِ عن الوَطْءِ، والضَّرَرُ فيه أقَلُّ، لأنَّه إنَّما هو فَقْدُ لَذَّةٍ وشَهْوةٍ يقومُ البَدَنُ بدُونِه، فلأَنْ يَثْبُتَ بالعَجْزِ عن النَّفَقةِ التي لا يَقُومُ البَدَنُ إلَّا بها أوْلَى. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه متى ثَبَتَ الإِعْسارُ بالنَّفَقةِ على الإِطْلاقِ، فللمرأةِ المُطالَبةُ بالفَسْخِ، من غيرِ إنْظارٍ. وهذا أحدُ قَوْلَىِ الشافعيِّ. وقال حَمَّادُ بن أبي سليمانَ: يُؤَجَّلُ سنةً قياسًا على العِنِّينِ. وقال عمرُ بن عبد العزيز: اضْرِبُوا له شَهْرًا أو شَهْرينِ. وقال مالكٌ: الشَّهر ونحوه. وقال الشافعيُّ في القولِ الآخَرِ: يُؤَجّلُ ثلاثًا؛ لأنَّه قَرِيبٌ. ولَنا، ظاهرُ حديثِ عمرَ، ولأنَّه معنًى يُثْبِتُ الفَسْخَ، ولم يَرِد الشَّرْعُ بالإِنْظارِ فيه، فوَجَبَ أن يَثْبُتَ الفَسْخُ في الحالِ، كالعَيْبِ، ولأنَّ سَبَبَ الفَسْخِ الإِعْسارُ، وقد وُجِدَ، فلا يَلْزَمُ التَّأْخِيرُ.
فصل:
وإن لم يَجِد النَّفَقةَ إلَّا يَوْمًا بيَوْمٍ، فليس ذلك إعْسارًا يَثْبُتُ به الفَسْخُ؛ لأنَّ ذلك هو الواجبُ عليه، وقد قَدَرَ عليه. وإن وَجَدَ في أوَّلِ النَّهارِ ما يُغَدِّيها، وفي آخِرِه ما يُعَشِّيها، لم يكُنْ لها الفَسْخُ؛ لأنَّها تَصِلُ إلى كِفَايَتِها، وما يَقُومُ به بَدَنُها. وإن كان صانِعًا يَعْمَلُ في الأُسْبوعِ ما (9) يَبِيعُه في يومٍ بقَدْرِ كفايتِها في الأُسبوعِ كلِّه، لم يَثْبُتِ الفَسْخُ؛ لأنَّ هذا يَحْصُلُ الكِفايةُ به (10) في جَمِيعِ زَمانِه. وإن تَعَذَّرَ عليه الكَسْبُ في بعض زَمانِه، أو تعذَّرَ البَيْعُ، لم يثْبُتِ الفَسْخُ؛ لأنَّه يُمْكِنُ الاقْتِراضُ إلى زَوالِ الْعارِضِ، وحُصُولِ الاكْتِسابِ. وإن عَجَزَ عن الاقْتِراضِ أيَّامًا يَسِيرةً لم يَثْبُتِ الفَسْخُ؛ لأنَّ ذلك يَزُولُ عن قُرْبٍ (11)، ولا يكادُ يَسْلَمُ منه كثيرٌ من الناسِ. وإن مَرِضَ مَرَضًا يُرْجَى زَوالُه في أيَّامٍ يَسِيرةٍ، لم يُفْسَخْ؛ لما ذكَرْناه. وإن كان ذلك يَطُولُ، فلها الفَسْخُ؛ لأنَّ الضَّررَ الغالبَ يَلْحَقُها، ولا يُمْكِنُها الصبرُ. وكذلك إن كان لا يَجِدُ من النَّفَقةِ إلَّا يومًا دُونَ يومٍ، فلها الْفَسْخُ؛ لأنَّها لا يُمْكِنُها الصبرُ على هذا، ويكونُ بمَثابةِ مَنْ لا يَجِدُ إلَّا بعضَ القُوتِ. وإن أعْسَرَ ببعضِ نَفَقةِ المُعْسِرِ، ثَبَتَ لها الْخِيارُ؛ لأنَّ البَدَنَ لا يَقُومُ بما دُونَها.
(9) في أ، م:"بما".
(10)
سقط من: أ، ب، م.
(11)
في م: "قريب".
وإن أعْسَرَ بما زاد على نَفَقةِ المُعْسِرِ، فلا خِيارَ لها؛ لأنَّ تلك الزِّيادةَ تَسْقُطُ بإعْسارِه، ويُمْكِنُ الصبرُ عنها، ويَقُومُ البَدَنُ بما دُونَها. وإن أعْسَرَ بنَفَقةِ الخادِمِ، لم يَثْبُتْ لها خِيارٌ؛ لما ذكَرْنا، وكذلك إن أعْسَرَ بالأُدْمِ. وإن أعْسَرَ بالكُسْوةِ، فلها الفَسْخُ؛ لأنَّ الكُسْوةَ لا بُدَّ منها، ولا يُمْكِنُ الصبرُ عنها، ولا يقومُ البَدَنُ بدُونِها. وإن أعْسَرَ بأُجْرَةِ المَسْكَنِ (12)، ففيه وَجْهان؛ أحدهما، لها الْخِيارُ؛ لأنَّه ممَّا (13) لا بُدَّ منه، فهو كالنَّفَقةِ والكُسْوةِ. والثاني، لا خِيارَ لها؛ لأنَّ البِنْيَةَ تَقُومُ بدُونِه. وهذا الوَجْهُ هو (13) الذي ذكره (14) القاضِى. وإن أعْسَرَ بالنَّفَقةِ الماضِيَةِ، لم يكُنْ لها الفَسْخُ؛ لأنَّها دَيْنٌ يَقُومُ البَدَنُ بدونها (15)، فأشْبَهتْ سائِرَ الدُّيونِ. الحال (13) الثاني، أن يَمْتنِعَ من الإِنْفاقِ مع يَسارِه؛ فإن قَدَرَتْ له على مالٍ، أخَذَتْ منه قَدْرَ حاجَتِها، ولا خِيارَ لها؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أمر هِنْدًا بالأخْذِ، ولم يَجْعَلْ لها الفَسْخَ، وإن لم تَقْدِرْ، رافَعَتْه إلى الحاكمِ، فيأمُرُه بالإِنْفاقِ، ويُجْبِرُهُ عليه، فإنْ (16) أبَى حَبَسَهُ، فإن صَبَرَ على الحَبْسِ، أخَذَ الحاكمُ النَّفَقةَ من مالِه، فإن لم يَجِدْ إلَّا عُرُوضًا أو عَقارًا، باعَها (17) في ذلك. وبهذا قال مالكٌ، والشافعيُّ، وأبو يوسفَ، ومحمدٌ، وأبو ثَوْرٍ. وقال أبو حنيفةَ: النَّفَقةُ في مالِه من الدَّنانِيرِ والدّرَاهِمِ، ولا يَبِيعُ عَرْضًا إلَّا بتَسْليمٍ؛ لأنَّ بَيْعَ مالِ الإِنْسانِ لا يَنْفُذُ إلَّا بإذْنِه، أو إذْنِ (18) وَلِيِّه، ولا وِلايةَ على الرَّشِيدِ. ولَنا، قولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِهنْدٍ:"خُذِى ما يَكْفِيكِ". ولم يُفَرِّقْ، ولأنَّ ذلك مالٌ له، فتُؤْخَذُ منه النَّفَقةُ، كالدَّراهمِ والدَّنانيرِ، وللحاكمِ ولايةٌ عليه إذا امْتَنَعَ، بدليلِ وِلايَتِه على دَرَاهِمِه ودَنانيرِه. وإن تَعَذَّرَتِ النَّفَقةُ في
(12) في ب، م:"مسكن".
(13)
سقط من: ب.
(14)
في م: "ذكر".
(15)
في أ: "بدونه".
(16)
في أ، م:"قال". خطأ.
(17)
في الأصل: "باعه".
(18)
في أ: "وإذن".