الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبو يوسفَ ومحمدٌ: تَرْجِعُ عليه. ولَنا، أنَّ مَنْ وَجَبَ عليه الإِنْفاقُ بالقَرابةِ، لم يَرْجِعْ به، كالأبِ.
فصل:
ويجبُ الإِنْفاقُ على الأَجْدادِ والجَدَّاتِ وإن عَلَوْا، ووَلَدِ الوَلَدِ وإن سَفَلُوا. وبذلك قال الشافعيُّ، والثَّوْرِىُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وقال مالكٌ: لا تَجِبُ النَّفقةُ عليهم ولا لهم؛ لأنَّ الجَدَّ ليس بأبٍ حَقِيقِىٍّ. ولَنا، قولُه سبحانه:{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} (9). ولأنَّه يَدْخُلُ في مُطْلَقِ اسمِ الوَلَدِ والوالِدِ (10)، بدليلِ أنَّ اللهَ تعالى قال:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (11). فيَدْخُلُ فيهم وَلَدُ البَنِين. وقال تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} (9). وقال: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} (12). ولأنَّ بينَهما قَرابةً تُوجِبُ العِتْقَ ورَدَّ الشَّهادةِ، فأشْبَهَ الوَلَدَ والوالِدَ القَرِيبَيْنِ.
فصل: ويُشْتَرَطُ لوُجُوبِ الإِنْفاقِ ثَلاثةُ شُرُوطٍ: أحدُها، أن يكونُوا فُقَراءَ، لا مالَ لهم، ولا كَسْبَ يَسْتَغْنُونَ (13) به عن إنْفاقِ غيرِهم، فإن كانوا مُوسِرِينَ بمالٍ أو كَسْبٍ يسْتَغْنونَ به، فلا نفقةَ لهم؛ لأنَّها تَجِبُ على سَبِيلِ المُواساةِ، [والمُوسِرُ مُسْتَغْنٍ عن المُواساةِ](14). الثاني، أن يكونَ لِمَنْ تَجِبُ عليه النَّفَقةُ ما يُنْفِقُ عليهم، فاضِلًا عن نَفَقةِ نَفْسِه، إمَّا من مالِه، وإمَّا من كَسْبِه. فأمَّا مَن لا يَفْضُلُ عنه شيءٌ، فليس عليه شيءٌ؛ لما رَوَى جابرٌ، أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:"إذَا كَانَ أحَدُكُمْ فَقِيرًا، فَلْيَبْدَأ بنَفْسِهِ، فَإنْ فَضَلَ، فَعَلَى عِيَالِهِ، فَإنْ كَانَ فَضْلٌ، فَعَلَى قَرَابَتِهِ"(15).
(9) سورة البقرة 233.
(10)
سقط من: الأصل.
(11)
سورة النساء 11.
(12)
سورة الحج 78.
(13)
في الأصل: "يستعينون".
(14)
سقط من: ب. نقل نظر.
(15)
أخرجه مسلم، في: باب الابتداء في النفقة بالنفس ثم أهله ثم القرابة، من كتاب الزكاة. صحيح مسلم 2/ 693، وأبو داود، في: باب في بيع المدبر، من كتاب العتاق. سنن أبي داود 2/ 352. والنسائي، في: باب أي =
وفى لَفْظٍ: "ابْدَأْ (16) بنَفْسِكَ، ثُمَّ بمَنْ تَعُولُ"(17). حديثٌ صحيحٌ. وروَى أبو هُرَيْرةَ، أنَّ رَجُلًا جاء إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ اللَّه، عندى [دِينارٌ. قال:"تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ". قال: عندى] (18) آخَرُ. قال: "تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ". قال: عندى آخرُ. قال: "تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجِكَ"(19). قال: عندى آخرُ. قال: "تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِكَ". قال: عندى آخَرُ. قال: "أَنْتَ أَبْصَرُ"(20). رواه أبو داودَ (21)، ولأنَّها مُواساةٌ، فلا تَجِبُ على المُحْتاجِ، كالزَّكاةِ. الثالث، أن يكونَ المُنْفِقُ وارِثًا؛ لقولِ اللَّه تعالى:{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} (22). ولأنَّ بينَ المُتَوارِثين قرابةً تَقْتَضِى كَوْنَ الوارِثِ أحَقَّ بمالِ المَوْرُوثِ من سائرِ الناسِ، فيَنْبَغِى أن يَخْتَصَّ بوُجُوبِ صِلَتِه بالنَّفقةِ دُونَهم، فإن لم يكُنْ وارثًا لعَدَمِ القَرابةِ، لم تَجِبْ عليه النَّفَقةُ لذلك. وإن امْتَنَعَ المِيراثُ مع وُجُودِ القَرابةِ، لم يَخْلُ من ثلاثةِ أقْسامٍ؛ أحدها، أن يكونَ أحَدُهما رَقِيقًا، فلا نفقةَ لأحَدِهما على صاحِبه، بغيرِ خلافٍ (23)؛ لأنَّه لا وِلايةَ بينهما ولا إرْثَ، فأشْبَهَا (24) الأجْنَبِيَّيْنِ، ولأنَّ العَبْدَ لا مالَ له فتَجِبُ عليه النَّفَقةُ، وكسْبُه لسَيِّدِه، ونفَقَتُه على سَيِّدِه، فيَسْتَغْنِى بها عن نَفَقَةِ غيرِه. الثاني، أن يكون دِينُهما مختلِفًا، فلا نفقة لأحَدِهما على صاحِبِه. وذَكَر القاضي في عَمُودَىِ النَّسَبِ روايتين؛
= الصدقة أفضل، من كتاب الزكاة، وفى: باب بيع المدبر، من كتاب البيوع. المجتبى 5/ 52، 7/ 267، 268. والإِمام أحمد، في: المسند 3/ 305.
(16)
في الأصل: "ابتدى".
(17)
انظر ما تقدم في حاشية 4/ 150، 264.
(18)
سقط من: ب. نقل نظر.
(19)
في أ: "زوجتك".
(20)
في الأصل زيادة: "به".
(21)
تقدم تخريجه، في: 4/ 309.
(22)
سورة البقرة 233.
(23)
سقط من: ب.
(24)
في الأصل، م:"فأشبه".
إحداهما، تجبُ النَّفقةُ مع اختلافِ الدِّينِ. وهو مذهبُ الشافعىِّ؛ لأنَّها نفقةٌ تَجِبُ مع اتِّفاقِ الدِّينِ، فتَجِبُ مع اخْتِلافِه، كنَفقةِ الزَّوجةِ والممْلوكِ (25)، ولأنَّه يَعْتِقُ (26) على قَرِيبِه، فيَجِبُ عليه الإِنْفاقُ عليه، كما لو اتَّفَقَ دِينُهما. ولَنا، أنَّها مُواساةٌ على سَبِيلِ البِرِّ والصِّلَةِ، فلم تَجِبْ مع اختلافِ الدِّينِ، كَنفقةِ غيرِ عَمُودَىِ النَّسَبِ، ولأنَّهما غيرُ مُتَوارِثَيْنِ، فلم يَجِبْ لأحَدِهما على الآخرِ نَفقةٌ (27) بالقَرابةِ، كما لو كان أحَدُهما رقيقًا، وتُفارِقُ نَفَقةَ الزَّوْجاتِ؛ لأنَّها عِوَضٌ يَجِبُ مع الإِعْسارِ، فلم يُنافِها اخْتلافُ الدِّينِ، كالصَّداقِ والأُجْرةِ، وكذلك تجبُ مع الرِّقِّ فيهما أو في أحَدِهما، وكذلك نفقةُ الْمَماليكِ، والعِتْقُ عليه يَبْطُلُ بسائرِ (28) ذَوِى الرَّحِم المَحْرَمِ، فإنَّهم يَعْتِقونَ مع اخْتلافِ الدِّينِ، [ولَا نَفقةَ لهم معه، ولأنَّ هذه صِلَةٌ ومُواساةٌ، فلا تَجِبُ مع اخْتلافِ الدِّينِ](29)، كأداءِ زَكاتِه إليه، وعَقْلِه عنه، وإرْثِه منه. الثالث، أن يكونَ القَريبُ مَحْجُوبًا عن الميراثِ بمَن هو أَقْرَبُ منه، فيُنْظَر؛ فإن كان الأقْرَبُ مُوسِرًا، فالنَّفقةُ عليه، ولا شىءَ على المَحْجُوبِ به، لأنَّ الأَقْرَبَ أَوْلَى بالميراثِ منه، فيكونُ أوْلَى بالإِنْفاقِ، وإن كان الأقربُ مُعْسِرًا، وكان مَنْ يُنْفِقُ عليه من عَمُودَىِ النَّسَبِ، وجَبَتْ نَفَقَتُه على المُوسِرِ. وذكَرَ القاضي، في أبٍ مُعْسِرٍ وجَدٍّ مُوسرٍ، أنَّ النَّفقةَ على الْجَدِّ. وقال، في أمٍّ مُعْسِرَةٍ وجَدَّةٍ مُوسِرةٍ: النَّفقةُ على الجَدَّةِ. وقد قال أحمدُ: لا يَدْفَعُ الزَّكَاةَ إلى وَلَدِ ابنَتِه؛ لقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ ابْنى هذَا سَيِّدٌ"(30). فسَمَّاه ابْنَه، وهو ابنُ ابْنَتِه، وإذا مُنِعَ من دَفْعِ الزَّكاةِ إليهم لقَرَابَتِهم، يَجِبُ أن تَلْزَمَه نَفَقَتُهم عندَ حاجَتِهم. وهذا مذهبُ الشافعىِّ. وإن كان من غيرِ عَمُودَىِ النَّسَبِ، لم تجبِ النَّفقةُ عليه إذا كان
(25) في ب، م:"والمملوكة".
(26)
في الأصل: "حق".
(27)
في أ، ب، م:"نفقته".
(28)
في الأصل: "سائر".
(29)
سقط من: ب. نقل نظر.
(30)
تقدم تخريجه، في: 4/ 98.