الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شِراءُ رَقَبَةٍ، لَزِمَه. ويُرَاعَى فى ذلك الكِفايةُ التى يَحْرُمُ معها أخْذُ الزَّكاةِ، فإذا فَضَلَ عن ذلك شىءٌ، وَجَبَتْ فيه الكفَّارةُ. ومذهبُ الشَّافِعِىِّ فى هذا ال
فَصْلِ
جَمِيعِه على نَحْوٍ مِمَّا قَلْنَا. وإن كانتْ له سُرِّيَّةٌ، لم يلْزَمْه (7) إعتاقُها؛ لأنَّه يَحْتاجُ إليها. وإِنْ أَمْكَنَه بَيْعُها، وشِراءُ سُرِّيَّةٍ أُخْرَى، وَرَقَبَةٍ يَعْتِقُها، لم يَلْزَمْه ذلك؛ لأنَّ الغَرَضَ (8) قد يَتَعَلَّقُ بعَيْنها، فلا يَقُومُ غيرُها مَقامَها، سِيَّما إذا كان بدُونِ ثَمَنِها.
فصل: فإنْ كان مُوسِرًا حين وُجُوبِ الكفَّارةِ، إلَّا أَنَّ مالَه غائِبٌ، فإنْ كانَ مَرْجُوَّ الحُضُورِ قَرِيبًا، لم يَجُز الانْتِقالُ إلى الصِّيامِ؛ لأنَّ ذلك بمَنْزِلَةِ الانْتِظارِ لِشرَاءِ الرَّقَبَةِ، وإِنْ كان بَعِيدًا، لم يَجُز الانْتِقالُ إلى الصِّيامِ فى غيرِ كفَّارَةِ الظِّهارِ؛ لأنَّه لا ضَرَرَ فى الانتظارِ. وهل يجوزُ ذلك فى كفَّارة الظِّهارِ؛ فيه وجْهانِ؛ أحدُهما، لا يَجُوزُ؛ لوُجُودِ الأصْلِ فى مالِه، فأَشْبَهَ سائِرَ الكفَّاراتِ. والثانى، يجوزُ؛ لأنَّه يَحْرُمُ عليه المَسِيسُ، فجازَ له الانْتِقالُ لِمَوْضِعِ الحاجَةِ. فإنْ قيل: فلو عُدِمَ الماءُ أو ثَمَنُه (9)، جازَ له الانتقالُ إلى التَّيَمُّمِ، وإِنْ كانَ قادرًا عليهما فى بَلَدِه. قلنا: الطَّهارةُ تَجِبُ لأجْلِ الصَّلاةِ، وليس له تَأْخِيرُها عن وَقْتِها، فَدَعَت (10) الحَاجَةُ إلى الانتقالِ، بخلافِ مَسْألَتِنا، ولأنَّنا لو مَنَعْناه مِن التَّيَمُّمِ لِوُجُودِ القُدْرَةِ فى بَلَدِه، بَطَلَتْ رُخْصَةُ التَّيَمُّمِ، فإنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَقْدِرُ على ذلك.
فصل: وإِنْ وَجَدَ ثَمَنَ الرَّقَبَةِ، ولم يَجِدْ رَقَبَةً يَشْتَرِيها، فله الانتقالُ إلى الصِّيامِ، كما لو وَجَدَ ثَمَنَ الماءِ ولم يَجِدْ ما يَشْتَرِيه. وإِنْ وَجَدَ رَقَبَةً تُباعُ بِزِيادَةٍ على (11) ثَمَنِ المِثْلِ تُجْحِفُ بِمالِه، لم يَلْزَمْه شِراؤُها؛ لأنَّ فيه ضَررًا، وإِنْ كانتْ لا تُجْحِفُ بِمالِه، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ؛ أحدُهما، يَلْزَمُه؛ لأنَّه قادِرٌ على الرَّقَبَةِ بِثَمَنٍ يَقْدِرُ عليه، لا
(7) فى م: "يلزمها".
(8)
فى ب: "العرض".
(9)
فى الأصل، أ، م:"وثمنه".
(10)
فى الأصل: "فدعته".
(11)
فى ب: "عن".
يُجْحِفُ به، فأشْبَهَ ما لو بِيعَتْ بِثَمَنِ مِثْلِها. والثانى، لا يَلْزَمُه؛ لأنَّه لم يَجِدْ رَقَبَةً (12) بِثَمَنِ مِثْلِها، أشْبَهَ العادِمَ. وأصْلُ الوَجْهَيْن، العادِمُ للماءِ إذا وَجَدَه بِزِيادَةٍ على ثَمَنِ مِثْلِه، فإنْ وَجَدَ رَقَبَتَه بِثَمَنِ مِثْلِها، إِلَّا أنَّها رَقَبَةٌ رَفِيعةٌ، يُمْكِنُ أَنْ يَشْتَرِىَ بِثَمَنِها رقابًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِها، لَزِمَه شِراؤُها؛ لأنَّها بِثَمَنِ مِثْلِها، ولا يُعَدُّ شِراؤُها بذلك الثَّمَنِ ضَرَرًا، وإنَّما الضَّرَرَ فى إعْتاقِها، وذلك لا يَمْنَعُ الوُجُوبَ، كما لو كان [مالِكًا لها](13).
1317 -
مسألة؛ قال: (فَإِنْ أَفْطَرَ فِيهِمَا (1) مِنْ عُذْرٍ بَنَى، وإِنْ أَفْطَرَ مِنْ غَيرِ عُذْرٍ ابْتَدَأَ)
أجْمَعَ أهْلُ العِلْمِ على وُجُوبِ التَّتَابُعِ فى الصَّيامِ فى كفَّارَةِ الظِّهارِ، وأجْمَعُوا على أَنَّ مَنْ صامَ بعضَ الشَّهْرِ، ثُمَّ قَطَعَه لغيرِ عُذْرٍ، وأفْطَرَ، أَنَّ عليه اسْتِئْنافَ الشَّهْرَيْنِ؛ وإنَّما كان كذلك لوُرُودِ لَفْظِ الكِتابِ والسُّنَّةِ به، ومعنى التَّتَابُعِ الموَالاةُ بينَ صِيامِ أيَّامِها (2)، فلا يُفْطِرُ فيهما (3)، ولا يَصُومُ عن (4) غيرِ الكفَّارَةِ. ولا يَفْتَقِرُ التَّتَابُعُ إلى نِيَّةٍ، ويَكْفِى فِعْلُه؛ لأنّه شَرْطٌ، وشَرَائِطُ العِبَاداتِ لا تَحْتاجُ إلى نِيَّةٍ، وإنَّما تَجِبُ النَّيَّةُ لأفْعالِهَا. وهذا أحَدُ الوُجُوهِ لأصْحابِ الشَّافِعِىِّ، والوَجْهُ الآخَرُ، أنَّها واجِبَةٌ لِكُلِّ لَيْلَةٍ؛ لأنَّ ضَمَّ العِبَادَةِ إلى العبادةِ إذا كان شَرْطًا، وَجَبَت النِّيَّةُ فيه، كالجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ. والثَّالثُ، يَكْفِى (5) نِيَّةُ التَّتابُعِ فى اللَّيْلَةِ الأُولَى. ولَنا، أنَّه تَتَابُعٌ واجِبٌ فى العبادَةِ، فلم يَفْتَقِرْ إلى نِيَّةٍ، كالمُتابَعَةِ بينَ الرَّكَعاتِ. ويُفارِقُ الجَمْعَ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ،
(12) سقط من: ب.
(13)
فى أ: "مالكها".
(1)
فى الأصل، م:"فيها".
(2)
أى: الكفارة. وفى م: "أيامهما".
(3)
أى فى الشهرين. وفى ب، م:"فيها".
(4)
سقط من: م.
(5)
فى أ، ب، م:"ويكفى".
فإن ذلك رُخْصَةٌ، فافْتَقَرَ إلى نِيَّةِ التَّرَخُّصِ. وما ذَكَرُوه يَنْتَقِضُ بالمتابَعَةِ بين الرَّكَعاتِ. وأجْمَعَ أهْلُ العِلْمِ على أَنَّ الصَّائِمَةَ مُتَتابِعًا، إذا حَاضَتْ قَبْلَ إتْمامِه، تَقضِى إذا طَهُرَتْ، وتَبْنِى. وذلك لأنَّ الحَيْضَ لا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ منه فى الشَّهْرَيْنِ إِلَّا بتَأْخِيرِه إلى الإِياسِ، وفيه تَغْرِيرٌ بالصَّوْمِ؛ لأنَّها رُبَّما ماتَتْ قبله. والنِّفاسُ كالحَيْضِ، فى أنَّه لا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ، فى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ؛ لأنَّه بمَنْزِلَتِه فى أَحْكامِه، ولأنَّ الفِطْرَ لا يَحْصُلُ فيهما بِفِعْلِهما، وإنَّما ذلك الزَّمانُ كزَمانِ اللَّيْلِ فى حقِّهِما. والوَجْهُ الثَّانِى، أَنَّ النَّفاسَ يَقْطَعُ التَّتَابُعَ؛ لأنَّه فِطْرٌ أمْكَنَ التَّحَرُّزُ مِنْه، لا يَتَكَرَّرُ كُلَّ عَامٍ. فقَطَعَ التَّتَابُعَ، كالفِطْرِ لغَيرِ عُذْرٍ. ولا يَصِحُّ قِياسُه على الحَيْضِ؛ لأنَّه أنْدرُ مِنْه، ويُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ. وإِنْ أفْطَرَ لِمَرَضٍ مَخوُفٍ، لم يَنْقَطِعِ التَّتَابُعُ أيضًا. رُوِىَ ذلك عن ابْنِ عبَّاسٍ. وبه قال ابنُ المُسَيَّبِ، والحسنُ، وعَطاءٌ، والشَّعْبِىُّ، وطاوُسُ، ومُجاهِدٌ، ومالِكٌ، وإسحاقُ، وأبو عُبَيْدٍ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ، والشَّافِعِىُّ فى القَدِيمِ. وقال فى الجَدِيدِ: يَنْقَطِعُ التَّتابُعُ. وهذا قَوْلُ سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، والنَّخَعِىِّ، والحَكَمِ، والثَّوْرِىِّ، وأصْحَابِ الرَّأْىِ؛ لأنَّه أفْطَرَ بِفِعْلِه، فَلَزِمَه الاسْتِئْنافُ، كما لو أفْطَرَ لِسَفَرٍ. ولَنا، أنَّه أفْطَرَ لِسَبَبٍ (6) لا صُنْعَ له فيه، فَلَم يَقْطَعِ التَّتَابُعَ، كإفْطارِ المَرْأةِ للحَيْضِ. وما ذَكَرُوه مِن الأصْلِ مَمْنُوعٌ. وإِنْ كانَ المرَضُ غيرَ مَخُوفٍ، لكنَّه يُبِيحُ الفِطْرَ، فقال أبو الخَطَّابِ: فيه وَجْهانِ؛ أحدُهما، لا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ؛ لأنَّه مَرَضٌ أَبَاحَ الفِطْرَ، أشْبَهَ المَخوفَ. والثانى، يَقْطَعُ التَّتابُعَ؛ لأنَّه أفْطَرَ اخْتِيارًا، فانْقَطَعَ التَّتابُعُ، كما لو أفْطَرَ لغيرِ عُذْرٍ. فأمَّا الحامِلُ والمُرضِعُ، فإنْ أفْطَرَتا خَوْفًا على أنْفُسِهِما، فهما كالمَرِيضِ، وإِنْ أفْطَرَتا خَوْفًا على وَلَدَيْهِما. ففيهِما وَجْهانِ؛ أحدهما، لا يَنْقَطِعُ التَّتابُعُ. اخْتارَه أبو الخَطَّابِ؛ لأنَّه فِطْرٌ أُبِيحَ لَهما بِسَبَبٍ لا يَتَعَلَّقُ باخْتِيارِهما، فلم يَنْقَطِعِ التَّتابُعُ، كما لو أفْطَرَتا خَوْفًا على أنْفُسِهما. والثانى، يَنْقَطِعُ؛ لأنَّ الخَوْفَ على غيْرِهِما، ولذلك يَلْزَمُهُما الفِدْيَةُ مع القَضاءِ. وإِنْ أَفْطَرَ لِجُنونٍ، أو إغْماءٍ، لم يَنْقَطِعِ التَّتابُعُ؛ لأنَّه
(6) فى ب: "بسبب".