الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمشْهورُ عن مالكٍ، أنَّها إن كانت شَرِيفةً لم تَجْرِ عادةُ مثلِها بالرَّضاعِ لوَلَدِها، لم تُجْبَرْ عليه، وإن كانت ممَّن تُرْضِعُ في العادةِ، أُجْبِرَتْ عليه. ولَنا، قولُه تعالى:{وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} (4). وإذا اخْتلَفا فقد تَعاسَرا، ولأنَّ الإِجْبارَ على الرَّضاعِ لا يَخْلُو، إمَّا أن يكونَ لحَقِّ الوَلَدِ، أو لحقِّ الزَّوجِ، أولهما، لا يجوزُ أن يكونَ لحَقِّ الزَّوجِ، فإنَّه لا يَمْلِكُ إجْبارَها على رَضَاعِ ولَدِه من غيرِها، ولا على خِدْمَتِه فيما يَخْتَصُّ به. ولا يجوزُ أن يكونَ لحقِّ الولَدِ، لأنَّه (5) لو كان له، للَزِمَها بعدَ الفُرْقةِ، ولأنَّه ممَّا يَلْزَمُ الوالدَ لوَلدِه، فلَزِمَ الأبَ على الخُصُوصِ، كالنَّفقةِ، أو كما بعدَ الفُرْقةِ. ولا يجوزُ أن يكونَ لهما؛ لأنَّ ما لا مُناسبةَ فيه، لا يَثْبُتُ الحكمُ بانْضِمامِ بعضِه إلى بعضٍ، ولأنَّه لو كان لهما، لَثَبَتَ الحكمُ به بعدَ الفُرقةِ، والآيةُ مَحْمُولةٌ على حالِ الإِنْفاقِ وعَدَمِ التَّعاسُرِ.
الفصل الثاني:
أنَّ الأُمَّ إذا طَلَبَتْ إرْضاعَه بأَجْرِ مثلِها، فهى أحَقُّ به، سواءٌ كانت في حالِ الزَّوْجِيَّةِ أو بعدَها، وسواءٌ وَجَدَ الأبُ مُرْضِعةً مُتَبَرِّعةً (6) أو لم يَجِدْ. وقال أصْحابُ الشافعىِّ: إنْ كانتْ في حِبَالِ الزَّوجِ، فلِزَوْجها مَنْعُها من إرْضاعِه؛ لأنَّه يُفَوِّتُ حَقَّ الاسْتِمْتاعِ بها في بعضِ الأحيانِ، وإن اسْتَأْجَرَها على رَضاعِه، لم يَجُزْ؛ لأنَّ المَنافِعَ حَقٌّ له، فلا يجوزُ أن يَسْتَأْجِرَ منها ما هو أو بعضُه حَقٌّ له. وإن أرْضَعَتِ الولَدَ، فهل لها أجْرُ المِثْلِ؟ على وَجْهَيْن. وإن كانت مُطَلَّقةً، فطَلَبَتْ أجْرَ المِثْلِ، فأراد انْتِزَاعَه منها ليُسَلِّمَه إلى مَنْ تُرْضِعُه بأجْرِ المثلِ أو أكثرَ، لم يكُنْ له ذلك، وإن وَجَدَ مُتَبرِّعةً، أو مَنْ تُرْضِعُه بدُونِ أجْرِ المثلِ، فله انْتِزاعُه منها، في ظاهرِ المذهبِ؛ لأنَّه لا يَلْزَمُه الْتِزامُ المُؤْنةِ مع دَفْعِ حاجةِ الوَلَدِ بدُونِها. وقال أبو حنيفةَ: إن طَلَبَتِ الأجْرَ، لم يَلْزَمِ الأبَ [بَذْلُه لها](7)، ولا يَسْقُطُ حَقُّها من الحضانةِ، وتأْتِى المُرْضِعةُ تُرْضِعُه
(4) سورة الطلاق 6.
(5)
في م: "فإن ذلك".
(6)
سقط من: أ.
(7)
في الأصل، أ، ب:"بذلها". ويصح على أن يكون ما تقدم: "إن طلبت الأجرة".
عندَها؛ لأنَّه أمْكَنَ الجَمْعُ بين الحَقَّيْنِ، فلم يَجُز الإِخْلالُ بأحَدِهما. ولَنا، على الأوَّلِ، ما تقَدَّمَ، وعلى جوازِ الاسْتِئْجارِ، أنَّه عَقْدُ إجَارَةٍ يَجُوزُ مع (8) غيرِ الزَّوجِ إذا أَذِنَ فيه، فجاز مع الزَّوجِ، كإجَارةِ نفسِها للخِياطةِ أو الخِدْمةِ. وقولُهم: إنَّ المنافِعَ مملوكةٌ له. غيرُ صحيحٍ؛ فإنَّه لو مَلَكَ مَنْفعةَ الحضانةِ، لَمَلَكَ إجْبارَها عليها، ولم تَجُزْ إجارةُ نفسِها لغيرِه بإذْنِه، ولكانتْ الأُجْرَةُ له، وإنَّما امْتَنَعَتْ (9) إجارةُ نفسِها لأجْنَبِىِّ بغيرِ إذْنِه، لما فيه من تَفْوِيتِ الاسْتِمْتاعِ في بعضِ الأوْقاتِ، ولهذا جازَتْ بإذْنِه، وإذا اسْتأجَرَها، فقد أذِنَ لها في إجارةِ نفسِها، فصَحَّ، كما يَصِحُّ من الأجْنَبِىِّ. وأمَّا الدليلُ على وُجُوبِ تَقْديمِ الأُمِّ، إذا طَلَبَتْ أجْرَ مثلِها، على المُتَبَرِّعةِ، فقولُه تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} . وقولُه سبحانه: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (10). ولأنَّ الأُمَّ أحْنَى وأشْفَقُ، ولَبَنَها أمْرَأُ من لَبَنِ غيرِها، فكانت أحَقَّ به من غيرِها، كم لو طَلَبَتِ الأجْنَبِيَّةُ رَضاعَه بأجْرِ مثلِها، ولأنَّ في رَضاعِ غيرِها تَفْوِيتًا لحَقِّ الأُمِّ من الحضانةِ، وإضْرارًا بالوَلَدِ، ولا (11) يجوزُ تَفْويتُ حَقِّ الحضانةِ الواجبِ، والإِضْرارُ بالولدِ لغرَضِ إسْقاطِ (12) حَقٍّ أوْجَبَه اللهُ تعالى على الأَبِ. وقولُ أبى حنيفةَ يُفْضِى إلى تَفويتِ حَقِّ الولدِ من لَبَنِ أُمِّه، وتَفْويتِ [حَقِّ] الأُمِّ في إرْضاعِه لَبَنَهَا، فلم يَجُز ذلك، كما لو تَبَرَّعَتْ برَضاعِه. فأمَّا إن طَلَبتِ الأمُّ أكثرَ من أجْرِ مثلِها، ووَجَدَ الأبُ مَنْ تُرْضِعُه بأجْرِ مثلِها، أو مُتَبَرِّعةً، جاز انْتِزاعُه منها؛ لأنَّها أسْقَطَتْ حَقَّها باشْتِطاطِها، وطَلَبِها ما ليس لها، فدَخَلَتْ في عُمُومِ قوله:{فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} . وإن لم يَجِدْ
(8) في م: "من".
(9)
في الأصل، ب:"امتنع".
(10)
سورة الطلاق 6.
(11)
سقطت الواو من: أ، م.
(12)
سقط من: الأصل.