الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإنَّما تُعْتَبَرُ الزَّوْجِيَّةُ فى الحالِ التى أضافَ الزِّنَى إليها فيه؛ لأنَّ الولدَ الذى (6) تأتِى به يَلْحَقُه إذا (7) لم يَنْفِه، فيحتاجُ إلى نَفْيِه، وهذه كانت زَوجةً فى تلك الحالِ، فمَلَكَ نَفْىَ ولدِها. واللَّه أعلم.
فصل:
وإن اسْتَلْحَقَ الحملَ، فمَن قال: لا يَصِحُّ نَفْيُه. قال: لا يصحُّ اسْتِلْحاقُه. وهو المنْصوصُ عن أحمدَ. ومن أجازَ نَفْيَه، قال:(8) يَصِحُّ اسْتِلْحاقُه. وهو مذهبُ الشافعىِّ؛ لأنَّه مَحْكومٌ بوُجُودِهْ، بدليل وُجُوبِ النفقةِ، ووَقْفِ الميراثِ، فصحَّ الإِقرارُ به كالمولودِ، وإذا اسْتَلْحَقَه لم يَمْلِكْ نفيَه بعدَ ذلك، كما لو اسْتَلْحَقَه بعد الوضعِ. ومَنْ قال: لا يَصِحُّ اسْتِلْحاقُه. قال: لو صَحَّ استلحاقُه لَلَزِمَه (9) بِتَرْكِ نَفْيِه كالمولودِ، ولا يَلْزَمُه ذلك بالإِجماعِ. ولأنَّ للشَّبَهِ (10) أثَرًا فى الإِلْحاقِ، بدليلِ حديثِ المُلاعَنةِ، وذلك مُخْتَصٌّ بعدَ الوضعِ، فاخْتُصَّ صحةُ الإِلْحاقِ (11) به. فعلى هذا، لو اسْتَلْحقَه ثم نَفاه بعدَ وَضْعِه، كان له ذلك، فأمَّا إن سَكَتَ عنه، فلم يَنْفِه، ولم يَسْتَلْحِقْه، لم يَلْزَمْه عندَ أحَدٍ عَلِمْنا قولَه؛ لأنَّ تَرْكَه يحْتَمِلُ أَن يكونَ لأنَّه لا يتحَقَّقُ وُجودَه إلَّا أَنَّ يُلَاعِنَها، فإنَّ أبا حنيفةَ ألْزَمَه الولدَ، على ما أسْلَفْناه.
فصل: وإذا ولَدتِ امرأتُه ولدًا، فسَكَتَ عن نَفْيِه، مع إمْكانِه، لَزِمَه نَسَبُه، ولم يكُنْ له نفيُه بعدَ ذلك. وبهذا قال الشافعىُّ، قال أبو بكرٍ: لا يتقَدَّرُ ذلك بثلاثٍ، بل هو على ما جَرَتْ به العادةُ، إن كان ليلًا فحتى يُصْبِحَ ويَنْتَشِرَ الناسُ، وإن كان جائِعًا أو ظَمْآنَ فحتى يأكُلَ أو يَشْرَبَ، أو ينامَ إن كان ناعِسًا، أو يَلْبَسَ ثِيابَه ويُسْرِجَ دابَّتَه
(6) فى الأصل: "التى".
(7)
فى م: "وإذا".
(8)
فى أ، ب، م زيادة:"لا".
(9)
فى م: "لزمه".
(10)
فى الأصل: "فى الشبه".
(11)
فى أ، ب، م:"الاستلحاق".
ويَرْكَبَ ويُصَلِّىَ إن حَضَرتِ الصلاةُ، ويُحْرِزَ (12) مالَه إن كان غيرَ مُحْرَزٍ (13)، وأشْباه هذا (14) من أَشْغالِه، فإن أخَّرَه بعدَ هذا كلِّه، لم يكُنْ له نَفْيُه. وقال أبو حنيفةَ: له تأخيرُ نَفْيِه يومًا ويومينِ اسْتِحْسانًا؛ لأنَّ النَّفْىَ عَقِيبَ الوِلادةِ يَشُقُّ، فقُدِّرَ باليَوْمينِ لقِلّتِه. وقال أبو يوسفَ ومحمدٌ: يتَقَدّرُ بمُدَّةِ النِّفاسِ؛ لأنَّها جارِيةٌ مَجْرَى الوِلادةِ فى الحُكْمِ. وحُكِىَ عن عَطاء، ومُجاهدٍ، أَنَّ له نَفْيَه ما لم يَعْتَرِفْ به فكان له نفيُه، كحالةِ الوِلادةِ. ولَنا، أنَّه خِيارٌ لدَفْعِ ضَرَرٍ مُتَحَقِّقٍ، فكان على الفَوْرِ، كخِيارِ الشُّفْعةِ، وقولُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:"الْوَلَدُ للفِرَاشِ"(15). عامٌّ خرَج منه ما اتّفَقْنا عليه مع السُّنَّةِ الثابتةِ، فما عَدَاه يَبْقَى على عُمُومِ الحديثِ، وما ذكَره أبو حنيفةَ يَبْطُلُ بخِيارِ الرَّدِّ بالعَيْبِ، والأخْذِ بالشُّفْعةِ، وتقدِيرُه بمُدّةِ النِّفاس تَحَكُّمٌ لا دلِيلَ عليه، وما قاله عطاءٌ يَبْطُلُ أيضًا بما ذكَرْناه، ولا يَلْزَمُ القِصاصُ؛ فإنَّه (16) لِاسْتِيفاءِ حَقٍّ لا لِدَفْعِ ضَرَرٍ، ولا الْحَمْلُ؛ لأنَّه (17) لم يتَحَقَّقْ ضَرَرُه. إذا ثَبَتَ هذا، فهل يتقدَّرُ الخِيارُ فى النَّفْى بمَجْلِسِ العِلْمِ، أو بإمكانِ النَّفْى؟ على وجهينِ؛ بِناءً على المُطالبةِ بالشُّفْعةِ، فإن أخَّرَ نَفْيَه عن ذلك، ثم ادَّعَى أنَّه لا يَعلمُ بالوِلادةِ، وأمْكَنَ صِدْقُه، بأن يكونَ فى مَوْضعٍ يَخْفَى عليه ذلك، مثل أن يكونَ فى مَحَلَّةٍ أُخْرَى، فالقولُ قولُه مع يَمِينِه؛ لأنَّ الأصْلَ عدمُ العِلْمِ، وإن لم يُمْكِنْ، مثل أن يكونَ معها فى الدَّارِ، لم يُقْبَلْ؛ لأنَّ ذلك لا يكادُ يَخْفَى عليه. وإن قال: عَلِمْتُ وِلادَتَه، ولم أعلمْ أَنَّ لى نَفْيَه. أو: عَلِمْتُ ذلك، ولم أعلمْ أنَّه على الفَوْرِ. وكان ممَّن يَخْفَى عليه ذلك، كعامَّةِ الناسِ، قُبِلَ منه؛ لأنّ هذا ممَّا يَخْفَى عليهم، فأشْبَهَ ما لو كان حديثَ عهدٍ بإسْلام، وإن كان فقيهًا، لم يُقْبَلْ ذلك منه؛ لأنَّه ممَّا لا
(12) فى ب: "ويحوز".
(13)
فى الأصل: "محروز".
(14)
فى م: "ذلك".
(15)
تقدم تخريجه فى: 7/ 316.
(16)
فى أ، م:"لأنه".
(17)
فى أ: "فإنه".