‌ ‌‌ ‌‌ ‌فصل: وعليه لها ما تحْتاجُ إليه للنَّوْمِ، من الفِرَاشِ واللِّحافِ - المغني لابن قدامة - ت التركي - جـ ١١

‌

‌‌

‌‌

‌فصل:

وعليه لها ما تحْتاجُ إليه للنَّوْمِ، من الفِرَاشِ واللِّحافِ والوِسادَةِ، كلٌّ (42) على حَسبِ عادَتِه؛ فإن كانتْ ممَّن عادَتُه النَّومُ في الأَكْسِيةِ والبِساطِ، فعليه لها لنَوْمِها ما جَرَتْ عادَتُهم به، ولجُلُوسِها بالنَّهارِ البِسَاطُ، والزِّلِّىُّ (43)، والحَصِيرُ الرفيعُ أو الخَشِنُ، المُوسِرُ على حسبِ يَسارِه (44)، والمعسرُ على قَدْرِ إعسارِه، على حسبِ العَوَائدِ.

فصل: ويجبُ لها مَسْكنٌ، بدليل قوله سبحانه وتعالى:{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} (45). فإذا وَجَبَتِ السُّكْنَى للمُطَلَّقةِ، فلِلَّتِى (46) في صُلْبِ النكاحِ أَولَى، قال اللَّه تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (47). ومن المعروفِ أن يُسْكِنَها في مَسْكَنٍ، ولأنَّها لا تَسْتَغْنِى عن المَسْكَنِ للاسْتِتارِ عن العُيُونِ، وفى التَّصَرُّفِ، والاسْتِمْتاعِ، وحِفْظِ المَتْاعِ، ويكونُ المسكنُ على قَدْرِ يَسارِهما وإعْسارِهما؛ لقولِ اللَّه تعالى:{مِنْ وُجْدِكُمْ} . ولأنَّه واجبٌ لها لمَصْلَحَتِها في الدَّوامِ، فجَرَى مَجْرَى النَّفقةِ والكُسْوَةِ.

فصل: فإن كانت المرأةُ ممَّن لا تَخْدِمُ نَفْسَها؛ لكَوْنِها من ذَوِى الأقْدارِ، أو مريضةً، وجَبَ لها خادِمٌ، لقولِه تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} . ومن العِشْرَةِ بالمعروفِ، أن يُقِيمَ لها خادِمًا، ولأنَّه ممَّا تحْتاجُ إليه في الدَّوامِ، فأشْبَهَ النَّفقةَ. ولا يجبُ لها أكثرُ من خادِمٍ واحدٍ؛ لأنَّ المُسْتَحَقَّ خِدْمَتُها في نَفْسِها، ويَحْصُلُ ذلك بواحدٍ. وهذا قولُ مالكٍ، والشافعىِّ، وأصْحابِ الرَّأْىِ. إلَّا أنَّ مالكًا قال: إن كان لا يَصْلُحُ

للمرأةِ (48) إلَّا أكثرُ من خادِمٍ، فعليه أن يُنْفِقَ على أكثرَ من واحدٍ. ونحوَه قال أبو ثَوْرٍ: إذا احْتَمَلَ الزَّوْجُ ذلك، فَرَضَ لخادِمَيْنِ. ولَنا، أنَّ الخادِمَ الواحدَ يَكْفِيها لنَفْسِها، والزِّيادةُ تُرادُ لحِفْظِ مِلْكِها، أو للتَّجَمُّلِ، وليس عليه ذلك. إذا ثبت هذا، فلا يكونُ الخادِمُ إلَّا ممَّن يَحِلُّ له النَّظَرُ إليها، إمَّا امرأةٌ، وإمَّا ذو رَحمٍ مَحْرَمٌ؛ لأنَّ الخادِمَ يَلْزَمُ المَخْدُومَ في غالبِ أحْوالِه (49)، فلا يَسْلَمُ من النَّظَرِ. وهل يجوزُ أن يكونَ من أهلِ الكِتابِ؟ فيه وَجْهان. الصَّحيحُ منهما جَوازُه؛ لأنَّ اسْتِخدامَهُم مباحٌ، وقد ذكرْنا فيما مَضَى أنَّ الصحيحَ إباحةُ النَّظَرِ لهم. والثانى، لا يجوزُ؛ لأنَّ في إباحةِ نَظَرِهم (50) اخْتلافًا، وتَعافُهم النَّفْسُ، ولا يتَنَظّفونَ من النَّجاسةِ، ولا يلْزمُ الزَّوجَ أن يُمَلِّكَها خادِمًا؛ لأنَّ المقْصودَ الخِدْمةُ، فإذا حَصَلَتْ من غير تَمْليكٍ، جاز كما أنَّه إذا أسْكنهما دارًا بأُجْرَةٍ جاز، ولا يَلْزَمُه تَمْلِيكُها مَسْكنًا، فإن مَلَّكَها الخادِمَ، فقد زاد خيرًا، وإن أخْدَمَها مَنْ يُلازِمُ خِدْمَتها من غيرِ تمليكٍ، جاز، سَواءٌ كان له، أو اسْتَأْجَرَه، حُرًّا كان أو عَبْدًا. وإن كان الخادِمُ لها، فرَضِيَتْ بخِدْمَتِه لها، ونَفَقَتُه على الزَّوْجِ، جاز. وإن طَلَبَتْ منه أجْرَ (51) خادِمِها فوافَقَهَا، جاز. وإن قال: لا أُعْطِيكِ أجْرَ هذا، ولكن أنا آتِيكِ بخادِمٍ سِواهُ. فله ذلك إذا أتَاها بمَنْ يَصْلُحُ لها (52). وإن قالتْ: أنا أخْدِمُ نَفْسِى، وآخُذُ أجْرَ (53) الخادِمِ. لم يَلْزَم الزَّوجَ قَبُولُ ذلك؛ لأنَّ الأجْرَ عليه، فتَعْيِينُ الخادِمِ إليه، ولأنَّ في إخْدامِها تَوْفِيرَها على حُقُوقِه، وتَرْفِيهَها، ورَفْعَ قَدْرِها، وذلك يَفُوتُ بخِدْمَتِها لنَفْسِها. وإن قال الزَّوجُ: أنا أخْدِمُكِ بنَفْسِى. لم يَلْزَمْها؛ لأنَّها تَحْتَشِمُه، وفيه غَضاضةٌ عليها، لكَوْنِ زَوْجِها خادِمًا وفيه وجهٌ اخرُ، أنَّه يَلْزَمُها الرِّضَى به؛ لأنَّ الكِفايةَ تَحْصُلُ به.