الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واكّد ذلك أيضا بذم مثل هذا التزيين في قوله تعالى: (بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً، وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ)«1» قال الحاكم: «إن قوله (وَزَيَّنَ) يدل على أنه تعالى لم يزين ذلك، لذلك ذم من زينه» .
كما أكده بقوله تعالى: (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ)«2» خلاف قول المجبرة إن المزين هو الله تعالى.
وقال في قوله تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ
…
) «3» الآية. إن المراد بالشهوات:
الشيء المشتهى «فالله تعالى زين منه ما يحسن، وزيّن الشيطان ما يقبح، على ما ذكره أبو علي واختاره القاضي» .
رابعا: من تأويلاته في باب التوحيد والعدل
ونضيف من شواهده الدالة على منهجه العقلي في التأويل، بعض الأمثلة والشواهد الأخرى من آيات الصفات، والآيات التي قد تدل بظاهرها على خلاف مذهب الحاكم في «العدل» كلّ ذلك بالقدر الموجز الذي يومئ إلى منهج الحاكم في سائر آيات هذا الباب.
1 - في التوحيد وآيات الصفات
أ) الآيات التي توهم على الله تعالى المكان: قال تعالى:
(1) الآية 12 سورة الفتح، ورقة 57/ ظ.
(2)
الآية 24 سورة النمل، ورقة 26/ ظ.
(3)
الآية 14 سورة آل عمران، ورقة 9.
(أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ
…
) «1» قال الحاكم: أي أأمنتم عذاب من في السماء، عن جماعة ثم اختلفوا فقيل: كانت العرب تزعم أن الإله في السماء فقال:
أامنتم من في السماء، على زعمكم!. وقيل: أأمنتم من في السماء سلطانه وتدبيره، فإن تدابيره تكون في السماء ثم تنزل الى الأرض. وقيل: أأمنتم من في السماء عذابه، عن ابي علي. وإليه ذهب الحاكم.
وقال في قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ)«2» إن معناه «تعبده الملائكة في السموات، ويعبده في الأرض المؤمنون .. »
وانه كرر «إله» تأكيدا، او لاختلاف العبادة والعباد في السماء والأرض.
قال: «وتدل الآية على نفي المكان!!» .
وفسر «العندية» في قوله تعالى: (فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ)«3» بالكرامة والمنزلة. وقال في قوله تعالى: (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ)«4» أي: موضع قعود صدق، قيل: مجلس حق لا لغو فيه، وهو الجنة.
وقيل: وصف المكان بالصدق لكونه يدوم وغيره يزول. ومعنى (عند مليك) أي في علم الله صائرون إلى ذلك الموضع، كما قال أبو علي. وقيل:
ذلك المقعد مقعد صدق عنده لما هو عليه من دوام النعم.
قال الحاكم: «وقد فسرت المشبهة الكاذبة على الله هذه الآية بتفسير لا يشهد له ظاهرها ولا لهم عليه دليل في العقل والشرع، فذكروا
(1) الآية 16 سورة الملك ورقة 107/ ظ.
(2)
الآية 84 سورة الزخرف، ورقة 42/ ظ.
(3)
الآية 38 سورة فصلت، ورقة 27/ ظ.
(4)
الآية 55 سورة القمر، ورقة 78/ و.
في قوله (عند مليك مقتدر) أنهم يحيون مع الجبار، وأنه يقعدهم معه على سريره، ورووا أن أهل الجنة يدخلون عليه كل يوم مرتين يقرءون عليه القرآن ثم ينصرفوا إلى رحالهم ناعمين .. إلى غير ذلك من الصورة والأعضاء والذهاب والمجيء، وأنه يحتجب أحيانا ويظهر أحيانا بصورة ملك، تعالى الله عن ذلك. وقد بينا أنه ليس بجسم، وأنه لا يجوز عليه المكان ولا شيء من صفات الأجسام!»،
ب) الآيات التي توهم عليه تعالى الجارحة «والجسمية» : قال الحاكم في قوله تعالى: (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ)«1» «أي: لئلا تقول يوم القيامة يا حسرتا على ما فرطت في طاعة الله، أو في حقه وأمره. وقال أبو مسلم: في الجانب الذي يؤدي إلى رضى الله وثوابه، المجانب للسبيل المضلة، قال: والعرب تسمى الجانب جنبا، قال الشاعر:
الناس جنب والأمير جنب
أي: الناس في جانب والأمير في جانب.»
وقال في قوله تعالى: (قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ)«2» قيل: خلقت من غير واسطة، عن أبي علي، قال الحاكم:
نحو قوله تعالى: (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا). وقيل خلقته بقدرتي، عن أبي مسلم.
قال مجاهد: اليد هاهنا بمعنى التأكيد والصلة كقوله: (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ).
(1) الآية 56 سورة الزمر، ورقة 14/ ظ.
(2)
الآية 75 سورة ص، ورقة 8/ و.
وقال الحاكم: «ومتى قيل: هلا حملتموه على الجارحة كما تزعمه المشبهة؟ قلنا: الله تعالى ليس بجسم ولا يجوز عليه النقص، ولو أوجبت هذه الآية إثبات يدين، لوجب بقوله (أَيْدِينا) إثبات أيد!. ومتى قيل:
يده لا تشبه أيدينا! قلنا: فذلك ليس بيد معقولة!».
وذكر في قوله تعالى: (اللَّهُ الصَّمَدُ)«1» تفسير ابن عباس أنه تعالى السيد المعظّم، أو الذي ليس فوقه أحد. وذكر أيضا تفسير أبي علي وأبي مسلم أنه «الذي يقصد إليه في الحوائج والرغائب، والمستعان به عند المصائب» وقال: «فأما ما قال بعضهم: الذي لا جوف له، فإن أراد أنه يستحيل ذلك عليه فهو صحيح، وإن أراد أنه جسم مصمت فيتعالى الله عن ذلك» .
ج) الآيات التي تدل بظاهرها على المجيء والاستقرار وسائر صفات الأجسام: قال في قوله تعالى: (وَجاءَ رَبُّكَ)«2» قيل: أمره وقضاؤه ومحاسبته، عن الحسن وأبي علي، وقيل: جلائل آياته، فجعل مجيئها مجيئه تفخيما لها، وقيل: جاء أمره الذي لا أمر لغيره معه، قال أبو مسلم: وذلك يكون يوم القيامة بخلاف حال الدنيا. قال الحاكم:
«ولا يجوز حمله على مجيء ذاته لأنه ليس بجسم فلا يجوز عليه المجيء والذهاب» .
وقال في قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ)«3» قيل: العرش
(1) الآية 2 سورة الإخلاص، ورقة 160/ و.
(2)
الآية 22 سورة الفجر، ورقة 145/ ظ.
(3)
الآية 4 سورة السجدة، ورقة 84/ ظ.