الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - موقفه من الأحاديث والأخبار المرفوعة:
الأخبار المرفوعة الى النبي صلى الله عليه وسلم في التفسير تعتبر قليلة إلى جانب المأثور عن الصحابة والتابعين، وربما تفاوت المفسرون في الحكم على بعض الروايات المأثورة بأنها موقوفة أو مرفوعة، أو في النص على ذلك في كتبهم، وقد جرت عادة الحاكم في تفسيره على الإشارة الى الأحاديث المروية والأخبار المرفوعة بعبارات متعددة، كقوله: روي عن رسول الله صلى الله عليه، أو قال رسول الله صلّى الله عليه، وكقوله: ذكره فلان في خبر مرفوع.
أو روي مرفوعا .. الخ، ونحاول من خلال هذه الروايات أن نقف على مدى اعتماد الحاكم على الحديث في تفسير القرآن واحتفائه به، وعلى قاعدته الأساسية في رفض الخبر أو قبوله. ويمكن تلخيص موقفه من الحديث في النقاط الآتية:
أ) أكثر الحاكم من الاستشهاد بالحديث في الشرح، ومن التدليل به على الأحكام التي يقف عليها في الآية أو النص القرآني:
قال تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ، وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ. يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)«1» قال الحاكم في شرح معنى الغيبة: «أن تذكر أخاك بما يكره- رواه أبو هريرة مرفوعا- فإن كان فيه فقد اغتبته، وإن لم يكن فقد بهته» .
(1) الآيتان 12 - 13 سورة الحجرات: التهذيب ورقة 62/ و.
وقال في شرح معنى قوله تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ):
وقال في أحكام هذه الآيات: إنها تدل على قبح الظن بالمؤمنين، ثم قال: «ومتى قيل: ما الذي يجب أن يجتنب من الظنون؟ قلنا: أن يظن المرء بأخيه في الأمر المحتمل لوجه يحسن وجه القبح، بل يجب أن يظن ما يليق بستره وصلاحه.
«ومتى قيل: أفي الجميع يجب ذلك، أم فيمن ظاهره الصلاح؟ قلنا في الكل ما دام طالبا لطريق الستر، فإذا أعلن بالفسق فقد خرج من أن يكون له حرمة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه: لا غيبة لفاسق
…
ومعنى التجسس قريب من الظن الشرّ فنهوا عن ذلك، وبيّن أن الواجب أن يجري على ظاهر السلامة، والمروي عن النبي صلى الله عليه وسلم:(إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا ولا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا)
وقال في قوله تعالى: (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ
…
) الآية إنها تدل على أمور منها: «أن الفضل بالتقوى لا بالأنساب، وفي الخبر أن مناديا ينادي يوم القيامة إني جعلت لكم نسبا، وجعلتكم لأنفسكم نسبا إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليقم المتقون، فلا يقوم إلا من كان كذلك» !
ولهذا كان الحاكم كثيرا ما يصرح بترجيح أحد وجوه التفسير
الكثيرة التي ينقلها في الآية منسوبة إلى أهل التفسير، بخبر مرفوع يؤيد أحد هذه الوجوه، قال في تفسير قوله تعالى:(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)«1» : أي اتقى معاصيه وتمسك بطاعته (يجعل له مخرجا) قال الحاكم: «قيل فرجا. وقيل:
من يطلّق للسنة يجعل له مخرجا إلى الرجعة، ويرزقه من حيث لا يحتسب، عن عكرمة والشعبي والضحاك. وقيل: هو عام: من يتق الله يلطف له فيوسع في رزقه ويخلصه من محن الدنيا. وقيل: من يتق الله يجعل له مخرجا من عذاب الآخرة وهموم الدنيا، ويرزقه في الجنة من حيث لا يحتسب.
وقيل: من يتق الله يجعل له مخرجا من الأمور التي يشتد في الدنيا على العاقل الخروج منها ويشتبه في أمور الديانات، ويكون ذلك بألطافه».
ثم قال الحاكم: «والأولى حمله على ثواب الجنة وعذاب الآخرة؛ لأن ذلك جزاء من الله تعالى، دون أرزاق الدنيا لأنها لا تختص بالمتقين وليس بجزاء، يدل عليه ما روي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: «يجعل له مخرجا من شبهات الدنيا ومن غمرات الموت وشدائد يوم القيامة
…
»
أما شواهد استدلاله بالحديث في «أحكامه» التي يراها في الآيات، فلا تقل عن شواهده في المعنى والشرح، وقد أشرنا إلى بعضها في هذه الفقرة، ونضيف اليها بعض الشواهد الأخرى الموجزة: قال في قوله تعالى:
(فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ)«2» إنه يدل
(1) من الآيتين 2 - 3 سورة الطلاق، ورقة 103/ ظ.
(2)
الآيتان 20 - 21 سورة الانشقاق، ورقة 140/ و.