المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌حوار مجلة الفرقان مع الدكتور عدنان زرزور

- ‌(نحو جيل قرآني)

- ‌(أسباب النزول)

- ‌(قضية الإعجاز العلمي)

- ‌(التفسير الموضوعي)

- ‌(بين سيد قطب والشعراوي)

- ‌(الحرب ضد القرآن)

- ‌بين يدي الكتاب

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌ 3

- ‌ 4

- ‌ 5

- ‌ 6

- ‌ 7

- ‌ 8

- ‌مقدّمة

- ‌وبعد:

- ‌أولا: الحالة السياسيّة

- ‌1 - البويهيون

- ‌2 - الغزنويون

- ‌3 - السلاجقة

- ‌4 - الفاطميون

- ‌5 - الباطنية

- ‌6 - الزيدية

- ‌6 - ملوك الطوائف في الأندلس

- ‌7 - الحروب الصليبية

- ‌ثانيا: الحالة الدينية

- ‌1 - المعتزلة

- ‌2 - الأشاعرة

- ‌3 - الصوفية

- ‌ثالثا: أثر الحالة السّياسيّة والدينيّة في الحياة العامة

- ‌1 - الفتن السياسية

- ‌2 - فتن أرباب العقائد

- ‌3 - منازعات الفقهاء

- ‌رابعا: حركة التأليف في التفسير وعلم الكلام

- ‌1 - التفسير

- ‌أما أهم التفاسير المطولة التي وصلتنا فهي:

- ‌2 - علم الكلام

- ‌[اهم مصنفات المعتزلة في علم الكلام]

- ‌الفصل الأوّل حياة الحاكم

- ‌اولا: اسمه ونسبته

- ‌ثانيا: ولادته ونشأته:

- ‌ثالثا: وفاته

- ‌رابعا: شيوخه:

- ‌خامسا: تلامذته:

- ‌سادسا: عقيدته ومذهبه

- ‌رأي الزيدية في الإمامة

- ‌الفصل الثاني آثاره

- ‌اولا: في تفسير القرآن

- ‌1) التهذيب في التفسير

- ‌2) تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبيين

- ‌3) التفسير المبسوط

- ‌4) التفسير الموجز

- ‌1 - و (التهذيب)

- ‌2 - تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبيين:

- ‌ثانيا: في علم الكلام

- ‌1 - التأثير والمؤثر:

- ‌2 - شرح عيون المسائل

- ‌ثالثا: في الحديث

- ‌رابعا: في التاريخ

- ‌خامسا: في الفقه

- ‌سادسا: في العلوم الأخرى

- ‌سابعا: تعقيب عام حول ما وصل الينا من كتب الحاكم رحمه الله

- ‌الفصل الأوّل تفاسير المعتزلة قبل الحاكم

- ‌حول هذه التفاسير الخمسة:

- ‌الفصل الثاني مصادر الحاكم في التفسير

- ‌أولا: الحاكم وتفاسير المتقدمين

- ‌ثانيا: مصادره السلفية

- ‌1 - عمده من هذه المصادر:

- ‌2 - أمثلة وشواهد:

- ‌ثالثا: مصادره الاعتزالية

- ‌1) بين هذه التفاسير والتفاسير السابقة:

- ‌2 - عمده الرئيسية من هذه التفاسير، وموقفه من تفسير القاضي:

- ‌رابعا: نقوله العامة أو المبهمة

- ‌خامسا: حول طريقته في الافادة من المصادر

- ‌الفصل الأوّل قاعدة الحاكم الفكريّة ومحوره في تفسيره

- ‌أولا: قاعدته الفكرية العامة

- ‌خلق القرآن:

- ‌المنهج وهذه الأصول

- ‌ثانيا: محوره في تفسيره

- ‌1 - اكتساب المعارف

- ‌2 - الرد على المجبرة

- ‌الفصل الثاني قواعده الأساسيّة في التفسير

- ‌تمهيد: بين التفسير والتأويل

- ‌أولا: الأصل الجامع لقواعده في التفسير

- ‌ثانيا: قواعده الأساسيّة في التفسير

- ‌القاعدة الأولى: ليس في القرآن ما لا معنى له، أو ما لا يفهم معناه

- ‌فروع هذه القاعدة

- ‌القاعدة الثانية: لا يختص بتفسير القرآن الرسول أو السلف

- ‌1 - موقفه من تفسير السلف

- ‌2 - موقفه من الأحاديث والأخبار المرفوعة:

- ‌أ) أكثر الحاكم من الاستشهاد بالحديث في الشرح، ومن التدليل به على الأحكام التي يقف عليها في الآية أو النص القرآني:

- ‌ب) اعتمد الحاكم على الحديث في بيان المجملات والأمور الإخبارية وفي تفصيلات الأمور الغيبية

- ‌القاعدة الثالثة: رفض «التفسير الباطني» وأن الإمام طريق معرفة القرآن

- ‌القاعدة الرابعة: إثبات المجاز في القرآن، ومنع الحمل عليه إلا إذا تعذرت الحقيقة

- ‌الفصل الثالث حدوده في التأويل

- ‌أولا: أقسام المعارف

- ‌ثانيا: ميزان التأويل

- ‌ثالثا: التأويل واللغة وأنواع المجاز

- ‌رابعا: من تأويلاته في باب التوحيد والعدل

- ‌1 - في التوحيد وآيات الصفات

- ‌2 - في العدل

- ‌خامسا: منهج الحاكم في التأويل بين اللغة والعقل

- ‌الفصل الرّابع أثر منهجه العقلي وثقافته الكلامية في تفسيره

- ‌أولا: مبدأ اللطف

- ‌ثانيا: النبوة والأنبياء

- ‌ثالثا: الأرزاق والآجال

- ‌رابعا: حول عالم الغيب

- ‌خامسا: تعريفات وأمور فلسفية

- ‌الفصل الأوّل طريقته في كتابه «التهذيب»

- ‌تمهيد: بين المنهج والطريقة

- ‌أولا: القراءة

- ‌ثانيا: اللغة

- ‌ثالثا: الاعراب

- ‌رابعا: النزول

- ‌خامسا: النظم

- ‌سادسا: المعنى

- ‌1) طريقته في إيراد الأقوال ووجوه المعاني:

- ‌2) طريقته في الترجيح بين هذه الأقوال:

- ‌3) من شواهد طريقته في إيراد المعاني والأقوال:

- ‌4) من شواهد طريقته في الترجيح:

- ‌سابعا: الأحكام

- ‌ثامنا: القصة

- ‌تاسعا: الفقه

- ‌الفصل الثاني آراؤه في علوم القرآن

- ‌اولا: نزول القرآن

- ‌ثانيا: نقل القرآن

- ‌ثالثا: فضائل القرآن

- ‌رابعا: النسخ في القرآن

- ‌خامسا: اعجاز القرآن

- ‌1 - مقدمات الاعجاز

- ‌2 - وجه اعجاز القرآن

- ‌الفصل الأوّل مكانة الحاكم

- ‌أولا: منزلة الحاكم العامة

- ‌ثانيا: قيمة كتابه «التهذيب في التفسير»

- ‌الفصل الثاني أثره في المفسّرين

- ‌أولا: أثره في الزمخشري (467 - 538)

- ‌أ) من الشواهد التي نكتفي فيها بالاحالة على ما تقدم:

- ‌ب) من الشواهد الموجزة التي أشرنا إليها في هذه الرسالة:

- ‌ج) شواهد أخرى:

- ‌ثانيا: أثر الحاكم في سائر المفسرين

- ‌مصادر البحث

- ‌أولا: المخطوطات

- ‌ثانيا: الكتب المطبوعة

- ‌ثالثا: الدوريات

- ‌كتب للمؤلف

الفصل: ‌ج) شواهد أخرى:

والفرق بينهما أنه إذا حصلت. الآفة في بصره قيل: عشى، وإذا نظر نظر العشي ولا آفة به قيل: عشا. ونظيره: عرج، لمن به الآفة، وعرج لمن مشى مشية العرجان من غير عرج، قال الحطيئة:

متى تأته تعشو إلى ضوء ناره.

أي: تنظر إليها نظر العشي لما يضعف بصرك من عظم الوقود واتساع الضوء! وهو بين في قول حاتم:

أعشو إذا ما جارتي برزت

حتى يواري جارتي الخدر

وقرئ: يعشوا: على أن «من» موصولة غير مضمنة معنى الشرط، وحق هذا القارئ أن يرفع (نقيض). ومعنى القراءة بالفتح: ومن يعم (عن ذكر الرحمن) وهو القرآن، كقوله:(صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ). وأما القراءة بالضم فمعناها: ومن يتعام عن ذكره، أي: يعرف أنه الحق وهو يتجاهل ويتغابى كقوله تعالى: (وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ)، (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ). وقرئ: يقيض، أي: يقيض له الرحمن، ويقيض له الشيطان» «1» .

‌ج) شواهد أخرى:

1) قوله تعالى: (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ)«2» .

قال الحاكم: «النزول: قيل نزلت الآية في أبي جهل، عن سعيد ابن المسيب.

(1) الكشاف 4/ 197 - 199.

(2)

الآية 24 سورة الزمر.

ص: 469

«النظم: يقال كيف يتصل قوله (أَفَمَنْ يَتَّقِي) بما قبله؟ «1» قلنا:

على تقدير: من لم يهتد بهدي الله لا يهتدي بغيره، أفيهتدي من يتقي بوجهه سوء العذاب؟ يعني المقيم على كفره؛ عن أبي مسلم.

«المعنى: (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي يدفع العذاب عن نفسه بوجهه، وهو غاية الضرورة، لأن الوجه أعز عضو من الإنسان. وقيل: يجرّ على وجهه في النار؛ عن مجاهد. وقيل:

معناه: يتلقى عذاب النار بوجهه. وقيل: يرد مغلولة يده إلى عنقه إلى النار وفي عنقه صخرة عظيمة من الكبريت، فتشتعل النار في الحجر فيبلغ وهجها على وجهه لا يطيق دفعها عن وجهه من أجل الأغلال؛ عن مقاتل.

«ومتى قيل: فما جواب: (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ)؟ قلنا:

محذوف تقديره: كمن هو آمن من العذاب، فحذف لدلالة الكلام عليه.

«(وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ) تقوله الخزنة. (ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) أي وباله وجزاءه» «2» .

قال الزمخشري: «يقال: اتقاه بدرقته: استقبله بها فوقى نفسه إياه واتقاه بيده. وتقديره: أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب كمن أمن العذاب! فحذف الخبر كما حذف في نظائره. وسوء العذاب: شدته،

(1) قبله قوله تعالى: ( .. ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) من الآية 23.

(2)

التهذيب، ورقة 10 - 11.

ص: 470

ومعناه: أن الإنسان إذا لقي. مخوفا من المخاوف استقبله بيده، وطلب أن يقي بها وجهه لأنه أعز أعضائه عليه، والذي يلقى في النار يلقى مغلولة يداه إلى عنقه فلا يتهيأ له أن يتقي النار إلا بوجهه الذي كان يتقي المخاوف بغيره وقاية له ومحاماة عليه. وقيل المراد بالوجه: الجملة. وقيل نزلت في أبي جهل.

«وقال لهم خزنة النار (فَذُوقُوا) وبال (بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ)» «1» .

وواضح من كلام الزمخشري- الذي لا يحتاج إلى تعليق- أنه يشتمل على الوجه الذي ذكره الحاكم لنفسه، والوجه الذي نقله عن مقاتل، وإن كان الزمخشري ركب في سبيل هذا التلفيق إلى القول بأن كل من يلقى في النار يلقى مغلول اليدين!! وليس في الآية ما يدل على هذا العموم.

2) قوله تعالى: (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ، وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً

واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)

«2» .

قال الحاكم: «اللغة: الولي: القريب النصرة عند الحاجة، ونقيضه العدو، ومنه الولي: العم، والولي: الناصر، والولي: الأخ والصاحب.

قال أبو مسلم: ووليّ الشيء: مالكه وصاحبه. والإنذار: الإعلام بموضع مخافة.

(1) الكشاف 4/ 96 - 97.

(2)

الآيتان 7 - 8 سورة الشورى.

ص: 471

«المعنى: (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا) أي كما أوحينا إلى الرسل أوحينا إليك. (قُرْآناً عَرَبِيًّا) أي بلغة العرب (لتنذر) لتخوف (أُمَّ الْقُرى) يعني مكة، وسميت بذلك قيل لأنها أفضل القرى لأن فيها البيت وهي حرم، وكل قرية دونها، عن أبي مسلم. وقيل: لأنها أول بيت وضع، وأم كل شيء: أصله، فكانت مكة أما لجميع القري.

«(وَمَنْ حَوْلَها) أي: لتنذر من حول مكة، قيل المراد به العرب ليكونوا أنصارا له على سائر الأمم، عن أبي مسلم. وقيل المراد به سائر الناس، عن أبي علي.

«(وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ) أي بيوم يجمع فيه الخلائق، وهو يوم القيامة، ولم يبين ما خوف به ليذهب قلب المكلف إلى كل مذهب من أنواع الخوف. وقيل: الإنذار بيوم الجمع إنذار بالفضيحة التي تظهر. (لا رَيْبَ فِيهِ) أي لا شك. (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) وهو النار، ففي الجنة الأنبياء والمؤمنون، وفي النار الكفار والفاسقون، وهذه أحوال المكلفين لا يخلو مكلف من أحد هذين، وأحدهما غاية الأمنية لأنها نعيم دائم، يستحق على سبيل التعظيم لا يشوبها ما ينغصها. وثانيها غاية الهموم؛ لأنها آلام عظيمة على سبيل الاستحقاق والإهانة لا يشوبها روح.

«(وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً) قيل: لو شاء لحملهم على دين واحد، وهو الإسلام، بأن يلجئهم إليه بفعل لأنه يزيل التكليف، وإنما يثبت التكليف والثواب والعقاب مع الاختيار، ولو فعل ذلك لبطل الغرض، عن أبي علي. وقيل: لو شاء أن يجعل الفريقين فرقة واحدة بأن يخلقهم في الجنة لفعل، ولكن اختيارهم على الدرجتين، وهو استحقاق

ص: 472

الثواب [كذا] وقيل: لو شاء أن يدخل الجميع الجنة لا يمتنع عليه، ولكن (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ) وهم المؤمنون (والظالمون) وهم العصاة (ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ) يتولى حفظهم، ولا ناصر ينصرهم حتى ينجوا من عذاب الله؛ عن أبي مسلم.

وقيل: لم يلجئهم إلى الدين، لكن كلّفهم ليطيعوا فيستحقوا الثواب، فإدخالهم في رحمته إدخال في التكليف الذي هو الدين، لكن كلفهم ليطيعوه، فهو سبب الرحمة، والظالمون من المكلفين ليس لهم من ولي ولا نصير؛ عن أبي علي» «1» .

قال الزمخشري: «(وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ): ومثل ذلك أوحينا إليك، وذلك إشارة إلى معنى الآية قبلها: من أن الله تعالى هو الرقيب عليهم وما أنت برقيب عليهم ولكن نذير لهم، «2» لأن هذا المعنى كرره الله تعالى في كتابه في مواضع جمة، والكاف مفعول به لأوحينا.

و (قُرْآناً عَرَبِيًّا) حال من المفعول به، أي: أوحيناه إليك وهو قرآن عربي بيّن، لا لبس فيه عليك، لتفهم ما يقال لك، ولا تتجاوز حد الإنذار! ويجوز أن يكون ذلك إشارة إلى مصدر أوحينا، أي: ومثل ذلك الإيحاء البين المفهم أوحينا إليك قرآنا عربيا بلسانك!

«(لتنذر) يقال: أنذرته كذا وأنذرته بكذا، وقد عدى الأول أعنى: لتنذر أم القرى، إلى المفعول الأول، والثاني وهو قوله: وتنذر

(1) التهذيب ورقة 30، يضاف إلى ذلك ما ذكره الحاكم في فقرة «الأحكام» .

(2)

الآية السابقة قوله تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) الآية رقم 6.

ص: 473

يوم الجمع إلى المفعول الثاني. (أُمَّ الْقُرى) أهل أم القرى، كقوله تعالى:

(وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ). (وَمَنْ حَوْلَها) من العرب! وقرئ «لينذر» والفعل للقرآن.

(يوم الجمع): يوم القيامة لأن الخلائق تجمع فيه، قال الله تعالى:

(يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ)، وقيل: يجمع بين الأرواح والأجساد، وقيل: يجمع بين كل عامل وعمله.

و (لا رَيْبَ فِيهِ) اعتراض لا محل له!!. وقرئ: (فريق) وفريقا بالرفع والنصب، فالرفع على: منهم فريق ومنهم فريق، والضمير للمجموعين لأن المعنى: يوم جمع الخلائق، والنصب على الحال منهم، أي متفرقين كقوله تعالى:(وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ).

«فان قلت: كيف يكونون مجموعين متفرقين في حالة واحدة؟

قلت: مجموعون في ذلك اليوم مع افتراقهم في داري البؤس والنعيم، كما يجتمع الناس يوم الجمعة متفرقين في مسجدين. وإن أريد بالجمع جمعهم في الموقف فالتفرق على معنى مشارفتهم للتفرق!!

(وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً

) إلى آخر الآية، قال الزمخشري: «أي مؤمنين كلهم على القسر والإكراه كقوله تعالى:

(وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) وقوله: (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) والدليل على أن المعنى هو الإلجاء إلى الإيمان قوله: (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) وقوله تعالى:

(أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ) بإدخال همزة الإنكار على المكره دون فعله دليل على أن الله وحده هو القادر على هذا الإكراه دون غيره. والمعنى: ولو شاء

ص: 474

ربك مشيئة قدرة لقسرهم جميعا على الإيمان، ولكنه شاء مشيئة حكمة، فكلفهم وبنى أمرهم على ما يختارون، ليدخل المؤمنين في رحمته، وهم المرادون بمن يشاء، ألا ترى إلى وضعهم في مقابلة الظالمين، ويترك الظالمين بغير ولي ولا نصير في عذابه» «1» .

وقد يكون في هذا الشاهد الذي لم نتعمد اختياره- مثل سابقه- كما قدمناه، ما يدل على عدم تأثر الزمخشري بالحاكم، ولكننا مع ذلك نجد أنفسنا مرغمين على التعليق على هذا الكلام للزمخشري- قبل أن نعقب جملة على موضوع تأثره بالحاكم- لأن كل ما فيه، مما لم يذكره الحاكم، غريب عجيب. هذا مع تسليمنا بأننا أكثرنا من النقل والتعليق في هذا الموضوع فوق ما توقعناه:

1) محاولة الزمخشري في مطلع كلامه ربط الآية بسابقتها- وهي قوله تعالى (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) الآية رقم 6 - مفهوم المعنى، ولكن جعله الرابط هو قوله تعالى:(وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ .. )، وقوله في شرح هذا الرابط:

«ومثل ذلك أوحينا إليك، وذلك إشارة إلى معنى الآية قبلها» غير مفهوم، ولا يخلو من خلط، لأن قوله تعالى:(وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا .. )

عطف على قوله تعالى في الآية 3 من السورة: (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، والمعنى كما قال الحاكم: أي «كما أوحينا إلى الرسل أوحينا إليك» ولا ندري مثل أي شيء يريد الزمخشري بقوله: «ومثل ذلك» !

(1) الكشاف 4/ 164 - 165.

ص: 475

2) الوجه الذي قدمه في تفسير قوله تعالى: (قُرْآناً عَرَبِيًّا) وإعرابه- وهو ما يرجحه- لا يخلو من تكلف في العبارة والمعنى، وتعسف في التقدير يذهب بنظم القرآن الذي زعم أن الزمخشري من أحسن الذين ظهروا عليه!! فالله تعالى يقول:(وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا) - وإعرابها لا يخطئه التلميذ- ليدل على أن الموحى به هو هذا القرآن على هذه الصفة، والزمخشري يقول: وكذلك أوحيناه إليك، وهو قرآن عربي بين لا لبس فيه عليك

» إلى آخر عبارته الثقيلة!

3) تفاصح الزمخشري في شرح معنى الإنذار ولم يشرح لنا كيف ينذر يوم الجمع- نفس اليوم- وإن كان قد شرح هذا اليوم بأنه يوم القيامة

(راجع الحاكم).

4) كل ما قاله الزمخشري في تفسير قوله تعالى: (لا رَيْبَ فِيهِ) بأنه «اعتراض لا محل له» ! وقد وصف الله تعالى يوم الجمع بأنه لا شك فيه، فهل يعني الزمخشري أن هذا الوصف لا محل له من الإعراب، أم ماذا؟

ومن يطلق على بعض الآيات بأنها اعتراض أو زائدة، وكلها للتأكيد وزيادة المعنى؟!

5) ثم ما الذي حمل الزمخشري على هذا الاعتراض الطويل- بعد أن أهمل ما يحتاج إلى بيان وجرى وراء قراءاته الغربية- بأن الناس كيف يكونون مجموعين متفرقين في حالة واحدة؟! مع العلم بأن الآية ليس فيها ما يدل على ذلك، لأن معناها أن الرسول ينذر بيوم الجمع، وهو يوم الحساب، ومعلوم أن الناس بعد الحساب- لا وقته- فريقان فريق في الجنة وفريق في السعير! أم إن الزمخشري يريد أن يكشف لنا عن نوع

ص: 476

من الإعجاز لم يسبق إليه؟ وأين من بلاغة الزمخشري الإيجاز والاختصار وطوي المشاهد والأحداث؟!

يضاف إلى ذلك أن الآية الأخرى التي استشهد بها على مذهبه في الجمع والتفرق! وهي قوله تعالى: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ) لا تدل إلا على الضد مما ذهب إليه، لأن الآيات التالية لها هي: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ، وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ

) وإعراب «أما» هذه ما نظن أنه يغيب عن ذهن الزمخشري بحال.

6) مشيئة الإلجاء التي حمل عليها قوله تعالى: (وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً) معروفة من مذهب الجبائيين، وقد ذكرها الحاكم مع وجوه أخرى فائقة، ولكن الزمخشري لم ينسبها لأحد، وقام بالتدليل عليها، ثم بشرح هذا الدليل المعروف ببعض اللفظيات!!

د) تعقيب عام: وبعد، فإن الذي نعقب به في الجملة على هذا الموضوع بعد هذه الرحلة الطويلة، وبعد الرجوع إلى المزيد من الشواهد والمقارنات؛ يتلخص في النقاط

التالية:

1) كثير من وجوه التفسير والتأويل التي يذكرها الزمخشري موجودة في كتاب الحاكم، ومنسوبة فيه إلى أكثر من مفسر من مفسري المعتزلة والسلف المتقدمين.

2) طريقة الزمخشري في عرض هذه الوجوه والآراء والتعبير عنها مغاير لأسلوب الحاكم من كل وجه، فأكثر كلام الزمخشري داخل في حد التعالي والغموض والتكلف.

ص: 477

3) أتى الزمخشري في مواضع قليلة بما يشبه أحد وجوه التأويل والتفسير الخاصة، التي لم نقف على ما يماثلها من كل وجه في كتاب الحاكم، ولكن هذه الآراء وإن لم يصعب ردّها إلى أصحابها في كتب التفسير الأخرى، أو تخريجها على بعض القواعد الاعتزالية- التي يذهب إليها الجبائيان بخاصة- فإنها على كل حال واردة في مواطن لا تحتاج إلى زيادة فكر أو عناء.

4) يعتمد الزمخشري في باب التأويل خاصة على مبدأ اللطف اعتمادا زائدا، وقد خرّج عليه من الآيات فوق ما ذكره الحاكم وذهب إليه القاضي عبد الجبار، وتذكّر طريقته هذه بطريقة أبي مسلم في هذا الباب.

5) هنالك مواطن كثيرة في كتاب الزمخشري يظهر فيها أثر الاعتماد على الحاكم، وإن كان الزمخشري يخلط فقرات الحاكم المنظمة بعضها ببعض.

ويركز دائما على «الإعراب» ويحاول جاهدا- في تفسيره بعامة- أن يربط به وجوه المعنى والتأويل، مما يضطره إلى «التدرج» في التعبير عن المعنى الواحد بأكثر من عبارة؛ يصدرها بقوله «يعني» و «أي» و «المعنى»

مما يدخل كلامه في المزيد من التعقيد والثقل، ويقطع على القارئ سبيل التنبه إلى وجود مصدر آخر لهذه الوجوه والآراء، أو عقد مقارنة بين هذا التفسير وتفاسير السابقين! ولعل هذا مما يحرص عليه الزمخشري على الدوام.

6) هنالك مواطن أخرى يبدو فيها للباحث أن من الظلم البين للحاكم أن يقال إن الزمخشري أفاد منه في كشافه، فضلا عن أن يكون أخذه

ص: 478

منه، كما نقل الجنداري، حتى ولو قلنا إن ذلك بزيادة تعقيد، كما يقول صاحب هذا القول- راجع الشاهد الأخير-.

7) ولهذا فإننا نرجح أن الزمخشري قد اطلع على كتاب الحاكم وأفاد منه، كما نرجح في نفس الوقت أنه لم يكن يديم النظر فيه حال جلوسه للكتابة أو الإملاء.

8) كما نرجح بالطبع إفادته الكبرى من تفاسير المعتزلة الآخرين، وإن كانت عنجهيته تأبى عليه أن يضيف إلى مخلوق قولا،- ولنا هنا أن نلتفت إلى ما ذكره صاحب النجوم الزاهرة- وبخاصة تفسير أبي مسلم الأصفهاني. هذا إلى جانب وقوفه الظاهر على تفاسير السلف، وإفادته من التأويلات التي ترد في كتب علم الكلام.

9) وإذا كان انتفاعه بهذه التفاسير لا يقبل المنازعة، فلمن شاء أن يرجح أن الزمخشري قد انتفع بها- على طريقته- بطريق مباشر، وليس من اللازم أن يكون قد وقع له كتاب الحاكم. إذا صح هذا- وهو عندنا جد بعيد- فإن خلاصة القول في «الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل» ! إنه من تفاسير السابقين، ولكن بزيادة تعقيد .. وقلة أمانة. ورحم الله الجنداري!

10) وأخيرا فإننا نستطيع أن نؤكد ما لمحناه وتحدثنا عنه من نوازع الزمخشري النفسية، التي حالت بينه وبين إشراق العبارة ووضوح القصد، كما حالت بينه وبين الالتزام بإضافة الأقوال إلى أصحابها على الدوام، إذا وقفنا على طرف من مقدمة تفسيره- أي طرف- وقارنّا بينه وبين خطبة كتاب الحاكم التي لا تتجاوز عشر مقدمة الزمخشري، في حين أن

ص: 479

كتاب الزمخشري لا يتجاوز خمسي كتاب الحاكم! وجدير بنا على كل حال أن نذكر خطبة الحاكم رحمه الله.

قال الحاكم بعد البسملة: «رب يسّر برحمتك، الحمد لله الذي هدانا للإسلام، ودعانا إلى دار السلام، ومنّ علينا بنبينا محمد عليه السلام، وأنعم علينا بضروب الإنعام. وأنزل القرآن، وصانه عن التحريف والزيادة والنقصان، ونسخ به سائر الأديان. ثم الصلاة على سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وإمام المتقين، محمد وعلى آله أجمعين.

«أما بعد، فإن أولى ما يشتغل به المرء طلب العلوم الدينية التي بها فوزه ونجاته، ثم عبادة ربه الذي إليه محياه ومماته. ومن أجلّ العلم معرفة كتاب الله تعالى، وتفهم معانيه وأحكامه، فإن عليها مدار الدين، وهو حبل الله المتين.

«وقد اجتهد العلماء في ذلك فأسسوا وصنفوا، وللأولين فضل السبق وتأسيس الأمر، وللآخرين حسن الترتيب وجودة التهذيب وزيادة الفوائد.

ولئن قال بعضهم: ما ترك الأول للآخر! فقد قال آخر: كم ترك الأول للآخر.

«وقد جمعت في كتابي هذا جملا وجوامع في علم القرآن، من غير تطويل ممل وإيجاز مخل. أرجو أن يكون تبصرة للمبتدي وتذكرة للمنتهي.

ومن الله أستمد التوفيق وعليه أتوكل، وهو حسبي ونعيم المعين» «1» .

ثم تحدث في نحو صفحتين عن خلاصة رأيه في لغة القرآن وإعرابه

(1) الورقة الأولى من التهذيب.

ص: 480

ونظمه وسائر فقرات كتابه، كما عرّف الآية والسورة، وشرح معنى التفسير والتأويل. ثم شرع في بيان معنى التعوذ والبسملة وتفسير سورة الفاتحة.

أما الزمخشري فمما قاله في مقدمته: إن علم التفسير «لا يتم لتعاطيه وإجالة النظر فيه

إلا رجل قد برع في علمين مختصين بالقرآن، وهما علم المعاني وعلم البيان، وتمهل في ارتيادهما آونة، وتعب في التنقير عنهما أزمنة، وبعثته على تتبع مظانهما همة في معرفة لطائف حجة الله، وحرص على استيضاح معجزة رسول الله. بعد أن يكون آخذا من سائر العلوم بحظ، جامعا بين أمرين: تحقيق وحفظ، كثير المطالعات، طويل المراجعات.

قد رجع زمانا ورجع إليه، ورد ورد عليه. فارسا في علم الإعراب، مقدما في حملة الكتاب. وكان مع ذلك مسترسل الطبيعة منقادها، مشتمل القريحة وقادها، يقظان النفس دراكا للمحة وإن لطف شأنها، منتبها على الرمزة وإن خفي مكانها. لا كزا جاسيا، ولا غليظا جافيا، متصرفا ذا دراية بأساليب النظم والنثر. مرتاضا غير ريض بتلقيح بنات الفكر.

قد علم كيف يرتب الكلام ويؤلف، وكيف ينظم ويرصف، طالما دفع إلى مضايقة، ووقع في مداحضه، ومزالقه» «1» .

ثم عقب على ذلك ببيان منزلته هو في العلم، وكيف أن العلماء المقدمين تعلقوا بأذياله واستشفعوه أن يصنف لهم في التفسير، فقال:

«ولقد رأيت إخواننا في الدين من أفاضل الفئة الناجية العدلية الجامعين

(1) الكشاف 1 صفحة ك.

ص: 481