المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قال الحاكم: «تدل الآيات أن المرء يجب عليه الفرار بدينه، - الحاكم الجشمي ومنهجه في التفسير

[عدنان زرزور]

فهرس الكتاب

- ‌حوار مجلة الفرقان مع الدكتور عدنان زرزور

- ‌(نحو جيل قرآني)

- ‌(أسباب النزول)

- ‌(قضية الإعجاز العلمي)

- ‌(التفسير الموضوعي)

- ‌(بين سيد قطب والشعراوي)

- ‌(الحرب ضد القرآن)

- ‌بين يدي الكتاب

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌ 3

- ‌ 4

- ‌ 5

- ‌ 6

- ‌ 7

- ‌ 8

- ‌مقدّمة

- ‌وبعد:

- ‌أولا: الحالة السياسيّة

- ‌1 - البويهيون

- ‌2 - الغزنويون

- ‌3 - السلاجقة

- ‌4 - الفاطميون

- ‌5 - الباطنية

- ‌6 - الزيدية

- ‌6 - ملوك الطوائف في الأندلس

- ‌7 - الحروب الصليبية

- ‌ثانيا: الحالة الدينية

- ‌1 - المعتزلة

- ‌2 - الأشاعرة

- ‌3 - الصوفية

- ‌ثالثا: أثر الحالة السّياسيّة والدينيّة في الحياة العامة

- ‌1 - الفتن السياسية

- ‌2 - فتن أرباب العقائد

- ‌3 - منازعات الفقهاء

- ‌رابعا: حركة التأليف في التفسير وعلم الكلام

- ‌1 - التفسير

- ‌أما أهم التفاسير المطولة التي وصلتنا فهي:

- ‌2 - علم الكلام

- ‌[اهم مصنفات المعتزلة في علم الكلام]

- ‌الفصل الأوّل حياة الحاكم

- ‌اولا: اسمه ونسبته

- ‌ثانيا: ولادته ونشأته:

- ‌ثالثا: وفاته

- ‌رابعا: شيوخه:

- ‌خامسا: تلامذته:

- ‌سادسا: عقيدته ومذهبه

- ‌رأي الزيدية في الإمامة

- ‌الفصل الثاني آثاره

- ‌اولا: في تفسير القرآن

- ‌1) التهذيب في التفسير

- ‌2) تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبيين

- ‌3) التفسير المبسوط

- ‌4) التفسير الموجز

- ‌1 - و (التهذيب)

- ‌2 - تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبيين:

- ‌ثانيا: في علم الكلام

- ‌1 - التأثير والمؤثر:

- ‌2 - شرح عيون المسائل

- ‌ثالثا: في الحديث

- ‌رابعا: في التاريخ

- ‌خامسا: في الفقه

- ‌سادسا: في العلوم الأخرى

- ‌سابعا: تعقيب عام حول ما وصل الينا من كتب الحاكم رحمه الله

- ‌الفصل الأوّل تفاسير المعتزلة قبل الحاكم

- ‌حول هذه التفاسير الخمسة:

- ‌الفصل الثاني مصادر الحاكم في التفسير

- ‌أولا: الحاكم وتفاسير المتقدمين

- ‌ثانيا: مصادره السلفية

- ‌1 - عمده من هذه المصادر:

- ‌2 - أمثلة وشواهد:

- ‌ثالثا: مصادره الاعتزالية

- ‌1) بين هذه التفاسير والتفاسير السابقة:

- ‌2 - عمده الرئيسية من هذه التفاسير، وموقفه من تفسير القاضي:

- ‌رابعا: نقوله العامة أو المبهمة

- ‌خامسا: حول طريقته في الافادة من المصادر

- ‌الفصل الأوّل قاعدة الحاكم الفكريّة ومحوره في تفسيره

- ‌أولا: قاعدته الفكرية العامة

- ‌خلق القرآن:

- ‌المنهج وهذه الأصول

- ‌ثانيا: محوره في تفسيره

- ‌1 - اكتساب المعارف

- ‌2 - الرد على المجبرة

- ‌الفصل الثاني قواعده الأساسيّة في التفسير

- ‌تمهيد: بين التفسير والتأويل

- ‌أولا: الأصل الجامع لقواعده في التفسير

- ‌ثانيا: قواعده الأساسيّة في التفسير

- ‌القاعدة الأولى: ليس في القرآن ما لا معنى له، أو ما لا يفهم معناه

- ‌فروع هذه القاعدة

- ‌القاعدة الثانية: لا يختص بتفسير القرآن الرسول أو السلف

- ‌1 - موقفه من تفسير السلف

- ‌2 - موقفه من الأحاديث والأخبار المرفوعة:

- ‌أ) أكثر الحاكم من الاستشهاد بالحديث في الشرح، ومن التدليل به على الأحكام التي يقف عليها في الآية أو النص القرآني:

- ‌ب) اعتمد الحاكم على الحديث في بيان المجملات والأمور الإخبارية وفي تفصيلات الأمور الغيبية

- ‌القاعدة الثالثة: رفض «التفسير الباطني» وأن الإمام طريق معرفة القرآن

- ‌القاعدة الرابعة: إثبات المجاز في القرآن، ومنع الحمل عليه إلا إذا تعذرت الحقيقة

- ‌الفصل الثالث حدوده في التأويل

- ‌أولا: أقسام المعارف

- ‌ثانيا: ميزان التأويل

- ‌ثالثا: التأويل واللغة وأنواع المجاز

- ‌رابعا: من تأويلاته في باب التوحيد والعدل

- ‌1 - في التوحيد وآيات الصفات

- ‌2 - في العدل

- ‌خامسا: منهج الحاكم في التأويل بين اللغة والعقل

- ‌الفصل الرّابع أثر منهجه العقلي وثقافته الكلامية في تفسيره

- ‌أولا: مبدأ اللطف

- ‌ثانيا: النبوة والأنبياء

- ‌ثالثا: الأرزاق والآجال

- ‌رابعا: حول عالم الغيب

- ‌خامسا: تعريفات وأمور فلسفية

- ‌الفصل الأوّل طريقته في كتابه «التهذيب»

- ‌تمهيد: بين المنهج والطريقة

- ‌أولا: القراءة

- ‌ثانيا: اللغة

- ‌ثالثا: الاعراب

- ‌رابعا: النزول

- ‌خامسا: النظم

- ‌سادسا: المعنى

- ‌1) طريقته في إيراد الأقوال ووجوه المعاني:

- ‌2) طريقته في الترجيح بين هذه الأقوال:

- ‌3) من شواهد طريقته في إيراد المعاني والأقوال:

- ‌4) من شواهد طريقته في الترجيح:

- ‌سابعا: الأحكام

- ‌ثامنا: القصة

- ‌تاسعا: الفقه

- ‌الفصل الثاني آراؤه في علوم القرآن

- ‌اولا: نزول القرآن

- ‌ثانيا: نقل القرآن

- ‌ثالثا: فضائل القرآن

- ‌رابعا: النسخ في القرآن

- ‌خامسا: اعجاز القرآن

- ‌1 - مقدمات الاعجاز

- ‌2 - وجه اعجاز القرآن

- ‌الفصل الأوّل مكانة الحاكم

- ‌أولا: منزلة الحاكم العامة

- ‌ثانيا: قيمة كتابه «التهذيب في التفسير»

- ‌الفصل الثاني أثره في المفسّرين

- ‌أولا: أثره في الزمخشري (467 - 538)

- ‌أ) من الشواهد التي نكتفي فيها بالاحالة على ما تقدم:

- ‌ب) من الشواهد الموجزة التي أشرنا إليها في هذه الرسالة:

- ‌ج) شواهد أخرى:

- ‌ثانيا: أثر الحاكم في سائر المفسرين

- ‌مصادر البحث

- ‌أولا: المخطوطات

- ‌ثانيا: الكتب المطبوعة

- ‌ثالثا: الدوريات

- ‌كتب للمؤلف

الفصل: قال الحاكم: «تدل الآيات أن المرء يجب عليه الفرار بدينه،

قال الحاكم: «تدل الآيات أن المرء يجب عليه الفرار بدينه، والتوكل على ربه. وتدل على حسن إعانة الضعفاء.

«ويدل قوله (على استحياء) على عظم موقع الحياء في الدين، وورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله:(الحياء نصف الإيمان)

«ويدل قوله: (ما خطبكما)؟ على إباحة كلام الأجنبيات عند الحاجة والأمن على النفس.

«ويدل قوله (من خير فقير) على تلطف في السؤال.

«وتدل الآيات على أن المجازاة على الإحسان حسن. وتدل على بشارة بالنجاة من الظلمة وأن ذلك نعمة. وتدل على أن الظلم فعل العبد ليصح النجاة بالهرب» .

‌ثامنا: القصة

يورد الحاكم هذه الفقرة- كما قدمنا- حين يكون أمامه روايات صحيحة فيها بعض التفاصيل الزائدة على ما يدل عليه ظاهر الآيات موضوع القصة. ويمكن تلخيص رأيه وطريقته في هذا الموضوع في النقاط التالية:

1) نص الحاكم في بعض هذه الروايات على أنها مرفوعة، وأضاف بعضها الآخر إلى رواتها من الصحابة والتابعين، أو إلى شيوخه الذين يرفعونها إلى هؤلاء. وربما زعم في بعض الروايات أنها محل إجماع الرواة، مثل ما أورده في قصة أصحاب الفيل من الأحداث والوقائع، وما دعا إليها من الأسباب، مع الإفاضة في ذكر الأسماء والأماكن، إلى ما هنالك من الأمور التفصيلية الدقيقة.

2) ولكن هذا لم يمنع الحاكم من تصنيف هذه الروايات، واختيار

ص: 391

أرجزها فيما يبدو، حتى إنه جعل ذلك في عنوان قصة أصحاب الأخدود، فقال بعد أن فرغ من تفسير الآية:«قصة أصحاب الأخدود مختصرة» «1» وأورد فيها بعض الروايات المرفوعة والموقوفة على بعض الصحابة. ويرجّح الباحث أن الحاكم- على أي اعتبار- كان حريصا ألا يبعد في ذكر الروايات عن المدلول الحقيقي للقصة، أو عن محل الاعتبار الذي سيقت القصة من أجله.

3) من الراجح أن الحاكم لم يعقد هذه الفقرة في كتابه إلا لما ترجحت عنده صحته من الروايات، نظرا لقلة هذه الفقرة في جانب القصص القرآنية الكثيرة التي شرحها شرحا وافيا عند الكلام على «المعنى» ، وبين أيضا ما ترشد إليه من الأحكام، ولم ير بعد ذلك ضرورة لإطالة القول في بعض رواياتها في «القصة» .

يرجح ذلك أمران: أحدهما أنه لم يعقب على واحدة من رواياته في «القصة» بالنقد. وثانيهما: أنه ربما أشار في ثنايا كلامه في «المعنى» إلى أنه اهمل- في تفسير الآية- بعض القصص لأنها لا تصح، كما فعل في قصص الأنبياء التي وردت في سورة ص، وكما عقب على بعض الأقوال في تفسير قوله تعالى (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ) «2» قال في تفسير الآية: «

وقيل إنه في إنسان بعينه، كان من الرهبان فأغواه الشيطان بأنه ينجيه من ثلاثة وقع فيها، وقال له اسجد لي سجدة واحدة، ففعل لما احتاج إليه، ثم أسلمه حتى قتل؛ عن ابن عباس وابن مسعود».

(1) التهذيب، ورقة 140/ ظ.

(2)

الآية 16 سورة الحشر، ورقة 92/ ظ.

ص: 392

ثم قال: «وفيه قصه طويلة لا يصح أكثرها، فتركت ذكرها لأن فيها أن الشيطان غيّر الصور وأزال العقل وحمل عليه امرأة تداويه

في كثير من الترهات» إلا أنه لم يمنع من جواز ما روى أن الراهب زنى بامرأة ثم قتلها، وظهر ذلك، فأخذوه وصلبوه. ولكنه رجح في الآية أنها من قبيل ضرب المثل، وأنها تصدق مع الإنسان جنسا، سواء صحت قصة الراهب أم لم تصح.

4) وهذا يسلمنا للحديث عن موقف الحاكم من القصص والأخبار الإسرائيلية التي حشيت بها بعض كتب التفسير، وتسربت إلى بعضها الآخر.

وبالرغم من وضوح موقف الحاكم من هذا الموضوع، كما سنرى، إلا أن هذا الوصف- إسرائيلية- لا بد لتحديد ما ينطوي تحته- كحد علمي أو ظواهر مرجحة- من دراسة مستفيضة للروايات ومصادرها وموضوعاتها، وما يجمعها من صفات أو ميزات، حتى نميز بين الإسرائيليات وبين الروايات التي اخترعها الرواة أو نسبت إليهم.

والذي نلاحظه- انطلاقا من ظواهر أكثر القصص التي تسلك عادة في الإسرائيليات- أن أهم موضوعات هذه القصص ثلاثة: الصفات الإلهية.

الأنبياء. آيات الكون والطبيعة فقد تسرب شيء من قصص بني إسرائيل في التشبيه والتجسيم في تكليم موسى، وفي أخذ الألواح، وفي خلق آدم وقصص أخرى، إلى بعض المفسرين. كما لهج مفسرون آخرون بما رواه اليهود من قصص أنبيائهم وما نسبوه إليهم من المعاصي والأمور المنفرة

ص: 393

القبيحة! واعتمد مفسرون غيرهم على أقاويل اليهود في خلق الكون وتفسير بعض ظواهر الطبيعة. «1»

أ- وموقف الحاكم من الموضوعين الأولين معروف من منهجه الاعتزالي الكلامي، ومما قدمناه من رأيه في تنزيه الأنبياء، فلا حاجة بنا إلى الإطالة في الحديث عنه أو الدلالة عليه.

ب- أما آيات الطبيعة والكون فلم يورد فيها إسرائيلية واحدة، ولم يزد على نقل بعض التفسيرات اللغوية التي قال بها شيوخه أو بعض رجال السلف، وعند ما يثير بعض النقاط التي تحدث فيها هؤلاء؛ فإنه يذهب إلى أن كل شيء لا تشير إليه الآية أو تدل عليه فالتوقف فيه أولى، ولعله يذكر من دلالات هذه الآيات على الصانع وعلى وجوب النظر، أكثر مما يورده في تفسيرها من الأقوال.

قال في تفسير قوله تعالى: (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ، وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ)«2» : «

ثم نبه تعالى على كمال قدرته، فقال سبحانه (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) لإقامة الحق، وعبادة الله، والدلالة على وحدانيته. (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ) أي يلف هذا على ذاك، وذاك على هذا. وقيل يدخل أحدهما في الآخر بالزيادة والنقصان؛ عن الحسن وجماعة. وقيل: يأتي أحدهما خلف الآخر.

(1) راجع حول موضوع الإسرائيليات كتاب مقالات الكوثري للشيخ زاهد الكوثري رحمه الله، ص 32 - 35 وصفحة 313 طبع مصر.

(2)

الآية 5 سورة الزمر، ورقة 9/ و.

ص: 394

(وسخر) أي ذلك يجريه كما يشاء (الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) أي: إلى أجل مسمى، قيل هو قيام الساعة، فإنهما يجريان إلى ذلك الوقت، عن أبي علي وأبي مسلم. وقيل: هو المطلع والمغرب، لكل واحد وقت معلوم في الشتاء والصيف. (أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ): مع قدرته على أخذكم لا يؤاخذكم ويغفر لكم إن تبتم».

وقال في تفسير قوله تعالى. (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ)«1» قال: «قيل سبع أرضين. وقيل هي أطباق لا سكان فيها. وقيل بل فيها سكان مكلفون أو غير مكلفين، فأما السموات فسبع وفي كل واحدة ملائكة» قال: «ومتى قيل: هل في الأرضين والسموات أحد من الخلائق؟ قلنا: لا خلاف أن السموات سبع، وفي كل سماء ملائكة، واختلفوا في الأرضين، قال قتادة: في كل سماء وفي كل أرض خلق من خلقه، وأمر من أوامره، وقضاء من قضائه. وقيل ليس فيها أحد. وقال أبو علي: ليس بين في القرآن آية تدل على أن الأرضين سبع غير هذه. وقال: ليس بين الأرضين خلل وفتوق، وإنما كانت سبعا لأنها من سبعة أجناس! قال الحاكم: «وليس في الآية أن فيها أحدا أم لا، ولا أن بين كل اثنين فرجا أم لا، ولا أنها من أجناس متباينة، فالتوقف فيه أولى» .

ج- ولكن إذا حملنا على «الإسرائيليات» بعض التفاصيل التي يوردها الحاكم في كلامه على «المعنى» في بعض القصص القرآنية- المتصلة ببني إسرائيل خاصة- دون أن يكون في كلامه ما يدل على عدم التفاته إلى هذه

(1) الآية 12 سورة الطلاق، ورقة 14/ ظ.

ص: 395

التفاصيل، أو القول بعدم جدواها، أو ما يدل على قوله برفض هذه الجزئيات التي لا تفهم من ظاهر النص؛ فإن تفسير الحاكم لم يخل من الإسرائيليات على هذا الاعتبار، فقد ختم كلامه- مثلا- في تفسير الآيات التي ذكرت قصة موسى مع قومه لما أمروا بذبح بقرة «1» ، بقوله:«ويقال: بكم اشتريت البقرة؟ قلنا بملء جلدها ذهبا. وقيل: بوزنها عشر مرات، عن السدي! وقيل كانت البقرة لشاب من بني إسرائيل بار بأبويه» «2»

كما أنه في تفسير قوله تعالى: (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها)«3» - في القصة السابقة- عرض لجميع ما قاله كل من مجاهد وعكرمة والسدي والفراء والضحاك وسعيد بن جبير في تفسير البعض!! من أنه الفخذ أو الذنب أو الغضروف أو اللسان أو البضعة التي بين الكتفين

كل ذلك مما لا طائل تحته ولا فائدة فيه.

وكذلك الأمر في «ماهية» ! الهدية التي بعثت بها بلقيس إلى سليمان، و «الكيفية» التي وصل عليها إلى هذه الملكة كتاب سليمان! قال الله تعالى، على لسان سليمان آمرا الهدهد، (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ)«4» ذكر الحاكم في تفسير الآية أنه حمل الرسالة وألقاها إليها، ثم قال: (واختلفوا كيف حملها وكيف ألقاها، قيل بمنقاره وطار حتى وقف على رأس المرأة فألقاها إليها وحولها الملأ، عن

(1) انظر الآيات 67 - 71 من سورة البقرة.

(2)

التهذيب، ورقة 98/ ظ.

(3)

الآية 73 سورة البقرة، انظر التهذيب ورقة 99/ ظ.

(4)

الآية 28 سورة النمل، ورقة 27/ و.

ص: 396

مقاتل، وقيل: كانت تقعد للقضاء إلى انتصاف النهار .. ثم تدخل البيت وتنام فجاء الهدهد ودخل كوة البيت فألقى الكتاب عند رأسها .. وتولى، فانتهبت ورأت الكتاب ففزعت وخافت أن يكون وقع في ملكها شيء، فحملته وخرجت إلى الناس. وقيل أتى بالكتاب إليها وهي على ثلاثة أميال من صنعاء اليمن نائمة في بيتها، فوضع الكتاب على صدرها، عن قتادة! وقيل: كان لها كوة مستقلة للشمس تقع الشمس عند ما تطلع عليها، فإذا نظرت إليها سجدت، فجاء الهدهد إلى الكوة فسدها بجناحه، فارتفعت الشمس ولم تعلم، فقامت تنظر فرمى الكتاب إليها، عن وهب وابن زيد».

وذكر أيضا عدة أقوال في الهدية التى بعثت بها الملكة إلى سليمان، كما ذكر صورة دقيقة «للاحتفال» الذي قدمت فيه هذه الهدية، واصطفّت فيه الشياطين والوحش والسباع والطيور

ولكن من الظلم للحاكم، على كل حال، أن يحكم عليه بأنه حفل بهذه الأخبار، أو حرص على أن لا تفوته في تفسيره القيم. وقد تكون قصة سليمان هذه من أبرز الشواهد على تسرب هذه الروايات إلى تفسيره، وبهذا القدر الذي لم يزد عليه في قصة أخرى.

د- وأخيرا فقد نص في تفسيره على عدم اكتراثه بما يرويه أهل الكتاب أو بما ينقلونه، قال في تفسير قوله تعالى في قصة إبراهيم:(رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ .. ) إلى قوله تعالى (سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ. كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ .. )«1» .

(1) الآيات 100 - 112 سورة الصافات، ورقة 163/ ظ.

ص: 397

قال: إنهم اختلفوا في الذبيح، قيل إسحق؛ عن عمر وعلي وابن مسعود والعباس بن عبد المطلب وكعب الأحبار وقتادة وسعيد بن جبير ومسروق وعكرمة وعطاء ومقاتل والزهري والسدي وأبي علي. وقيل إسماعيل؛ عن ابن عباس وابن عمر ومحمد بن كعب القرطي وسعيد بن المسيب والحسن والشعبي ومجاهد والربيع والكلبي، قال القاضي: وهو الصحيح

».

ثم ذكر أدلة القاضي وما رد به على أدلة شيخه أبي علي، وبعد أن رجح ما ذهب اليه القاضي، قال:

«فإن قالوا: أجمع أهل الكتابين أنه إسحاق وحكوا ذلك عن التوراة! قلنا: ليس إجماعهم حجة، ونقلهم غير مقبول

».

5) ومما يتصل بموضوع القصة وأخبار بني إسرائيل في القرآن الكريم، أن الحاكم لاحظ كثرة ورود قصة موسى عليه السلام في القرآن، وعلل ذلك بمناسبة تفسيره لقوله تعالى:(وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ قَوْمَ فِرْعَوْنَ)«1» من سورة الشعراء، بأن «اليهود كانوا حول المدينة، وكثيرا ما دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم يجادلونه» .

6) أما الأمر الذي يتصل بموضوع القصة في القرآن عموما عند الحاكم، والذي نختم به هذه الفقرة، هو أنه تحدث في غير موضع عن فائدة القصص وتكرارها في القرآن، فقال إن في ذلك وجوها كثيرة: منها ليعلم الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كأحد هؤلاء الأنبياء فيتسلى بذلك في أذى قومه.

ومنها: أن ينذر قومه بعاقبة مثل عاقبة الأمم التي كذبت أنبياءها.

(1) الآيتان 10 - 11، ورقة 3/ و.

ص: 398