الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عرض له الحاكم في قوله تعالى: (فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ وَما لا تُبْصِرُونَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ .. )«1» قال الحاكم:
الرسول الكريم قيل جبريل، عن أبي علي. وقيل محمد صلى الله عليه وسلم، عن الحسن، والكريم: الجامع لخصال الخير، وقيل إنه كريم على ربه.
قال: «ومتى قيل: إذا كان القرآن كلامه تعالى فلم أضافه إلى الرسول؟
قلنا: فيه وجوه: قيل كانوا ينكرون أن يكون كلام رسول الله ويقولون هو سحر! فبين أنه كلام رسوله لانه سمع منه، عن أبي علي. وقيل:
تلاوته وأداؤه. وقيل فيه حذف، أي قول مرسل رسول كريم، كقولهم:(واسأل القرية) أي أهلها».
وذكر الحاكم أيضا نحوا من هذه الوجوه في تفسير قوله تعالى (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) من سورة التكوير «2» .
ثانيا: نقل القرآن
1) تواتر النص القرآني: ويعرف القرآن عند جميع المسلمين بالنقل المتواتر، ولا خلاف أنه ما بين الدفتين، وأنه المختص بهذه السور أوّلها وآخرها، قال الحاكم: وذلك أظهر من أن يمكن الخلاف فيه. ومن هنا اشتدت حملته- في تفسيره وفي مواطن أخرى من كتبه- على من لفق من رواية نفي ابن مسعود المعوذتين، واثبات أبيّ سورتي القنوت، ومن
(1) الآيات 38 - 43 سورة الحاقة، ورقة 112/ ظ.
(2)
الآية 19، التهذيب ورقة 136/ و.
القول بأن القرآن من جمع عثمان رضي الله عنه، بعض المزاعم الباطلة، قال الحاكم: والذين تلقفوا هذه الروايات فريقان: الحشوية، وعوام الإمامية، وهؤلاء جهلة مقلدة راجت عليهم دسائس الملحدة، قال:«وأما العلماء فلا خلاف عندهم في القرآن البتة، وأنه كان مجموعا على هذا الحد في آخر أيام الرسول، يبين صحته ما رواه القوم من فضائل السور. وإنما كان من أبي بكر التشدد في جمعه في المصاحف، وتشدد عثمان في الجمع على هذا المعروف لاختلاف اللغات، وكان ابن مسعود يقول: أنزل المعوذتين للتعوذ وأبيّ يقول في سورتى القنوت إنه منزل ليثبت، والخلاف كان في الإثبات، فكان الخلاف في إثباته في المصحف لا في إنزاله» «1» .
وقد عقد الحاكم في مطلع تفسيره لسورة الأحزاب فصلا نقد فيه هذه الروايات، وفند مزاعم الرافضة، وأبان في ذلك عن علم وبصيرة، ونكتفي هنا بذكر هذا الفصل للوقوف على ردود الحاكم التي تغنى عن الإطالة في تقسيم هذه الفقرة، قال: «وروى جماعة من نقله الحديث عن أبي بن كعب أن سورة الأحزاب تقارب سورة البقرة، وكان فيها: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة. ورووا عن عمر قريبا منه، ورووا عن عائشة أنها- أي السورة- كانت تقرؤ في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم مائتي آية، فلما كتب عثمان رضي الله عنه المصاحف لم يقدر عليها إلا على ما هي الآن! ولما رووا هذا القدر وجدت الرافضة لنفسها مجالا، فرووا في هذه السورة ما يتجاوز هذا الحد، وذكروا أن فيها النص على تكفير عثمان وغيره من الصحابة فحذفوه منها
…
»
(1) شرح عيون المسائل، ورقة 260.
قال الحاكم: «ولا يجوز في مثل هذه الروايات إلا القول بأنها من دسيس الملحدة الذين غرضهم هدم الإسلام وإبطال التمسك بالقرآن، إذ هو الأصل في الإسلام، وإلقاء الشك في قلوب المستضعفين.
«ولو جاز ما قالوا لجاز أن يكون فيها آيات ناسخة لكثير مما نتمسك به من الشرائع،- وهذا يقتضي الشك في الشرع كما اقتضى الشك في القرآن- ولجاز لليهود أن تقول: قد غير القرآن مع كثرة الحفاظ له!
«وكيف يعترض عليه بمثل هذه الأخبار وهي آحاد غير صحيحة.
ولأنه تعالى تولى حفظه قال سبحانه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) فكيف يجوز أن يقال مع هذا إنه غير وبدل وزيد ونقص؟!
«وبعد، فلو رام في زماننا هذا الوجه أحد لأتاه النكير من كل جهة، فكيف يجوز مثل ذلك في زمن الصحابة والإسلام غض، والزمان زمان فضل ودين؟ ولأن تلك الآيات إما أن يحتاج إليها فكان الله يحفظها، وإلا لم يكن مزيحا للعلة، أو لا يحتاج إليها فكان إنزالها عبثا!! ولأن نقل القرآن متواتر، وحفاظه جماعة فلا يجوز عليهم التواطؤ،
فكيف يكتم شيء منه؟! ولو جاز فيه ذلك لجاز في معارضة القرآن شيء آخر مثل ذلك! وفي هذا هدم الإسلام
…
«ومتى قيل: حفاظ القرآن كانوا خمسة، وهم الذين ترجع إليهم الأسانيد. قلنا: غلط، الحفاظ كان في عددهم كثرة، ولكن هؤلاء انتصبوا للقراءة عليهم، كما أن حفاظ القرآن في بلاد الإسلام كثير وإن كان في كل بلد واحد ترجع إليه الأسانيد.
«ومتى قيل: أليس روى أن عثمان جمعه؟ قلنا: معاذ الله! فقد كان
مجموعا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ كما هو عليه، وإنما نقله عثمان إلى المصاحف، وجمع الناس على الظاهر منها- الأحرف- لما رأى اختلاف الناس في القرآن وخاف وقوع الفتنة، وفي الظاهر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ على أبيّ وأبيّ قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذكر الهادي عليه السلام في «الأحكام» أنه وجد مصحف علي عليه السلام عند عجوز من آل الحسن، فكان علي ما في أيدي الناس.
«ومتى قيل: إنما أسقطوه لداع لهم، ولم يكن في غير إمامة علي داع! قلنا: لو أن عثمان أسقطه أليس كان يقرأ؟! على أن الدواعي في الأمور تختلف، فلئن كتموا نص عليّ حسدا؛ جاز أن يكتموا أحكاما وشرائع لدواع آخر! فيقال: نسخ الحج فكتموه لئلا تنقطع الرحلة عنهم!. ويقال: نسخت الصلاة فكتموها، ويقال: نسخت الزكاة فكتموها ليتوصلوا إلى أخذ الأموال!
«وبعد، فإذا لم يعلموا، فكيف قالوا: كتموا ذلك؟ وكل ذلك يدل على سخف قائله، وأنه لا يرجع إلى دين، وأنه يستتر بالإسلام ويعتقد غير الإسلام.
«ومتى قيل: فلو صح حديث أبيّ وعمر، هل له تأويل؟ قلنا: القدر الذي روى عن عمر وأبي أنه كان فيما يتلى (الشيخ والشيخة) هذا يحتمل أنه نسخ تلاوته. فأما من يقول كانت تتلى مائتي آية- سورة الأحزاب-
فكتمها عثمان وكان فيه نص عليّ فكتموه، فلا قول فيه غير أنه من دسائس الملحدة» «1» .
2) السور والآيات: قال الحاكم: «وفي القرآن آيات وسور، فالسور جمع سورة، كغرفة وغرف، وهو بغير همز: المنزل المرتفع، ومنه سور المدينة، ومنهم من يهمزه ويريد به القطعة من القرآن، وسؤر كل شيء: بقيته بعد الأخذ منه. فأما الآية فقيل معناها العلامة، سميت بذلك لدلالتها على أول الكلام وآخره. وقيل: الآية: الجماعة
…
؛
يقال: خرج القوم بآيتهم، أي بجماعتهم». «2»
أ- ويرى الحاكم أن عدد السور منقول إلينا بالتواتر، وأن ترتيبها توقيفي كذلك كما قدمنا، قال في تفسيره لسورة الضحى:«وذكر بعض الجهال أن سورة (والضحى) و (ألم نشرح) واحدة. وهذا باطل لأنا بالطريق الذي علمنا فضل السور، بذلك علمنا أنهما سورتان، ألا ترى أنه فصل بينهما بالتسمية، وتواتر النقل بأنهما سورتان» «3»
وقال أيضا: وقد قال بعضهم إن سورة الفيل وسورة قريش واحدة، وروى أن في مصحف أبيّ لا فصل بينهما. والصحيح أنهما سورتان، وعليه جل الصحابة والتابعين، وبالطريق الذي نعلم تفاضل السور، بذلك نعلم أنهما سورتان. وما روى عن عمر رضي الله عنه أنه قرأهما في ركعة واحدة لا يدل على أنهما سورة واحدة. «4»
(1) التهذيب، ورقة 94 - 95.
(2)
التهذيب المجلد الأول، ورقة 2/ ظ.
(3)
التهذيب، ورقة 150/ و.
(4)
التهذيب، ورقة 156/ و.
ب- أما عدد الآيات في كل سورة ففيه بعض الاختلاف تبعا لاختلافهم في رءوس الآي، فالسورة واحدة بالإجماع ولكن «عد» آيها قد اختلفت فيه الرواية اختلافا طفيفا لا يكاد يذكر، وقد جرى الحاكم على أن يذكر في رأس كل سورة عدد آياتها عند قراء أهل البصرة والكوفة، ومكة والمدينة، ومصر والشام، ولكنه نص في أكثر من موضع على أن أصح الأعداد عدد الكوفة «لأنه عدد أمير المؤمنين» علي عليه السلام، قال في سورة غافر:«قال القاضي: هي مكية فيما نقله المفسرون «1» ، وهي خمس وثمانون آية في الكوفى، واثنان في البصرى، وأربع في المكي والمدني، وست في الشامي. وأصح الأعداد عدد الكوفة لأنها عدد أمير المؤمنين» «2» .
وقال في سورة الطور: «مكية، وهي تسع وأربعون آية في المدني، وثمان في البصرى، وسبع في الكوفى. وقد بينا أن أصح الاعداد: الكوفى؛ لانه عدد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام» . «3»
(1) معظم نقل الحاكم للمكي والمدني عن القاضي عبد الجبار، ولعله أبرز نقوله عنه، ولم نعرض للحديث عن المكي والمدني عند الحاكم في الفقرة الأولى- نزول القرآن- لأنه لم يذكر أي قاعدة خاصة للتفريق بينهما، كما أنه لا توجد هنالك ملاحظات حول موقفه من المكي والمدني جديرة بالتنويه، وإن كان قد ذكر من الفروق الموضوعية بين المكي والمدني أن «أكثر الحجاج في حديث عباد الأصنام في السور المكية لأنه كان يدعو إلى التوحيد والعدل، وهو أهم الأمور، وهم كانوا مشركين، فلما هاجر إلى المدينة وأسلم الناس شرع الشرائع وقرر الأمور» انظر الورقة 108/ ومن تفسيره لسورة تبارك.
(2)
ورقة 17/ ظ.
(3)
ورقة 68/ ظ.