الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال ذلك أيضا في قوله تعالى: (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ)«1» . وقوله: (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ)«2» لأنه يعلم بالوحي لا بالغيب.
ووقف على هذا المعنى أيضا في قوله تعالى (فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً)«3» وقوله (أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ)«4» ، قال في الآية الأولى إنها تدل على إن إبراهيم عليه السلام كان غير عالم بحال الملائكة «فيدل أن الأنبياء لا يعلمون الغيب، فالأئمة أولى خلاف ما تقوله الإمامية» وقال في الآية الثانية إنها تدل على عظم محل العلم، وأن الأنبياء لا يعلمون كل شيء، ولا الغيب، حتى خفي على سليمان علم سبأ. قال:«فإذا لم يجب ذلك في الأنبياء ففي الأئمة أولى» وقد خفي عليه خبرها مع قرب الدار ليعلم أن المحيط بالأشياء إنما هو الله تعالى.
ثالثا: الأرزاق والآجال
وأكثر الأمور دورانا من هاتين المسألتين- اللتين لا تعدان من أمهات المسائل- في تفسير الحاكم، شيئان: أولهما إثبات أن الحرام لا يكون رزقا. والثاني إبطال القول بالأجلين الذي ذهب إليه معتزلة بغداد. وقد
(1) الآية 26 سورة الجن، ورقة 118/ ظ.
(2)
الآيات 67 - 70 سورة ص، ورقة 68/ و.
(3)
الآية 28 سورة الذاريات، ورقة 67/ ظ.
(4)
الآية 22 سورة النمل، ورقة 26/ ظ.
حملنا تأكيده الدائب عليهما على إجمال القول في موضوع الارزاق والآجال.
1) عرّف الحاكم الرزق بأنه «ما له أن ينتفع به وليس لأحد منعه» «1» ونسب إلى الحشوية- كما يسميهم- القول بأن كل ما أكله فهو رزق له حلالا كان أو حراما. قال: والاصل في هذا أن الرزق لا بدّ أن يكون مضافا أو في حكم المضاف؛ فإذا أضيف إلى جملة العباد فالمراد أن لهم أن ينتفعوا به من غير تخصيص. وأما إذا أضيف إلى معين- فيقال رزق له- فهو أن يختص به حتى لا يصح للغير أن ينتفع به إلا بإذنه، وله هو أن ينتفع به وليس لاحد منعه، فما هذا حاله وصف بأنه رزق له: قال الله تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ)«2» قال الحاكم: تدل الآية على أن الله تعالى الرزاق لجميع الحيوانات. «ولا شبهة أن الارزاق كلها من جهة الله تعالى لأنها أجسام وأعراض لا يقدر عليها غيره. وما دام يبقى على أصل الإباحة فهو رزق للجميع، فإذا اختص به بعضهم وملكه كان رزقا له» .
ولهذا فإن الحرام لا يعد رزقا لانه يعاقب على التصرف فيه، ولانه تعالى مدح الإنفاق في الرزق! قال تعالى:(وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ .. )«3» قال الحاكم: تدل الآية أن الرزق لا يكون حراما لان الإنفاق من الحرام محظور.
وقال تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ)«4»
(1) شرح العيون، ورقة 222.
(2)
الآية 60 سورة العنكبوت، ورقة 68/ ظ.
(3)
الآية 10 سورة المنافقون، ورقة 101/ ظ.
(4)
الآية 38 سورة الشورى، ورقة 35/ و.
وقال: (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ)«1» ، والآيات التي تحث على الإنفاق من الرزق كثيرة، وقد قال الحاكم في جميعها إنها تدل على أن الحرام لا يكون رزقا.
2) وقال الحاكم في قوله تعالى: (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها)«2» إنه يدل على أن الأجل واحد لا يتقدم ولا يتأخر. ثم عرّف الأجل بقوله: «وهو ما علم الله تعالى أن المرء يموت فيه أو يقتل» .
وعن بعض البغدادية أن الاجل أجلان: مقدور ومسمّى. فالمقدور: الذي يقتل أو يموت فيه، والمسمى الذي لو لم يقتل لبقي إلى ذلك الوقت.
قال الحاكم: والاصل فيه أن أجل الشيء وقته، والوقت هو الحادث الذي تعلق حدوث غيره به. فإذا ثبت أن الأجل هو الوقت، فكل وقت نزل به الموت فهو أجل موته، ولا شبهة أنه ينزل به مرة واحدة، فاستحال أن يقال أجلان. ولا تعلق للبغدادية بقوله تعالى ( .. يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)«3» «لانه تعالى إذا علم أنهم إذا آمنوا أبقاهم إلى مدة كذا، وإذا لم يؤمنوا أهلكهم، علم مع ذلك أنهم يؤمنون أو لا يؤمنون، فعلى المعلوم منهم يضرب مدة آجالهم فلا يكون الاجل إلا واحدا. وتسميته لذلك الوقت أجلا توسع ومجاز» .
وقال في المقتول إنه لو لم يقتل كان يجوز أن يعيش ويجوز أن
(1) الآية 16 سورة السجدة، ورقة 93/ و.
(2)
الآية 11 سورة المنافقون، ورقة 101/ ظ.
(3)
الآية 4 سورة نوح، ورقة 115/ و.
يموت «فأما بعد أن قتل فنقطع أن أجله وقت قتله لما علم الله تعالى من ذلك» يدل عليه أنه غير ممتنع أن يكون الصلاح في زيد لو لم يقتله القاتل أن يعيش إلى وقت مسمى، كما لا يمتنع أن يكون الصلاح إماتته في تلك الحال، وإذا لم يكن دلالة على ذلك وجب تجويز كلا الأمرين.
ولأنه تعالى قادر على خلق الموت والحياة في تلك الحالة لو لم يقتل فلا معنى لإنكار أحدهما- كما فعلت البغدادية بإنكار الموت، والمجبرة بإنكار الحياة- ولا يقال إذا علم أنه يقتل في تلك الحالة فكيف يجوز خلافه! لأنه تعالى يقدر على خلافه، ولكن لا يكون خلافه لان العلم بالشيء يتعلق على ما هو به، وإنما يعلم بعد القتل أنه تعالى علم قتله في هذه الحالة، قال تعالى:(وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا، وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ)«1» قال الحاكم: تدل الآية على الترغيب في الجهاد وأنه لا يصرف عنه خوف الموت؛ لأنه نازل في حينه وإن لم يكن جهاد كما ينزل في الجهاد. وتدل على أن لكل واحد أجلا معلوما لا يتقدم ولا يتأخر. وتدل على أن هذه الآجال مكتوبة لتعتبر بها الملائكة ولطفا لنا. وتدل على أن المقتول مات بأجله.
قال: «ومتى قيل: لو لم يقتل فكيف تكون حاله؟ فجوابنا: كان يجوز أن يموت ويعيش، لانه تعالى قادر عليهما، إلا أنه إذا قتل قطعنا أنه أجله، وأنه كان لا يجوز غيره لانه كان المعلوم» قال: وتدل الآية على أن من أراد بالعبادة نصيب الدنيا لا حظ له في الآخرة. وتدل
(1) الآية 145 سورة آل عمران، ورقة 82.