الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السابق، فالطريقة هنا لا تعدو أن تكون خطة بحث، أو خطة بحث تتناول بالدرجة الأولى معلومات شكلية وتنظيمية دقيقة، إلى جانب بعض المعلومات في أهم فقرات علوم القرآن عند الحاكم. وهذه لا صلة لها بالمنهج، أو لا صلة لها بمنهج الحاكم الكلامي الذي وجدناه يحكم تفسيره وتنعكس آثاره- أولا- على كلامه على «المعنى» و «الأحكام» وهما الفقرتان اللتان سنقف أمامهما هنا من ناحية «الطريقة» أو من وجهة شكلية بحتة. وبالرغم من أن بعض الفقرات الأخرى لا يصعب على الباحث التماس ما يؤيدها من منهج الحاكم- بمفهومه العام لا بقواعده التي تحدثنا عنها آنفا- فإننا نرجو أن نخرج في هذا الباب من أبواب الرسالة عن كل لون من ألوان التكرار!
أولا: القراءة
1 -
قال ابن الجزري في حد القراءة الصحيحة: «كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا، وصح سندها، فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها ولا يحل إنكارها، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، ووجب على الناس قبولها ..
ومتى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة أطلق عليها: ضعيفة أو شاذة أو باطلة، سواء كانت عن الأئمة السبعة أم عمن هو أكبر منهم» «1»
وقال أبو عمرو الداني في بيان الركن الأول: «وأئمة القراء لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية،
(1) النشر في القراءات العشر 1/ 9.
بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل، والرواية إذا ثبتت عنهم لم يردها قياس عربية ولا فشوّ لغة، لان القراءة سنة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها» «1»
2 -
وذهب المعتزلة إلى اشتراط التواتر في القراءة، مع تسليمهم بعدم الالتزام بالافشى في اللغة، فإذا ثبت في الآية الواحدة عدة قراءات، جميعها مستفيضة قبلوها جميعا، في حين رفضوا جميع القراءات الشاذة وروايات الآحاد، وقالوا إن القرآن لا يثبت بمثلها، قال القاضي عبد الجبار:«على أن القراءات المختلفة معلومة عندنا باضطرار، ولذلك نستجهل من يرويها من جهة الآحاد» «2»
3 -
وذهب الزيدية إلى اعتماد قراءة أهل المدينة وهي قراءة نافع، قال يحيى بن حميد:«ومعتمد أئمتنا قراءة أهل المدينة، وهي قراءة نافع والهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم، وقراءة ولده المرتضى محمد، اللذان أظهراها في بلاد الزيدية باليمن» «3»
4 -
أما صاحبنا الحاكم فلم يشر في كتابه إلى اعتماده قراءة واحد بعينه، وإنما صرح بقبول كل قراءة متواترة، على ما ذكره شيخه القاضي عبد الجبار، قال في مقدمة كتابه التهذيب: «وإنما تجوز القراءة بالمستفيض المتواتر دون الشاد والنادر. وكما لا يجوز إثبات القرآن إلا بنقل مستفيض كذلك القراءة! وما تواتر نقله فلا يجوز رد شىء منها لان كلها منزلة
(1) المصدر السابق، ص 10 - 11.
(2)
المغني 16/ 162.
(3)
نزهة الأنظار، ورقة 24/ ظ.
ثابتة» «1» وهذا هو ما جرى عليه في كتابه وتشدد فيه.
أ) قال في قوله تعالى: (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا)«2» .
القراءة الظاهرة: (لقوا) بغير ألف، وعن بعضهم: لاقوا، قال:«ولا يجوز أن يقرأ به وإن جاز ذلك في العربية؛ لان القراءة سنة متبعة لا تثبت إلا بالنقل المستفيض»
وقال في الصفحات الاولى من كتابه أيضا في تفسير الفاتحة- قوله تعالى (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) - «قرأ أبو عاصم والكسائي ويعقوب «مالك» بالالف. وهي قراءة الخلفاء الاربعة وجماعة من الصحابة والتابعين وقرأ الباقون بغير ألف». ثم قال: «وكلاهما مرويان عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتان مشهورتان» وبين بعد ذلك اختلافهم في أي القراءتين أمدح، ولم يصرح مع ذلك بترجيح واحدة على الاخرى- على عادته- وإنما ختم هذه الفقرة برد بعض القراءات الأخرى في الآية، قال: «فأما ما روى في (مالك) من القراءات الشاذة، نحو: ملك بجزم اللام.
ومالك، بنصب الكاف على النداء ورفعها، وإن كان جائزا في العربية فلا يجوز القراءة به لما بيناه» «3»
ب) فإذا كانت القراءة غير مستفيضة، ومخالفة مع ذلك للعربية،
(1) التهذيب المجلد الأول، ورقة 1/ و.
(2)
الآية 76 سورة البقرة، ورقة 102 - 103.
(3)
ورقة 7/ و. وذكر في قوله تعالى (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) إنها في حرف ابن مسعود مرة واحدة غير متكررة! قال: «وهذا لا يصح الاعتماد عليه لأنه من الآحاد» ورقة 149/ ظ.
فإنه يعنف في ردها، وإنكار أن تكون مضافة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال في قوله تعالى:(مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ)«1» إن القراءة المجمع عليها: «رفرف» قال: وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ:
رفارف، على الجمع، وعباقرى بالألف ثم قال:«ولا يصح هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تجوز القراءة به، والقرآن لا يثبت إلا بالنقل المستفيض، وقد ذكر أهل العربية أن من قرأ «عباقرى» فقد غلط
…
» «2»
ج) وربما التمس لبعض القراءات المفردة أو الشاذة بعض وجوه التأويل، كأن يحملها على أنها تفسير، أو أن من قرأ بها إنما قصد إلى بيان جوازها في المعنى لا أنها قراءة، ونحو ذلك. ويبدو أنه إنما يذكر هذه القراءات- أصلا- لمثل هذا التوجيه، أو لبيان شذوذها وأنها مما يجب أن يرفض، قال في قوله تعالى:(وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ)«3» : إنه روى عن زيد بن علي عليهما السلام: يضرهم، بضم الياء وكسر الضاد، قال: «ويحمل على أنه بيّن أنه لو قرئ به لكان
صحيحا لا أنه قراءة»
وذكر في قوله تعالى: (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ)«4» أن قراءة العامة «طلح» بالطاء. قال:
«وعن علي: طلع، بالعين، رواه عنه ابنه الحسن عليهما السلام. وعن قيس
(1) الآية 76 سورة الرحمن، ورقة 81/ و.
(2)
راجع الطبري 27/ 165 والقرطبي 17/ 193.
(3)
من الآية 102 سورة البقرة، ورقة 31/ و.
(4)
الآيات 27 - 29 سورة الواقعة، ورقة 82/ و.