الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذي القعدة سنة 459 وكتب على بابها أنها لأصحاب الأشعري «1» .
وبالرغم من هذا النجاح الذي تحقق للأشاعرة على يد نظام الملك «2» إلا أن اعتراف الخليفة- رسميا- بالمذهب الأشعري على أنه مذهب أهل السنة لم يكن إلا في عام 516 حين حضر الخليفة المسترشد بالله درسا بالنظامية ببغداد، وأضحى منذ ذلك اليوم مذهب الأشاعرة هو مذهب أهل السنة والجماعة «3» وإن كان اتفق له أيضا أسباب أخرى ساعدته على ذلك، كما ساعدته على التوسع وسعة الانتشار «4» .
3 - الصوفية
: أما الصوفية فقد كثر أتباعهم واعترى حالتهم بعض السوء عن القرن الماضي، مما دعا واحدا من أعلامهم المشهورين في هذا القرن هو أبو القاسم القشيري المتوفى سنة 465 إلى أن يكتب رسالته المشهورة سنة 437 إلى «جماعة الصوفية ببلاد الاسلام» يذكرهم فيها بسير شيوخ هذه الطريقة في أخلاقهم ومعاملاتهم وعقائدهم، لتكون عونا لهم على صلاح أمرهم بعد أن انقرض «أكثر شيوخ الصوفية المحققين وفسد حال كثير
(1) راجع ابن كثير 12/ 96 وتاريخ الإسلام للذهبي- مخطوطة دار الكتب، وقد قدم الغزالي من أصبهان إلى بغداد للتدريس في النظامية سنة 483 انظر ابن كثير 12/ 137.
(2)
مات رحمه الله سنة 485 مقتولا على يد «صبي من الباطنية» كما يقول ابن الأثير 8/ 161 وكما يحمل هذا الاغتيال طابع العصر، فإنه يحمل كذلك الدليل على نجاح نظام الملك في حربه المركزة ضد أصحاب الأهواء.
(3)
لم يكن من هم نظام الملك رحمه الله الاستعانة بالخليفة والشهادات الرسمية في سبيل نصرة المذهب الأشعري، ولكن جهوده الحقيقية في ذلك أنت أكلها في حياته وبعد موته.
(4)
راجع الخطط للمقريزي 2/ 358.
من الباقين» كما يقول «1» .
ويبدو أن عناية الصوفية بالمظاهر قد زادت في هذا القرن، يحدّثنا المقدسي عن مجالسهم في القرن الماضي وما كان يجري فيها من الغناء بقوله:
«فكرة أزعق معهم، وتارة أقرأ لهم القصائد» «2» أما في هذا القرن فقد حفلت مجالسهم بالرقص حتى إن الهجويري «3» يقول إنه لقي طائفة من العوام يظنون أن مذهب التصوف ليس إلا الرقص «4» ولم يحملهم على هذا الاعتقاد- فيما يظهر- إلا كثرة ما يشاهدونه من شيوع هذه الطريقة لدى الصوفية.
وزاد الصوفية أيضا في هذا القرن طبقات أوليائهم و «نظموها» على طريقة تقرب من الطرائق الكهنوتية- وكل هذا دخيل على التصوف الإسلامي الصحيح «5» - ففي القرن الرابع يذكر المؤرخون من طبقات الصوفية طبقة الأبدال «6» أما في القرن الخامس فيذكر الهجويري لهم
(1) انظر مقدمة الرسالة القشيرية، صفحة 2 - 3.
(2)
أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، صفحة 415 وكان قد لقيهم بمدينة السوس باقليم خوزستان.
(3)
من علماء الصوفية وأعلامهم في القرن الخامس، ورسالته «كشف المحجوب» وضعها في إصلاحهم كما فعل القشيري، وهي باللغة الفارسية، والنقول عنها هنا من كتاب الحضارة الإسلامية للأستاذ آدم متز.
(4)
كشف المحجوب صفحة 416 (آدم متز 2/ 19).
(5)
لعل ذلك أثر من أثار رسوخ عقيدة الجبر عند هؤلاء!
(6)
جمع بديل، ويقال إن عددهم سبعون: أربعون منهم في الشام، وثلاثون في سائر البلاد. انظر تفصيل القول في هذه الطبقة والخلاف في عددها: كتاب كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي 1/ 210 - 213.
طبقات أخرى من الأولياء، فهناك ثلاثمائة يسمون الأخيار، وأربعون يسمون الأبدال، وسبعة يسمون الأبرار، وأربعة يسمون الأوتاد- وهم يطوفون العالم بجملته في كل ليلة- وثلاثة نقباء، وأخيرا يوجد القطب أو الغوث! قال:«والأولياء هم ولاة العالم، والحل والعقد منوط بهم، وتدبير العالم موصول بهمتهم» «1» ويبدو أن زيادة تعلقهم بالأولياء في هذا القرن زادت من عدد المتعصبين للحلاج والمنتظرين لخروجه كذلك- بعد أن تطاول العهد على قتله الشنيعة سنة 309 - يقول الهجويري إنه رأى بالعراق أربعة آلاف يسمون أنفسهم الحلّاجية «2» وكان في عصر أبي العلاء المعري (ت 449) قوم في بغداد ينتظرون خروج الحلاج، ويقفون بحيث صلب على دجلة يتوقعون ظهوره!
ونستطيع أن ندرك مدى تأثر الصوفية بالحركات الباطنية التي انتشرت في هذا القرن من رد الهجويري على دعواهم- أو دعوى بعضهم- في هذا القرن بسقوط الشريعة إذا كشفت الحقيقة، بقوله:«هذه مقالة الزنادقة من القرامطة والشيعة ومن وسوسا إليهم من الأتباع» «3» .
(1) كشف المحجوب صفحة 214 (آدم متز 2/ 21).
(2)
الكشف صفحة 60 (متز 2/ 43).
(3)
آدم متز 2/ 22، واذا فرقنا بين التصوف السني الصحيح- تصوف الحسن البصري- وهذا التصوف الباطني؛ أدركنا مدى ما جنته الفرق التي تحدث عنها الهجويري في إطلاق الحكم على الصوفية.