الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيكون ذلك طريقا لسكوت اللغو وإقبالهم على سماع القرآن «1» .
القاعدة الثانية: لا يختص بتفسير القرآن الرسول أو السلف
قال الحاكم: قال أصحابنا: لا يختص الرسول بمعرفة معاني القرآن، بل غيره يمكنه ذلك خلافا لبعضهم. ثم قال: «لنا في ذلك وجوه:
منها: أن الكلام هو الدال على المراد إذا تكاملت شرائطه، فمن عرف المواضعات يمكنه أن يعرف المراد، كمن له عقل يمكنه أن يستدل بالعقليات. ولأن الرسول لا بدّ أن يبين المراد بكلام، فإذا صح أن يعرف المراد بكلامه فكلام الله تعالى كذلك. ولأن الأمة أجمعت على الرجوع إلى القرآن في الأحكام ولو كان كما قالوا لما حسن. ولأنه تعالى قال:
(أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ) ووصفه بأنه بيان» «2» .
والوجه الأول هو الذي ذكره القاضي عبد الجبار- وهو أول المقصودين عند حديث الحاكم عن أصحابه- وبناه على أن الكلام نفسه هو الدال على المراد به إذا تكاملت شرائطه من المواضعة واعتبار حال المتكلم، قال القاضي: «فإذا كان غير الرسول قد عرفه على شرائطه، فيجب أن يمكنه أن يستدل بذلك على مراده تعالى كما يمكنه صلى الله عليه، وإلّا لزم من ذلك أن يصح اختصاصه- صلى الله عليه- بأن يستدل
(1) راجع التهذيب في مطلع سورة البقرة وفي مطلع سورة الشعراء (طسم) ورقة 2/ وو مطلع الشورى (حم عسق) ورقة 29/ ظ.
(2)
شرح العيون ورقة 264.
بالعقليات دون سائر المكلفين!» «1» .
وهذا الوجه هو الذي يوجب كذلك أن يكون حكم أهل سائر الأعصار كحكم الصحابة والتابعين، إذا عرفوا اللغة ووجه دلالة الكلام، وأن لا يكون لابن عباس ومجاهد والحسن وغيرهم مزية الاختصاص في صحة الاستدلال، وفي جواز تفسير القرآن وتأويله، وقد يكون لهم مزية أخرى بالطبع، قال القاضي:«وإنما يتقدم البعض على البعض من حيث يتقدم في معرفة اللغة ويبرّز فيها، فيكون بهذه الطريقة أعرف. وهذا إنما يتفاوت حال العلماء فيه إذا كان الكلام في المتشابه وما يلتبس، فأما مثل قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما)، و (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) وقوله: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) وقوله: (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) فلا يجوز أن تتفاوت أحوال أهل اللغة والعلماء بها في معرفته «2» !».
وما روي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: «أي أرض تقلني وأيّ سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله برأيي» ، لا ينقض ذلك بل يدل عليه، لأنه نبه بذلك على أن الواجب أن يقال في كتاب الله بما يدل ظاهره عليه ولا يرجع فيه إلى الرأي؛ لأن هذه اللفظة- الرأي- إذا أطلقت فالمراد بها ما يرجع إلى الاجتهاد وغالب الظن، فإن صح الخبر فهذا مراده؛ لأنه قد ثبت أنه استدل بالقرآن في أشياء كثيرة، وإلا فإن ذلك ينقض القول بأن لأهل التفسير من السلف أن يفسروا القرآن،
(1) المغني 16/ 361.
(2)
المصدر السابق.