المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌حوار مجلة الفرقان مع الدكتور عدنان زرزور

- ‌(نحو جيل قرآني)

- ‌(أسباب النزول)

- ‌(قضية الإعجاز العلمي)

- ‌(التفسير الموضوعي)

- ‌(بين سيد قطب والشعراوي)

- ‌(الحرب ضد القرآن)

- ‌بين يدي الكتاب

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌ 3

- ‌ 4

- ‌ 5

- ‌ 6

- ‌ 7

- ‌ 8

- ‌مقدّمة

- ‌وبعد:

- ‌أولا: الحالة السياسيّة

- ‌1 - البويهيون

- ‌2 - الغزنويون

- ‌3 - السلاجقة

- ‌4 - الفاطميون

- ‌5 - الباطنية

- ‌6 - الزيدية

- ‌6 - ملوك الطوائف في الأندلس

- ‌7 - الحروب الصليبية

- ‌ثانيا: الحالة الدينية

- ‌1 - المعتزلة

- ‌2 - الأشاعرة

- ‌3 - الصوفية

- ‌ثالثا: أثر الحالة السّياسيّة والدينيّة في الحياة العامة

- ‌1 - الفتن السياسية

- ‌2 - فتن أرباب العقائد

- ‌3 - منازعات الفقهاء

- ‌رابعا: حركة التأليف في التفسير وعلم الكلام

- ‌1 - التفسير

- ‌أما أهم التفاسير المطولة التي وصلتنا فهي:

- ‌2 - علم الكلام

- ‌[اهم مصنفات المعتزلة في علم الكلام]

- ‌الفصل الأوّل حياة الحاكم

- ‌اولا: اسمه ونسبته

- ‌ثانيا: ولادته ونشأته:

- ‌ثالثا: وفاته

- ‌رابعا: شيوخه:

- ‌خامسا: تلامذته:

- ‌سادسا: عقيدته ومذهبه

- ‌رأي الزيدية في الإمامة

- ‌الفصل الثاني آثاره

- ‌اولا: في تفسير القرآن

- ‌1) التهذيب في التفسير

- ‌2) تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبيين

- ‌3) التفسير المبسوط

- ‌4) التفسير الموجز

- ‌1 - و (التهذيب)

- ‌2 - تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبيين:

- ‌ثانيا: في علم الكلام

- ‌1 - التأثير والمؤثر:

- ‌2 - شرح عيون المسائل

- ‌ثالثا: في الحديث

- ‌رابعا: في التاريخ

- ‌خامسا: في الفقه

- ‌سادسا: في العلوم الأخرى

- ‌سابعا: تعقيب عام حول ما وصل الينا من كتب الحاكم رحمه الله

- ‌الفصل الأوّل تفاسير المعتزلة قبل الحاكم

- ‌حول هذه التفاسير الخمسة:

- ‌الفصل الثاني مصادر الحاكم في التفسير

- ‌أولا: الحاكم وتفاسير المتقدمين

- ‌ثانيا: مصادره السلفية

- ‌1 - عمده من هذه المصادر:

- ‌2 - أمثلة وشواهد:

- ‌ثالثا: مصادره الاعتزالية

- ‌1) بين هذه التفاسير والتفاسير السابقة:

- ‌2 - عمده الرئيسية من هذه التفاسير، وموقفه من تفسير القاضي:

- ‌رابعا: نقوله العامة أو المبهمة

- ‌خامسا: حول طريقته في الافادة من المصادر

- ‌الفصل الأوّل قاعدة الحاكم الفكريّة ومحوره في تفسيره

- ‌أولا: قاعدته الفكرية العامة

- ‌خلق القرآن:

- ‌المنهج وهذه الأصول

- ‌ثانيا: محوره في تفسيره

- ‌1 - اكتساب المعارف

- ‌2 - الرد على المجبرة

- ‌الفصل الثاني قواعده الأساسيّة في التفسير

- ‌تمهيد: بين التفسير والتأويل

- ‌أولا: الأصل الجامع لقواعده في التفسير

- ‌ثانيا: قواعده الأساسيّة في التفسير

- ‌القاعدة الأولى: ليس في القرآن ما لا معنى له، أو ما لا يفهم معناه

- ‌فروع هذه القاعدة

- ‌القاعدة الثانية: لا يختص بتفسير القرآن الرسول أو السلف

- ‌1 - موقفه من تفسير السلف

- ‌2 - موقفه من الأحاديث والأخبار المرفوعة:

- ‌أ) أكثر الحاكم من الاستشهاد بالحديث في الشرح، ومن التدليل به على الأحكام التي يقف عليها في الآية أو النص القرآني:

- ‌ب) اعتمد الحاكم على الحديث في بيان المجملات والأمور الإخبارية وفي تفصيلات الأمور الغيبية

- ‌القاعدة الثالثة: رفض «التفسير الباطني» وأن الإمام طريق معرفة القرآن

- ‌القاعدة الرابعة: إثبات المجاز في القرآن، ومنع الحمل عليه إلا إذا تعذرت الحقيقة

- ‌الفصل الثالث حدوده في التأويل

- ‌أولا: أقسام المعارف

- ‌ثانيا: ميزان التأويل

- ‌ثالثا: التأويل واللغة وأنواع المجاز

- ‌رابعا: من تأويلاته في باب التوحيد والعدل

- ‌1 - في التوحيد وآيات الصفات

- ‌2 - في العدل

- ‌خامسا: منهج الحاكم في التأويل بين اللغة والعقل

- ‌الفصل الرّابع أثر منهجه العقلي وثقافته الكلامية في تفسيره

- ‌أولا: مبدأ اللطف

- ‌ثانيا: النبوة والأنبياء

- ‌ثالثا: الأرزاق والآجال

- ‌رابعا: حول عالم الغيب

- ‌خامسا: تعريفات وأمور فلسفية

- ‌الفصل الأوّل طريقته في كتابه «التهذيب»

- ‌تمهيد: بين المنهج والطريقة

- ‌أولا: القراءة

- ‌ثانيا: اللغة

- ‌ثالثا: الاعراب

- ‌رابعا: النزول

- ‌خامسا: النظم

- ‌سادسا: المعنى

- ‌1) طريقته في إيراد الأقوال ووجوه المعاني:

- ‌2) طريقته في الترجيح بين هذه الأقوال:

- ‌3) من شواهد طريقته في إيراد المعاني والأقوال:

- ‌4) من شواهد طريقته في الترجيح:

- ‌سابعا: الأحكام

- ‌ثامنا: القصة

- ‌تاسعا: الفقه

- ‌الفصل الثاني آراؤه في علوم القرآن

- ‌اولا: نزول القرآن

- ‌ثانيا: نقل القرآن

- ‌ثالثا: فضائل القرآن

- ‌رابعا: النسخ في القرآن

- ‌خامسا: اعجاز القرآن

- ‌1 - مقدمات الاعجاز

- ‌2 - وجه اعجاز القرآن

- ‌الفصل الأوّل مكانة الحاكم

- ‌أولا: منزلة الحاكم العامة

- ‌ثانيا: قيمة كتابه «التهذيب في التفسير»

- ‌الفصل الثاني أثره في المفسّرين

- ‌أولا: أثره في الزمخشري (467 - 538)

- ‌أ) من الشواهد التي نكتفي فيها بالاحالة على ما تقدم:

- ‌ب) من الشواهد الموجزة التي أشرنا إليها في هذه الرسالة:

- ‌ج) شواهد أخرى:

- ‌ثانيا: أثر الحاكم في سائر المفسرين

- ‌مصادر البحث

- ‌أولا: المخطوطات

- ‌ثانيا: الكتب المطبوعة

- ‌ثالثا: الدوريات

- ‌كتب للمؤلف

الفصل: ‌أولا: مبدأ اللطف

‌الفصل الرّابع أثر منهجه العقلي وثقافته الكلامية في تفسيره

ولقد ترك هذا المنهج الكلامي العقلي أثره البارز في تفسير الحاكم، لا من حيث العناية الخاصة بآيات العدل والتوحيد- دلالة وتأويلا- فحسب، بل من حيث العناية بكثير من المصطلحات الفلسفية والتعريفات الكلامية، إلى جانب التركيز على بعض المبادئ الهامة التي يركن إليها في التأويل، ويستشرف دائبا إلى تلمس الدلائل عليها من آي الكتاب، ويعنينا هنا أن نتبين آراء الحاكم في مسائل الغيب وفي بعض الأمور والمسائل الأخرى مما انشعبت حوله كلمة المعتزلة وتباينت تفاسيرهم، لنتبين مدى استقلال الحاكم في الرأي، على نحو ما رأينا عند الكلام على موقفه من تفسير السلف، ومن مسألة الأخذ بالظاهر، وما رده- في جميع ذلك- من آراء بعض مفسري المعتزلة قبله. وقد رأينا أن نعرض باختصار لأهم آثار هذا المنهج من خلال النقاط التالية: اللطف، النبوة والأنبياء، عالم الغيب، الأرزاق والآجال، تعريفات وأمور فلسفية.

‌أولا: مبدأ اللطف

عرّف الحاكم اللطف بأنه «ما يختار عنده المكلف ما كلّف من أخذ

ص: 308

أو ترك، ولولاه لكان لا يختار، أو ما يكون أقرب إلى هذا الاختيار».

قال الحاكم: «فكأنه إذا كلّف فلا بد من أمرين: أحدهما ما يتمكن به من الفعل، والثاني: ما عنده يختار أو يقوى اختياره، فسمينا الأول «تمكينا» وهو الذي لا بد منه في فعل ما كلف، نحو القدرة والآلات، وسمينا الثاني «لطفا» لأن الفعل يصح على الوجه الذي كلف، دونه، لكنه إذا كان وحصل يصير حاله في دواعيه بخلاف ما لو لم يكن، أو كان ذلك خلقا لله تعالى، والقدرة الحاصلة قدرة على شيء واحد، وهي موجبة له، فالفعل موقوف على الخلق والقدرة، ولا معنى للطف ولا اختيار للعبد» «1» .

ومن هنا جاء استدلاله بكثير من الآيات على هذا المبدأ في وجه المخالفين فيه من المعتزلة- الذين يسميهم أصحاب اللطف «2» - دون خصومه من المجبرة الذين لم يعرض لهم هنا في محل واحد، إذ لا معنى لمكالمتهم في اللطف وعندهم أن الفعل خلق لله تعالى ولا اختيار للعبد!

(1) شرح العيون، ورقة 238.

(2)

ذهب هؤلاء- وعلى رأسهم بشر بن المعتمر- إلى إنكار هذا المبدأ لأنه تعالى قد مكن العبد من الإيمان وأزاح علله، قالوا: ولا يلزمه تعالى أكثر من ذلك!! ولأنه لا منزلة يبلغها العبد في اللطف إلا

ويقدر تعالى على أبلغ منها، وإذن لوجب ألا يقع من واحد معصية. وقالوا: لا كافر إلا وله لطف لو فعله لآمن!

وقد سموا أصحاب اللطف لقولهم هذا في الكافر! راجع شرح العيون ورقة 238.

ص: 309

قال في قوله تعالى: (وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ. وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ. وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ)«1» إن الآيات تدل على أن الدنيا لا تنال بالاستحقاق، وإنما هي قسمة على حسب الصلاح. وتدل على اللطف لأنه تعالى بين أنه قصد بما قسم الإصلاح. وتدل على أنه لا يفعل المفسدة وما يدعو إلى الكفر.

قال الحاكم: «ومتى قيل: إذا قلتم إنه لا يفعل ما عنده يكفر لأنه مفسدة! أو ليس قد أعطى القدرة والآلة التي عندها يكفرون؟ قلنا: ذلك تمكين به يتمكن من الإيمان أيضا وليس بمفسدة.

«ومتى قيل: فهلا فعل اللطف ليؤمنوا؟ قلنا: لأنه لا لطف لهم.

ومتى قيل: أليس هو تعالى قادر على كل شيء فكيف لا يلطف؟ قلنا بلى، ولكن هذا الكافر لا لطف له، ولو كان له لطف في المعلوم لفعل.

«ومتى قيل: أليس أصحاب اللطف يزعمون ذلك؟ قلنا: بينا بطلان قولهم إنه لو كان لطفا لهم «2» ولم يفعله لقبح منه، ولكان نقضا للغرض، ولكان بمنزلة منع التمكين والآلات!!».

وقال في قوله تعالى:

(1) الآيات 33 - 35 من سورة الزخرف، ورقة 39/ و.

(2)

أي: لو كان لهم لطف.

ص: 310

(اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ)«1» «إنه يدل على قولنا في اللطف لأنه بين أنه يفعل بكل واحد ما هو أصلح» .

1 -

ويرى الحاكم في الآيات الدالة على الحساب وأن أعمال الإنسان مكتوبة عليه، وفي الآيات الدالة على الوعد والوعيد: أنه تعالى إنما ذكرها لطفا للمكلف حتى يحمله على الطاعة، وينأى به عن المعصية، كما يرى ذلك فيما يبدو في جميع الآيات التي عرضت لمشاهد القيامة في القرآن. قال في قوله تعالى:(وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ)«2» انه يدل على أن للعباد حفظة يكتبون أعمالهم. قال: «وفيه لطف للمكلفين يمنع عن المعاصي» .

(1) الآية 62 سورة العنكبوت، ورقة 70/ و. وقد ذهب الحاكم- فعل القاضي والشيخين- إلى أن من المكلفين من لا لطف له. ومسائل اللطف عندهم كثيرة بسطها القاضي في المغني وفي المحيط بالتكليف، وعرض لها الحاكم وابن المرتضى وغيرهما من أعلام الزيدية. وأشار الحاكم إلى بعضها في تفسيره، ومن أهم ما أشار إليه فيه أن اللطف لا يجوز أن يتقدم على التكليف بزمن، قال في قوله تعالى:

(هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) إن قوله «على الإنسان» يدل على أنه يسمى إنسانا إذا كان مصورا وإن لم يكن فيه حياة.

ويدل أنه كان مدة شيئا غير مذكور» فالفائدة فيه لطفا للمكلفين.

ثم قال: «ومتى قيل: هلا قلتم إنه يكون لطفا له؟ قلنا: [لا] لأن اللطف لا يجوز أن يتقدم على التكليف بأوقات لأنه يصير في حكم المنسى، وإنما اختلفوا هل يتقدم الفعل أم لا؟ فعند أبي هاشم يجوز إذا لم يكن في حكم المنسي، وعند أبي علي لا يجوز» . انظر التهذيب، ورقة 126/ و.

(2)

الآية 11 سورة الانفطار، ورقة 137/ و.

ص: 311

وقال في قوله تعالى: (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ)«1» إن فيها كذلك لطفا للمكلف لأنه إذا «تصور ذلك امتنع عن القبيح» .

وقال ذلك أيضا في قوله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ

) «2» الآيات، وسائر الآيات المشابهة لها.

ومما يدخل عنده في هذا الباب أيضا: الآيات التي تعرض لأحوال بعض الأمم والأشخاص المتقدمين، وتذكّر بأحوالهم، قال تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ

) «3» قال الحاكم: «تدل الآية على أن العلم بأحوال من تقدم لطف للمكلفين» .

وقال في قوله تعالى: (وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ. إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ)«4» إن قوله «بخالصة» يدل على أنه تعالى يلطف بعباده في أمور دينهم حتى يصيروا مخلصين، وإن ذكر الدار لمن الألطاف، لأن المكلف إذا تصورها رغب في فعل الطاعات واجتناب المعاصي.

2 -

والأمر الهام في موضوع اللطف في تفسير الحاكم: أنه يحمل عليه آيات التوفيق والسكينة والنصر وشرح الصدر والتثبيت «5» وآيات أخرى

(1) الآية 4 سورة الطارق، ورقة 141/ ظ.

(2)

الآية 19 سورة الحاقة- وانظر الآيات التالية- ورقة 112/ و.

(3)

الآية 10 سورة التحريم، ورقة 106/ ظ.

(4)

الآيتان 45 - 46 سورة ص ورقة 7/ ظ.

(5)

وقال في قوله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) إنه يدل على أن الاستغفار يكون في حكم اللطف. ورقة 115/ ظ.

ص: 312

كثيرة في باب العدل كما رأينا عند الكلام على التأويل.

قال في معنى «السكينة» في قوله تعالى: (فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ)«1» إنها اللطف المقوّي لقلوبهم والطمأنينة.

وفسّر شرح الصدر في قوله تعالى: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) بأنه «الألطاف التي ترد عليه من الله من تقوية قلبه ونصرته ووعده

» «2» .

وقد خرّج عليه أيضا قوله تعالى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ، وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً

) «3»

كما فعل شيخه القاضي، فقال: إن من يرد الله أن يهديه إلى الثواب في الآخرة يلطف له في الدنيا بضروب من الألطاف فينشرح صدره للإسلام، ومن يرد عقابه يفعل فيه ما يقتضي ضيق صدره بما هو فيه من ورود الشبه والشكوك، وهذا لا يخرجه من أن يكون تعالى قد أراد منه الإيمان؛ لأن شرح صدر المؤمن يثبته على إيمانه، وضيقه على الكافر يجعله أقرب إلى ترك الكفر، لأن من ضاق بشيء وتحير فيه طلب التخلص منه!!.

وفسر «التوفيق» بأنه اللطف الذي يتفق عنده فعل الطاعة. ونعى على المجبرة هذه المرة قولهم إن التوفيق هو خلق الطاعة «4» ، لأنه إنما سمى توفيقا لوقوع الطاعة بسبب اللطف وتأثيره؛ من قولهم: وافق فلان فلانا

(1) الآية 18 سورة الفتح، ورقة 58/ و.

(2)

التهذيب، ورقة 149/ ظ.

(3)

الآية 12 سورة الأنعام، ورقة 183.

(4)

راجع شرح العيون، ورقة 239/ ظ.

ص: 313

إذا ساواه في مذهبه، وقد قال تعالى:(وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ).

وقال في قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ)«1» ان معناه: ينصركم ويثبت أقدامكم بألطافه- في الدنيا والآخرة لعموم الكلام- بتقوية قلوبكم.

وقد استقصى في قوله تعالى: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ)«2» معاني النصر والخذلان، ولكنه لم يذهب الى القول بأنه تعالى يوصف من حيث لم يفعل اللطف في المؤمن بأنه خاذل له، لأن الخذلان عقوبة. ومنع اللطف لا يكون عقوبة لجواز أن يكون مؤمن لا لطف له!، قال: «وأما الخذلان فعند جماعة من أهل العدل: أنه منع اللطف ممن المعلوم أنه لا لطف له.

فأما عند شيخينا رحمهما الله فهو عبارة عن لعن الكفار وذمهم والأمر بذلك، كما أنه تعالى ناصر المؤمنين بمدحهم وتعظيمهم فخاذل الكفار بلعنهم وذمهم. والخذلان يجري مجرى العقوبة، ولذلك يذم الانسان بأنه مخذول. ووقوع الغلبة على الكفار خذلان من حيث يجري مجرى العقوبة، وإن كان وقوع الغلبة على المؤمن لا يسمى بذلك وإنما يسمى محنة وابتلاء. فأما منع اللطف فلا يكون عقوبة لجواز أن يكون مؤمنا لا لطف له!».

(1) الآية 7 سورة محمد، ورقة 53/ و.

(2)

الآية 160 سورة آل عمران، ورقة 117.

ص: 314

وقد دقق ابن المرتضى رحمه الله النظر في هذا الكلام للحاكم، ثم نقضه ورده على القائلين به من أهل العدل، ولكنه أطلق القول- متجوزا بعض الشيء- بأن الحاكم يقول: بأنّ منع اللطف إنما يكون عقوبة، وناقشه في ذلك! ثم عقب على الموضوع بكلمة عامة حول تأويلات الحاكم لبعض الآيات على مبدأ اللطف، وهو تعقيب حسن نرى أن نختم به هذه الفقرة.

ولكننا نورد قبل ذلك «نقده» لكلام الحاكم السابق، نظرا لصلته الوثيقة بهذا التعقيب.

قال ابن المرتضى: «والخذلان هو منع اللطف ممن لا يلتطف، قال الحاكم: وإنما يمنع عقوبة!! قلت: فيه نظر من وجوه ثلاثة: الأول تسميته خذلانا، والخذلان في اللغة: ترك النصرة مع القدرة، وهذا ليس كذلك، فإن من لا لطف له نصرته باللطف غير مقدورة، فكيف يسمى عدم اللطف في حقه خذلانا ولا مشابهة بينهما؟. الوجه الثاني في قوله:

منع اللطف، والمنع في اللغة إنما هو حبس الموجود المتمكن منه ومن ليس له لطف فكيف يسمى تخلفه منعا. الوجه الثالث، وهو أعظمها: تسميته ذلك عقوبة!! والعقوبة إنما هي إضرار بالمعاقب أو تفويت نفع يمكن وصوله، ومن لا لطف له لم يفته بتخلف اللطف نفع يمكن إيصاله إليه، أو لا لطف له في المقدور».

ثم قال: «واعلم أن الزمخشري والحاكم والإمام المنصور بالله كثيرا ما يطلقون هذه العبارة في تأويل كثير من الآيات، كقوله تعالى:

(فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) قالوا: أي سلبهم اللطف عقوبة لهم! وكقوله تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) قالوا:

ص: 315

أي يسلبه الألطاف حتى يشق عليه الإيمان ولا ينشرح به صدره. وكقوله تعالى: (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي) أي سلبتني من اللطف حتى لا أهتدي إلى مصلحتي .. ونظائر ذلك كثيرة.

«ونحن نقول: إن أرادوا سلب لطف من لا لطف له فهو ضعيف من هذه الوجوه. وإن أرادوا سلب لطف من له لطف لأجل معصية فعلها وكونه من جملة العقوبة، فهذا يخالف قاعدتهم، لأن ذلك يستلزم جواز تخلف الألطاف كلها عن المكلفين من البشر إذ لم يخل أحد منهم من معصية حتى الأنبياء، ولو جوزنا ذلك للحق فعل اللطف بغير الواجبات»

وذكر بعد ذلك ما يؤكد أنه كان يعقب على نصنا السابق من كلام الحاكم. فقال: «وقد حكى الحاكم عن الشيخين أبي علي وأبي هاشم أنهما لا يسميان تخلف اللطف خذلانا لأجل ما ذكرناه آنفا!! ولم يعترض حجتهما!» .

ثم ختم هذا التعقيب بالتماس وجه مقبول من وجوه التأويل لأصحابه هؤلاء فيما ذهبوا إليه، فقال:«لكن يمكن التأويل لهؤلاء، فإنهم أكابرنا ويقال: لعلهم بنوا ذلك على أن ظواهر بعض الآي يقتضي ذلك كما حكينا، فلا بد من تقرير ما اقتضته بأن نقول: إنه يجوز أن يكون لبعض المكلفين لطف، لكن ثبوت لطفه مشروط باجتناب معصية مخصوصة، فان اجتنبها فله لطف وإن ارتكبها بطل كون ذلك لطفا له داعيا، فحينئذ لا يجب فعله له، وجرى ذلك مجرى العقوبة لمّا كان سببه مواقعة المعصية، وكان خذلانا لأنه كان ممكنا غير متعذر وامتنع القادر عليه حينئذ من أن يفعله أولا» «1» .

(1) الدرر الفرائد في شرح كتاب القلائد لوحة 5.

ص: 316