المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حول هذه التفاسير الخمسة: - الحاكم الجشمي ومنهجه في التفسير

[عدنان زرزور]

فهرس الكتاب

- ‌حوار مجلة الفرقان مع الدكتور عدنان زرزور

- ‌(نحو جيل قرآني)

- ‌(أسباب النزول)

- ‌(قضية الإعجاز العلمي)

- ‌(التفسير الموضوعي)

- ‌(بين سيد قطب والشعراوي)

- ‌(الحرب ضد القرآن)

- ‌بين يدي الكتاب

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌ 3

- ‌ 4

- ‌ 5

- ‌ 6

- ‌ 7

- ‌ 8

- ‌مقدّمة

- ‌وبعد:

- ‌أولا: الحالة السياسيّة

- ‌1 - البويهيون

- ‌2 - الغزنويون

- ‌3 - السلاجقة

- ‌4 - الفاطميون

- ‌5 - الباطنية

- ‌6 - الزيدية

- ‌6 - ملوك الطوائف في الأندلس

- ‌7 - الحروب الصليبية

- ‌ثانيا: الحالة الدينية

- ‌1 - المعتزلة

- ‌2 - الأشاعرة

- ‌3 - الصوفية

- ‌ثالثا: أثر الحالة السّياسيّة والدينيّة في الحياة العامة

- ‌1 - الفتن السياسية

- ‌2 - فتن أرباب العقائد

- ‌3 - منازعات الفقهاء

- ‌رابعا: حركة التأليف في التفسير وعلم الكلام

- ‌1 - التفسير

- ‌أما أهم التفاسير المطولة التي وصلتنا فهي:

- ‌2 - علم الكلام

- ‌[اهم مصنفات المعتزلة في علم الكلام]

- ‌الفصل الأوّل حياة الحاكم

- ‌اولا: اسمه ونسبته

- ‌ثانيا: ولادته ونشأته:

- ‌ثالثا: وفاته

- ‌رابعا: شيوخه:

- ‌خامسا: تلامذته:

- ‌سادسا: عقيدته ومذهبه

- ‌رأي الزيدية في الإمامة

- ‌الفصل الثاني آثاره

- ‌اولا: في تفسير القرآن

- ‌1) التهذيب في التفسير

- ‌2) تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبيين

- ‌3) التفسير المبسوط

- ‌4) التفسير الموجز

- ‌1 - و (التهذيب)

- ‌2 - تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبيين:

- ‌ثانيا: في علم الكلام

- ‌1 - التأثير والمؤثر:

- ‌2 - شرح عيون المسائل

- ‌ثالثا: في الحديث

- ‌رابعا: في التاريخ

- ‌خامسا: في الفقه

- ‌سادسا: في العلوم الأخرى

- ‌سابعا: تعقيب عام حول ما وصل الينا من كتب الحاكم رحمه الله

- ‌الفصل الأوّل تفاسير المعتزلة قبل الحاكم

- ‌حول هذه التفاسير الخمسة:

- ‌الفصل الثاني مصادر الحاكم في التفسير

- ‌أولا: الحاكم وتفاسير المتقدمين

- ‌ثانيا: مصادره السلفية

- ‌1 - عمده من هذه المصادر:

- ‌2 - أمثلة وشواهد:

- ‌ثالثا: مصادره الاعتزالية

- ‌1) بين هذه التفاسير والتفاسير السابقة:

- ‌2 - عمده الرئيسية من هذه التفاسير، وموقفه من تفسير القاضي:

- ‌رابعا: نقوله العامة أو المبهمة

- ‌خامسا: حول طريقته في الافادة من المصادر

- ‌الفصل الأوّل قاعدة الحاكم الفكريّة ومحوره في تفسيره

- ‌أولا: قاعدته الفكرية العامة

- ‌خلق القرآن:

- ‌المنهج وهذه الأصول

- ‌ثانيا: محوره في تفسيره

- ‌1 - اكتساب المعارف

- ‌2 - الرد على المجبرة

- ‌الفصل الثاني قواعده الأساسيّة في التفسير

- ‌تمهيد: بين التفسير والتأويل

- ‌أولا: الأصل الجامع لقواعده في التفسير

- ‌ثانيا: قواعده الأساسيّة في التفسير

- ‌القاعدة الأولى: ليس في القرآن ما لا معنى له، أو ما لا يفهم معناه

- ‌فروع هذه القاعدة

- ‌القاعدة الثانية: لا يختص بتفسير القرآن الرسول أو السلف

- ‌1 - موقفه من تفسير السلف

- ‌2 - موقفه من الأحاديث والأخبار المرفوعة:

- ‌أ) أكثر الحاكم من الاستشهاد بالحديث في الشرح، ومن التدليل به على الأحكام التي يقف عليها في الآية أو النص القرآني:

- ‌ب) اعتمد الحاكم على الحديث في بيان المجملات والأمور الإخبارية وفي تفصيلات الأمور الغيبية

- ‌القاعدة الثالثة: رفض «التفسير الباطني» وأن الإمام طريق معرفة القرآن

- ‌القاعدة الرابعة: إثبات المجاز في القرآن، ومنع الحمل عليه إلا إذا تعذرت الحقيقة

- ‌الفصل الثالث حدوده في التأويل

- ‌أولا: أقسام المعارف

- ‌ثانيا: ميزان التأويل

- ‌ثالثا: التأويل واللغة وأنواع المجاز

- ‌رابعا: من تأويلاته في باب التوحيد والعدل

- ‌1 - في التوحيد وآيات الصفات

- ‌2 - في العدل

- ‌خامسا: منهج الحاكم في التأويل بين اللغة والعقل

- ‌الفصل الرّابع أثر منهجه العقلي وثقافته الكلامية في تفسيره

- ‌أولا: مبدأ اللطف

- ‌ثانيا: النبوة والأنبياء

- ‌ثالثا: الأرزاق والآجال

- ‌رابعا: حول عالم الغيب

- ‌خامسا: تعريفات وأمور فلسفية

- ‌الفصل الأوّل طريقته في كتابه «التهذيب»

- ‌تمهيد: بين المنهج والطريقة

- ‌أولا: القراءة

- ‌ثانيا: اللغة

- ‌ثالثا: الاعراب

- ‌رابعا: النزول

- ‌خامسا: النظم

- ‌سادسا: المعنى

- ‌1) طريقته في إيراد الأقوال ووجوه المعاني:

- ‌2) طريقته في الترجيح بين هذه الأقوال:

- ‌3) من شواهد طريقته في إيراد المعاني والأقوال:

- ‌4) من شواهد طريقته في الترجيح:

- ‌سابعا: الأحكام

- ‌ثامنا: القصة

- ‌تاسعا: الفقه

- ‌الفصل الثاني آراؤه في علوم القرآن

- ‌اولا: نزول القرآن

- ‌ثانيا: نقل القرآن

- ‌ثالثا: فضائل القرآن

- ‌رابعا: النسخ في القرآن

- ‌خامسا: اعجاز القرآن

- ‌1 - مقدمات الاعجاز

- ‌2 - وجه اعجاز القرآن

- ‌الفصل الأوّل مكانة الحاكم

- ‌أولا: منزلة الحاكم العامة

- ‌ثانيا: قيمة كتابه «التهذيب في التفسير»

- ‌الفصل الثاني أثره في المفسّرين

- ‌أولا: أثره في الزمخشري (467 - 538)

- ‌أ) من الشواهد التي نكتفي فيها بالاحالة على ما تقدم:

- ‌ب) من الشواهد الموجزة التي أشرنا إليها في هذه الرسالة:

- ‌ج) شواهد أخرى:

- ‌ثانيا: أثر الحاكم في سائر المفسرين

- ‌مصادر البحث

- ‌أولا: المخطوطات

- ‌ثانيا: الكتب المطبوعة

- ‌ثالثا: الدوريات

- ‌كتب للمؤلف

الفصل: ‌حول هذه التفاسير الخمسة:

السيد أبو عبد الله الشرفي- أحد علماء الزيدية- في تفسيره المصابيح «1» وكان الإمام محمد من أزهد أهل زمانه، وله من الكتب: كتاب الرد على الروافض، وكتاب الإرادة والمشيئة، وكتاب الرد على القرامطة «2» قال الحاكم: وله كتاب الأصول في العدل والتوحيد «3» .

5 -

تفسير الإمام الناصر لدين الله أحمد ابن الإمام الهادي أيضا ويبدو أن له في علوم القرآن أكثر من كتاب، وله من الكتب أيضا كتاب النجاة في الأصول، ثلاثة عشر مجلدا، وكتاب الرد على القدرية، وكتاب التوحيد «4» .

‌حول هذه التفاسير الخمسة:

ولدينا اليوم من هذه التفاسير الخمسة، أو من كلام هؤلاء الأئمة في تفسير القرآن بعامة مجموع هام يقع في حوالي أربعمائة ورقة خطية، قام بعمله أبو العباس منصور بن موسى الخطاب رحمه الله.

والنسخة التي بين أيدينا من هذا المجموع تبدأ هكذا: «

بسم الله الرحمن الرحيم: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. ثم أمر العباد بطاعتهم فقال سبحانه:

أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ

» إلى آخر

(1) انظر أئمة اليمن لابن زبارة، صفحة 52 - 53.

(2)

المصدر السابق وإتحاف المهتدين صفحة 45.

(3)

شرح العيون 1/ 142.

(4)

شرح العيون والمصدرين السابقين. وفي كتاب الأئمة أن له في علوم القرآن العزيز ما يشهد له بالإصابة والتبريز ص 60.

ص: 128

الكلام عن فضل أهل البيت، وما لهم من الحق على عامة المسلمين. وهذه الخطبة التي سقط بعضها بسقوط الورقة الأولى من الكتاب، واحدة من رسائل الإمام الهادي نفسه، قدمها جامع الكتاب بين يدي عمله فيه كما ذكر بعد ذلك. وقد اختارها فيما يبدو لما تحمله من خطوط منهج الإمام الهادي وسائر أهل البيت في تفسير القرآن «1» ، فقد جاء فيها بعد الكلام السابق على أهل البيت: «فرأينا عند ما خصنا الله به وأعطانا، وفضلنا على أهل دهرنا وأولانا: أن نشرح فضائل الحكمة التي أوليناها، وأن نبين علامات الإمامة التي أعطانا الله [إياها] لنخلع حجته من رقابنا، ونثبتها لله على غيرنا، كما نظهر مما أمرنا الله بإظهاره من شرح غامض الكتاب، وتبيين تفسيره في كل الأسباب، حتى نبين بذلك الحق المبين، ونثبت فيه الصدق واليقين، وننفي عنه تأويل الفاسقين، ونميط عنه تفسير الجاهلين، الذين حملوا تأويله على تنزيله، وحكموا على محكمه بمتشابهه.

وردوا معاني الآيات المحكمات البينات، من الآيات اللواتي هن الأمهات، على معاني غيرهن من المتشابهات. واستشهدوا لمتشابهه على المحكم، فأهلكوا بذلك جميع الأمم. وشبهوا تأويلهم وتفسيرهم ربّهم بخلقه، فأبطلوا ما نفاه من بعد الشّبه بهم عن نفسه. فمثلوه تمثيلا، ونقلوه في الصور تنقيلا.

وجعلوه بذلك صورة مصورة محدودة، عندهم معدودة. فعبدوا ما وصفوا، ودانوا لهذه الصورة التي ذكروا. فكانوا بالله غير عارفين ولا مقرين

(1) لعلها مقدمة كتاب الهادي في تفسير القرآن.

ص: 129

ولا مثبتين، بل كانوا عنه غائبين ربه في كل الأمور جاهلين

فتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا) «1» .

ثم قال أبو العباس: «هذا كتاب جمعته، فيه من تفسير القرآن مما فسره الإمام القاسم بن إبراهيم، ومحمد بن القاسم بن إبراهيم، والهادي يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم، ومحمد ابن الهادي، وأحمد ابن الهادي» «2» تحدث بعد ذلك عن طريقته في جمع هذا التفسير واختياره بعض الآيات مما يشكل تفسيره ويشتبه على العلماء، وكيف أنه كان يذكر في رأس كل آية أو سورة اسم الإمام الذي تفرد بشرحها وتفسيرها، أو الذي نقلها عنه، ثم قال: «ولقد وجدت في الأصل من هذه الآيات التي ذكروها شيئا مكررا شرحه، فأخذت ما هو المعنى الذي يراد وإليه المعاد، وأسقطت ما ليس لإعادته معنى إليه يؤول، ولا وجه تقبله العقول. وما كان بإسقاطه يقع خلل، أو يبين هنالك زلل، ويسقط معنى جلىّ معلوم، أو تأويل خفي مفهوم، لم أسقطه عن محله ولا أنزعه عن موضعه.

وكذلك ما كان من التفسير المكرر أوفى كلاما وأبلغ شرحا اخترته على ضده وأثبته في مكانه. وربما أخذت الكلمة أو الكلمتين من الذي أسقطه فأثبتها مع أخواتها في موضعها إذا وجدت لها في التأويل معنى صحيحا، أو كانت مما تزيد الحق وضوحا» ثم قال: «مع أني ما زدت في ذلك شيئا افتريته، وانتحلت تأويله وادعيته، ولا نقصت من ذلك ما هو معروف

(1) ورقة 3 - 4.

(2)

ورقة 4.

ص: 130

وجهلته، ولا بدلت ما هو حسن وكرهته. ومعاذ الله! ولو فعلت ذلك لكنت من المفترين».

6 -

التفسير السادس من تفاسير المعتزلة قبل الحاكم- وهو أحد مصادره الرئيسية كما سنرى- هو تفسير أبي بكر الأصم (عبد الرحمن بن كيسان من رجال الطبقة السادسة التي وضع القاضي على رأسها أبا الهذيل العلاف ت 235) وكان الأصم من أفصح الناس وأفقههم وأورعهم، كما وصفه القاضي عبد الجبار، وكان لأبي الهذيل معه مناظرات. وقد وصف القاضي تفسيره بأنه «تفسير عجيب حسن» وذكر أن أبا علي الجبائي كان لا يذكر غيره وإذا ذكره قال: لو أخذ في فقهه ولغته لكان خيرا له! ونقل الحاكم أنه لما انتهى أبو علي في تفسيره إلى قوله تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ .. ) قال: ما ترى الأصم قال في ذلك؟ «1» وهذا يدل على مكانه هذا التفسير، ومدى اعتماد أبي علي الجبائي عليه في تفسيره.

7 -

تفسير عمرو بن فائد- من رجال الطبقة السادسة أيضا- وقد وصف القاضي هذا التفسير بأنه «تفسير كبير» قال: ومنه في قوله تعالى: (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ) قال: هو مشيئة القهر، فأما مشيئة غير القهر فقد فعل، قال الحاكم: وقد تأوله مشايخنا أنه أراد: وما تشاءون من الاستقامة إلا أن يشاء الله. وذكر القاضي أن سليمان بن علي بلغه عن عمرو بن فائد أنه لا يقول: لا حول ولا قوة

(1) انظر شرح عيون المسائل للحاكم 1/ ورقة 95.

ص: 131

إلا بالله فدعاه، فلما دخل عليه كان يرتقى إليه درجة درجة، وهو شيخ، فكلما وضع قدمه على درجة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، وسليمان يسمع، فلما صعد إذا بين يديه سيف مسلول ومصحف منشور، فقال سليمان: اخرج من هذه الآية: (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ)! فقال عمرو: قال تعالى: (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً فَآمِنُوا بِاللَّهِ .. ) فأيّ إذن أكبر من هذا؟ فقال له سلمان: أكانت في كمّك؟ قال: لا، ولكن بتأييد الله «1» .

8 -

وآخر تفاسير رجال هذه الطبقة تفسير موسى الاسواري، قال القاضي: فسّر القرآن ثلاثين سنة ولم يتم تفسيره. ويقال: كان في مجلسه العرب والموالى، فيجعل العرب في ناحية، والموالى في ناحية ويفسر لكل بلغته، فما يدرى بأي لسان كان أفصح «2» !

9 -

تفسير أبي يعقوب الشحام من معتزلة البصرة المتوفى سنة (267) ومن الطبقة السابعة، واسمه يوسف بن عبيد الله بن الشحام، كان من رؤساء أصحاب أبي الهذيل وفقهائهم، وإليه انتهت رئاسة المعتزلة بالبصرة في وقته وعنه أخذ أبو علي الجبائي، الشيخ الأثير عند صاحبنا الحاكم رحمه الله.

ولا ندري من أخبار تفسيره غير ما نقله القاضي عبد الجبار، قال:

«وله كتاب في تفسير القرآن» «3» ولعله كان صغير الحجم، وأحد مآخذ أبي علي الجبائي.

(1) شرح العيون 1/ 96.

(2)

المصدر السابق.

(3)

شرح العيون 1/ 102 وإنما ذكرنا هذا التفسير لمكانة مؤلفه عند زعيم المدرسة الجبائية ولاحتمال إفادته منه، وقد أفاد من كتب أبي علي فيما بعد أبو هاشم والقاضي والحاكم جميعا.

ص: 132

10 -

تفسير أبي علي الجبائي رأس الطبقة الثامنة (ت 303) ومن أشهر معتزلة البصرة وسائر المعتزلة في جميع الطبقات، ذكر القاضي أنه هو الذي فتق الكلام ونشره وذلّله ووضع فيه الكتب الكثيرة الجليلة، وأنه كان فقيها ورعا زاهدا جليلا نبيلا، قال: وإليه انتهت الرئاسة في المعتزلة حتى صار شيخها وعالمها غير مدافع، ولم يتفق لأحد من إذعان سائر طبقات المعتزلة بالتقدم والرئاسة بعد أبي الهذيل ما اتفق له «1». قال الملطي الشافعي:

«ووضع أربعين ألف ورقة في الكلام، ووضع تفسير القرآن في مائة جزء، وشيئا لم يسبق أحد بمثله، وسهّل الجدال على الناس» «2» .

وقد تحدث أبو الحسن الأشعري، التلميذ السابق للجبائي، عن تفسير أستاذه، واشتد في الحملة عليه فقال: «ورأيت الجبائي ألّف في تفسير القرآن كتابا أوّله على خلاف ما أنزل الله عز وجل، وعلى لغة أهل قريته المعروفة بجبّى- بين البصرة والأهواز- وليس من أهل اللسان الذي نزل به القرآن. وما روى في كتابه حرفا واحدا عن أحد من المفسرين، وإنما اعتمد على ما وسوس به صدره وشيطانه

» «3» وقد وضع الأشعري تفسيره الكبير ردا على تفسير شيخه وتصحيحا له ونقضا عليه، على عادته في الرد على من يصفهم بأهل الزيغ والبدع، وأسماه:(تفسير القرآن والرد على من حالف الإفك والبهتان) ثم اشتهر من بعد باسم «الخازن»

(1) شرح العيون 1/ 107.

(2)

التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع صفحة 44.

(3)

تبيين كذب المفتري لابن عساكر، صفحة 139.

ص: 133

أو «المختزن» «1» . ولم نقف من تفسير أبي علي الجبائي على شيء، سوى النقول.

11 -

تفسير أبي القاسم البلخي الكعبي (عبد الله بن أحمد بن محمود) من رجال الطبقة الثامنة المتوفي سنة 319. أخذ عن أبي الحسين الخياط ودأب على نصرة مذهب البغداديين، ووصفه الحاكم نقلا عن بعضهم بأنه رئيس نبيل غزير العلم، وأن له في الذّب عن الدين وفي وصف مذاهب المخالفين وفي غير ذلك من صنوف العلم كتبا جليلة كثيرة الفوائد. قال القاضي عبد الجبار: وله كتاب التفسير وقد أحسن، وهو متقن في علم الكلام وفي علم الفقه أيضا، فأما الأدب فناهيك به! «2» ومن كتبه المشهورة التي وصلت الينا:(المقالات) في علم الكلام، وهو الذي اعتمد عليه الأشعري في وضع كتابه المعروف بمقالات الإسلاميين. وكتاب (قبول الأخبار ومعرفة الروايات) في الحديث «3» . أما تفسيره الهام فيما يبدو، والذي كان أحد مآخذ أبي يوسف القزويني في تفسيره الكبير، فلم يصلنا منه أي جزء، وتدل نقول مصنفنا الحاكم عنه، أنه كان تفسيرا كاملا شمل جميع القرآن.

12 -

تفسير أبي بكر النقاش (محمد بن الحسن بن محمد) من معتزلة بغداد المتوفى سنة 351 ولم يذكره القاضي في الطبقات، وكان مقدما في

(1) انظر العواصم والقواصم لابن العربي ورقة 26/ ب مخطوطة دار الكتب.

(2)

شرح عيون المسائل للحاكم 1/ 112.

(3)

راجع مخطوطة دار الكتب رقم 24743 ب أما مقالاته فقد أطلعنا عليها الأستاذ فؤاد سيد رحمه الله.

ص: 134

التفسير والقراءات «1» ، ومن تفسيره جزء كبير بدار الكتب وجزء آخر في المتحف البريطاني «2» وتذكر بعض المصادر أن تفسيره يقع في اثني عشر ألف ورقة «3» ! في حين أن مجلد دار الكتب، على ضخامته وسعة أوراقه، يقع في خمس وسبعين ومائتي ورقة فقط ويشتمل على تفسير نصف القرآن تقريبا لأنه يبدأ بتفسير قوله تعالى:(وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا) من سورة مريم وينتهي بسورة الناس، وإن كان به بعض الخروم. ومن المؤسف أن كثيرا من أوراقه فسدت بسبب الرطوبة «4» .

ويغلب على هذا التفسير عدم المجاهرة الشديدة بالاعتزال، وقلة العناية بآراء الخصوم، والقصد إلى الشرح على مذهب المصنف بعبارة موجزة، مع عناية ملحوظة باللغة والبلاغة والقراءات.

13 -

تفسير أبي مسلم الأصفهاني محمد بن بحر، من رجال الطبقة الثامنة المتوفى سنة 370. واسم كتابه (جامع التأويل لمحكم التنزيل) ويقع في أربعة عشر مجلدا «5» وهو من أهم التفاسير الاعتزالية،- ولعله أيضا من أخطر التفاسير بإطلاق- أكثر من الاعتماد عليه كل من الشريف المرتضى

(1) انظر إرشاد الأريب 6/ 496 وسير أعلام النبلاء رقم 12195 ح.

(2)

انظر بروكلمان: الملحق 1/ 334.

(3)

راجع الإرشاد لياقوت والفهرست ص 33 الطبعة الأوربية.

(4)

انظر مخطوطة الدار رقم 140 تفسير، وقد سمي هذا التفسير:

شفاء الصدور.

(5)

انظر لسان الميزان لابن حجر 5/ 89 وشرح العيون 1/ 113 والفهرست ص 51 طبع التجارية.

ص: 135

في أماليه وأبي جعفر الطوسي في تفسيره التبيان، وإن كان أخذ عليه الإطالة. كما نقل عنه القاضي والحاكم، وكان الرازي من بعد كلفا بالرد عليه، على ما في كتاب الرازي من النقل الكثير عنه، وبلغ من شهرة تفسير أبي مسلم أن القاضي عرفه به، فقال:«ومنهم- أي رجال الطبقة الثامنة- أبو مسلم محمد بن بحر صاحب التفسير والعلم الكثير» «1» وقد جرد بعضهم ما في تفسير الرازي من النقول الصريحة عن أبي مسلم، وجعلها في كتاب صغير 103 صفحات، أسماه: ملتقط جامع التأويل لمحكم التنزيل «2» ، ولم نقع على أي قطعة من تفسير أبي مسلم نفسه بالرغم من أننا وجدنا السيوطي في كتابه (معترك الأقران في إعجاز القرآن)«3» ينقل عنه نصا مطولا هاما في رأي أبي مسلم في وجوه إعجاز القرآن «4» ، فلا ندري أوقع على شيء منه كما قد توحي بذلك عبارته في النقل (قال الأصفهاني في تفسيره) أم إنه نقل عنه بطريق غير مباشر!

14 -

تفسير أبي الحسن الرماني، علي بن عيسى من رجال الطبقة العاشرة المتوفى سنة 384. وكان يقال للرماني (علي الجامع) لأنه جمع- كما يقول الحاكم- «بين علوم يدرس فيها الكلام والفقه والقرآن والنحو واللغة» «5»

(1) شرح العيون 1/ 113.

(2)

جمعه ورتبه سعيد الأنصاري في مدينة أعظم كده بالهند وطبع بكلكته سنة 1340 هـ.

(3)

مصور دار الكتب المصرية رقم 20347 ب.

(4)

المعترك ورقة 2 - 3.

(5)

شرح عيون المسائل 1/ ورقة 128.

ص: 136

وكان مع قلة ذات يده وشدة فقره يسلك طريق المروءة وكان يقول:

من قلّت مئونته سهل أمره. وعرّفه القاضي بقوله «صاحب التفسير والعلم الكثير» «1» . وقد أشار إلى تفسيره أيضا القفطي في إنباء الرواة، مع كتب أخرى له في علوم القرآن، وذكر أن اسمه (الجامع في علم القرآن) «2» كما أشار اليه الرماني نفسه في كتابه (النكت في إعجاز القرآن) فقال في باب التضمين:«وقد بينا ذلك بعد انقضاء كل آية في كتاب: الجامع لعلم القرآن» وهذا نص في اسم الكتاب. ويبدو أن هذا التفسير على درجة كبيرة من القيمة والأهمية، وأنه كان كبيرا و «جامعا» حتى قال فيه الرماني نفسه: تفسيري بستان يجتنى [منه] ما يشتهى.

وقد قيل للصاحب بن عباد: هلّا تصنف تفسيرا؟ فقال: وهل بقىّ لنا علي بن عيسى شيئا «3» وقد أثنى عليه أبو جعفر الطوسي (ت 460) في مقدمة كتابه: التبيان في تفسير القرآن- كما أثنى على أبي مسلم الأصفهاني- وإن كان أخذ عليهما الإطالة «4» . وقال فيه ابن قاضي شهبة: (وهو تفسير كبير وفيه فوائد جليلة)«5» .

(1) شرح عيون المسائل 1/ ورقة 128 وانظر الذريعة إلى تصانيف الشيعة 4/ 276.

(2)

إنباه الرواة 2/ 294 وذكر القفطي من كتبه: المتشابه في علم القرآن وكتبا أخرى.

(3)

شرح العيون 1/ 128.

(4)

التبيان: 1/ 2.

(5)

طبقات النحاة واللغويين 2/ 175 مخطوطة دار الكتب رقم 2146 تاريخ تيمور.

ص: 137

ولدينا اليوم من تفسير الرماني الجزء السابع «1» ، وقطعة من الجزء الثاني عشر تقع في خمسين ومائة ورقة مصورة بمعهد المخطوطات بجامعة الدول العربية عن مكتبة

المسجد الأقصى بالقدس رقم (29). وتبدأ بالكلام على قوله تعالى: (يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ) - الآية 17 من سورة إبراهيم- وتنتهي بتفسير قوله تعالى: (قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ) - الآية 37 من سورة الكهف- أي أنها تشتمل على تفسير جزءين. بتجزئة القرآن الكريم «2»

نموذج من الكتاب: «القول في قوله عز وجل: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ) - سورة إبراهيم 40 - يقال: ما الدعاء؟ الجواب: طلب الفعل بدلالة القول، وما دعا الله إليه فقد أمر به ورغّب فيه، وما دعا العبد به ربه فالعبد راغب فيه، ولذلك لا يجوز أن يدعو بلعنه أو عقابه، ويجوز أن يدعو [على] غيره به. «ويقال: ما التقبل؟ الجواب أخذ العمل على طريق إيجاب الحق به، مقابلة عليه، ولذلك لا تتقبل طاعات الفاسق لأنها محبطة لا يستحق بها الثواب.

(رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ) - إبراهيم 41 - يقال: لم لا يجوز الدعاء بالمغفرة للفاسق؟ الجواب: لأنه لا يجوز أن يسأل الله عز وجل ما ليس من حكمه أن يفعله، لما في ذلك من

(1) ذكر برولكمان أنه موجود بباريس برقم 26523. وانظر بروكلمان:

الملحق 1/ 175.

(2)

راجع ميكروفلم معهد المخطوطات رقم 16.

ص: 138

التحكم بالدعاء إلى فعل ما قد دل أنه لا يفعله ولا يريده، وليس كالدعاء بما في معلومه أنه يفعله لا محالة، لما في هذا من موقف الخاضع الراضي بحكمه.

«ويقال لم وجب أن الايمان هو الاسلام؟ الجواب: لقوله جل وعز:

(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) - آل عمران 85 - فلو كان الايمان غير الاسلام لكان من ابتغى الايمان دينا لا يقبل منه!

«ويقال: لم جاز أن يدعو لأبيه مع كفره؟ الجواب: لأنه على شرائط الحكمة بأنه إن كان ممن [له] لطف يفعل معه التوبة، وقد بين الله تعالى ذلك بقوله:(وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) - التوبة 114 - وقد قال (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) - الشعراء 86 - وقد قال أبو علي: إنما دعا لوالديه من المؤمنين، وهذا عدول عن الظاهر لا يسوغ مع ما بينا من قبل.

«وقد تضمنت الآية البيان عما يوجبه طلب المغفرة على شرائط الحكمة من الاجابة واليأس مع الاقامة على الكبيرة، لتوعد الظالم بما يصير إليه من العذاب الدائم» .

وقد جرى في سائر تفسيره، كما يدل عليه هذا الجزء الذي بين أيدينا، على هذه الطريقة من السؤال والجواب بعبارة فائقة، ولعله لم يسبق في التفسير إلى مثل هذا العدد الكبير الذي لا يحصى من التعاريف اللغوية الدقيقة التي مزجها بفكر المعتزلة ومصطلحاتهم.

ص: 139

15 -

تفسير أبي القاسم الأسدي، عبيد الله بن محمد النحوي الموصلي من معتزلة بغداد المتوفى سنة 387، أخذ عن الفارسي والرماني وغيرهما، وكان عارفا بالقراءات والعربية. صنف (تفسير القرآن) وذكر في «بسم الله الرحمن الرحيم» - كما قيل- مائة وعشرين وجها «1» ولم نقف من تفسيره على شيء.

16 -

تفسير القاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني، عماد الدين أبي الحسن المتوفى 415 من معتزلة البصرة ومن أصحاب أبي هاشم الجبائي، جعله الحاكم «أول رجال الطبقة الحادية عشرة من المعتزلة وأقدمهم فضلا» وقال فيه:«وليس تحضرني عبارة تنبئ عن محله في الفضل وعلو منزلته في العلم، فإنه الذي فتق الكلام ونشره، ووضع فيه الكتب الكثيرة الجليلة التي سارت بها الركبان وبلغت المشرق والمغرب، وضمّنها من دقيق الكلام وجليله ما لم يتفق لأحد مثله، وظلّ عمره مواظبا على التدريس والاملاء حتى طبق الأرض بكتبه وأصحابه، وبعد صوته وعظم قدره وإليه انتهت الرئاسة في المعتزلة حتى صار شيخها وعالمها غير مدافع، وصار الاعتماد على كتبه ومسائله حتى نسخ كتب من تقدم من المشايخ» «2» وقد عد الحاكم من كتبه في علوم القرآن: التنزيه، والمتشابه والمحيط، والأدلة «3» وقد وصل إلينا الكتابان الأولان، وما زلنا نفتقد

(1) انظر إرشاد الأريب 5/ 5 طبعة مارغوليوث، وبغية الوعاة للسيوطي 2/ 127.

(2)

شرح العيون 1/ 129.

(3)

المصدر السابق ورقة 130 وقد عد له عشرات الكتب في علم الكلام والفقه والأصول والحديث.

ص: 140

الآخرين. وحديثنا هنا عن تفسيره الكبير الموسوم بالمحيط الذي أشار اليه كذلك ابن العربي وابن تيمية والداودي وغيرهم «1» وقد ذكر ابن العربي أنه يقع في مائة مجلد وأنه قرأه في خزانة المدرسة النظامية ببغداد، وعرّفه ابن تيمية ب «التفسير الكبير» . وسنعرض لهذا التفسير عند الكلام على مدى إفادة الحاكم من آراء القاضي عبد الجبار في تفسير القرآن.

17 -

التفسير الكبير لأبي الفتح الديلمى: الامام الشهيد الناصر بن الحسين من أولاد الحسن بن علي بن أبي طالب، آخر أئمة الزيدية باليمن في القرن الخامس، الذي قتله

الصليحي سنة 444 كما قدمنا. كان خروجه من الديلم سنة 430 ودعا بها في اليمن وحارب الصّليحي في بلاد مذحج وكان في الجهاد حتى قتل. وفي الحدائق الوردية أن تفسيره في أربعة أجزاء «أورد فيها من الغرائب المستحسنة والعلوم العجيبة النفيسة» .

وله كذلك: البرهان في تفسير غريب القرآن. ورسالة في الرد على المطرفية، وكتب أخرى «2» .

(1) انظر العواصم والقواصم لابن العربي ورقة 26 ب مخطوطة دار الكتب ومقدمة في أصول التفسير لابن تيمية ص 37، وطبقات المفسرين للداودي مخطوطة الدار قال الداودي:«وله التصانيف السائرة منها التفسير» وانظر لسان الميزان لابن حجر 3/ 387. وربما خلط بعضهم بين تفسيره المحيط وكتابه تنزيه القرآن عن المطاعن: انظر طبقات المفسرين للسيوطي ص 16.

(2)

انظر الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية لحميد بن أحمد المحلي (ت 652)، مخطوطة الدار، وإتحاف المهتدين لابن زبارة ص 51، وأئمة اليمن له أيضا 1/ 90 ولذريعة إلى تصانيف الشيعة 4/ 255.

ص: 141

والذي بين أيدينا اليوم من تراثه في التفسير! جزء واحد يقع في ثمان وثلاثين ومائتي ورقة، عرض فيه لجميع سور القرآن، واقفا عند كل سورة أمام ما يرى أنه بحاجة إلى شرح وتفسير، قال في سورة المعراج:

«بسم الله الرحمن الرحيم: قوله تعالى: (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ) يعني: طلب طالب بعذاب واقع، وهذا الطالب كان النضر بن الحارث، وكان صاحب لواء المشركين يوم بدر، سأل ذلك في قوله: «اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ» وإنما طلب تعجيل عذاب الآخرة في دار الدنيا فقتل يوم بدر أسيرا. (مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ) يعني ذي النعم والفواضل ودرجات الخير. (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ) أي تصعد الملائكة إلى أمره وإلى مواضعهم ومقاماتهم المرتبة لهم. والروح عنى به جبريل عليه السلام، وخصه بالذكر تشريفا. (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) يعني يوم القيامة لأن طوله خمسون ألف سنة من سنيّ الدنيا، وهو ضياء يستديم إلى أن يجاب الخلق فيستقر أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار» «1» .

وختم هذا التفسير في آخر سورة الناس، بقوله:«وروينا عن آبائنا عليهم السلام أن سيدنا رسول الله كان يعوّذ الحسن والحسين عليهما السلام فيقول: أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامه» . ونحن نستعيذ بالله مما عوذ

وفقنا الله وقارئه لتدبر ما فيه،

(1) البرهان في تفسير القرآن ورقة 215/ و.

ص: 142

وتفهم معانيه، فيه توفيقنا، وعليه توكلنا، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ونعم المولى ونعم النصير «1» .

وقد تم نسخ هذه النسخة رابع عشر رمضان سنة ست وأربعين وألف.

18 -

تفسير الماوردي: أبي الحسن علي بن محمد بن حبيب المتوفى سنة 450 «2» . وقد أسماه (النكت والعيون) وقال في مقدمته:

«

ولما كان الظاهر الجليّ مفهوما بالتلاوة، وكان الغامض الخفي لا يعلم إلا من وجهين، نقل أو اجتهاد، جعلت كتابي هذا مقصورا على تأويل ما خفى علمه، وتفسير ما غمض تصوره وفهمه، جامعا بين أقاويل السلف والخلف، وموضحا عن المؤتلف والمختلف، وذاكرا ما سنح به الخاطر من معنى محتمل، وعدلت عما ظهر معناه من فحواه اكتفاء بفهم قارئه وتصور تاليه، ليكون أقرب مأخذا وأظهر مطلبا .. » «3»

وهذا ما حمله فيما يبدو على تسميته بالنكت والعيون، ليدل على أنه أقرب إلى تفسير المشكل والمتشابه، وأنه جمع فيه من عيون أقاويل السلف والخلف، وإن كان هذا لم يمنعه في الواقع من الشرح والتعليق السريع على سائر آيات الكتاب الكريم تقريبا.

والناظر في هذا التفسير قد لا يقف فيه سريعا على أثر واضح لمذهب المصنف الذي كان لا يجاهر بالاعتزال فيما يبدو، ولكنه كان ينتصر

(1) البرهان، ورقة 238.

(2)

راجع طبقات الشافعية للسبكي 3/ 304 - 305.

(3)

ورقة 2 من النكت والعيون (الجزء الأول) مخطوطة المكتبة المتوكلية بصنعاء اليمن.

ص: 143

فيه لمذهب المعتزلة على التحقيق، مرة بالإشارة العابرة، وأخرى بوضع القارئ أمام وجوه كثيرة في تفسير الآية الواحدة، يوردها موجزة ملخصة وليس من بينها ما يناقض مذهب المعتزلة بحال، قال في قوله تعالى:(هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) - البقرة 2 - «وفي المتقين ثلاثة تأويلات: أحدها: الذين اتقوا ما حرم الله عليهم وأدوا ما افترض عليهم، وهذا قول الحسن البصري. والثاني: أنهم الذين يحذرون من الله العقوبة ويرجون رحمته، وهذا قول ابن عباس. والثالث: أنهم الذين اتقوا الشرك وبرءوا من النفاق، وهذا فاسد لأنه قد يكون كذلك وهو فاسق. وإنما خص به المتقين وإن كان هدى لجميع الناس لأنهم آمنوا به وصدّقوا بما فيه» «1»

وقال في قوله تعالى: (خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) - البقرة 7 - «والختم: الطبع، ومنه ختم الكتاب.

وفيه أربع تأويلات: أحدهما- وهو قول مجاهد- أن القلب مثل الكف فاذا أذنب العبد ينضم جميعه ثم يطبع عليه بطابع. والثاني: أنها سمة تكون علامة فيهم تعرفهم الملائكة بها من بين المؤمنين. والثالث: أنه إخبار من الله تعالى عن كفرهم وإعراضهم عن سماع ما دعو إليه من الحق، تشبيها بما قد سدّ وختم عليه فلا يدخله خير. والرابع: أنها شهادة من الله على قلوبهم بأنها لا تعي الذكر ولا تقبل الحق، وعلى أسماعهم بأنها لا تصغي إليه. والغشاوة: تعاميهم عن الحق. وسمي القلب قلبا لتقلبه بالخواطر، قال الشاعر:

(1) ورقة: 9.

ص: 144

ما سمّي القلب إلا من تقلّبه والرأي يصرف والإنسان أطوار والغشاوة: الغطاء الشامل» «1»

وقد عقد السبكي في ترجمته للماوردي فصلا مقتضبا حول تفسيره، نقل فيه عن ابن الصلاح قوله:«هذا الماوردي عفا الله عنه يتهم بالاعتزال، وقد كنت لا أتحقق ذلك عليه وأتأول له وأعتذر عنه، في كونه يورد في تفسيره في الآيات التي يختلف فيها أهل التفسير، تفسير أهل السنة وتفسير المعتزلة غير متعرض لبيان ما هو الحق منها، وأقول: لعل قصيده إيراد كلّ ما قيل من حق أو باطل، ولهذا يورد من أقوال المشبهة أشياء مثل هذا الإيراد!! حتى وجدته يختار في بعض المواضع قول المعتزلة وما بنوه على أصولهم الفاسدة ومن ذلك مصيره في «الأعراف» إلى أن الله لا يشاء عبادة الأوثان. وقال في قوله تعالى: (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ) - الأنعام 112 - وجهان في «جعلنا» أحدهما معناه حكمنا بأنهم أعداء، والثاني: تركناهم على العداوة فلم نمنعهم منها» «2»

ثم حمل على تفسيره حملة شديدة فقال: «وتفسيره عظيم الضرر لكونه مشحونا بتأويلات أهل الباطل تلبيسا وتدسيسا على وجه لا يفطن له غير أهل العلم والتحقيق، مع أنه تأليف رجل لا يتظاهر بالانتساب إلى المعتزلة!! بل يجتهد في كتمان موافقهم فيما هو لهم فيه موافق» «3» وختم

(1) ورقة: 10.

(2)

طبقات الشافعية الكبرى 3/ 304.

(3)

المصدر السابق: 3/ 304 - 305.

ص: 145

كلامه بقوله إن الماوردي ليس معتزليا مطلقا! لأنه لا يوافق المعتزلة في جميع أصولهم مثل خلق القرآن، ويوافقهم في القدر، قال:«وهي البلية التي غلبت على البصريين وعيبوا بها قديما» .

وأيا ما كان الأمر فإن الماوردي وضع تفسيره على أصول المعتزلة ومنهجهم في التفسير، سواء أخالفهم في بعض المسائل أم لا، وسواء أجاهر فيه بالاعتزال أم لا، وإن كنا لا ندري ما هو «حد» الجهر عند ابن الصلاح «1» !

ولدينا اليوم من هذا التفسير أكثره: 1 - جزء يبدأ من أول القرآن، مع مقدمة المؤلف وفصول أخرى صدر بها الكتاب، منها فصل في مسألة نزول القرآن على سبعة أحرف، وفصل في اعجاز القرآن، وينتهي هذا الجزء بانتهاء سورة الأنعام «2» . 2 - جزء آخر من نسخة أخرى ناقص من أوله، ويبدأ بالكلام على قوله تعالى:(وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) - البقرة 36 - وينتهي بآخر سورة الكهف «3» 3 - جزء ثالث من نسخة ثالثة

(1) أما اتهام الماوردي بإيراد أقوال المشبهة، فإننا وإن لم نقف منها على شيء فإن كان ابن الصلاح يقصد اعتماد الماوردي لها فهو تقول عجيب غريب قال في تفسير قوله تعالى:(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ) فيه تأويلان: أحدهما معناه: إلا أن يأتيهم الله بظل من الغمام والملائكة.

والثاني: معناه إلا أن يأتيهم أمر الله في ظلل من الغمام. ورقة 74/ و.

(2)

وهو الذي رجعنا إليه، انظر مخطوط صنعاء رقم 111 تفسير.

(3)

نسخة دار الكتاب رقم 19693 ب وبه تلويث وأكل الأرضة.

ص: 146

أيضا، كتب عليه أنه الجزء الخامس من تفسير القرآن للماوردي، ويبدأ بسورة لقمان وينتهي بآخر سورة ق «1» 4 - جزء رابع من أول سورة السجدة إلى آخر القرآن من نسخة كتبت سنة 1070 هـ، ويقع في واحد وثمانين ومائتي ورقة، وهذا الجزء من مصورات معهد إحياء المخطوطات بجامعة الدول العربية (فلم رقم 154 تفسير).

19 -

تفسير أبي يوسف القزويني: عبد السلام بن محمد بن يوسف المتوفى سنة 488 عن ست وتسعين سنة «2» ، وهو يعد في الطبقة الثانية عشرة من المعتزلة لأنه ممن قرأ على القاضي عبد الجبار ومن هو في طبقته «3» . وهو أقرب مفسري المعتزلة وفاة من مصنفنا الحاكم «4» ، وأشهر رءوس المعتزلة في النصف الثاني من هذا القرن، وكان يدعو إلى الاعتزال ويفتخر به ويتظاهر به حتى على باب نظام الملك- كما ذكر السبكي- فيقول لمن يستأذن عليه: قل أبو يوسف القزويني المعتزلي. «5»

(1) موجود بالبصرة بالعراق: انظر ص 165 (المجلد الأول ج 2) من مجلة معهد المخطوطات العربية، مقال كور كيس عواد.

(2)

راجع النجوم الزاهرة 5/ 156 ولسان الميزان 4/ 11 وطبقات المفسرين للسيوطي ص 18.

(3)

انظر شرح عيون المسائل 1/ 134.

(4)

وعاش كلاهما أحداث القرن الخامس السياسية والاجتماعية، وكان كلاهما زيدي المذهب في الفروع كذلك، قال السبكي في ترجمة أبي يوسف:«وقيل إنه كان زيدي المذهب في الفروع» وقد وقفت له على ترجمة ضافية في طبقات الزيدية ليحيى بن الحسين، ورقة 34 - 35.

(5)

طبقات الشافعية 3/ 230.

ص: 147

وكان يقول: لم يبق من ينصر هذا المذهب غيري «1» . قال السمعاني:

«وكان أحد المعمرين والفضلاء المتقدمين، جمع التفسير الكبير الذي لم ير في التفاسير أكبر منه ولا أجمع للفوائد، لولا أنه مزجه بكلام المعتزلة وبث فيه معتقده، وهو في ثلاثمائة مجلد، منها سبع مجلدات في الفاتحة» «2» وقال ابن النجار: «كان طويل اللسان، ولم يكن محققا إلا في التفسير فإنه لهج بالتفاسير حتى جمع كتابا بلغ خمسمائة مجلد حشا فيه العجائب حتى رأيت منه مجلدا في آية واحدة، وهي قوله تعالى:

(وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا

) «3» - الآية 102 سورة البقرة- والذي أخذه عليه ابن النجار عبر السبكى بقوله: «وكان عنده قوة نفس، وربما نال من بعض أهل العلم بلسانه» «4» .

ويبدو أنه كان كثير الاعتماد على تفاسير المعتزلة قبله، حتى لكأنه احتواها في تفسيره الكبير، كما أشار إلى ذلك ابن النجار في عبارته عنه «إنه لهج بالتفاسير» وكما أوضح السبكي فيما نقله عن القزويني نفسه أنه كان يقول: ملكت أشياء نفيسة منها تفسير ابن جرير الطبري في أربعين مجلدا، وتفسير أبي القاسم البلخي، وأبي علي الجبائي، وابنه أبي هاشم

(1) طبقات المفسرين الداودي- مخطوط.

(2)

طبقات المفسرين للداودي.

(3)

المصدر السابق وانظر المنتظم لابن الجوزي (أحداث سنة 488) والبداية لابن كثير 12/ 150.

(4)

انظر طبقات الشافعية 3/ 230.

ص: 148

وأبي مسلم بن بحر وغيرهم. وقد كان لأبي يوسف القزويني عناية فائقة بكتب العلم بعامة حتى إنه دخل بغداد بعد أن رجع إليها من مصر- التي أقام فيها أربعين سنة- «ومما معه عشرة جمال عليها كتب بالخطوط المنسوبة في فنون العلم» وقد أهدى لنظام الملك بعض هذه النفائس. وقد سمى تفسيره: حدائق ذات بهجة. ولم نقف من هذا التفسير على شيء.

20 -

يضاف إلى كل هذه التفاسير: أمالي المرتضى علي بن الحسين المتوفى سنة 436. التي اشتملت على مجالس كثيرة في تأويل عدد من الآيات المشكلة والمتشابهة «1»، وهي التي يظهر فيها بوضوح أثر اختلاف المناهج بين المفسرين، وقد كان الشريف المرتضى من أصحاب قاضي

(1) وهنالك تفاسير أخرى تعتبر مجهولة الأهمية، وتكاد تكون مهملة الذكر، مثل تفسير أبي الحسن الاسفندياني من رجال الطبقة التاسعة، وتفسير أبي أحمد بن علان من رجال الطبقة الحادية عشرة، وتفسير أبي بكر بن الاخشيد (ت 326) الذي لخص فيه تفسير الطبري، وتفسير ضرار بن عمرو الذي وصفه ابن النديم بأنه من «بدعية المعتزلة» وذكره القاضي عرضا عند الكلام على أبي يعقوب الشحام، فقد روى القاضي أن بعضهم سأل الشحام عن عذاب القبر، فقال: ما منا أحد ينكره، وإنما يحكى ذلك عن ضرار. ولعل القاضي تعمد إهماله في الطبقات. انظر شرح العيون 1/ ورقة 117 و 134. وانظر الفهرست لابن النديم ص 51 طبع التجارية بمصر. وانظر حول ضرار كتاب «أرمغان علمي طبع لاهور سنة 1955، وهو مجموع مقالات أهديت لمحمد شفيع نشر فيها فصلة نتعلق بالمعتزلة كانت قد سقطت من كتاب ابن النديم في طبعته الأوربية: انظر منه ص 54، وانظر أيضا شرح العيون 1/ ورقة 102.

ص: 149

القضاة درس عليه ببغداد، وعده الحاكم من رجال الطبقة الثانية عشرة من المعتزلة، وكان إماميا يميل إلى الإرجاء «1» ، ونقل الذهبي أن ابن حزم جعل الشريف المرتضى ثاني اثنين من الإمامية ليس على إيمانهما مطعن، لذهابهما إلى أن القرآن لم يدخله زيادة أو نقصان أو تحريف، وقال إنهما وافقا في ذلك عامة المسلمين في حين حكم على باقي الإمامية بالكفر لهذه البدعة «2» وللشريف في التفسير غير أماليه القيمة: تفسير سورة الحمد وقطعة من البقرة، ويبدو أنه شرع في تفسير القرآن ولكنه لم يكمله.

وبعد، فهذا عرض لمصنفات المعتزلة في التفسير قبل الحاكم، أتينا فيه على أهم هذه المصنفات وأبعدها ذكرا عند المؤرخين وكتاب التراجم «3» ، وسوف نجد أثر هذا العرض- الذي حددنا فيه ما وصل إلينا من هذه التفاسير- عند الكلام على مصادر الحاكم في الفصل التالي.

والكلمة التي نختم بها هذا الفصل هي أن للمعتزلة في علوم القرآن بعامة كتبا أخرى كثيرة لم يكن من شأننا الوقوف عندها، مثل كتب النظم والإعجاز، وكتب معاني القرآن، وكتب المجاز والمشكل والغريب ونحو ذلك.

(1) انظر شرح العيون 1/ 135.

(2)

انظر سير أعلام النبلاء، مصورة دار الكتب رقم 12195 ح الجزء الحادي عشر/ المجلد الثاني.

(3)

هنالك بعض التفاسير الأخرى الهامة، وقفنا عليها بعد، ونرجو أن نعود للكلام عليها، مع هذه التفاسير- التي اختصرنا منها بعض التفاصيل وأكثر النماذج- في الجانب التاريخي من منهج المعتزلة في التفسير الذي ضمناه ثلاثة جوانب: التاريخي والموضوعي المنهجي والنقدي. بعد مراجعات كثيرة.

ص: 150